عام الفضائح!

زينب حفني

مع ضجيج التسوّق الذي يُصاحب سنويّاً أعياد ميلاد السنة الجديدة، لم يزل الدوي الهائل الذي أحدثه موقع "ويكيليكس" بنشر الوثائق السياسيّة السريّة، يطغى على اهتمامات شعوب الأرض. ورغم انشغال الناس في كافة أرجاء العالم بتزيين شجرة أعياد الميلاد داخل بيوتهم، فإنهم ما زالوا منهمكين في قراءة الوثائق التي يقذفها يوميّاً موقع "ويكيليكس" على شبكة الإنترنت.
كانت هيئة تحرير صحيفة "لوموند" الفرنسيّة الذائعة الصيت، قد قررت اعتبار "جوليان أسانج" شخصية هذا العام، بعد أن قام موقعه "ويكيليكس" بتسريب مئات من الوثائق السريّة المتعلقة بسياسات دول العالم. وسواء اعترض البعض على ما قام به "جوليان أسانج" وإلقاء اللوم عليه نتيجة تعرّض حكومات معينة للإحراج أمام شعوبها، إلا أن الأغلبية بطبعها تهوى الفضائح وتستمتع بنبش محتواها خاصة إذا كانت متعلقة بمسؤوليها، كأنها تُريد بهذا الفعل التشفّي بهم نتيجة تصرفاتهم الطائشة في بعض الأحيان تجاهها، أو رغبة دفينة في دواخلها لتعرية أخطاء سياسييها حتّى تُثبت للعالم أجمع مقدار غيّهم في تضليلها بحقائق مزوّرة والكذب عليها طوال الوقت!
هل سينسى العالم الصحفي الأسترالي الجريء "جوليان أسانج" صاحب موقع "ويكيليكس" بعد أن تفرغ حقيبته من وثائقه السريّة؟! هل سيتم اغتياله أو تلفيق مجموعة من التهم له للزج به في سجن بارد ليقضي فيه بقية حياته وحيداً؟! هل سيتنكّر الناس للجندي الأميركي "برادلي مانينج"، الذي كان وراء تسريب آلاف من الوثائق السريّة وتسليمها لأسانج؟!
الجندي الأميركي البالغ من العمر واحداً وعشرين عاماً والمعرّض للحكم بالسجن ثمانين عاماً، يُدافع عن فعلته بأن موقفه نبيل، وأن واجبه الأخلاقي حتّم عليه إطلاع الشعب الأميركي على ما أقترفه الجيش الأميركي من جرائم بالعراق، وتورطه في مقتل أكثر من خمسة عشر ألف عراقي، وشعوره بالغضب بعد اكتشافه سعي السلطات الأميركيّة إلى التستّر على هذه الجرائم المنافية للإنسانيّة.
هذا العام يجب أن نُطلق عليه عام انتصار الحريات. فليس هناك أجمل من أن تُرفع راية حرية التعبير في كافة بقاع الأرض بعد أن قررت المشي وسط الزحام لتتلقّى الحراب بصدرها غير آبهة بسهام اللوم والتقريع، التي ترشقها من كل صوب لتصيبها في مقتل.
هذا العام الذي يقترب من نهايته، أعطانا درساً جميلًا بأن الضمائر الإنسانيّة لم تزل حيّة ترزق رغم طغيان المصالح الذاتيّة وانتشار آفات الفساد المالي والإداري والسياسي في بلداننا! أراد أن يقول لنا وهو يلّوح بيده مودعاً، أن لا نيأس وأن لا ندع القنوط يتمكّن منّا، وأن الدنيا لم تزل بخير، وأن التضحية من أجل المثل العليا باقية على الأرض إلى أن تقوم الساعة.
صحيح الناس ذاكرتها ضعيفة، سرعان ما تنسى أسماء المناضلين والشرفاء، لكن المؤكد بأن "جوليان أسانج"، وإن اختفى بقدرة قادر ما بين يوم وليلة دون أن يُخلّف أثراً وراءه، قد دخل التاريخ وسيأتي ذات يوم من هو أكثر جسارة منه، وستظلُّ الأيام تتحفنا وتفاجئنا بما يُثير الدهشة في أعماقنا، ويمنحنا الأمل في غد مشرق للبشرية جمعاء.
خطرت فجأة في بالي لماذا دوماً سيل الفضائح الإيجابية التي تقضُّ المضاجع لا يأتينا إلا من دول الغرب بدءاً من فضيحة "ووترجيت" ومروراً بالانتهاكات التي جرت داخل سجن "أبو غريب"، وانتهاء بما فجرّه موقع "ويكيليكس"؟! هل أضحينا نستحلي الاستكانة وصرنا نستلذُّ الخنوع؟! هل غدونا مثل تنابلة السلطان نترك للغرباء مهمة الذود عن حقوقنا؟! تساؤلات بريئة تبحث عن إجابات وافية!