تسعى لتدشين مشروع شبابي لرعاية المواهب العربية

داليا السعدني.. المعمارية التي قفزت بتصنيف مصر في مجال التصميم والهندسة

عربيات - القاهرة: محسن حسن
صور وفيديو

واحدة من قليلات يعملن في مجال الهندسة المعمارية والتصميم في عالمنا العربي، تميزت عن غيرها بتفوقها ونبوغها الهندسي والمعماري إلى الحد الذي دخلت فيه إلى قائمة أفضل 100 في هذا المجال لتحتل مؤخراً المركز الثاني عشر ضمن أشهر المصممين العالميين، وذلك بعد حصولها على الجائزة السابعة عالمياً ضمن مسابقة "ديزين أوورد" الإيطالية للعام 2014  لتقفز بمصر إلى المركز الخامس والعشرين عالمياً في مجال الهندسة والتصميم، إنها المهندسة المصرية داليا السعدني التي التقتها عربيات في هذا الحوار 


أليس غريباً أن تتخصص المرأة في مجال الهندسة المعمارية؟ 
لا أتفق مع من يصنفون "طبوغرافيا" العمل وفقاً للجنس أو السن أو الدين، بل أعتبر أن مثل هذا التصنيف فيه ظلم للمرأة وللرجل معاً، لأنه قائم على فلسفة احتكارية مجحفة لا تعترف بالقدرات الخاصة أو المواهب المميزة خاصة لدى المرأة.
 
معنى هذا أنك مقتنعة بقدرات المرأة وبمواهبها الخاصة؟ 
بالتأكيد، ومن خلال خبراتي المتراكمة تبينت أن المرأة أكثر مرونة من الرجل ولديها قدرات فائقة على التكيف مع البيئة المحيطة، وعلى القيام بأدوار مختلفة في آن واحد خلافاً للرجل، وللعلم أنا لا أتكلم هنا عن واحدة مثلي لديها شركات وموظفين، وإنما خذ المرأة الريفية كمثال فهي تأتي من أقاصي صعيد مصر بشكل يومي عبر القطار لمجرد أنها تبيع منتجات صغيرة من الألبان والأزباد والأجبان ثم تعود في نفس اليوم لتنفق على أولادها وربما زوجها المريض ثم هي تستأنف عملها مجدداً في صبيحة اليوم التالي، عمل شاق إن دل على شيء فإنما يدل على التحدي الذي تحمله المرأة على عاتقها، وحينما أنظر إلى مثل هذا النموذج أتصاغر أمامه رغم صعوبة المجال الذي أعمل به.

على ذكر الصعوبة، كيف استطعت التعامل مع مجال الهندسة المعمارية والمقاولات وأغلبه ذكوري النزعة؟ 
تزداد صعوبة هذا المجال بصفة خاصة في المجتمعات الشرقية؛ حيث التعامل مع فئات وطبقات اجتماعية تؤمن بذكورية المعمار وترفض العمل تحت قيادة نسوية انطلاقاً من الإحساس الطاغي بضرورة هيمنة الرجل، ومن ثم واجهتني صعوبات كثيرة وعداوات أكثر، ولكني بالخبرة العملية وبثقافة الاحتواء والتوجيه والتعاون استطعت التغلب على كل ذلك وكسرت الاحتكار الذكوري لهذا المجال.

من مكتب هندسي إلى المقاولات وصناعة الأثاث
تصميم داليا السعدني

كيف كانت بداياتك العملية في مجال الهندسة والتصميم؟ 
في الحقيقة جاء دخولي إلى هذا المجال مصادفة؛ حيث كنت أنوي التخصص في مجال علوم الكمبيوتر لكن نصحية مخلصة من أحد أساتذة الجامعة حولتني إلى مجال الهندسة المعمارية؛ لتبدأ رحلتي العملية في سن الثامنة عشر أو التاسعة عشر عندما قمت بتأسيس أول شركة كانت عبارة عن مكتب هندسي صغير قمت من خلاله بإنجاز فيلا خاصة بأسرتي، والآن بالإضافة لمكتب التصميم الهندسي لدي شركة في المقاولات وأخرى في الأثاث.

مؤخراً دخلت إلى عالم الجوائز والتصنيف العالمي بقوة، كيف حدث ذلك؟ 
دخولي إلى عالم الجوائز والتصنيف العالمي جاء أيضاً بشكل مفاجيء؛ ففي مجال التصميم تقدمت إلى جائزة "ديزين أوورد" الإيطالية لأول مرة، بعمل عبارة عن قطعة أثاث محلية تماماً وكانت منضدة على شكل "وابور جاز" مصري وفزت بالجائزة، وتكررت التجربة في مسابقات العمارة والتصميم الداخلي والأثاث، والحمدلله فزت بجوائزها جميعاً، ثم توالت الجوائز لأرتقي من المركز 72 عالمياً في مجال التصميم إلى المركز 12 خلال العام الحالي 2014، وبذلك تغير مركز مصر في التصميم عالمياً ليصل للمركز 25 ضمن 182 دولة حول العالم.  

المحلية نقطة الإنطلاق نحو العالمية

ما السر في حفاوة الإيطاليين بك وبأعمالك سواء في التصميم أو المعمار أو الأثاث؟ 
السر هو تميز العمل المقدم لهم، والتميز هنا أعني به عدم التقليد والبعد عن الاعتيادي والمألوف والجمع بين المتناقضات بشكل فريد ومتميز؛ فوابور الجاز المصري قطعة محلية جداً لدينا في مصر، لكن عندما قمت بدمج الشكل المحلي في قطعة أثاث "مودرن" حدث التميز ومن ثم كانت الجائزة، وكذلك قطعة الأثاث "عين رع" وغيرها من مشاريعي الحاصلة على جوائز عالمية، وللعلم أنا أرى أن المحلية هي أفضل نقطة انطلاق لأي مهندس معماري أو مهندسة معمارية أو مصممة نحو العالمية ، المسألة فقط تكمن في فلسفة المزج بين الطرز وكيفية الحفاظ على روح الهوية وراحة الرؤية بالعين المجردة.

تصميم داليا السعدني
طاولة على شكل "وابور جاز"  من تصميم داليا السعدني

ما أبرز ما تحرصين عليه في تصميماتك الهندسية والمعمارية؟ 
البعد التاريخي واستلهام حضارات الشعوب العريقة وتوظيف القصة التاريخية والأسطورية والتراثية والمزج بين "الموتيفات" المتباعدة باحترافية تصنع التوازن وتضيف جديداً مبتكراً.

بعض التصاميم المعاصرة في مجال الأثاث وغيره يكون هدفها تسويقياً وربحياً.. هل تعتمدين هذه الطريقة أحياناً؟ 
مطلقاً، فرغم اعترافي بوجود هذه النوعية من التصاميم إلا أنني أختلف مع هذا التوجه تماماً، وأنا كمهندسة مصرية لا أحرص على الربح بمقدار حرصي على إبراز هويتي المصرية والعربية فيما أقدمه من تصاميم، وعموماً عدائي شديد لأي تقليد هندسي أعمى للغربيين.
 
ما الذي تتحفظين عليه في مصر بالنسبة لمجال تخصصك الهندسي والمعماري؟ 
نحن في مصر توقفنا في مجال الهندسة المعمارية عند حدود الحضارتين الفرعونية والإسلامية ، كما أننا أغفلنا ما يسمى بـ "النسق المعماري" لذا سيطرت العشوائية على كل معمارنا وفقدنا الراحة في المسكن الخاص والعام، كما أن البيئة المصرية أصبحت بيئة طاردة للمهندسين المعماريين وهو ما يهدد بقاء هذا المجال وبقاء المتخصصين فيه.

تصميم داليا السعدني
 

المعمار الخليجي ظلمته البهرجة

كيف تقيّمين المعمار الخليجي قياساً بالمعمار المصري؟ 
عندما تتحدث عن المعمار الخليجي فأنت تتحدث عن معمار محافظ له ملامحه الخاصة التي يجب على أي مهندس معماري أن لا يغفله؛ حتى طبيعة العادات اليومية الخليجية تقتضي هندسة معمارية حاضنة وموافقة تراعي الخصوصية وتستغل الأفق المفتوح، وللعلم أنا لدي تحفظ كبير على ما يمارسه المتخصصون في مجال الهندسة المعمارية في منطقة الخليج من إغراق في البهرجة دون تحقيق موائمة واضحة وموضوعية في العمل المنجز، أو إضافة لمسة جمالية تشي بتاريخ المكان وطبيعته.

البعض يرى أن المهندسين المعماريين يستنزفون العملاء، هل هذا صحيح؟ 
للأسف الشديد يوجد أشخاص في المهنة يمكن أن نطلق عليهم "ماديين" أكثر منهم معماريين محترفين، وحتى المحترف منهم يفقد ميزته الاحترافية عندما يسلم مهنته وتخصصه لإغراءات المال ورغبات تحصيله.

ما رأيك في مسيرة المرأة الخليجية قائدة وصاحبة أعمال؟ 
أعترف لهذه المرأة بالتطور السريع خاصة في مجال المال والأعمال، فهي تتقدم بخطوات واثقة نحو تحقيق طفرات واضحة وجلية في مجالات عدة، وهي لا تقل عن الرجل في هذا الأمر، هذا إذا لم تكن قد تفوقت عليه بالفعل في مجالات كثيرة مؤخراً.

ما الذي تطمحين إلى تحقيقه حالياً ؟ 
أطمح بقوة إلى تدشين مشروع شبابي كبير يضمن للمواهب المصرية والعربية ظهوراً دولياً، ويجنبهم تلك الصعوبات العملية وغيرها مما واجهني في بداية مشواري المهني والهندسي.

في الختام، ما سر نجاح المهندسة داليا السعدني؟ 
التذوق والإبداع وحب المهنة والعمل، وقبل كل ذلك دور أمي المثابرة ثم دور زوجي المتفهم لطبيعة عملي.