حاوية نفايات ومأوى قطط ومصدر رزق للنابشين

الصندوق البنفسجي

رانية سليمان سلامة

تفاءلت عندما شاهدت "الصناديق البنفسجية" المغطاة تملأ شوارعنا بدلاً من "الصناديق البرتقالية" المكشوفة التي يفترض تقاعدها وإحالتها للمعاش بعد تأديتها لـ"ثلاثة أدوار في واحد" حيث كانت طوال السنوات الماضية تستخدم كحاوية نفايات ومأوى قطط ومصدر رزق للنابشين وللنابشات. وتشاءمت في اليوم التالي عندما رأيت جميع أغطية الصناديق البنفسجية مكشوفة والنفايات حولها والقطط داخلها ومنظمة النبش فرحة بالعجلات التي تم تزويد الصناديق بها ليتمكنوا من سحبها إلى الظل ونبشها بمزاج عال يحسدون عليه "وكأنك يا أبوزيد ما غزيت". تشاءمت لأنني أدركت كالمعتاد أن كل خطوة إيجابية من الأمانة وشركات النظافة وكافة قطاعات الدولة تتعطل الاستفادة في الكثير من الأحيان منها بسبب قلة الوعي الاجتماعي وطغيان السلوكيات الخاطئة وتفشي ظواهر خطيرة صحياً وحضارياً كالقطط السائبة هنا والعمالة المتخلفة علماً بأن تعداد الاثنين معاً قد يتجاوز تعداد سكان جدة الذين لن تثبت براءتهم من المشاهد المحيطة بصناديق النفايات إلا بعد تخليص مدينتهم من قططها ومتخلفيها.


لا أدري إن كان بوسع جدة أن تنتظر، ولكن أتمنى على الأقل أن يتم تغليظ العقوبات على من يتم ضبطه متلبساً بحمل "كيس زبالته" من منزله إلى ما قبل صندوق النفايات بنصف متر ليرميه على قارعة الطريق، وعلى من يبدو أنه يقرر في اللحظة الأخيرة أن الرصيف خير لنفاياته من الصندوق، علماً بأن أي نوع من العقوبات سيكون حبراً على ورق ما لم يتضاعف عدد المراقبين، بل ربما سنحتاج إلى مراقب لكل صندوق يسجل الغرامات على أصحاب النفايات وكذلك على "عمال النظافة" الذين كانوا حتى وقت قريب من فئة العمال التي يعتقد المواطن أنها مستحقة للشفقة والصدقة نظراً لتدني مرتباتها وقيامها بمهمة شاقة ولكن نبهتني إحدى الزميلات مؤخراً أن تلك الشفقة والصدقة أفرزت ظاهرة جديدة هي تقاعسهم عن العمل حيث تجد أحدهم يقف على الرصيف متفرجاً حتى تغلق إشارة المرور فيحرك مكنسته ذات اليمين واليسار مذكراً المواطنين بدوره ومستقطباً الصدقات، كما تفيد بعض الشائعات أن بين العمال أنفسهم أصبحت هناك منافسة وصراعات لاختيار المواقع الإستراتيجية التي تسجل أعلى نسبة مساعدات من الأهالي والسائقين والمتسوقين حتى لم تعد الوظيفة الأساسية ومرتبها هي الأساس لعامل يعتمد في رزقه على تعاطف المواطنين وإحسان ظنهم.


في الواقع أنا لا أدعو إلى تقنين العطاء والصدقات ولكن لابد أن ندرك أن وضعها في غير موضعها يساعد على رواج ظواهر سلبية كالتسول، أو خلق ظواهر جديدة كتخلف عمال النظافة عن عملهم ليتحولوا إلى متسولين.


بالعودة إلى التجربة البنفسجية علينا إما أن نعلق خرزة زرقاء على صندوق النفايات (لتخزي العين) عن وعي المواطنين وإصرارهم على تركها مكشوفة حتى تدخلها القطط وتنتشر الروائح الكريهة والتلوث والأمراض، أو أن تكون الخطوة القادمة صناديق صفراء فاقع لونها ليراها ضعيف النظر، كبيرا حجمها لتتسع لنفاياتنا، مثبتة في الأرض حتى لا تقودها عجلاتها إلى منتصف الطريق، وغطاءها لا يمكن فتحه بل يكفي أن ينزلق إلى الداخل ليبتلع أكياس الزبالة. هذه الطريقة ستسد فوهة الصندوق في وجه القطط وستضع النابشين أمام حل وحيد هو القفز داخل الصندوق لمواجهة الاختناق بدلاً من أن تختنق كل المدينة تلوثاً. وريثما يصبح المواطن رقيبا على نفسه، يستشعر مسؤوليته حيال نظافة مدينته نحتاج إلى المزيد من الرقابة والغرامات، وربما إلى "صندوق أسود" كصندوق الطائرات نضعه بداخل صناديق النفايات لنكتشف سر عدم جدوى أي وسيلة في الحد من مشاكل جدة مع نفاياتها.

رانية سلامة
المصدر: صحيفة عكاظ
[email protected]