يوم التحدي

يوم الطالبة

رانية سليمان سلامة

 

اقتنصت اعترافاً من السيدة التي طالما وقفت أمامها وآلاف الطالبات نرتعد خوفاً وخشية من أن تعنفنا على مخالفة أو مشاغبة ارتكبناها، كنا ندرك عندما نقف أمامها أنه لامفر من الاعتراف المباشر ومواجهة العقوبة الموازية لجنس العمل، وأخيراً سجلت اعترافها وهي تقول:

"كنت طالبة مشاغبة في المدرسة لذلك لم تكن تنطلي عليّ حيل الطالبات وكنت أكشفها سريعاً". تحت وقع المفاجأة سألتها:
"حقاً أبلا سيسيل؟".

أجابت: "حقاً لم أكن هادئة. ولكن مهلاً، لم تكن مشاغباتي تتجاوز محاولة كسر الروتين، كما لم تتجاوز العقوبات التي واجهتها في مراحل الدراسة المختلفة الحرمان من المشاركة في دوري رياضي". 

واستدركت: "أفهم طبيعة الطالبة في هذه المرحلة التي تتوق فيها للتخلص من القيود وتبحث عن مساحات من الحرية والانطلاق لذا كنا نتيح لها في دار الحنان أن تمارس الحرية شريطة أن تتحمل المسؤولية".

وقد طبقت السيدة سيسيل رشدي هذا المفهوم في (يوم الطالبة) أو (اليوم المفتوح). ذلك اليوم الذي تتسلم في الطالبات زمام أمور المدرسة بالكامل فيتبادلن الأدوار والمسؤوليات مع المعلمات والإداريات وحتى عاملات النظافة بينما تجلس كل أولئك الرائعات على مقاعد الطالبات يرصدن التجربة ويشاهدن أنفسهم في مرآة بناتهن المتقمصات لشخصياتهن والقائمات بمهامهن.

كانت حتماً التجربة التي لن تملك أي إدارة مدرسية تطبيقها إلا وهي تثق في أنها تملك مايكفي من الخبرة والقدرة لضبط النظام في كافة الظروف. فكان نظام المدرسة اليومي ينقلب رأساً على عقب ليتحول إلى فوضى (منظمة) تخفي في جعبتها حكمة وموعظة. 

وعن الدروس التربوية المستفادة من هذا اليوم، تقول السيدة سيسيل:

"اليوم المفتوح لم يكن يهدف فقط إلى التسلية وكسر الروتين بإتاحة المجال للطالبة لتمارس ماتشاء من الأدوار أو تتخلص من القيود فحسب، ولكنه يأتي في إطار تعليم الطالبة المسؤولية عندما تعيش أدوار مختلفة تمارس من خلالها مهام الشخصيات التي تقابلها كل يوم. وإن كان ظاهر هذا اليوم المرح فباطنه يخفي درس عملي يسهم في أن تشعر الطالبة بحجم الجهد الذي تبذله الإدارة والمعلمات وكافة العاملات في المدرسة، لتدرك بعده أنه لايصح من أجل لحظة مرح أن تتصرف بشكل غير مسؤول يخل بنظام عمل أحد هذه الأجهزة ".. وتضيف:" لست قاضياً ظالماً، فلم أشأ أن أحكم على الطالبات بعقوبات قبل أن أجعلهن يدركن عن تجربة فداحة الخطأ في الإخلال بنظام المدرسة أو التشويش على المعلمة أثناء شرح الدرس".

كانت الطالبة تترقب هذا اليوم بفارغ الصبر لتفرض سيطرتها على المدرسة ومن ثم تتفاجأ بأن أمامها مهمة صعبة، فعلى الطالبة التي قبلت التحدي أن تشرح دروس هذا اليوم لمعلمتها ولزميلاتها في الصف علماً بأن الدرس لن يعاد شرحه وستقدم فيه الطالبات اختبار لاحقاً. فكان على معلمة اليوم الواحد الصغيرة أن تجتهد قبل أن تتقلد هذا المنصب لتحسن الشرح وتضبط الصف.

وبشغف شديد كانت تقبل الطالبة على هذا اليوم، ولكن ماكان يشغلني دائماً هو سؤال:

"كيف كان الطاقم الإداري والتعليمي يتكيف مع هذه الصورة المقلوبة؟".

تجيب السيدة سيسيل رشدي على هذا السؤال قائلة:

"كنا نحرص على تهيئة المعلمات والإداريات وكافة العاملات بالمدرسة لاستقبال هذا اليوم وهن على درجة من الإدراك للأهداف التي ننشدها من خوض الطالبة لهذه التجربة. وفي البداية كن يخشين من أن يفقدن هيبتهن أمام الطالبات غير أن التجربة أثبتت عكس ذلك، ففي خلال 24 ساعة عندما تستعيد المدرسة في اليوم التالي نظامها كنا نجد الطالبات يتهافتن على المعلمات والإداريات اللواتي تقمصن شخصياتهن بالأمس ليقدمن لهن الشكر والعرفان على الدور الذي يقمن به بعد أن شعرن بحجم المسؤولية وبالتقدير حيال الثقة التي منحت لهن".

وكما كانت الأدوار متبادلة كانت الثقة متبادلة بين أفراد أسرة دار الحنان لإنجاح التجربة التي تستمر طوال الحصص الأربعة الأولى من يوم الطالبة.. فيما تخصص الفترة التي تليها من اليوم للمسابقات والفقرات الإيقاعية والمشاهد المسرحية التي تقام على مسرح دار الحنان، وقد كانت إدارة المدرسة تدعو الخريجات والأمهات في بعض الأحيان لحضور هذا اليوم .