مؤكدة على أن الأدب البنغالي لا يزال مجهولاً بسبب قلة المترجمين

الشاعرة والمترجمة البنغالية بيباشا موندول: أنا من قراء الأدب العربي

رشيد فيلالي - الجزائر
صور وفيديو

 

تعتبر الشاعرة والروائية والناشرة والمترجمة البنغالية بيباشا موندول "Bipasha Mondol" واحدة من أبرز الأصوات الأدبية في شبه القارة الهندية، شغفت بالقراءة منذ أن كانت في الرابعة من عمرها، الأمر الذي جعلها في الخامسة عشر  تنظم الشعر.

تتطرق في حوار عربيات لرؤيتها و تجربتها في الكتابة والحياة، كتأثير نقص الترجمة على وصول الأدب البنغالي للعالمية، مشيرة إلى أن تأثير المجتمع أدى إلى ظهور كتابة نسائية تنحصر في عدد من القضايا، وأبرز في الوقت نفسه الكتابة الرجالية والتي تتسم بالغمق وشمولية الطرح.

 

أطمح أن اكتب كلمات الآخرين بريشتي وليس كلماتي

في البداية أود أن تخبرينا عن تجربتك مع الكتابة؟
الحقيقة أنني منذ كان عمري أربع سنوات كنت أحب مطالعة الكتب سيما كتب التاريخ، وكان أفراد عائلتي يوبخونني ويؤنبونني لكوني لا أحبذ مشاهدة الأفلام أو المشاركة في جلسات الثرثرة والنميمة، لقد كانت لحظات عصيبة بالنسبة لي وعندما صار سني خمسة عشرة أو ستة عشرة عاماً بدأت أشعر وأندمج أكثر مع الذي أقرأه، لقد كنت أسافر مع العديد من الشخصيات في ذات الزمن الذي تتواجد فيه، حينها شرعت في خربشة بعض القصائد الموزونة للأطفال، وكذلك بعض الحكايات القصيرة فيما كانت عيني الثالثة والناقدة متيقظة في تلك المرحلة، لقد بدأت أعي جيداً كوني كاتبة، حينها أخذت أقرأ كل الكتب المؤلفة من طرف أهم الكتاب البنغاليين وكان ذلك مفيداً وممتعاً في نفس الوقت، كما أنني شعرت بالغيرة من هؤلاء الكتاب الكبار، لكن في الوقت الراهن عندما أتذكر ذلك أبتسم،  و أسخر من نفسي على اعتبار أن الكتابة ليست شيئا سهلاً وعادياً، لأن الجميع في مقدورهم أن يحكوا قصة ويصفون السماء والورد والعصافير والفضيلة البشرية غير أنه من الصعوبة بمكان أن تعبر عن ذلك بطريقتك الخاصة وبروح شخصية تجعل منك متميزاً عن بقية الآخرين، ومن هنا فأنت مطالب باستثمار وسبر أسلوبك الذاتي الذي يحمل بصمتك المتفردة، وفي الحقيقة أنني بعدما نشرت كتابي التاسع في بنغلاديش والهند والعديد من القصص والأشعار والدراسات والترجمات في المجلات والصحف اليومية فإنني أستطيع الآن الجزم بأنني لا زلت أتلمس دربي لاكتساب أسلوبي الخاص في الكتابة وربما في يوم ما أصل إلى تحقيق ذلك، أنا لست كاتبة آنية أو عابرة أنا كاتبة أحب الاشتغال في جهد،  كما أنني قارئة لا تعرف الكلل حيث قرأت ما لا يقل عن عشرين ألف كتاب جيد وعادي، منها المكتوبة بإتقان ومنها السهل والمهلهل، العميق والسطحي، أي كل أصناف الكتب، من هنا فأنا إنسانة تحب التمرن كي تكون شخصاً ذا معرفة جيدة بجوهر الأدب، وسأواصل هذا التمرن حد النهاية، فإذا كنت بصحة وعافية سأكتب كلمات الآخرين بريشتي وليس كلماتي أنا بيباشا موندول بالذات، أريد بالأحرى أن أترجم كل ما هو في النهاية إنساني وهدفه إحلال السلام، هذا هي جوهر تجربتي في الكتابة.

 

لا أكتب بهدف المتعة، إنما لسبر أغوار النفس البشرية

وهل حسب تصورك أنت تكتبين من أجل المتعة الشخصية، أم بغرض الحوار مع الآخر ونقل تجربتك في الحياة؟
أنا لم أكتب إطلاقاً من أجل متعتي الشخصية، إن الكتابة وكل أنواع الفنون الأخرى تحفز الوعي، وفي الواقع الجميع يحسون بوخز الضمير حيال موقف معين، لكن ليس كل أحد يتعامل بحزم لتحقيق التغيير المطلوب، إذن أنت تطرح سؤالاً حول "نقل التجربة" وتجربة الكاتب ليست بالأهمية التي نتصور، بحيث أن فلاحاً لم يذهب أبداً إلى المدرسة له تجربة قد تكون أكثر أهمية وإفادة وتأثيراً، بمعنى أن الجميع يملك تجربة مختلفة و ذات دلالة بشكل من الأشكال، وعليه فإن الذي يهتم بتجربتي عليه أن يعلم بأنني أعتبر عمل كل واحد منا تجربة أصيلة في هذا العالم، أريد أن أقول ضمن هذا السياق بأن فعل الكتابة ربما هو بالنسبة للكاتب يمثل رغبة في سبر أغوار النفس البشرية.

نقص المترجمين يؤثر على الأدب البنغالي

ما الذي أضافه الأدب البنغالي إلى الأدب العالمي؟
الأدب البنغالي أضاف الكثير من الأفكار الجديدة، والرؤى المختلفة إلى الأدب العالمي، إذ ثمة العديد من الكتاب الكبار والواعدين لكنهم مع الأسف غير معروفين في اللغات الأخرى نتيجة افتقادنا لمترجمين جيدين، وحين نمتلك مترجمين مقتدرين وبالعدد الكافي سوف نقدم دفعاً هائلاً للأدب العالمي.

كاتبي المفضل يستطيع قراءة قلوب الناس

من هو أكبر كاتب بنغالي لا يزال على قيد الحياة، وما هو أهم كتاب قرأته حتى الآن ؟
أكبر كاتب بنغالي لا يزال على قيد الحياة هو "السيد سونيل غونغوبادهايا" وعمره 76 عاماً، لقد كتب في كل المجالات الأدبية الشعر، والقصة، والقصة القصيرة، وأدب الرحلات، وقصص الأطفال، وبلغت مؤلفاته 500 كتاب.
في البداية كنت أقرأ شعره وهو مختلف تماماً عن الشعر العادي والمألوف، إنه يعبر بأشعاره وكأنه يستعير كلماتك وأحاسيسك، ومن أهم إصداراته الكثيرة والمعروفة على نطاق واسع مجموعاته الشعرية والقصصية، وروايات الشباب "الشرق والغرب" و"أشعة الشمس الأولى" و..غيرها.
 وفي الحقيقة عندما تقرأ أول نص له سوف تصبح من أول وهلة من أشد المعجبين به والمتعلقين بكتاباته كونه كاتب يعرف كيف يقرأ قلوب الناس، قلب الوطن ونبض الطبيعية وأسرارها الخفية.

هل تقرأ بيباشا موندول الأدب العربي المعاصر ومن هو كاتبها المفضل ؟
نعم،  بالتأكيد قرأت الأدب العربي المعاصر، وأنا معجبة بكتابات نجيب محفوظ، وآدونيس، والتركي أورهان باموك، وأنا أعلم أن هذا الأخير لا يكتب باللغة العربية.

ما هي أهم النصوص العربية المترجمة إلى اللغة البنغالية؟
أهم هذه النصوص هي أعمال نجيب محفوظ، والقليل من أشعار آدونيس، كما أن الشعر الجاهلي والقصص العربية القديمة مترجمة جميعاً إلى اللغة البنغالية.

الفرق كبير بين كتابة الرجل والمرأة، وعوامل تؤثر على كليهما

برأيك هل ثمة فارق بين كتابة المرأة وكتابة الرجل ؟
في تصوري هناك فوارق كبيرة ما بين كتابة المرأة وكتابة الرجل، فالرجل منذ سن الطفولة يكبر ويترعرع ضمن جو حر ومحيط مفتوح إلى ما لانهاية، ومن الجهة المقابلة فإن المرأة تكبر في محيط ضيق، حيث تأخذ أعمال المنزل نصف عمرها، وعليه ففي الوقت الذي يعبر فيه الرجل عن أفكاره بأساليب مختلفة، نجد المرأة تظل غارقة في أشغالها اليومية المضنية والشاقة.

هل تعلم بأنني عندما كنت في سن 15 عاماً لم أكن لأنام أكثر من 5 ساعات كل ذلك من شدة شغفي بالمعرفة، كما أنني كنت بالنظر إلى ظروف عائلتي الاجتماعية تحملت باكراً عبء المسؤولية وفي الوقت الذي كانت فيه بقية النساء تتوجهن بعد الانتهاء من واجباتهن المنزلية لمشاهدة فيلم أو اللعب أو ممارسة النميمة أو أخذ الراحة، كنت أنا على العكس من ذلك أنزوي جانباً وأشرع في ممارسة القراءة وكأنها شغفي الوحيد الذي لا يرتوي، وضمن هذا السياق ينبغي أن أطرح السؤال التالي: كم من امرأة كاتبة في بنغلاديش؟
  إنهن لا يتجاوزن 15 امرأة ،علماً بأن عدد سكاننا يصل إلى 150 مليون نسمة، مثل هذه الوضعية المرأة غير مسؤولة عنها، إن ثقافتنا تعكس حالة من هرولة الجميع نحو تحصيل المال والارتهان للملذات الدنيوية بعيداً عن حب المعرفة، إن رجالنا ونساءنا لا يدركون أهمية التربية في حياتهم اللهم إلا التطلع إلى الحياة الرغدة والباذخة ومع الأسف الشديد فإن النساء سقطن في هذا الفخ على نحو يزداد حدة من يوم إلى آخر .

الدكتور محمد يونس شخصية بنغالية عظيمة، كيف تقيم الشاعرة بيباشا موندول أعمال هذا الرجل الذي يتعرض من بعض الأطراف إلى انتقادات غير عادلة؟
بالطبع الدكتور محمد يونس شخصية بنغالية عظيمة، لقد قام بثورة حقيقية وفي تصوري هو قائد حقيقي للتغيير الاجتماعي، لقد منح الناس الشجاعة وأنقذ الكثيرين من براثن الفقر المدقع، إنه فعلاً شخص رائع بكل المقاييس.

الأدب البنغالي المعاصر تأثر كثيراً بالأديب الكبير "رابيندرانات طاغور" وكذا نصوص التراث على غرار أعمال "تهاكورمار جهولي" و"غوبال بهار" إلخ، ما هي في نظرك أهم المواضيع و التيمات التي تجذب اهتمام الكتاب البنغاليين ويتناولونها باستمرار في نصوصهم المعاصرة ؟
الكتاب البنغاليون يركزون في كتاباتهم على ثلاثة أشياء، هناك كتاب الواقعية السحرية حيث أصحاب هذا المنحى يجتهدون في المزاوجة ما بين الواقع والأساطير المحلية الأمر الذي جعل البعض منهم ينجح فعلاً في حين يظل البعض الآخر يتراوح ضمن مستواه المتواضع، هناك كتاب آخرون على غرار رابيندرانات طاغور يكتبون نصوصهم في شكل قصص وهم ناجحون جميعاً، فالذي له دراية كافية بعلم النفس ومسائله يستفيدون أفضل من غيرهم بنعم العلم.
وهناك نوع ثالث من الكتاب وهم الأكثر شعبية ونجاحاً وهم ما يمكن أن نطلق عليهم " الرواة" فهم مثل كتاب الأطفال، فقصصهم تستند على الطرافة و الحوادث الخارقة،  ونشاطهم غير مرتب ولا منظم وفق نسق معين لكنهم ليسوا حداثيين أو ما بعد حداثيين، إنهم فقط يكتبون لمجرد المتعة ولا شيء آخر، وعلى الرغم من كون هؤلاء ليسوا أدباء بالمعنى الكامل لهذا الوصف لكنهم في المقابل الأكثر مبيعاً و نجاحاً مادياً، والشباب يقبل على شراء كتبهم بغرض التسلية وتزجية الوقت تماماً مثلما يفعلون مع الفشار وتبادل النكات كما هو الحال مع الحركة المعروفة بالهندية التي تتميز منشوراتها بكونها رخيصة الثمن وفي متناول الجميع.
مثل هذا النوع من الكتاب لهم حياة باذخة حيث لهم فيلاتهم الخاصة في دكا، ويملكون سيارات فاخرة ويسافرون مرة أو مرتين أو أكثر إلى الخارج، إنه شيء مثير للاهتمام فعلاً، وهناك أيضا كتاب يكتبون للأطفال لكنهم قلائل من حيث العدد من أمثال "تهاكورمار جهولي" و"غوبال فار" و"ملا نصير الدين".

هل نستطيع أن نعرف أهم المشاريع الكتابية لبيباشا موندول؟
مشاريعي الكتابية متعددة وكبيرة، أريد أن أكتب رواية ضخمة حول المقاومة و النضال من أجل الحرية ومعاناة الشعب في بلدي بنغلاديش، وقد شرعت في هذا العمل الآن وفي الوقت الراهن أنا بصدد جمع كل الوثائق والشهادات التي لها صلة بالنضال إلى غاية الاستقلال، وأنا أريد أن أكتب هذا العمل على مهل وروية حيث أنه يمثل مرحلة زمنية لم أولد فيها بعد، وبعدها جاءت الحرب وهناك 75 في المائة من المقاومين لا يزالون على قيد الحياة ولا أرغب في جرح مشاعرهم بسرد حوادث كاذبة، المهم أنني بهذه الرواية أريد أن أعرف ببلدي بشكل خاص وجزء من تاريخه المعاصر.

ومن جهة أخرى أنا أشتغل على الترجمة من الإنجليزية إلى البنغالية، حيث أنجزت حتى الآن ترجمة ستة كتب، ثلاثة منها مجموعات قصصية وكتاب آخر حول مقابلات مع كتاب مشاهير وكتابين فلسفيين عن نيتشه وسارتر، وحالياً  أستعد للمشاركة ببعض كتبي في المعرض الوطني للكتب الواحد والعشرين والذي يقام في دكا ببنغلاديش ومن هذه الكتب مجموعة شعرية سبق وأن نشرتها في صحيفة وطنية إضافة إلى كتاب للأطفال.

كلمة أخيرة:
أشكركم على الحوار الذي تناول أدبنا المحلي وثقافتنا فضلاً عن الأسئلة الخاصة بنشاطاتي العملية.

 

 يذكر أنه قد صدر للأديبة بيباشا موندول حتى الآن عدة مجموعات شعرية منها "مع الكآبة مبتسما "، "حياة فينيق "، "مختارات من قصائد الحب"، وفي الرواية صدر لها  "أرمان الشيخ ومعضلة الجذور"، "الفجر"، "امرأة في ضوء القمر"(حكاية أسطورية ) "، بيهولا ساتي "(حكاية أسطورية) و" دوجون "(قصة حب ).

 وفي مجال الترجمة نقلت إلى اللغة البنغالية كتاب "الفائزون بجائزة نوبل"، وكتاب للأطفال " الغراب الذي يستطيع التحدث إلى آهونا"، ومن المنتظر أن يصدر لها قريبا كتابين حول الفيلسوفين الألماني فريدريش نيتشه، والفرنسي جون بول سارتر، و كتاب آخر يضم مجموعة حوارات مع كتاب مشاهير، بالإضافة إلى مجموعة قصصية لفرانز كافكا، ومجموعة شعرية أخرى وقصة عن الأشباح خاصة بالأطفال.