البحث عن ارضية مشتركة للحوار والتعايش

حتى لاتضيق أحضان الوطن

رانية سليمان سلامة

عادوا إلى أحضان الوطن كما تعود الطيور المهاجرة بالفطرة إلى أوطانها وشتان بين مشهد الهجرة ومشهد العودة, فمشهد الهجرة امتلأ بالضباب الذي تغشاه غيوم كثيفة حالكة السواد وأفكار مضللة ولدت من احشاء التطرف لتحجب الرؤية وتلعب على اوتار الضعف والجهل فتزرع الكراهية والحقد والفرقة وتجعل العنف حلا والتعايش حلماً بعيد المنال... غاب العقل فيها مع استسلام الوعي الغائب للأيدي الآثمة إلى أن حلت لحظة الاستجابة للنداء وبدأ كل ضال يلتمس طريق الأمل , فجاء مشهد العودة مغلفا بالحب ومزينا بالتسامح تباركه اذرع الوطن المفتوحة لاحتضان ابنائه... هكذا يكون الوطن أما وقلبا يفوق في رحابته كل القلوب ليحتوي بحكمة عقوق ابنائه ويحولهم في ظله من فئة ضلت الطريق الى عين ترى الحق ونفس تعترف بالذنب وروح تغتنم الفرصة وتلتمس الأمل.

وحتى لا تضيق هذه الاحضان بأيدينا وتتعثر نبضات هذا القلب الكبير, فعلينا كأفراد ان نعتبر من هذه الخطوة وعلى البعض ان يعيدوا حساباتهم ويدققوا بقراءة صيغة العفو والتسامح التي تؤكد أنها صادرة عن الشعب السعودي كله لتكون فرصة للجميع للعودة عن الخطأ.

والخطأ يتفاوت وتشارك بارتكابه فئات مختلفة, فكم نرى ونقرأ ونسمع بين الحين والآخر أصواتا لا تطرب لها سوى الآذان الشامتة.. تلك هي الأصوات التي تريد منا ان نغرق في أوحال الخلاف والفرقة والفتن.. وهي ذاتها الأصوات التي لا تؤمن بحقيقة أن الوطن بيت لتكتمل أركانه ويصمد بناؤه لابد أن يحتوي جميع ابنائه ويشكل منهم نسيجا متكاملا يستمد قوته من تماسكهم ووعيهم بأولوياتهم التي يأتي في مقدمتها سلامة وأمن هذا البيت الكبير ليهنأوا بكرامتهم فيه بدلا من أن يحلوا ضيوفا ثقلاء على بيوت ما استضافتهم الا لغرض وسرعان ماتلفظهم بعد تحقق غايتها.

هي ذاتها الاصوات التي تشكك وتتهم بعضها البعض وتصر على اطلاق تصنيفات واحكام مسبقة على من يشاركونها سقف الوطن الواحد معتقدة في نظرة قاصرة أنه لو خسر طرف سيكسب الآخر ومتناسية أن مايجمعهم يفوق مايفرقهم ويختلفون عليه وأن البناء اذا انهار احد اعمدته وسقط يتصدع ويصبح عرضة لأن تهدمه الرياح المترصدة.

وهو ذاته العناد الذي يرفض نقاط الالتقاء والتعايش والاقرار بأن البشر قد يختلفون في آرائهم لكن ليس بالضرورة ان يتحول هذا الاختلاف الى معركة وجود لسان حالها يقول (اكون أنا فقط عندما لا تكون) فتضع على رأس قائمة اولوياتها الاستئثار بالرأى واقصاء الآخر لتمضي في طريقها قدما فوق اشلائه, والمنتصر على هذه القاعدة خاسر لا محالة لانه يسلب حقا لأخيه ما كان هو بالأساس مانحه إياه. لقد كرم الله الانسان بأبواب التوبة المفتوحة على مصراعيها أناء الليل واطراف النهار ليراجع نفسه ويتراجع مواجها مصيره ومكفرا عن خطاياه, أو يصر على الخطأ فيهلك.

ولقد كرم ولاة الأمر في وطننا كل من ولد وعاش على هذه الارض وكفلوا له الحق الانساني في الحياة بكرامة معززين ذلك بالقول والعمل... بينما يجنح بعد ذلك البعض للتشكيك باخوته مستنكرين عليهم ذلك الحق ومساهمين بجعلهم عرضة للوقوع بين ايدي المتربصين بهذا الوطن من متطرفين او مغربين.

وكما يستحق المخطئ أن ينال عقوبته في محاكمة عادلة حفاظا لحق الغير, يستحق العقوبة ايضا كل من يساهم باحداث الفرقة والفجوات بين افراد المجتمع أو خلق نعرات أو اشاعة التعصب لفكر أو مذهب أو اعتقاد في وقت نحن بامس الحاجة فيه لنبذ كل مايضعف تماسكنا والبحث عن ارضية مشتركة للحوار والتعايش والتلاحم لمواصلة مسيرة البناء وسد الثغرات التي يتسلل منها إلينا المغرضون.

 

*رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ