لن تستطيع قيادة الآخرين ما لم تكن قادراً على قيادة و إدارة ذاتك

أيها العزيز(4) : تدرج النضج

*المهندس/ زياد أبوزنادة

عندما أحدثكم عن العادات السبع للأشـخاص ذوي الفعالية العااااالية فأنا أحدثكم عن منهج حياة آن الأوان لتبنِّيه في حياتنا .. عن سبع عادات ستغير حياتنا .. ستحسِّنها .. ستطوِّرها .. سترتقي بها نحو الأفضل .. سبع عادات تمكننا في المقام الأول من قيادة وإدارة الذات .. سبع عادات تمكننا من أن نصبح مسلمين أفضل، مسئولين أفضل، موظفين أفضل، مربين أفضل، معلمين أفضل ، طلاب أفضل ، أزواج أفضل ، آباء وأمهات أفضل ، أبناء وبنات أفضل ، إخوة أفضل ، جيران أفضل وأصدقاء أفضل . هي فقط سبع عادات تنقلنا من مرحلة الاعتماد على الآخرين إلى مرحلة الاعتماد على الذات ثم إلى مرحلة التعاضد والتكاتف مع الآخرين لنحصل على ما نريد وقت ما نريد وبالطريقة التي تتفق مع المبادئ والقيم والأخلاق، فالعادات السبع مبنية على المبادئ وتُحمِّل كل فرد مسئولية ما يقوله ويفعله، يقول الله عز وجل "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقهِ ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا"

أيـها العزيـــز..

كلنا نسمع عن ونرى ما يحدث حولنا .. وكلنا نحس ونتألم لما يحدث، ولكن من منا يبادر ليحدث تغييرا إيجابيآ يبعد عنا هاجس القلق والخوف على أنفسـنا وعلى أكبادنا التى تمشي على الأرض ؟ ، ولقد كتب حسين شبكشي في جريدة الشرق الأوسط عن الفئة الضالة فمن هم الفئة المُضَلِلة حقآ؟ .. هل هم الآباء والأمهات الذين تخلوا عن مسـؤلياتهم؟ هل هم المسؤلين عن التربية والتعليم الذين ينظرون إلى وظائفهم كآلاف من الريالات يقبضونها آخر كل شـهر؟ .. هل هم المديرون الذين يتشـبثوووون بمناصبهم ولا يفعلون ما يقولون؟ .. هل هم من بالأمس بلغوا الحلم واليوم يفتون بما تشابه من القول؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي ". فمن هم الفئة المُضلِلة حقاً ؟

ذوي الفعالية العالية ليسوا منهم بكل تأكيد.

ذوي الفعالية العالية يتحملون مسئولية أفعالهم.
ذوي الفعالية العالية يتحكمون في تصرفاتهم وأقوالهم.
ذوي الفعالية العالية يقودون حياتهم وفق المبادئ والقيم.
ذوي الفعالية العالية يرتقون بتصوراتهم الذهنية ويفكرون مكسب مكسب، هذا التفكير يولد لديهم السلوك الذي يدعم مبدأ " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
أما آن الأوان أن نبدأ؟ ..أما آن الأوان أن نكون ذوي وذوات فعالية عالية؟ ، أن نصحح مفاهيمنا وخرائطنا الذهنية وطريقة نظرتنا للأمور؟ .. وأن نمارس حريتنا في اختيار أقوالنا وأفعالنا والطريقة التي ندير بها شئون حياتنا؟

أيها العزيـــز ..

إن تبني العادات السبع في حياتنا، عملية متدرجة ومتوالية ومستمرة للنمو والتطور .. ولهذه العملية بنية أساسية مرتبة وفق نظام معين يطلق عليه د/ستيفن آر كوفي اسم " تدرج النضج ". ننتقل إنْ اتبعنا هذا النظام وهذا الترتيب من مستوى الاعتماد على الآخرين ( التبعية ) إلى مستوى الاعتماد على الذات (الإستقلالية) ومن ثم إلى مستوى التعاضد والتكاتف مع الآخرين ( الفعالية )
 


 

فلنبدأ أيها العزيز بالحديث بالتفصيل عن كل مستوى :
أولاً : الإعتماد على الآخرين : وهو ما أسمته المتدربة ماريا حجازي في مقالها " لأ يانفسي " بمرحلة انتظار المعروف والمساعدة والواسطة وما أسميه أنا هنا بمرحلة التبعية .. التبعية ، التي نُهينا عنها في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تكونوا إمعة إن أحسن الناس أحسنتم وإن أساءوا أسئتم".
في هذا المستوى من تدرج النضج يكون الفرد معتمدا على الآخرين وظيفياً ، مادياً ، اجتماعياً، وحتى مشاعرياً، حاله ، حال الطفل المعتمد على أمه ، حال الطفل في بداية حياته الدراسـية ، حال الموظف في بداية حياته العملية، واعلم أيـها العزيــز أن من تقُوده استجاباته الانفعالية وتُحدد تصرفاته، يُعتبر تابع لها .. وأن من يقرر الآخرون مسار حياته ومستقبله ، يُعتبر تابع لهم ؟ وأن من يطبق أعرافاً هي من صُنع المجتمع وما أنزل الله بها من سلطان ، يعتبر تابعاً لها ، ثم ألا ترى معي أن من يُعتمَد عليه يتحكم في من يَعتمِد عليه ؟ ، فإن شاء أعطاه وإن شاء منعه ، وإن شاء وصله وإن شاء قطعه ، وإن شاء أكرمه وإن شاء أهانه ، لكن العادات السبع تعلمنا كيف نتغلب على كل ذلك، ونرتقي بأنفسنا، وذلك عند تبني الثلاث عادات الأولى ( كن مبادراً، ابدأ والنهاية في ذهنك ، وابدأ بالأهم ثم المهم ) وهي عادات النصر الشخصي، فعندما نتبنى هذه العادات ونتدرب عليها ( نطبقها في حياتنا ) حتى تصبح جزءاً ومكوناً أساسياً لشخصيتنا وتصبح ممارسة هذه العادات في حياتنا اليومية شيئاً تلقائياً وعفوياً وصادراً من اللاشعور، عند ذلك سوف نجد أنفسنا قد انتقلنا من هذه المرحلة ( مرحلة الاعتماد على الآخرين ) إلى مرحلة الاعتماد على الذات وهنا يبدأ المستوى الثاني من تدرج النضج .

ثانياً: الإعتماد على الذات ( الإسـتقلالية ): في هذه المرحلة من تدرج النضج يكون الإنسان واثقاً في نفسه وقدراته، جديرآ بالثقة، معتمداً على ذاته، يعرف تمامآ ماذا يريد و يتخذ قراراته وفق ما تمليه عليه المبادئ ثم ينطلق متحرراً من القيود (أو ما اصطلحنا على تسميته بالظروف )، ساعياً نحو التفاعل و التأثير الإيجابي على الآخرين وصولاً إلى أهدافه وتحقيق ذاته من خلال تبني ثلاث عادات أخرى ( فكر مكسـب مكسـب، حاول أن تفهم قبل أن تُفهم، وتعاضد مع الآخرين )، وهذه هي عادات النصر الجماعي التي ترتقي بنا إلى أرقي مستوى في التعامل مع الآخرين لأننا ندرك أن أكثر من 50% من النجاح الذي نريده في الحياة يرتبط بأشخاص آخرين في الأسرة أو المدرسة أو الشركة أو المجتمع.

ثالثاً: التعاضد و التكاتف مع الآخرين ( الفعالية ) : وهو أرقى مستوى للنضج حيث يكون أفراد المجتمع كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، متعاضدين، متعاونين ، متكاتفين، حريصين على المنفعة للجميع، كالأسرة الواحدة أو الفريق الواحد يشتركون في قيمهم وأهدافهم ويكمل واحدهم الآخر. ومن الأهمية بمكان التأكيد هنا على أنه ما لم يكن الأفراد معتمدين على ذواتهم أولاً ( مستقلين ) فلن يكونوا متعاضدين متكاتفين مع بعضهم البعض.

أيها العزيز..

أعود لأقول إن الانتقال من مستوى الاعتماد على الآخرين إلى الاعتماد على الذات يتطلب تبني الثلاث عادات الأولى في تدرج النضج وهي:
1- كن مبادراً ( عادة الرؤية الشخصية )
2- إبدأ و النهاية في ذهنك ( عادة قيادة الذات )
3- إبدأ بالأهم ثم المهم ( عادة إدارة الذات )

هذه العادات تساعد الإنسان على أن يكون:
- ذا بصيرة وقدرة على التحكم في أفكاره، أفعاله، أقواله، ومشاعره
- يقود حياته معتمداً على نفسه، واثقاً منها جديراً بثقة الآخرين
- يؤمن أنه مسئول عن تصرفاته واختياراته
- يعيد اكتشاف نفسه وميوله وقدراته
- يعرف أنه يملك حق الاختيار ويبني اختياراته على المبادئ
- يدير وقته وجهده وماله بفعالية عالية
- يقيم التوازن التام بين علاقاته و أدواره وأنشطته
- يحدد أهدافاً و يرسم رسالة لحياته وفق خطط واستراتيجيات يتعلمها عندما يتبنى
العادات الثلاث الأولى ويحقق بذلك ما يسميه الدكتور سـتيفن كوفي ( النصر الشخصي) ويُقصد به التحكم والسيطرة على الذات

- وهو قبل هذا وبعده يتقي الله حيث ما كان ويتبع السيئة الحسنة لمحوها و يخالق الناس بخلق حسن.

أيـها العزيــز..

هذه هي ثمار النصر الشخصي، ولكنها بكل تأكيد ليست منتهى طموح ذوي وذوات الفعالية العالية ، فهم يطمحون إلى تحقيق النصر الجماعي من خلال تبنى ثلاث عادات أخرى في حياتهم :
4- فكر مكسب مكسب (عادة القيادة الجماعية)
5- حاول أن تَفهم قبل أن ُتفهم ( عادة الإتصال التعاطفي )
6- تعاضد مع الآخرين ( عادة التعاون الخلاق )
فالفرد هنا :
- يوازن بين الشجاعة ومراعاة مشاعر الآخرين
- يبني تصرفاته وفق تفكير المنفعة للجميع
- يستخدم مهارات الاستماع التعاطفي حتى يفهم الآخرين ويعرف تفكيرهم ومن ثم يتوصل إلى التكاتف والتعاضد معهم، الأمر الذي يحقق لهم النصر الجماعي
وهنا يجب ملاحظة أن النصر الشخصي يجب أن يسبق النصر الجماعي لأنك لن تستطيع قيادة الآخرين بفعالية عالية ما لم تكن قادراً على قيادة وإدارة ذاتك بفعالية عالية، ولذلك نقول إن النصر الشخصي يجب أن يسبق النصر الجماعي و لا يمكن قلب هذه المعادلة إلا إذا استطعت أن تحصد الزرع قبل أن تزرعه. إنه تغيير يبدأ من الداخل إلى الخارج ، فالتعاضد ( الفعالية ) هو خيار لا يملكه إلا الأشخاص المعتمدين على الذات ( المستقلين )، الذين حققوا النصر الشخصي لأنفسهم، وهو السيطرة على الذات و القدرة على قول" لأ يا نفسي" كلما سولت لهم أنفسهم أمراً لا يتفق مع المبادئ والقيم السليمة.

ثم تأتي العادة السابعة : إشحذ المنشار ( عادة التجديد )
وهي عادة التجديد المستمر و المتوازن لضمان استمرار الفعالية العاااااااالية من خلال التطوير والمراقبة المستمرة لأربعة محاور رئيسية في حياتنا وهي محور التفكير، محور الكلام، محور إدارة الذات، ومحور إدارة العلاقات مع الآخرين.

هذا باختصار شـديد هو الإطار العام لفلسفة الفعالية العاااااااااالية. ونواصل رحلتنا مع الدكتور ستيفن كوفي فنتعرف أكثر على العادات السبع وكيف نتبناها في حياتنا من خلاال التعرف على (المبادئ ،التصورات الذهنية ، وخطوات التطبيق ) لكل عادة في القادم من " أيـها العزيـــز" بعد أن نخصص " أيـها العزيــــز 5 " للحديث عن بقية الأسس والمبادئ التي تُبنى عليها العادات السـبع للأ شخاص ذوي الفعالية العالية.

أيها العزيـــز ..

عندما أتحدث عن العادات السبع للأشخاص ذوي الفعالية العااااااالية ، فأنا أتحدث عن علم جديد وثقافه جديدة ومنهج حياة جديد وتغيير إيجابي وضروري في حياتنا في ظل الظرووووف الحالية، حيث غلاء المعيشة وحيث تزداد نسبة الطلاق في مجتمعنا بصورة مرعبة، وحيث لا مقاعد لطالبي العلم، وحيث أصبحت شـهادة الثانوية العامة ورقة منتهية الصلاحية كما قال وزير العمل، وحيث لا وظائف لحملة الشهادات العلمية الأعلى . لهذا كله، إضافةً إلى ماقد يأتي في القادم من الأيام، تبرز ثقافة العادات السبع كنموذج فعال وعلم مسـاعد للتفاعل بصورة إيجابية ومثمرة في تحقيق المراد بإذن الله وحيث أن خير طريقة للتعلم هي أن تُعلم، فإنني آمل من الإخوة والأخوات أعضاء وزوار عربيات تعليم ما يتعلموه من سلسلة " أيها العزيــــــز " لأحب وأقرب الناس إليهم وأذكر مرة أخرى بأن المنظمة ( الأسـرة، المؤسسة، الشـركة، اللجنة، فريق العمل، الوزارة، المجتمع ) لن تكون ذات فعالية عالية مالم يكن جميع المنتسـبين إليها من ذوي وذوات الفعالية العالية وصلى الله على الذي قال "كلكم راعٍ، وكلكم مسـؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسـؤول عن رعيتة، والرجل راعٍ ومسـؤول عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سـيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ، وكلكم مسـؤول عن رعيته".


المهندس/ زياد عبداللطيف أبوزنادة
كبير مدربي برنامج العادات السبع