العيون الهاربة

انتصار العقيل

عيناها تلاحقان عينيه . . . أين ستستقر نظراتهما ؟

عيناها تتابعان عينيه  . . . أين تبحر نظرات عينيه ؟

لقد عجزت أن تصطاد نظرة واحدة من عينيه ، تحتضن وجهها. . .

عيناه (( لائجتان )) . . . هاربتان . . . خائفتان

عيناه (( لائجتان )) سكبت الحيرة في أبعادهما. . .ونطق الأسف و الندم في عمقهما

نظراتها تطارد وجهه . . . تطارد عينيه . . . و هو يركض بعيداً عن

وجه حبيبة العمر . . . يَفر من قوة نظرات عينيها . . . القادرة أن تقرأ

و تفضح كل ما تخفي عيناه !

وجهه تحول إلى عيون (( لائجة )) . . . وجهها تحول إلى عيون

(( مطاردة )).

 

سألته و هي تهزه لتوقف نظراته اللاجئة :

- ماذا بك ؟ . . انظر في عيني . . . نظراتك تائهة . . . شاردة ،

وعيناي ظمئتان للارتواء من عمق أنهار حنان عينيك . . .

لم يجبها . . . أوجعه حبها . . . إخلاصها . . . ثقتها بما بينهما .

بقيت عيناه (( لائجتين )) . . . إذا استقرت نظراته في نظراتها . . .

ماذا تراها ستقول لها . . . لامرأة الدفء و الحنان . . . امرأة المواقف

و المبادئ و الحب و الإخلاص ؟ ماذا ستقول لمعاناتها و قلقها و ظنونها ؟

نظراته تخاف أن تمتزج بملامح وجهها الشاحب . . . فتحترق

بتأنيب الضمير على السماح لأنثى عابرة أن تسرق الفرح و الأمان

من الحب الحقيقي الوحيد في حياته . . .!

إن سقوطه في اللذة المؤقتة مع امرأة عابثة يؤلمه . . . يؤرقه . . .

امرأة ما أتت له حباً فيه . . . و لا إعجاباً بشخصه . . . إنما لأغراض

و أهداف . . . امرأة استعملته كما استعملتها . . . امرأة ألقت به كما

ألقى بها في سلة المهملات .

 

وجبة سريعة . . . لكنها وجبة فاسدة . .  . أفسدت حياته . . .

هذا السقوط دفعه لمعاقبة نفسه بهذا الشرود . . . عيناه ستظلاّن

(( لائجتين )) خجلاً من الانسكاب على وجه من أحبته لشخصه دون أن يكون لها هدف ولا مأرب .

 

هذه المرأة هي العشق المتجذر في عمره . . . كيف سمح لنفسه

أن يجعلها مادة للحديث بينه وبين تلك المرأة العابثة ؟

كيف جعل امرأة مشاعة تختال فرحاً لأنها اختطفته و لو مؤقتاً من

المرأة التي أعطته ثقتها و حبها الصادق ؟

من أحبته بصدق استودعت نفسها عنده . . . أمنّته على اسمها

وفكرها . . . أعطته وحده حق الامتياز في امتلاك قلبها .

كيف خان الأمانة . . . و جعلها أمام كل من عرفهما معاً موضع

شفقة على ثقتها العمياء فيه . .؟ كيف هانت عليه و هي التي حافظت

عليه كنور عينيها . . . كنبض قلبها ؟

يا لجبروته . . . كيف تباهى أمام أصدقائه بتلك النزوة . . . و هم

يعلمون عمق ما يربط بينه و بين امرأة الصدق و الوفاء ؟

جميع من عرفها معه . . احترمها . . حسده عليها على إخلاصها

وتفانيها في هواه . . . فهل كان هذا جزاءها منه. . ؟ لقد فقد صدقيته أمام الجميع . . !

هو لم يطعنها في ظهرها بل في صدرها . . .

ماذا سيحدث لها أو أخبرها أحدهم ما كان من أمره و أمر تلك

المرأة اللاهية ؟

هل ستغفر له حين تعلم أنها كانت آخر من يعلم . .  و أنها كانت

طوال هذا الوقت موضع شفقة الجميع ؟

لو هي فعلت به ما فعل بها . . هل كان سيغفر لها ؟

لماذا لم يقس الأمور على نفسه . . ؟

لقد خانها بإخلاص . . كذب عليها بصدق . . !

الخيانة وجعها أنها تخلط الذكريات . . . فلا تعرف متى كنت

بحق مقدراً معززاً لها. . . و متى كنت مستغفلاً لها . . . ! ؟

الخيانة تحرق كل الأوراق . . . و تهدم كل الأحلام .

إنها اللاصدقية في كل شيْ . . . من ملامح وجهها الشاحب

الحزين ، كان يشعر بقلقها و معاناتها . . .  رغم هذا لم يرحمها . . .

استمر في نزوته . . . و الآن ماذا سيقول لها . . ؟

دارت هذه الأفكار اليائسة في رأسه . . . لم يلاحظ و هو شارد

الذهن أنها استطاعت أن تلقي القبض على نظراته (( اللائجة )).

أن نظرات عابثة خائنة . . .

المرأة العاشقة قادرة أن تقرأ ما وراء النظرات (( اللائجة )) . تأكدت

أنه سرق . . .  خدع بامرأة أخرى . . . امرأة من أجل متعة و نزوة

مؤقتة ، أخبرها بكل ما كان يخبرها . . كرر لها حكايته . . .

و هداياه . . . قبّل الأرض بين يديها . وكان لها الخادم

المطيع . . . !!.

الفرق بينها و بين الأخرى . . . أنها هي أحبته و الأخرى

استعملته . . . لم تغضب . . . و ِلمَ الغضب ؟ لقد أحبته

بضميرها . . .       

مَن أمامها ليس حبيبها . . . حبيبها آخر ! لكن ليس هذا الذي

أمامها !

انسحبت بهدوء . . . لم تعد تصلح له . . . و لم يعد يصلح

لها . . . محال أن تستمر علاقة حب على أرض التوجس و الشك

و القلق و الحيرة . . . الشك يقتل الحب .

(( إن التصاق الزجاج المكسر ضرب من المستحيل )).

تركته يمارس حريته بلا قيد . . . بلا رقيب . . . بلا حبيب .

مرت الأيام . . . تعب من حريته . . . افتقدها . . . افتقد حبيبته .

افتقد إخلاصها . . . التزامها بحبه في زمن اللهو و المجون . . .

سعى إليها . . . التقيا. . .

راحت عيناه تلاحقان عينيها . .  . لكن عينيه عجزتا أن تصطادا

نظرة واحدة من عينيها . . . عيناها (( لائجتان ))

نظراتها (( لائجة )) . . . نظراتها هاربة من نظرات عينيه !

إنها نظرات حزينة رافضة !!

 

شهد الكلام

يقول الناس إنك خنت عهدي

و لم تحفظ هواي و لم تصنّي

 

رشة عطر

العيون اللاجئة : إما عيون عابثة …

أو عيون نادمة آسفة … أو عيون حزينة رافضة !!