الروائي أحمد مراد يؤكد مصر فقدت التواصل مع القارئ

فيرتجو الرواية التي حسمت الصراع داخل نفس كاتبها، وأشعلته داخل قارئها

حنين موصلي - عربيات
صور وفيديو

استفزه فلاش الكاميرا التي يحملها وهو يلتقط الصور لمدينة سكن قلبها، فكشفت عن أسئلة خلقت داخله صراع، وبعين المصور قرر أن يكتب المشاهد التي يراها عله يجد في القلم والورقة سبيل يصالح به نفسه، فنتج عن المشاهد والصور عمل أدبي، صنفه بعض الكتاب برواية تأسيسية في الأدب البوليسي العربي الحديث، بينما يؤكد الروائي أحمد مراد أنه كتبها بعشوائية، وكان دوره ربط أبطالها تحت سقف رواية، تاركاً تسلسل الإحداث للتفاعل الناتج عن خلفيات أبطاله الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.
"عربيات" استضافت مؤلف رواية "فيرتجو" الذي اعترف من خلال الحوار بأنه مهما كتب لن يجد من يحاسبه، متوقعا أن الجيل الجديد من الكتّاب سيصحب معه أنواع جديدة من الأدب .

ذكرت أنك كتبت الرواية لتتصالح مع ذاتك، فما هو الخلاف الكائن بينك وبينها لتتصافى معها برواية تحمل هذا الكم من الانفعالات؟
كتبت لأحسم سؤال يدق رأسي كمطرقة عملاقة، ما هو دوري في الحياة؟ طالما أقلقتني الإجابة، تفكيري كان يقودني إلي تقسيم لنا كبشر، فاعل ومفعول به.. وشيء هائم في الوسط، إمّا أن أكون إيجابيًا مؤثرًا و لي دور في الحياة، و إمّا أن أكون سلبيًا، أو أتفاعل و أشعر  لكن بلا رد فعل. حين برزت لي فكرة الكتابة كنت قد قررت أن أنتقل من الصنف الثالث إلى الأوّل، أن أؤثر، أضع أفكاري و تخوّفاتي في أوراق وأقرأها بصوت عالي، الكتابة بالنسبة لي كانت المتنفس، حتّى لا يحدث الانفجار، أمّا عن طبيعة و كم الانفعالات، فأنا أدعوك سيّدتي للعيش في مصر 32 عامًا قبل أن نتكلّم..!

يلزم الكاتب أن يرى الحياة من جميع زواياها، وفيرتجو تنتمي لروايات الإثارة


في تصنيف كبار الكتاب صنفت فيرتجو برواية تأسيسية في الأدب البوليسي العربي الحديث، وفي تصنيف القراء اعتبرت فيرتجو من روايات الجيب البوليسية بعد أن نضجت، بينما يعتبرها البعض رواية تجارية؟ فما هو التصنيف الأقرب إلى الصحة من وجهة نظر كاتبها؟
- لن أكون حكمًا على عملي، أترك ذلك عادة للقراء، لقد كتبت ما يمليه علي عقلي دون أن أضعه في قالب بوليسي أو غيره، فطريقة كتابتي عشوائية، أي أنّها تبدأ بموقف يخلق الأبطال ثم أتركهم يتعاملون من خلال الخلفية التاريخية و الاجتماعية و النفسية لهم، فقط أضع خط سير الأحداث و هم يتفاعلون.
أي أنّي لا أكتب بنيّة معيّنة في التصنيف، بوليسي أو غيره، لكنّي أعتقد أن ذلك إفراز طبيعي لما يعانيه مجتمعنا من جرائم تفوق خيال الكتّاب، ومن وجهة نظري الرواية فقط تحمل الحس البوليسي لكنها تنتمي إذا أردتي تصنيفًا إلى روايات الإثارة (Thriller)، و هو ما نفتقده في مصر و العالم العربي و لا أتّفق أنّها تأسيسية رغم ما تحمله الكلمة من إغراء لأي كاتب، لأن الأديب الكبير نجيب محفوظ على سبيل المثال لا الحصر كتب لنا اللص و الكلاب ! أليست تنتمي للشكل نفسه ؟، القالب البوليسي قائِم على من القاتل؟ أو كيف فعلها؟ و ذلك ما تجنّبته، لأن الأوراق لدي مكشوفة من أول الأحداث، إنّما فقط الإيقاع السريع المميز لروايات الإثارة كان بالنسبة لي مناسبًا لاستقطاب و جذب انتباه القارئ.
أمّا عن كونها تجارية!! فذلك الوصف يثير في الضحك، ما معنى الكلمة ؟ هل معناها أن أكتب الرواية و لا أنتظر أن تباع أو تقرأ ؟ لا يدّ لكاتب في انتشار و رواج كتابه، إمّا الكتاب جيّد أو لا، و التوفيق من عند الله في النهاية.

قلت "الروائي أو القاص الذي يكتفي بقراءة الرواية والقصة يحصر إطلاعه في نطاق ضيق, فما هي العناصر التي تجد أنها تساهم في توسيع هذا النطاق؟
- من وجهة نظري أن الكاتب لا يجب أن يكتب حتّى يجد ما يقال، أي أن الفكرة في حد ذاتها قائمة على التراكمات الحياتية المختلفة، يجب أن يقرأ تجارب روائية و شعرية نعم، لكن ذلك غير كاف، يجب أن يكون له باع في التاريخ و السياسة، العلوم لو أمكن و اللغات، قراءة الآداب المترجمة، و مشاهدة الأفلام السيئة و الجيدة، تأمل الشوارع و الناس و قراءة الجرائد و الاستماع لأكثر الناس كذبًا و نفاقًا و أكثرهم صدقًا و خبرة، رؤية الحياة من كل الزوايا، ذلك هو الكاتب.

أنا أسير في قدر لا أعلمه، ومهما كتبت فلن أجد من يحاسبني

 في رواية "فيرتجو" الكثير من الإسقاطات الواقعية على الشخصيات توجتها بأسماء أبطال روايتك التي جاءت رمزية لشخصيات معروفة مما قد يؤدي إلى ملاحقتك قانونياً، كما يتهمك البعض بالإفلاس القصصي لاستعانتك بأحداث حصلت في مصر، فما تعليقك على ذلك؟
- أنا لا أكتب قرآن، على وجه كتابي كلمة رواية، أن يجد صاحب قصّة نفسه بداخل روايتي فهي مشكلته، أمّا الملاحقة القانونية فأنا لم أكتب اسم شخصًا بعينه !!
أما عن استعانتي بأحداث حدثت في مصر، فما الاختيار ؟ تلك بلدي التي عشت و أعيش فيها و أتأثر بما يحدث فيها، كما أنّي أسكن العاصمة و وسط البلد بالتحديد، يا لها من منطقة مزدحمة تثير في النفس العواصف !! أما عن الإفلاس القصصي فسأذكر نفس المثال فقد استعان الأديب نجيب محفوظ بحادثة محمود أمين سليمان السفّاح ليصنع رائعته اللص و الكلاب، ألم تكن من الواقع وقتها؟ من وجهة نظري و عن تجربة الكتابة الواقعية هي أصعب أشكال الكتابة، فنحن نقرأ الآن في الصحف ما يعجز البشر عن تخيّله، فما بالك لو استطاع الكاتب أن يصيغه و يتأثر به في رواية و أن يجد من يقرأه بشغف !! عكس الخيال الذي لا يحكم الكاتب بحدود، فمهما كتبت فلن أجد من يحاسبني. 


هل كتبت الرواية وفي خاطرك تحويلها إلى فيلم سينمائي؟ وألا تخشى من خوض هذه التجربة خاصة وأنها ستكون منافسة بسياقها لفيلم "كباريه"؟
- بداية لم أكن أعرف أنني أكتب رواية، فقط شيء ما كان يدفعني دفعًا للكتابة، لمّا أنهيتها لم أتصوّر أن تنشر و لمّا وافقت عليها دار ميريت لم أتصوّر أن تنجح و لمّا حققت نجاح لا بأس به لم أتخيّل أن يطلبها سيناريست للسينما، أنا أسير في قدر لا أعلمه، أما عن تجربة فيلم كباريه فروايتي تتناول منظور مختلف سيدرك اختلافه القارئ منذ بداية الخوض فيه، و كم من روايات و أفلام تناولت نفس الحوادث و الفرق بينها واسع.

هذه الإشاعة صحيحة، ومصر فقدت التواصل مع القارئ

يبدو أن القراء بانتظار العمل الثاني لمراد، بينما يفضل الكثير من كتاب العصر الحالي أن يتيحوا مساحة لنجاح أعمالهم بتباعد فترات إصدارها، ماذا عنك؟
كم تقلقني تلك الكلمة (ما الجديد لديك يا مراد ؟)، تباعد فترات الإصدار لا تتوقف على قواعد معينة، يجب على الكاتب أن يجد ما يقوله حتّى يكتب و إلا جاء تسرّعه في الإصدار ركيكًا و أقل من المستوى، فأنا أفضل التأخير على القارئ على التسرع، أمّا تجاريًا فتتوقف المدّة على إتاحة الفرصة للكتاب السابق أن ينتشر و يأخذ فرص نجاحه قبل الإصدار التالي، علاوة على اختيار الوقت المناسب لظهوره و مدى تشبع الرواية السابقة في أيدي القراء.

يشاع بأن مراد بصدد إنتاج عمل أدبي بوليسي آخر، فهل اخترت أن تواصل الكتابة في هذا القالب فقط؟
إشاعة صحيحة "مع اختلافي مع كلمة بوليسية".. فهي فقط في قالب الإثارة، قريبًا إن شاء الله سأصدر روايتي الثانية التي أتمنى أن تكون عند حسن ظن القراء، أما عن مواصلة الكتابة في هذا القالب فصدّقيني لا تخطيط مسبق، إن رأيت أن أي قالب آخر يجذبني سأخوض فيه، المهم أن يحقق لدي القارئ المتعة.


 تربعت مصر على عرش الإنتاج الأدبي لسنوات طويلة، واختفت على حد وصف البعض عن الساحة الأدبية إلى إصدار عمارة يعقوبيان، فهل تتفق مع هذا الرأي؟ وكيف تقيّم الحركة الأدبية في السنوات الأخيرة في العالم العربي بشكل عام وفي مصر بشكل خاص؟
- هناك فجوة عميقة حدثت بعد زخم وكثافة الإنتاج الأدبي لجيل الستينيات و ما تلاه من تغيير في فترة جيل السبعينيات و الثمانينيات التي بدأت تنغلق في عالم من الذاتية، أعتقد أن مصر فقدت التواصل مع القارئ الذي ربّما شعر بنوع من التعالي من الكاتب "لا أقصد كل الجيل إنما السائد" لذا اختفت مصر عن الساحة الأدبية نسبيًا لأن الكتاب لم يخلق ليوضع على الرفوف إنما خلق ليقرأ، عمارة يعقوبيان جاءت مثل أول الغيث، بداية وعودة للتواصل بالقارئ، تحدّث الأديب علاء الأسواني عن شيء يشعره القارئ، بلغة يستوعبها و يشعر بها و تلك كانت نقطة الاتهام التي وجّهت له بأن العمل يتدنّى لمستوى القارئ البسيط، فهل كان يتخيّل الأسواني مثل ذلك النجاح أو كان يخطّط له؟ وأعتقد أن للحسد دخل بالهجوم.
أما عن الحركة الأدبية، فعلى المستوى العام أعتقد أننا نمرّ بمرحلة تغير و تفجّر و تجريب ستنتهي بإفراز جيل من الكتاب سيصطحب في يديه أنواع جديدة من الأدب مع رجوع و عودة لأنماط و قوالب ترفّع عنها جيل الثمانينيات و التسعينات، على المستوى المصري أعتقد أن تلك المرحلة ستكون أكثر حدّة و تجريب لأن المجتمع المصري من أكثر المجتمعات أحداثًا، ومن وجهة نظري أن الكتابة في ظروف حياتية صعبة أقدر على الإبداع، فالمحارة التي تنتج اللؤلؤ لا تصنعه إلا حين تؤرقها ذرّة تراب، فتفرز المادة التي تخرج لنا أثمن المقتنيات، أما عن المجتمعات الأقل في المشكلات و المعوقات فإنتاجها الأدبي يأتي أقل حده و أهدأ صوتًا، و لكل قاعدة استثناء.

 المدونات تجربة تستحق الانتظار، ولم أهمش المرأة في فيرتجو


last_2_829729915.jpgبات استخدام اللهجة العامية في الروايات أكثر انتشاراً من الفصحى، وقد دمجت بين الاتجاهين في روايتك، ألا ترى أن استخدام العامية يحد من وصول الرواية للقارئ ويحصر إنتاجه في نطاق بلده؟
ليس الأمر يقاس بالحد من وصول الرواية للقارئ أو حصر إنتاجه، إنما يقاس بما يناسب شخوص الرواية و طبيعتهم، عن تجربتي فقد وجدت أن القارئ يتواصل أكثر مع الحوار و اللغة المتداولة، ليس على سبيل التسهيل على القارئ إنما الشخوص تبدو حقيقية و أقرب إذا تكلمت بلغة دارجة، ما يهمّني أولاً أن يصدّق القارئ شخصياتي، أما على مستوى النشر العربي فالحوار المصري يكاد يكون مفهوم 100%، فالميديا و الأفلام – على وجه الخصوص- قدّمت اللغة المصرية بشكل مكثّف مما جعلها قريبة من المتلقي العربي، و لا تنسي يا عزيزتي أنك تكلمينني الآن من المملكة العربية السعودية.


 بعد الانفتاح المعلوماتي أصبح بإمكان القارئ أن يكون كاتبا وبالفعل تحولت بعض المدونات إلى كتب في الآونة الأخيرة، كيف ترى هذه الخطوة؟ وهل ستنعكس سلباً أم إيجاباً على الإنتاج الثقافي؟
البقاء للأصلح، الانفتاح دائمًا على المجالات الجديدة يحمل سلبيات و إيجابيات نتيجة التجريب حتى الوصول لأشكال مبتكرة جديدة، أو حتى العودة لأنماط لم تعد مستخدمة، من وجهة نظري أن القارئ يفرز بطبعه و ينتقي، وينقد، و البقاء لن يكون مهما طال إلا للعمل الجيد.
وخطوة المدونات أراها تجربة تستحق الانتظار حتى نرى تأثيرها، للمرة الثالثة سأذكر أديبنا الكبير نجيب محفوظ، ففي أواخر سنواته بدأ اتجاه جديد هو أصداء السيرة الذاتية، ألا يعد ذلك تجريبًا؟ مع الفارق طبعًا فلن أقارن الأصداء بالمدونات.


 ما هو سبب تهميشك لدور المرأة في روايتك حيث لم يكن لها تأثير في سياق الأحداث؟
ليس هناك نيات مسبقة لتحديد حجم أو مدي تأثير أي دور، فكما قلت من قبل أنا اصنع الشخصيات و هي من تسيطر على الأحداث و العكس صحيح، هي أيضًا من تحدد لنفسها زمن ظهور، وروايتي جاء فيها أكثر من شخصية لامرأة (آية الأخت، سالي الراقصة، غادة الحبيبة) أما مساحة أدوارهن فجاءت من وجهة نظري متناسبة مع البناء العام للأحداث.

 التصوير نقل للواقع والكتابة سبر لأغواره


في إهدائك قدمت الشكر إلى والدتك التي قالت لك يوماً "سيبك من الأتاري، واشترِ لك كتاب ينفعك"، فنود أن نتعرف على ميولك الشخصية قبل شراء الكتاب وبعده؟
والدتي في الأصل قارئة نهمة، لا أنسى دورها أبدًا في لفت نظري لأهمية القراءة منذ صغري، وقدسية معرض الكتاب، و هدايا لا تنتهي من الكتب، شكرًا لله ثم لها.
أما عن ميولي في شراء الكتاب فهي بلا قواعد، إذا تضايقت أشتري كتاب و إذا فرحت و أردت الاحتفال أشتري كتاب، و إذا أردت الكتابة أشتري كتب في أي مجال.


كنت قبل الكتابة مصورا تجسد الواقع بصورة، بينما بالرواية بت تكتب الصور بحروف، أيهما أكثر مشقة، واصدق تعبيرا،و ما الفرق بينهما من مجال ممارستك؟ وهل كان للتصوير دور وراء ارتفاع مستوى الوصف الذي يتطلبه العمل الروائي؟
لا مجال للمقارنة بين صعوبة الكتابة عن شيء و التقاط صورة له، قد تضطرني جملة أو معلومة أكتبها لأن أقرأ كتابًا، ذلك لا ينفي أن التصوير مشقة لكنه أخف وطأة و إن كان يتطلب سرعة بديهة و يقظة و رؤية، عن صدق التعبير أجد المجالان متشابهان، فالتصوير نقل للواقع و الكتابة سبر لأغواره، وجهان لعملة واحدة، وبالطبع كان للتصوير دور في إحساسي بالتفاصيل، فعمل المصور يتطلب منه إلمام بالمشهد و تأمل و هذا ما ساعدني في خلق أجواء فيرتيجو.