هل المشكلة منهج؟ أم معلم؟ أم ثقافة مجتمع ورؤيته للتعليم؟

المنهج ملزمة والاختبار في ورقة

رانية سليمان سلامة

قدر الله وماشاء فعل أن أتغيب أثناء دراستي الجامعية عن آخر محاضرة لمادة الأدب الأمريكي قبل الاختبارات النهائية، ولا أدري إن كان منهج تلك المادة قد تغير اليوم أم لا؟!، لكن ما أذكره هو أنه كان من أبشع المناهج الدراسية ـ بالنسبة لي على الأقل ـ فأحد مجلداته فقط كان يبلغ حوالى 3000 صفحة، وأذكر أيضاً أنني (عداني العيب) استذكرت منهجي ودخلت إلى قاعة الامتحان لأستلم ورقة بها ما لا يقل عن خمسة أسئلة ليست لها علاقة بالمنهج الذي درسته!! فاستدعيت المعلمة التي احتضنتني بنظرة غرام وانتقام وسألتني: هل حضرت المحاضرة الأخيرة؟
أجبتها: لا؟
قالت: إذن لن تتمكني من الإجابة، لأنني قمت بتسليم الطالبات خلالها ورقة مهمة جداً تحتوي على إجابات هذه الأسئلة، بإمكانك أن تجيبي على بقية الأسئلة إذا أردت، غير أنها ـ تبعاً لتوزيع العلامات ـ لن تحقق لك النجاح.


أقسمت عندها ألا أرهق أستاذتي بتصحيح ورقتي وآثرت تسليمها إياها فارغة، ولحسن الحظ كان النظام المعمول به آنذاك هو اختبار تكميلي للراسبين، فلم يتطلب الأمر أن احضر محاضرات أستاذتي العزيزة مرة أخرى ولم أواجهها بعدها سوى مرتين، الأولى لأسألها إن كان علي أن أذاكر المنهج أم الورقة؟، والثانية في مكتبها لأقدم الاختبار في مادة تسببت باضطراب علاقاتي الشخصية ـ الأمريكية مدى الحياة بسبب أدبها.


لم تكن تلك القصة صفحة من مذكراتي لكني استدعيتها وأنا استمع لشكوى إحدى الصديقات التي تلقت تعليمها في الخارج حتى حصلت على درجة الدكتوراه على نفقتها وعادت لتعمل في كلية أهلية وطلبت أن تحضر بعض المحاضرات لأستاذات مخضرمات قبل أن تمارس عملها، فتفاجأت بأن المحاضرات عبارة عن أن تمسك كل من الطالبة والأستاذة بالكتاب (للتخطيط) تماماً، كما كنا نفعل أثناء دراستنا قبل افتتاح الكليات الأهلية بسنوات، والتخطيط هنا لا يقصد به بالتأكيد تخطيط استراتيجي، لكنه وضع خطوط تحت بعض الجمل من بعض الصفحات حتى تستذكرها الطالبة فيما بعد دون الحاجة لقراءة ترهق كاهلها أو شرح ونقاش يرهق المعلمة. عندما أبدت صديقتي تعجبها من هذا الأسلوب وأوضحت أنها اعتادت في الخارج أن تقرأ جميع الكتب المتعلقة بالمنهج بالإضافة إلى ما تقوم به من مجهود شخصي في البحث والتنقيب بداخل كتب أخرى لتثري معلوماتها وتحقق نجاحا مستحقا، تفاجأت بأن هذا الأمر غير مقبول هنا كونه يحمل الطالبة فوق طاقتها، و(زيادة على الشعر بيت) أبلغوها بأنهم أيضاً يقدمون ملزمة مختصرة (فاست فود منهج) في نهاية كل فصل للطالبة التي لا أدري إن كانت تدفع رسوما للدراسة أم لشهادة (على الجاهز)؟! ولكن المؤكد أن هذه الملزمة تشبه ملازم وورقة لعينة أذكرها جيداً.


هل المشكلة منهج؟ أم معلم؟ أم ثقافة مجتمع ورؤيته للتعليم؟ الشق الأخير من السؤال إجابته كانت لدى معلم تخرّج حديثاً من جامعته المحلية وبحماس شديد استقبل خبر تعيينه في مدرسة بإحدى ضواحينا متأملاً أن يكون نموذجاً مشرفاً للمعلم الذي يتفانى بتطبيق أساليب حديثة في التعليم بعيداً عن الحشو والتلقين والتلخيص، فواجه ضغوطات بعض الأهالي على المدرسة وشكواهم من أن هذا المعلم قد جاء بما لم يأتِ به السابقون في إدارة الحصة المدرسية، حيث يشرك الطلاب في الدرس ليتحولوا (أبعد الله الشر عنا وعنكم) من مستمعين إلى مشاركين، بالإضافة إلى أن واجباته تفرض عليهم إعمال عقولهم بالتفكير لحلها بدلاً من أن تكون إجاباتها عبارة عن قص ولزق من الكتاب المدرسي، ومع تلك الشكاوى لم يجد المعلم مفراً من التدريس التقليدي حتى لا يقض مضاجع الأهالي، لكنه لم يستسلم فقرر أن يجتهد في تفعيل الأنشطة الطلابية اللامنهجية التي تطور من مهارات الطالب وترتقي بوعيه وتصقل شخصيته غير أنه لم يجد سوى جهاز كمبيوتر واحد في المدرسة اشتراه المدير من حُر ماله، فتركه جانباً كونه لا يحقق غرض الاستفادة الجماعية واتجه إلى الفعاليات الدورية متسائلاً على برامجها ليدرك أنها تتضمن إعداد وسائل تعليمية وندوات للطلاب والأهالي وطباعة منشورات وهذا أمر جيد، غير أن المدرسة لا تكفي ميزانياتها للقيام بذلك وعلى الإدارة والمعلمين أن يتكفلوا بالجزء الأكبر من التكاليف.

المبشر هو أن مساهمة المعلم في الأنشطة الطلابية تحسب له ضمن أدائه الوظيفي، والمؤسف هو أن المعلم يفترض أن يبذل الجهد فقط، لأنه قد لا يملك القدرة المالية على تحمل تكاليف تصميم المطبوعات وطباعتها.

 


سأسلم بأنه لا يمكن تزويد جميع المدارس بميزانيات كافية للأنشطة اللامنهجية والفعاليات الوطنية، غير أنني أنقل مطلبا أخيرا من المعلم ألا وهو السماح للمدارس بطباعة منشوراتها ومطوياتها في مطابع وزارة التربية والتعليم بالمجان، وأنا شخصياً متفائلة بإمكانية تحقيق ذلك غير أن المعلم الجديد وأد تفاؤلي عندما أخبرني أن المدرسة تعاني أساساً من عجز في عدد الكتب المدرسية مما يعني أن مطابع الوزارة تعاني من عطل فني (سنوي) طارئ.

 

 رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية

[email protected]

المصدر: صحيفة عكاظ