تسخر من ألمها وتصادق غربتها لتصنع الإبداع

التشكيلية العراقية رؤيا رؤوف: تعلمت الرسم من أساطير أمي وأشعار أبي!

أحمد الجمال - القاهرة
صور وفيديو

مع الألوان والفرشاة، رحلة طويلة بدأتها الفنانة التشكيلية العراقية رؤيا رؤوف منذ الصغر، نهلت من معين الحكايات والأساطير القديمة وقصائد شعر والدها وأعمال إبداعية لعظماء من كبار الأدباء العرب أمثال الجوهري والرصافي والمتنبي.. لتخرج لوحاتها الشعرية أشبه بخطاب إبداعي كبير عن المرأة العربية عامة والعراقية على وجه الخصوص، تتحدث عن معاناتها، أحلامها، تطلعاتها المستقبلية، كل هذا نتعرف عليه في سياق الحوار التالي الذي أجرته معها "عربيات" وأجابت هي عن أسئلتنا باستفاضة ووضوح من مقر إقامتها الحالية في ألمانيا، فإلى تفاصيل اللون والحلم وأحاسيس المرأة والوطن الغائب الحاضر في لوحات رؤيا رؤوف، إلى تفاصيل الحوار.


حدثينا عن سنوات النشأة الأولى وكيف انعكست على إبداعكِ الفني؟
 بدأت علاقتي بالفن منذ كان عمري سبع سنوات عندما كنت في المرحلة الدراسية الابتدائية. كنت متميزة في رسم النساء الجميلات ذوات العيون الواسعة والتقاسيم الذكية. كنت أخطط بالقلم الرصاص حيث الظل والضوء يتوزع بالشكل التلقائي وكان دفتري الخاص بالرسم يمرر على كل الصفوف وقد شجعت من قبل والدتي التي كانت حينها مديرة مدرستي (الشرقية) المدرسة النموذجية في محافظة بابل (الحلة) في العراق. والدتي كانت تحكي لنا صوراً ومشاهداً كثيرة مجسدة عن شخصية والدي المحامي والشاعر ورئيس تحرير مجلة "الحكمة والغد" ومؤسس جريدة "الحلة" وصديق الشاعر الكبير المرحوم محمد الجواهري. كانت عيوني تتجول بين الكتب االموجودة في مكتبته السوداء وشكلها الكلاسيكي الغريب، ودفاتره التي سجل عليها أجندته بخط يده.. كتب الفلسفة التي كانت بحوزته لا تعد ولا تحصى ومجلاته المتسلسلة.. قصائده وقصائد الجواهري والرصافي والمتنبي وغيرها ألهمتني فضاءات واسعة من الخيال.. خلقت لدي رغبة في رسم الصور ورسم الكلمة.. حلقت بخيالي منذ تلك الفترة.. أتجول بين أرضي والسماء وصور تنتزعها عدستي المكبرة من الغيوم ومن الأشجار ومن الطبيعه الرائعة التي خلقها الله المبدع الكبير. كنت أرى ملامحاً بين الصخور ووجوهاً بلا ملامح في الفضاء صوراً في كل مكان وزمان.

كنت أتجول في "الزمكان" حيث الواقع والخيال يمنحني ثراءً.. واكتملت اللوحة.. وبعد التركيز عليها لا تصدق عيني بأن هذا الفن هو من إنتاجي! كما أنني لا أنسى دور والدتي المؤثر جداً بحكاياتها لنا عن سلوك الوالد وفلسفته بفي لحياة وكيف يترافع عن قضايا الحق فقط ويرفض المرافعة عن قضايا تبتعد عن المبادئ والأخلاق. ولا أنسى دور مربيتنا (رحمها الله) التي كانت تحكي لنا ما تبقى من حكايات الأساطير الخيالية.. الأساطير الثرية بمعانيها والتي تحولت وتناقلت وأصبحت خرافات، ولكن كانت والدتي تصحح لنا ما كان عليه الأصل، ثم بعد.. تعرفت على الأساطير الحقيقيه المذهلة وقرأت الكثير عنها وخاصة الأساطير السومرية والبابلية والمصرية واليونانية..إلخ.
كنت ولاأزال أستمتع بوحي خيال أمي المذهل.. ألهمتني الكثير من الصور وأثرت خيالي وجعلت بإمكاني أن أغوص في بحور وفضاءات غير الموجوده على أرض الواقع.

 

أسست مدرستي الفنية الخاصة بي من وحي خيالي


 هل ثمة مدرسة فنية محددة تتبعينها، أم تعتمدين في لوحاتكِ على لغة التدفق الذاتي من دون التقيد بمنهج أو مدرسة بعينها؟
 إطلاقاً، أسلوبي خاص بي.. هو من وحي خيالي وانصهار روحي وخزين فكري وقراءاتي وما سخرته عيوني من تصوير بارع لمفردات الطبيعة التي لا تحصى من حيث الأشكال والألوان مع مزجها بالخيال الحر الذي يضيفها جمالاً وغرابة وجوهراً تستسيغه العين البصرية في صوره الميتافيزيقية اللاشعورية التي تنبعث من انصهار الروح والعقل والقلب. مدرستي هي رؤيا، وأسلوب خاص بي، بشهادة كل من تعرف على فني وتابعني متابعة جيدة. في بيروت أثناء معرضي في "قصر الأونسكو" التقيت بأحد السفراء المعجبين بفني كثيراً.. إذ عمل صالة عرض في بيته خاصة بأعمالي وقال إنه لو يذهب لكل معارض العالم باستطاعته أن يتعرف على لوحتي من بين آلاف الأعمال.. وكان متتبع جيد لمعارضي وعمل تسلسلاً لأرشيفي الزمني.


 ألهذا السبب تبدو الكثير من لوحاتك حُرة ومنطلقة أو بالأحرى تسعى إلى الحرية والنور؟
  بالتأكيد، فنحن بالواقع مكبلين.. قيودنا ثقيلة الموازين.. بودنا أن نضيف إلى تراث الحضارة البشرية كل ما هو جديد، في التطور العلمي والأدبي والفلسفي والفني والهندسي وخاصة من يتميز ولديه إلهام ينبثق من أغوار اللاشعور ويملك في أعماق عقله الباطن قوى جباره تخترق حجب الزمان والمكان، وهذا الإنسان المخلوق العجيب الذي يحتوي في خفايا داخله على غرائب لا تحصى ولا تعد، وجوهر الفرد هو عالم زاهر بالقوى الهائلة كالأمواج الكهربائية تدور وتعزف لحناً إبداعياً لكي تلوِّن الكون جمالاً ساحراً يغذي العقل والنفس البشرية، وها نحن توصلنا إلى أن هنالك ما وراء الحس البشري.. عالم خفي جبار.. فكما علماء الفيزياء يتغلغلون في الفضاء الواسع والمادة، هنالك الفنان والشاعر المبدع يكون باحثاً مستمراً يتطلع بشكل دقيق إلى كل ما هو جديد على وجه الوجود ولا يقف عند حد.. بحرية الفكر وخزينه الثري والخيال المذهل يجسدوا رموزاً أكثر متعة في تسهيل عملية الإدراك الفكري والنفسي لصور من الخيال في أمواج هائلة ثرية برموز الكون من أمواج منظورة وغير منظورة.. الفنان المبدع والحقيقي يكون بقوة خياله حواس أخرى تدرك جميع الأمواج الكونية كما تدرك العين أمواج الضوء كي نكتشف ونرى في هذا الفراغ الذي حولنا ما يصعق ويذهل من الألوان والصور الهائلة، لذا أسبح وأغوص في فضاءات الحرية المليئة بالنور.

تسمية الفنان للوحاته تقيد خيال المشاهد، وريشتي لاتقاوم جاذبية اللون الأسود


 هل تحرصين على وضع أسماء للوحاتك؟
كلا، لم أضع أية تسميه على أعمالي.. ولا أستسيغ ذلك أبداً، حيث أدع حرية الفكر والتجسيد للمشاهد ولا أحدده بقضية ما.. الإبداع الحقيقي والصادق يجعل المشاهد يدرك بمعرفته معرفة تامة بكل تفاصيل العمل الفني من إنشاء إلى لون إلى فكر إلى رمز ... حيث تتاح لهم فرصة فتح قواهم النفسية والخيالية بحرية كاملة.. وينمو نمواً في داخله بلا قيود.. بلا حدود.. فالمسميات تحدد المشاهد من الغوص في عمق العمل الفني وفلسفته وملامح خياله ومتعته هو بالذات.. بالإضافة إلى استكشافاته البصرية والفكرية والشعورية.. قد يكون حتى الفنان غافلاً عنها في لحظاته الغيبوبية أثناء نتاجها.. أنا أرسم لهؤلاء.. مَنْ لديهم القدرة والإدراك على التجوال في مساحات اللوحة برغبة تلقائية متفردة بخيالها الرائع دون قيود تحدد من خصب رؤيتهم النموذجية للعمل الإبداعي.


 ماذا يعني اللون بالنسبة لرؤيا رؤوف، كيف تعبرين باللون عن حالة ما؟
 اللون هو إحساس ينبثق من اللاشعور. أجمل ألواني هو (الأسود) حيث أرى فيه كل الألوان.. تمتد يدي لتتناوله.. علماً بأني أضع كل ألواني على الباليته.. تمتد فرشاتي لتلتقطه وهذا الإحساس الذي تنبعث منه أمواج مليئه بالألوان يجعلني أشعر بمتعة فائقة حينما أستخدمه في الرسم.. وحينما ألبس سواداً فأنا عاشقة اللون الأسود أرى فيه نهاراً وشمساً وزهوآ وشموخآ وإدراكآ وجديه في كل الأمور .. حاولت أن أستند عليه بكل المفاهيم الأساسيه في التناغم اللوني وانشاء الموضوع وقضيته . وحصلت على نتائج أستضيء بها في كل بحث .. وهذا ما هو شعوري بأثر القوى النفسية في حياتي.. حيث أستخدم كل الألوان ولكني أراه سواداً زاهياً تنبعث منه إشعاعات فيها ألوان متعددة بعيدة عن أرض الواقع.. ثم من قال هذا اللون أسود؟ أو أبيض؟ التسمية لم تمدني بصلة في استخدام لوني الذي تلتقطه فرشاتي.. ينتابني شعور غريب حينما أنغمس في الرسم ويدي بكل تلقائية تلتقط اللون وتوزعه على المساحات وأحياناً أرمي فرشاتي جانباً كي تأخذ أصابعي دور فرشاتي وتتحسس اللون الذي يكون مناسباً ومتناغماً مع نبض العمل الفني.. فتختلط هواجسي وأحاسيسي المغيبة مع لوني لتصبح جزءً هاماً في قضية إنشاء العمل الإبداعي المتكامل.

 

قصائدي إمتداد للوحاتي عندما لاتتسع مساحة اللون للتعبير عن الكلمات الكامنة في أعماقي

ما هي منطلقاتك العامة في الإبداع؟
الشعر والنثر والموسيقى والمسرح.. ولا أقول بأني شاعرة لكنني حينما أكتب أبدع ولكن كل عامين أو ثلاث أكتب قصيدة أو كلاما منسقا فأحرص على أن تكوين صوراً مختلفة بقلمي كما بفرشاتي. أحياناً أكتب وأمزق وأحياناً أنشر على المواقع ولدي رغبة ومشروعي القادم هو أن أطبع كتاب يضم خمس قصائد مع صور لأعمالي وبعضاً من صوري الشخصية وما عبرت من الزمن السريع.. فأحيانآ بالكلمة اكتشف في أعماق نفسي كنوزاً دفينة قد أنطلق منها إلى فضاءت واسعة تتيح لي تجسيد كل ما لدي.. حيث مساحة اللوحة لا تكفي كل رموزي لقضية ما.. حتى لو كانت مختزله تمامآ.. فالكلمه كامنة في أعماق نفسي من حيث لا أشعر كما هو اللون واستخدامه في قضية الموضوع فالمبدع بالعلم والأدب والفن والهندسة يملك في أعماق نفسه انبثاقات نفاذة تجعله كاشفآ لأمور كثيرة ومغيبة.. وأعشق المسرح لأن جداره الرابع هو لوحة فنية إبداعية تثرينا ثقافة وفناً متنوعاً مليئ بالألوان والخيال والواقع وهنالك أثناء الرؤيا ننسى واقعنا ونمتزج مع هذا الجدار السحري.. والموسيقى الخالدة هي التي تلهمني الإبداع في الرسم والخيال وتجعلني أحلق بعيداً الى ما لا نهاية . بدونها لا يتراقص العقل مع المشاعر ولا يقوى الجسد على الوقوف أمام لوحته التي تطلب منه المزيد من الإبداع كي تقف شامخة أمام عيون المشاهدين.

أسخر من الألم وأصادق الغربة والصدمات حتى لايتوقف الجمال


 الغربة هل زادتكِ ألماً أم إبدعاً أم كليهما؟
الغربه هي معاناة حقيقية والمعاناة تخلق الإبداع وتجعله ينمو بشكل غير طبيعي لدرجة ما يجعل الشخص يفقد عقله بشكل أو بآخر حينها تنبعث قوى الإبداع من أعماق العقل الباطن وما يحدث في داخل النفس من مجريات لا يشعر بها الفكر، بعيدة عن مجال الوعي والتأمل، والمكان الجديد والمختلف بجغرافيته يعمل وسيؤثر من غير أن يشعر به المبدع، فالعقل الباطن منبع تنبعث منه كل القوى ومصدر للقوى النفسية الخارقة، والفرد الناضج قادر لحد ما أن يتجاوز كل الصعوبات التي تمر بحياته ويقف بقوه يجابه أعنف التيارات الموجعه ويخلق في داخل شعوره قوى مبدعة تقوده في سبيل النجاح، كي لا يفشل ويقع ويتوقف، وفي أغلب الأحيان أجعل من الحزن متعة تتناغم مع الألم كي يتألق الإبداع ويسمو.. وأعتبر الألم جميل.. أسخر منه واعتبره متعة لأنه موجود ولولاه لما عرفنا الفرح ولا توجد الحقيقيه التي ينهار بها الفرد، ولكن يجب أن يتسلح الإنسان المدرك والمبدع بسلاح القوة كي لا يقع وتنهال عليه السكاكين، وحينما يقع لا يسترد قواه، فيجب علينا أن نخلق طاقة هائلة نتمسك بها طيلة حياتنا، فالحياة مليئة بالمفاجآت، دعنا نفتح أذهاننا جيداً كي لا يلحقنا الأذى، فكل ما ينتابني بهذه الدنيا من غربة أو ألم أو مرض أو أية صدمة أروضه للصداقة، أصادق الغربة والألم والمرض وكل الصدمات كي لا يتوقف الجمال الذي ينبثق من القوى المذهلة في داخل المبدع، وهذه العملية بحد ذاتها هي معاناة حيث تتحرك كل الحواس المعروفة منها والدفينة وحتى الخلايا التي لم تستخدم قد تغدو جاهزه للاتقاد، وهنا ما أرنو إليه.


هل كتبتِ يوماً عن غربتك؟
كتبت مقطوعة نثرية طويلة أقول في جزء منها:
"من أوتار القلب المقطعة.. ومن خزائن الذكريات.. أعزف أغنية لا تنتهي
وحب لا ينتهي.. وقلب شكله خارطة العراق.. يا أوسع قلب في الدنيا
و..و.. وأسأل سؤالاً.. أرسم سؤالاً.. متى نعود إلى العراق؟
أين ضاع الزمان؟ وأين تركنا المكان؟ وأين دائرة الأمان؟ وأين هو الإنسان؟
من أكون؟ نسيت اسمي؟ بلا وطن.. من أكون؟
بلا وطن.. صمت في السكون؟ ولكن سأكون.. ساكون.. أينما أنت تكون
وأنير جبين السكون.. أملئ الصمت حواراً.. وغناءاً وفنون.. سأكون سأكون
جسد هنا يا وطني والروح فيك تكون.. يا وطني.. كل إبداعي إليك..
هذا قلبي في يديك.. يا وطني.. إن قلبي فيه عقل يحتويك.. يا وطني إن عيني فيها ماء ترتويك.. يا وطني أمضغ الصبير حتى ألتقيك"

 

المرأة في لوحاتي تطير عبر فضاءات العالم، وتختبئ في الغيوم، وتتأرجح بين النجوم

كيف ترصد لوحاتك واقع المرأة العراقية تحت وطأة الاحتلال؟
 أنا أرسم المرأه التي هي رمز للإنسان.. الإنسان الواعي والمدرك والمتميز. المرأة العراقية عانت الكثير من المأساة الحقيقة بكل مفرداتها.. لقد جسدتها شجرة وتارة نخلة وضفائرها سعف النخيل.. جسدتها شجرة وجبل شامخ.. هي الأرض.. هي الآله قبل بدء تاريخ الإنسان.. هي عشتار.. هي شجرة الصبير.. هي رمز للمبادئ الإنسانية السامية.. تعطي بدون مقابل.. شجرة شامخة تعطي الثمار للجميع وتعطي الحب الحقيقي الصادق.. تمنح الكون جمالآ.. والأرض خصباً.. وجسدها خميرة الكون.. مدركة وواعية وصابرة.. تعزف لنا موسيقى الخلود.. عشتار. المرأة هي رمز للوطن ورمز لكل المبادئ الإنسانية الراقية.. (المرأة) المعرفة بألـ.. هي المرأه التي أرسم.


كيف تحلم المرأة في لوحاتك.. وإلى أي شيء تتطلع؟
 المرأة حالمة بطبيعتها، رقيقه بمشاعرها.. في لوحاتي تطير عبر فضاءات العالم تختبئ في الغيوم وتتأرجح بين النجوم.. ومركبتها القمر.. تنام في وسط غيمه وتحلم وتدخل أعماق البحار تختفي بين المرجان واللؤلؤ وتخرج من البحر.. حورية البحر لترتمي على رمال ساحله.. وحين تصحو ترنو إلى الحقيقة تحمل همومها على رأسها.. المرأة هي التي تحفر بالصخر كي تعيد بناء الوطن.. المرأة التي تتطلع كي تبصر اللامرئي.. كي تسبح بخيال ملئ بخزين العقل والمعرفة وبكل جهودها تبحث عن الحقيقة.. ترى في مديات عميقة ما لا يراه الآخر.. وهي في بعض لوحاتي المرأة التي تضع عينها بعين المشاهد كي تعطيه حباً وتزيده معرفة وصبراً وجمالاً.. والمشاهد القادر على التقاط هذه المفاهيم يسمع عزفاً موسيقياً داخل مشاعره ويمتلئ بالحب والجمال والخيال الذي يزيده إدراكاً ووعياً في الغوص الحقيقي داخل شخوصي التي أرسمها.


الحرية، سر تميز الفنان في الغرب

بحكم إقامتك في ألمانيا وتنقلك بين دول غربية مختلفة، إلى أي مدى تتسع الهوة التشكيلية بين الفنان العربي ونظيره في الغرب؟
 الحرية، وهذا يكفي، في دول الغرب لم يكونوا أكثر ثقافة من العرب، ولكن الحرية وغالباً القراءة والتطلع، نسبة كبيرة منهم وجغرافية أماكنهم تمنحهم جمالاً وخيالاً بلا حدود والجو والبيئة والظروف الاجتماعية وحرية السفر وتجديد الأماكن والحرية، لا مخاوف بكافة التفاصيل وهذا ما يجعل إبداعاتهم تصل للآخر الدنيا وحينما يتوفر كل شئ للفنان أكيد يبدع أكثر ويكون قادراً على التنقل ونشر فنه وبذلك تتكون لديه القدرة الكاملة على البحث المتواصل للجديد، هي الحريه ولوحدها تكفي لكي تجعل الفنان يتألق ويتجدد ويتطور، بالإضافة لتوفر المواد الفنية بأحسن المواصفات وأفضل التقنية وحتى الفرش مختلفة بكل أنواعها ووظائفها، والدوله توفر للفنان كل المستلزمات المشجعه للفنانين مادياً ومعنوياً ومنحهم استوديوهات خاصة وكذلك بالنسبة لتسويق أعمالهم حيث تساعدهم مؤسسات كبيرة في التسويق المستمر والاقتناء بالأسعار التي يضعونها، وكل شيء مختلف هنا في دول الغرب وخاصة الدول الراقيه منها، ولكن ظروف الفنان العربي مختلفه تمامآ ولهذا السبب تتسع الهوه بينهما، ولو كانت لدينا دولة مؤسسات تهتم بالفنانين وترتقي بهم وتقدم لهم خدمات متنوعة من مطبوعات إلى تسويق أعمالهم أكيد الفنان العربي الحقيقي لو توافر له ما يتوافر لنظيره الغربي لما وجد أي فارق ولا أي هوة بل ربما يتفوق عليه في الإبداع.


 ما اللوحة القريبة منك ولها ذكرى معك وترفضين عرضها في أي من معارضك؟
 كل لوحاتي قريبه من روحي ولها ذكرى معي وكل واحده تحمل شيئاً وخصوصية تعني لي الكثير بتنوعها واختلاف مواضيعها وقضاياها. أنا أرسم وتخرج اللوحة من انصهار النفس والقلب والعقل وأقدمها هديه لعيون المشاهدين.. فكيف أبعد عمل عن عيون الناس اللذين أرسم لأجلهم؟ كل بحثي المتواصل ومواصلتي لإيجاد الجديد هو هديه لعيون المشاهدين والمثقفين والمتتبعين للحركة الفنية والمواصلة معها، وهذه رسالتي في الحياة، لذا أشعر بمتعة كبيرة حينما يتصل بي الأدباء من كل مكان في العالم العربي يستأذنوني أن تكون لوحة من لوحاتي وجهاً لغلاف كتبهم أو دواوينهم أنا أرسم للجميع وفني ملك للجميع للمثقف للإنسان البسيط لكل من يتذوق الفن. ولا يمكن أن أرفض عرض إحدى لوحاتي.

البقع الجغرافية الجديدة تقيدني


متى تشعرين أنك مكبلة وغير قادرة على ترجمة مشاعركِ إلى رسوم في لوحة؟
 حينما أنتقل إلى بقعة جغرافية جديدة عليّ بلغتها وطباع شعبها واختلاف ثقافاتهم وأذواقهم، لذا أكون حذره جداً كي أجد ما هو يليق ويتناغم مع أفكارهم وينسجم مع مفاهيمهم وقناعاتهم وهذا صعب جداً، وهذا الشعور ينتابني في كل معرض أقيمه لأول مرة في مكان جديد غربي أو عربي، لكن أحمد الله بأني حققت نجاحآ كبيرآ في مصر ومعرضي الشخصي (عشتار) في قاعة بيكاسو، ومعرضي الشخصي في قطر، وقبلها في بيروت وسوريا، وشاركت في معرض جماعي في أبو ظبي ودبي وسلطنة عمان والسعودية وتونس والمغرب بالإضافة إلى معارض مشتركة في العديد من الدول الغربية والعربية، ولدي رغبة في إقامة معرضي الشخصي المقبل في الكويت، وإن شاء الله يتحقق هذا المعرض بالشكل اللائق بما يتناغم مع مستوى أعمالي واسمي.


 رؤيا، هذا الاسم له دلالة جميلة، ما قصة تسميتك به؟ وما هي رؤيتك الخاصة للحياة كفنانة مبدعة؟
 أنا إبنة شاعر كما ذكرت في بداية حديثي.. ووالدي الشاعر رؤوف الجبوري رحمه الله هو من منحني هذا الاسم الذي أعتز به.. بدلالته الجميلة ومعانيه العميقة التي منحتني المزيد من الرؤيا الخيالية والبحث في عمق معانيها بما فيها المرئي واللامرئي.. وهذا الاسم بدلالته غمرني بهذه الفلسفه والحلم داخل الخيال.. ورؤيتي الخاصة للحياة هو نسيانها ونسيان زمانها ومكانها، لأنها فانية وقصيرة فألهو بها بإبداعي (ولا أنسى إيماني بالله)، وأنسى الزمن كي ينساني.. وأخلق لي أجواءً تتناغم مع هواجسي بما يمنحني الشعور بموسيقى عذبه لا تتوقف.