المبتعث وإعداده وملتقاه

رانية سليمان سلامة

البعث لغة: الإرسال والنشر، وشرعا: إحياء الأموات يوم القيامة. أما الابتعاث فهو الطريق الوحيد المعبد للاستثمار السريع في الموارد البشرية ريثما تحقق خطط تطوير برامج التعليم العالي المحلي وأدواته أهدافها.


آلية الابتعاث تشبه تعريف البعث لغة إذ إنها تعتمد على إرسال أبنائنا للخارج طلباً للعلم، وأهدافه المنشودة تشبه تعريف البعث شرعاً - مع فارق الزمان والمكان- إذ إن الآمال معقودة عليه لإحياء وإنعاش الحركة العلمية ودعم خطط التنمية والنهضة الوطنية، وبين الآلية والهدف وجني الثمار خطوات عديدة وتفاصيل كثيرة لابد من مراعاتها حتى لانجني ثماراً غير قابلة للحصد.


الأسبوع الماضي انعقد ملتقى المبتعثين بجدة وقد نبهني الزميل سلطان المنصوري إليه كحدث هام يتأهب من خلاله آلاف الطلاب والطالبات لخوض تجربة جديدة وتحمل مسؤولية كبيرة في تمثيل الوطن في الخارج وخدمته لاحقاً في الداخل، ويعتبر الملتقى خطوة على الطريق الصحيح لتلافي المشاكل والعقبات والأخطاء التي قد تؤثر على برنامج الابتعاث ومخرجاته. هذا مانتأمله ويدركه بعض القائمين على الملتقى وحضوره غير أن البعض الآخر لم يدرك ذلك فبرزت أخطاء مشتركة من الطرفين قد تؤثر سلباً على برنامج الابتعاث مالم يتم احتواؤها بعقد ملتقى آخر أو إيجاد آلية تأهيل أخرى.


من جانب المبتعثين تجلت أول المؤشرات السلبية في الأسئلة التي تم طرحها والتي تعكس تواكل المبتعث عن من يقدم له (ألف - باء) معلومات عن الابتعاث وقوانينه وبلد الابتعاث ونظام الجامعات وتخصصاتها الدقيقة وأسلوب الحياة حتى إن أحد الطلاب علق في منتدى المبتعثين على تلك الاسئلة بأنها لم يكن ينقصها سوى أن يسأل المبتعث (لو رزقت بمولود فماهو الاسم الذي أطلقه عليه؟)، بالإضافة إلى الجوالات التي لم يتوقف رنينها والحوارات الجانبية التي لا تحترم المتحدث أو تراعي عدم إزعاج غيرها. من الواضح أن فئة كبيرة من المبتعثين حضرت لتضمن بعثتها دون جدية بالاستفادة من الملتقى أو عزيمة لبذل الجهد واستشعار لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها والأموال التي ينفقها الوطن عليها لتحمل لقب سفير في الخارج وتكون لبنة بناء نهضة في الداخل.


لم يكن كل المبتعثين على ذلك الحال، فهناك من أراد حقاً أن يكون الملتقى حلقة وصل بينه وبين المعلومات المفقودة غير أن ثغرات برنامج الملتقى حالت دون اكتمال تلك الحلقة مجدداً بسبب ممارسات بعض الحضور مضافاً إليها برنامج الملتقى الذي أغفل الحديث عن بعض دول الابتعاث أو أسلوب بعض المتحدثين الذين يبدو أنهم قد جاؤوا إلى الملتقى على مضض.


ملاحظات عديدة أقتبسها من منتدى المبتعثين على الانترنت، منها أن العديد من الأسئلة الهامة لم يتم الإجابة عليها لعدم معرفة المتحدث بالإجابة، ومنها أن العديد من الإجابات كانت متناقضة تماماً مما يوقع المبتعث في حيرة، بالإضافة إلى مشاكل تجهيزات القاعة التي حرمت المبتعثات من المشاركة ومن الاستماع بوضوح لبعض المحاضرات، وعدم وجود ممثلين لسفارات جميع دول الابتعاث أو ملحقياتها الثقافية، وأخيراً اقتصار الجانب الديني على كيفية الدعوة للإسلام وعقد المناظرات بين الديانات. ما أستطيع أن أصل إليه من تحليل بناءً على كل ذلك هو أمر من اثنين، إما أن سلوك الحضور قد أثر على المتحدثين سلباً فأحبط بعضهم وجعلهم يشاركون بتحفظ وعلى مضض، أو أن أسلوب المتحدثين قد انعكس على القاعة فأفرز إحساس المبتعث بعدم جدوى الإصغاء والجدية بالبحث عن استفادة.


وفي الحالتين لابد أن نتذكر أن الدولة تنفق أموالاً طائلة على برنامج الابتعاث، كما أن المملكة كانت دوماً ومازالت من أكثر دول العالم إنفاقا على التعليم وصروحه وعلى تحفيز الطالب لاستكمال مشواره التعليمي محلياً بنظام المكافآت وخارجياً بنظام البعثات، غير أن القائمة التي نتطلع أن نجد المملكة على رأسها قريباً هي قائمة أكثر الدول استفادة من التعليم وتوظيفاً لمخرجاته. لو اعتبرنا أن الابتعاث من أدوات الوصول إلى رأس تلك القائمة فنحن بأمس الحاجة إلى إعداد المبتعث بشكل أفضل قبل ابتعاثه ببرنامج مكثف ومتكامل يغطي المتطلبات ويغلق الثغرات السابقة ويدرك طرفه الأول مسؤولية (التكليف) بتأهيل المبتعث ويدرك طرفه الثاني حجم (التشريف) بالحصول على البعثة وتمثيل الوطن وخدمته بالإضافة لخدمة طموحه الشخصي الذي يفترض أن يكون قد تشكل بالفعل.


سأتوقف عند ملاحظتين الأولى هي مشاكل أجهزة الصوت التي عانت منها الطالبات ونبهتني إلى فصل قاعة الذكور عن الإناث بينما كان الملتقى فرصة ليخوض المبتعثون تجربة الابتعاث بإشراف القائمين عليه تفادياً وتصحيحاً للمشاكل والأخطاء التي قد يرتكبونها في الخارج.


الملاحظة الثانية تتعلق بالتوجيه الديني الذي أحسن بتأهيل المبتعث للرد على الشبهات والدعوة لدينه، غير أنه أغفل تصحيح بعض المفاهيم الخطيرة والفتاوى التي حولت بعض المبتعثين في السنوات الأخيرة إلى طلاب زواج تحت مسمى (المسيار) و(الفرند) و(الزواج بنية الطلاق) بعد انتهاء البعثة حيث كان يفترض تنبيه المبتعث إلى أن زواجه في الخارج بحاجة إلى توثيق وترخيص من وزارة الداخلية حتى لايكون خارجاً عن القانون المحلي ومغرراً بنساء دولة الابتعاث بغرض تحصين نفسه من المغريات. آمال كبيرة معقودة على برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث للخارج وهي آمال تدعمها ميزانيات ضخمة ودراسات وخطط إستراتيجية وأهداف وطنية نتمنى أن لانهدر جزءاً منها بضعف الإعداد.

رانية سلامة
المصدر: صحيفة عكاظ