الفائز بجائزة معهد العالم العربي بباريس

الفنان السوري "مصطفى علي" ينحت على الخشب والبرونز قصص الإنسان والمكان

هديل عرجة - سوريا
صور وفيديو
[title][title][title][title]

أن تحيل الخشب إلى روح تنطق بما لا تقدر الأفواه على قوله، هي هبة من عند الله أتقنها الفنان مصطفى علي ليبدع أشكالاً حفرت في ذاكرة الفن السوري، وينطلق منها إلى عوالم جديدة تآلف فيها الخشب مع النحاس في جسد واحد، وانطلق بهذا الجسد إلى العالمية ليري العالم إبداع الفنان السوري وموهبته المتجسده في روحه منذ آلاف السنين، هي عمر حضارة خُلق فيها هذا الإبداع. عربيات التقت النحات السوري مصطفى علي وطرحت عليه عدداً من التساؤلات عن ماضيه وحاضره وما يعمل عليه مستقبلا، فكان لها معه هذا الحوار..

في البداية كيف تعرف القارئ بالفنان مصطفى علي؟
أنا نحات سوري، قمت بدراسة النحت في سوريا وإيطاليا، عملت على عدد كبير من المواضيع وكانت بداياتي عبارة عن تأثر كبير بحضارات سوريا القديمة من الفينيقيين تحديداً وصولاً إلى جاكو ميتي النحات السويسري المعروف، ومن ثم أخذت تجربتي بالتمييز وفي وقت مبكر منذ العام 1979، حيث أخذ أساتذتي يخبروني أن عملي مميز ويشجعوني أكثر الأمر الذي دفعني لأن استمر وأقمت بعد ثمان سنوات أول معرض نحت برونز بسورية عام 1988في صالة عشتار، ومن ثم بدأت أعمالي تطلب على المستوى المحلي والعالمي، وأقمت العديد من المعارض في سورية وخارجها ولي العديد من المقتنيات في المتاحف وعدد من المؤسسات الكبيرة ومنها في مجموعات خاصة.

 الفنان يتنبأ بالمستقبل من خلال أعماله، وتدمر أعطتني نفساً جديداً

هل هناك تأثير للبيئة التي نشأت فيها على أعمالك؟
حتما هناك تأثير للبيئة وللناس من حولي والظروف المحيطة، فالفن هو مرآة المجتمع وهو يرى الأشياء قبل أن يراها بقية البشر، ويمكن اعتباره مؤشر ومنبه ومنذر لما سوف يحدث أو يحدث الآن، لذلك فإن الفنانين هم الذين ينبهوا إلى الأشياء وهذا ينعكس في تجربتهم التعبيرية من خلال الأعمال التي يطرحوها، فمثلاً حالات الإنسان كيف يتعامل مع المحيط وكيف تنعكس هذه الحالات عليه.

أغلب أعمالك من الخشب والبرونز لماذا هاتين المادتين تحديداً؟
الفنان بشكل عام هو مجرب، وأول تجربة لي والتي تميزت بها هي البرونز وعملت لسنوات طويلة به، من ثم بدأت أقوم بنوع من المزج بين مادتين غير متجانستين هما البرونز والخشب وكانت البداية صعبة جداً حتى وصلت إلى هذا التآلف، والحالة بين هاتين المادتين هي حالة جديدة وإضافة إلى تجربتي، نتيجة لتأثيرات جديدة بين المادتين، فهو عبارة عن توليف أو مزج أعطى نفس جديد ومفهوم جديد خلال تجربتي. وهذا النوع من المزج جاء من تأثيرات نوع ثاني وهي تدمر، حيث أن موضوع الخلود في تدمر أعطاني نفساً جديداً وقمت بالعمل عليه من خلال هذه العلاقة بين الأرض والسماء ومن خلال هذه الأعمال التي كانت بمعظمها من الخشب والبرونز.

 

تأثر الجماهير بالفنان يدفعهم لتقليده، والتأثيرات الخارجية تصنع الإنسان

خلال الآونة الأخيرة ظهر الكثير من النحاتين ممن يتبعون أسلوب مصطفى علي أو يعملون على تقليد أعماله أو طريقة المزج بين المعادن لديه، هل يضايقك هذا الأمر؟
بالعكس تماماً، هكذا أعمال تسعدني وهي فخر لي، فالابتكارات الجديدة للفنان والإبداعات الخاصة به دائما ما توجد أشخاص يتأثروا بها ويقدموا أنفسهم من خلال تأثرهم بفنان، فمنهم من يوفقوا بهذا الأمر فيخرجوا من إطار التقليد ليخلقوا أسلوبهم الخاص بهم، ومنهم من يبقى ضمن هذا التوجه وهو أمر جيد أن يتأثر الفنان بأحدهم ولكن في النهاية يجب أن يخرج من كنف هذا التأثر وهذه التجربة.الأمر لا يزعجني من حيث تقليد الآخرين لي، فكثير ما يأتيني أشخاص ليخبروني أنهم رأوا أعمالي في بيت أحدهم أو في أماكن مختلفة لأفاجأ فيما بعد بأنه ليس من أعمالي، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الشخصية القوية في الأعمال والطابع الذي تميزت به أعمالي.

تحدثنا عن أشخاص تأثروا بأعمالك، ولكن مصطفى علي بمن تأثر؟
تحدثت سابقاً أن بداياتي كانت مع الفينيقيين والأتروسك، ومن ثم جاكو ميتي كونه عمل على امتشاقة الأعمال وطولها والتأكيد على الجانب التعبيري وكل بطريقته، وآخيراً تدمر، هذه التاثيرات أنتجت مصطفى علي وطبعتني بهذا الطابع الخاص بي، أيضا تأثري بدمشق والدمار الذي لحق بالبيئة وهجوم الإنسان عليها خلق الكثير من الأعمال عن المحاربين أو الأجساد المدمرة، ثم جاءت تجربة المزج بين البرونز والخشب فكانت عبارة عن مجسمات لرجال خاويين الجوف بلا ملامح ودون معنى أو جوهر، أو الأشخاص المحشورين ضمن إطار.

ذكرت تجربة الأشخاص المحشروين ضمن إطار أو كادر، ما هو السبب وراء إنتاج هذه التجربة؟
التجربة عبارة عن مجسمات لأشخاص يقعون ضمن إطار محدد أو كادر، إما لتحمي نفسها أو لأنها مضغوطة أو تريد الخروج من هذا الفراغ وهذا المستنقع، ولذلك يجب على الشخص أن يتمتع بالقوة ليواجه هذا الضغط، كما يجب أن يكون مسلح، وليكون مسلح يجب أن يحمي نفسه، صحيح أنها لوحات تتسم بالحزن، ولكن فيها قوة، قوة الحماية التي تدفعك للخروج، وفي بعض الأعمال ترى الأشخاص انطلقوا من هذه الإطارات التي تحبسها لتواجه كل شيء شرس في هذا المجتمع. 

 

 لا فرق بين النحاتين الذكور والإناث إلا في الطرح

حدثنا عن التجربة الأخيرة (المقصلة)، ما موضوعها الرئيسي؟
التجربة الأخيرة تعتمد بالكامل على الخشب، وهي عبارة عن كتل ضخمة لوجوه من الخشب ملغية الملامح بتأثير الزمن وتأثير الأدوات الحادة وكل ما يمكن أن يؤذي، والقصد منها  أن الإنسان يوجد على هذه الأرض بريء ونظيف والتاثيرات هي التي تصنعه، ويكون له دور في التغيير والتأثير، أو أن يهزم وينطوي على نفسه ويصبح خارج الزمن.

النحت عملية صعبة وتحتاج إلى جهد، هل هذا يصنع فرقاً بين النحات الشاب والفتاة؟
أنا لا أعتقد بوجود فرق بين النحاتين شباب وفتيات، لأن الإنسان لديه قدرات حالية تمكنه من تجاوز هذه الصعوبات في النحت باستخدام كل من العقل واستخدام الأدوات، ولكن الفروقات بين الجنسين تكون في الطروحات للموضوعات بين طرح الفنانة الشابة وطرح الفنان الشاب، فكل منهم يرى العالم من منظوره الخاص به وهذا أمر طبيعي. ولكن نعود إلى موضوع الصعوبات، فالصعوبات موجودة في كل شيء، فكثيراً ما يقول لي الناس أليس من الصعب أن تدخل إلى قلب قطعة من الحجر؟، وأرد عليهم بأن الأمر ليس بصعب خاصة وأن ذلك من صميم عملي، ومايكل أنجلو كان يقول أنا أرى العمل في قلب الكتلة، فعملياً نحن نرى العمل قبل أن ينجز، فالصعوبة هي فقط إذا لم يكن لديك خبرة تقنية، ولكن عندما يكون لديك الخبرة التقنية التي من المفترض أن تكتسبها مع الممارسة فأنت تحقق الأفكار مع أي مادة كانت مهما كانت صعوبتها.

 ما هي مقومات النحات المبدع؟
المقومة الأساسية هي الموهبة قبل كل شيء، والممارسة التي تعطيك الخبرة، والاستمرار والقدرة على تجديد نفسك بشكل مستمر، وأن تكون حر ولا تخضع لأي ظروف كانت، سواء مادية أو ضغوط أو إغراءات، فالفنان إن لم يكن حراً لا يمكن أن يعطي وهو يعرف كم يجب أن يكون حراً.

 برأيك الشخصي وبكل صراحة، من هو النحات رقم واحد حالياً في سوريا؟
هذا السؤال يجب أن يتم توجيهه لشخص آخر، لأن المسألة تتعلق بالإحصائيات، فالكثير من الفنانين يعتقدوا أن البلد لا تقدرهم وأعمالهم على نحو جيد، ولكي نحصل على رد موضوعي لا بد أن نجمع معلومات من خلال الآراء المشتركة والمتقاطعة، فالفنان بشكل عام شخص منحاز ولذلك لا يجب أن يجيب على هذه الأسئلة، فالجواب الصحيح يأتي من خارج الوسط، فعندما نسمع آراء متنوعة من الشارع ومن الناس المهتمين بالأدب والثقافة -تحديدا- عندها يمكن أن نعرف من هو أكثر نحات معروف، وأكثر نحات مشهور وغيرها من التصنيفات.

من النحات المفضل بالنسبة لك على الصعيد المحلي أو العالمي؟
تعجبني أعمال نحاتين معينين وقدموا الكثير للفن، منهم جاكو ميتي حيث يعتبر من النحاتين المعاصرين ولكن ليس من نحاتي العصر الحالي، وهناك هنري مور، وهناك تجارب جديدة لفنانين مبدعين، ففي الفترة الأخيرة ظهر فنان ايطالي اسمه ميمو بلادينو وهو من النحاتين الذين تعجبني أعمالهم، حيث تابعت أعماله لسنوات.

 أفخر بتمثيل سوريا في عاصمة الفن والثقافة 

ثلاثون عاماً من الإبداع كانت كفيلة بصنع مصطفى علي، هل هناك من خطة لنقل هذه التجربة إلى الغير؟
دائما ما أقول أن ما ذقته من عذاب في بداياتي لا أريد أن يمر به غيري، فأنا أحب أن أساعد الاجيال الجديدة من النحاتين الشباب فنياً وتقنياً حتى يصبحوا على الطريق الصحيح، ولي الكثير من التجارب في الملتقيات الدولية والمحلية فكنت أدفع الشباب أن يتعلموا سواء النحت على الحجر أو مواد أخرى خشب أو برونز أو أي مادة أخرى، وكل عام أقيم معرضاً للنحاتين الشباب في رواق القشلة لأساعدهم أن يصبحوا على السكة الصحيحة، وهو ما أعتبره واجب إنساني وواجب وطني.

اخترت لإنجاز عمل فني على سطح معهد العالم العربي بباريس، ماذا عنى لك هذا الاختيار؟
معهد العالم العربي هو عبارة عن مركز يهتم بالشؤون العربية والثقافة العربية وإبرازها من فنون معاصرة وتاريخ، وهو متحف ممول بشكل مشترك بين العرب والفرنسيين، لذلك قرروا أنه وبمناسبة مرور عشرون عاماً على تأسيس المعهد أن يقوموا بإنجاز عمل فني على سطحه، فأقاموا مسابقة دولية شاركت بها، ليفوز العمل الخاص بي من ضمن 37 مشارك عربي وعالمي بهذه المسابقة، وطلب مني تنفيذ العمل حيث بلغت مساحة العمل 36 متر مربع.
الاختيار جاء للأفكار الجديدة المطروحة في العمل وللتقنية العالية التي تقدم بها، حيث قمت بتنفيذ العمل في سوريا وأقمت حفل توديع له، وحقيقة نال العمل اهتمام محلي وعالمي، كما كانت الظروف مواتية جداً عندما تم وضعه في باريس، حيث كان الرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء في زيارة إلى باريس، ودعيت السيدة أسماء ليكون العمل برعايتها، والموضوع كان مفرح جداً بالنسبة لي من ناحية الاهتمام الذي ناله من قبل السيد الرئيس الأسد والسيدة أسماء والحكومة الفرنسية. حاليا العمل موجود على سطح المتحف بباريس ويأمه الزوار يومياً، وهو أمر أفخر به كوني أمثل بلدي بهكذا عمل في عاصمة الثقافة والفن.

كانت لك تجربة في ملتقى النحت الوطني من حيث التواصل مع النحاتين العالمين وتوجيه الدعوة لهم إلى الإشراف على الملتقى، حدثنا عن هذه التجربة؟
هذه التجربة مهمة جداً جعلتني أخرج إلى الفراغ وبدأت العمل أمام العالم في ساحة مكشوفة والناس تتابع كيف تتشكل المنحوتة، والنحاتين الشباب يساعدوا النحاتين المعروفين فيكتسبوا خبرة وأفكار وبالتالي أساهم في أن يتم متابعة المنحوتة التي توضع فيما بعد في منطقة عامة.
كما أن النحات العالمي القادم إلى الملتقى يقوم بالاحتكاك ببيئتنا ومجتمعنا وبالتالي تتكون لديه  فكرة ايجابية ويلمس الحقائق بشكل مباشر نتيجة لوجوده معنا لفترة من الزمن، بالإضافة إلى أن الأجيال الشابة الموجودة في الملتقى يكتسبوا خبرة تقنية وفكرية نتيجة الحوارات التي تتم أثناء العمل.

هل لك اهتمامات أخرى غير النحت؟
اهتماماتي الشخصية ليست كثيرة فالنحت يأخذ الجزء الأكبر من حياتي، ولكني أحرص على مساعدة أولادي أن يشقوا طريقهم، كما قمت بتأسيس جمعية لدعم الفنانين الشباب والمشروع الثقافي الشبابي، سواء من خلال ورش عمل فنية أو من خلال ورش تدريب حول إدارة المشروع الثقافي، أو مشاريع تتعلق بالمجتمع، ونقوم من خلال هذا المشروع باختيار مشاريع معينة ويتم تمويلها محليا أو أوروبيا من الاتحاد الأوروبي مثلا أو المؤسسات الخارجية أو بالمشاركة مع مؤسسات حالية تعمل في سورية، فنسعى من خلال هذه المشاريع إلى لفت الانتباه للتراث مثل التراث الشفوي والذي من الممكن أن ينقرض في منطقة معينة فنقوم بتسجيله ونوثقه سواء بالكتابة أو التصوير أو الرسوم المتحركة، بحيث نحفظ عدد كبير من المعلومات الخاصة بهذا الإرث الشفوي.