عربيات - خاص :- مازال المثقفون يعيشون أزمة المصطلح، فرغم أن بعض المصطلحات استحدثت لأمرٍ تاريخي بحت إلا أنها تستخدم في الأدب لتلتصق بموروث أدبي زخم وعظيم، الإعلامي السعودي محمد السلوم احتج كثيراً في سوق عكاظ على مصطلح "الجاهلية" والذي استخدم للحديث عن شعراء العصور الأولى أو عصر ما قبل الإسلام، وأعلن السلوم عن احتجاجه على إطلاق مصطلح شعراء الجاهلية على من تركوا لنا تراثا ثقافيا وأدبيا وشعريا رفيعا ظل مرجعا لأقوام خلت من بعدهم على مدى أربعة عشر قرنا مضيفاً " الجاهلية لفظ لا يستقيم مع قامات الشعراء الكبيرة و انجازاتهم وإبداعاتهم في الشعر والأدب في ذلك الزمان على الرغم من أنهم عاشوا عصر ا وثنيا."

وشدد السلوم في حديثه لـ "عربيات"  على أن أدباء و شعراء سوق عكاظ هم رموز الشعر وبحوره وأسياد البيان وهندسة تركيباته اللفظية ومعانيه، وإنتاجهم يعد من أهم المراجع إذا اختلف المختلفون من بعدهم حتى وقتنا الحاضر وسيبقى تراثهم حاضرا مادام الناطقون بالعربية على قيد الحياة .

واعتبر السلوم أن التعميم في إطلاق مصطلح شعراء الجاهلية على عصر ما قبل الإسلام فيه تجني كبير على أعلام أفذاذ أثروا ساحة المعرفة طيلة القرون الماضية فضلا على تحليهم بصفات إنسانية راقية كالكرم والشهامة والفروسية .

العلم والصفات النبيلة لا تجتمع مع الهمجية والدموية

وقال أثناء تواجده في الطائف لحضور فعاليات سوق عكاظ  في دورته الثالثة إن العلم الغزير والصفات النبيلة التي يتصف بها شعراء وأدباء ما قبل الإسلام لا يمكن أن تجتمع مع الهمجية والدموية والظلامية التي هي من صفات الجهل مضيفا " لو قدر للأساتذة امرؤ القيس, عنترة بن شداد، زهير بن أبي سلمى، وعمرو بن كلثوم، وغيرهم من أصحاب المعلقات السبع أن يمتد عمرهم طويلا وهم الذين لا تنقصهم البلاغة لفرضوا على تلاميذهم الحاليين الاسم الذي يليق بعبقريتهم".

ونوّه السلوم إلى أن أصحاب المعلقات على جدار الكعبة والمكتوبة بماء الذهب تعد أرقى وسام أدبي يمنح في ذلك العصر للمتميزين وهو ما يعادل في زمننا جائزة الملك فيصل العالمية للأدب، أو جائزة نوبل.

 وطالب السلوم رواد الفكر العربي في هذا العصرأن ينصفوا عباقرة الأدب في ذلك العصر الذي يعد من حيث إنتاجه الأدبي عصرا تنويريا لا جاهليا بل يمكن اعتباره عصر التأسيس لعلوم الشعر وبحوره.

ولم يغفل الإعلامي السعودي الذي يعمل في الصحافة منذ أكثر من عشرين عاما عن ما تطرق اليه بعض النقاد في ندوة نقدية بعنوان " الدرس الشعري في شعر امرؤ القيس " والتي أقيمت ضمن الفعاليات الثقافية بالسوق حيث تخللها اتهامات لأمرؤ القيس بالعجز الجنسي والفسق والمجون موضحا" عتبي على بعض النقاد ممن شاركوا في ندوات سوق عكاظ  الذين فتحوا بعض الملفات الخاصة بالحياة الشخصية لشاعر العرب الكبير والمرجع اللغوي الأعلى حتى يومنا هذا، ففي عكاظ قديما لا يتم تداول الأمور الشخصية للشعراء وترى العرب في ذلك عيبا حيث يتم التركيز على الإنتاج الشعري والأدبي، وهذه القلة التي تعرضت لحياة امرئ القيس الشخصية في محفل عام مثل سوق عكاظ لن تغير من مجرى تاريخ شاعرالعرب الأول، ويمكن اعتبار مثل هذه الأصوات تندرج تحت مسمى التكيف المعوج الذي يختبئ وراءه أناس يعانون الهشاشة الفكرية و يحاولون لفت الأنظار لعجزهم عن فرض حضورهم على أسس معرفية قوية".

منتقدا بعض المقاطع التي أقحمها كاتب السيناريو محمد العثيم وربما بالاتفاق مع المخرج محمد المسلم - على حد إنتقاده - حيث كان من المفترض عدم المبالغة بتصوير جانب من حياة الشاعر الشخصية بأنها غارقة في الفسق والمجون وشرب الخمر وقال السلوم "إن العثيم والمسلم أرادا دس الإثارة في محتوي مسرحية عرضت على مسرح جاد وهو مسرح سوق عكاظ ولم يأخذا في الاعتبار صغار السن من المتفرجين مع العلم أن ذلك لن يقلل من عظمة الشاعر وهو الذي لم يأت الصدأ على قصائده المنشورة منذ مئات القرون وظل واحدا من قمم الشعر العربي والذين كتبوا التاريخ انصفوا الشاعر الكبير من خلال ما تركه خلفه من تراث أدبي رفيع."

وتعلق البروفيسور في اللغة العربية والأدب الدكتورة سعاد المانع على قضية مصطلح شعراء الجاهلية بأنه معتمد على عدة وجهات نظر موضحة  "هناك وجهة نظر تأخذ معنى لفظ "الجاهلية" بمعناه الحرفي المتصل بالجهل (ضد العلم )لكن الجهل هنا في مصطلح " العصر الجاهلي " لا علاقة له بعدم المعرفة لأن هناك معاني عديدة للفظ الجهل منها الطيش مثلا كما في بيت عمرو بن كلثوم "الشاعر الجاهلي" فنجهل فوق جهل الجاهلينا " وتضيف " لفظ الجاهلية يشير إلى حقبة زمنية سابقة للإسلام اتسمت بالجهل بالدين الصحيح (الإسلام) وهذا مصطلح متعارف عليه وليس له علاقة بالجهل، ويرى البعض أن من الأولى أن يطلق على هذه الحقبة حقبة شعراء ما قبل الإسلام وهذا المصطلح متداول عند المستشرقين Pre Islamic poets .

الشعر والأدب لا علاقة لهما بشخصية الشاعر وتصرفاته

 وحول ما حدث في مسرحية امرئ القيس والندوة تقول المانع " ما يعنينا من الشاعر هو شعره الجميل، أما صفاته المتصلة بشخصيته فلا علاقة لها بجودة شعره، وقد ِألـِفَ الناس أن يربطوا دوما بين شعر الشاعر وشخصه (أو بين الروايات الناجحة ومؤلفيها) لكن الشعر أو الأدب لا علاقة له بشخصية الشاعر وتصرفاته، وكتب التراث ( كتاب الأغاني، وغيره ) أوردت عن امرئ القيس كثيرا من هذه الصفات، وهي مجرد روايات قد يكون معظمها نسج خيال ، وقد يكون لها أصل صغير من الحقيقة وقد لا يكون، و كوننا نستمد المعلومات الحقيقية من البحث التاريخي نتسائل كيف نصل إلى معلومات قريبة إلى الحقيقة حول شاعر قديم في وقت لم يقم فيه العرب بنقل المعلومات إلا من خلال الرواية الشفوية" وتضيف المانع: "ليس هناك ما يمنع أن يقوم راوٍ آخر بنقل قصة أخرى عن امرئ القيس تصوره على أنه بطل، وأنه كان مهموما بأمر جاد هو الثأر لأبيه واستعادة ملكه الذي فقده، فالروايات والأساطير حول امرئ القيس كثيرة، وما علينا إلا أن نأخذ منها ما نحب".

كاتب مسرحية امرؤ القيس الكاتب المسرحي محمد العثيم اعتذر لـ عربيات حول عدم إمكانية تعليقه على الموضوع لتواجده خارج المملكة وذكر بأن هناك دراسة قام بها مكتبهم عن ردود الفعل لتكون الكتابة موثقة وليست إنشائية وذكر العثيم بأنها ستنشر خلال الفترة المقبلة.

 يذكر أن مسرحية امرؤ القيس عرضت ضمن فعاليات مهرجان سوق عكاظ بالطائف لمدة أربعة أيام متتالية شارك فيها عدد من الممثلين السعوديين.