الخوف من المواد المسرطنة كان السبب في عودة الطب البديل

الصيدلاني والباحث في الطب البديل إبراهيم أوبراتي في حوار لـ "عربيات":

خديجة الفتحي - المغرب
صور وفيديو

إبراهيم أبراوتي صيدلي باحث في الطب البديل، حاصل على دبلوم الصيدلة الجلدية ومواد التجميل من جامعة محمد الخامس بالرباط، اختار قرية سياحية على سفح جبل الأطلس الصغير، تطل على الساحل الأطلسي، وتنفتح على الصحراء، تقع نواحي مدينة أكادير، إنها "مير اللفت"، التي اختارها العديد من الأوروبيين ملاذا للراحة والاستجمام على مدار العام، وكثير منهم اختارها للاستقرار، والعديد منهم يقبل على التداوي بالأعشاب والتي تتواجد العديد منها بالمنطقة.

ما هو في نظركم مفهوم الطب البديل؟
يمكن تعريف الطب البديل بأنه كل طريقة علاجية خارجة عن إطار العقاقير الصيدلانية، أو بالأحرى العقاقير ذات الأصل الاصطناعي، بل يعتمد أساسا في تركيباته فقط على الأعشاب الطبيعية، وهي ممارسة عريقة ، فالأطباء العرب القدماء كانوا يؤمنون شديد الإيمان بمعالجة الأمراض اعتمادا على النباتات البرية، و اشتهر العرب فى تطوير الأدوية بالأعشاب خلال العصور الوسطى خاصة، إنها معرفة إنسانية تجاذبتها طقوس الممارسة الطبية التقليدية وتجارب الشعوب، وتراكمت التجارب في هذا المضمار من سلالة الي أخرى، إلى أن تكون ما يسمى بالطب الشعبي، المدون منه وغير المدون الخاضع للعادة والتقليد، وخلف العرب إرثا مهماً من الأبحاث والمخطوطات المبنية على قواعد علمية قوية إبان العصر الذهبي للطب الاسلامى، فامتدت بفضل ذلك شهرة وصيت الأطباء العرب عبر العالم، كابن سينا والفارابي وابن الهيتم والرازي وغيرهم.


ما هو الفرق بين العطار والصيدلي المتخصص في الطب البديل؟
الفرق واضح، وذلك من خلال الشحنة العلمية، فحين نقول عطار، فهذه المسالة متوارثة أب عن جد، لكن لا يمكن الاستهانة بمعارفه، فقد يعرف العطار أشياء لا يعرفها الصيدلي، وذلك بحكم التجربة، والاختلاف بينهما أن الصيدلي حاصل على دبلوم وله مؤهلات علمية وتكوين معمق خصوصا في التراكيب الكيميائية وتناسقها مع المعطيات الفسيولوجية والفرميكولوجية والكيميائية، ويعرف أيضا ميكانيزمات عمل هذه المكونات وأعراضها الجانبية بحسب الحالات ومعطيات التحاليل المختبرية التي يمكن أن تخضع لها، وبالتالي يتم اقتراح وصفة دوائية أو تركيبة انطلاقا من هذه الأعشاب بناءا على معايير علمية، وهذا ما يصعب على العطار فعله.


هل يعتبر الطب البديل فعالا في علاج الأمراض المزمنة؟
يكون فعالا عندما نتكلم بلغة علمية وبمعطيات صريحة، أما عندما يكون مجرد كلام وحديث، فهذه لغة التسويق والهدف منها التجارة فقط، أما بالنسبة لعلاج الأمراض المزمنة والمستعصية، فمن الضروري اللجوء إلى الطبيب المختص على الأقل في الوقت الراهن، وهذا لا ينفي أن هناك توجهات للباحثين في إيجاد بدائل طبية تقلص من المواد الكيماوية لفائدة الطبيعية.


نلاحظ في الآونة الأخيرة إقبالا كبيرا من قبل النساء وخاصة الأوروبيات على اقتناء مواد التجميل المركبة من الأعشاب الطبيعية فقط، ويتبدى هذا من خلال فئة السياح الذين يزورون المنطقة؟
الأدوية الحالية تم إنتاجها في عصرنا الحالي فقط، بينما تعامل أجدادنا على مدى عصور كثيرة مع النباتات كمصدر طبيعي للعلاج والتجميل، وذلك لخلوها من التأثيرات الجانبية على جسم الإنسان، وبالنسبة لي يعتبر هذا تغيير في الأسلوب، لأن الناس يخافون من التركيبة التي تحتوي على عشرات العناصر الكيميائية، والتي أثبتت البحوث أنها تتضمن مواد مسرطنة، لذا أصبح الناس يتفادونها ويلجؤون إلى ما هو طبيعي، و اتجاه الأوروبيين نحو هذه الأدوية هو جزء من توجه يعبر عن تخوفاتهم من نمط الاستهلاك الحديث على المستوى الغذائي والصحي، خاصة بعد بروز مرض جنون البقر والحمى القلاعية وأنفلونزا الخنازير، المرتبطة في جانب ما من طبيعة الأعلاف التي تعتمد على مواد كيميائية  هذا بإلإضافة إلى النباتات المهجنة وراثيا لضمان وفرة في الإنتاج، ونحن لا نعلم المخاطر التي يمكن أن تحملها التغذية الحديثة، إذ يجب الإشارة إلى وجود نوعين من التسممات، النوعية الأولى حادة، تظهر أعراضها مباشرة كالحمى والقيء أو الإسهال، لكن التسممات المزمنة لا تبرز أثارها إلا بعد سنوات أو بمدة طويلة، وبالتالي يصعب ضبط مصدرها إلا بعد إجراء أبحاث علمية تمتد لسنوات، وهذا حال أمراض السرطان مثلا .


إذن ما هو دوركم تجاه هذه الميول؟
ميول الناس الآن أصبحت تفرض على المهنين في قطاع الصيدلة الرجوع إلى المهنة بشكلها الكامل والشامل، بمعنى الرجوع إلى التراكيب الصيدلانية والاستثمار العلمي في ميدان العلاج بالأعشاب الطبيعية  والذي يشكل جزءا لا يستهان به في تكوين الإطار الصيدلي. وأنا بدوري أدعو الصيدلي لاسترجاع صورته الأصلية، ومحاولة الابتعاد ما أمكن عن الأعشاب المسمومة، وذلك بالتحسيس والتوعية، وهنا تلعب وسائل الإعلام والمجتمع المدني أيضا دورا أساسيا، لكي يميز الناس بين ما يندرج في إطار الشعوذة، وما يندرج في مجال العلم، فللأسف الشديد، لازال قطاع التداوى بالأعشاب  في المغرب وبالعديد من البلدان العربية غير مقنن ويتسم بالعشوائية.


إلى أي حد يمكن القول أن المرأة المغربية تمتلك ثقافة وخبرة في مجال تعاطيها مع الأعشاب الطبية في مجال التجميل، خاصة أنها حين تريد الذهاب إلى الحمام تستعين بالتركيبات الطبيعية أو ما يسمى بالخلطات التجميلية التي كانت تستعملها المرأة في القدم ؟
الإنسان ابن بيئته والنباتات الموجودة على هذه الأرض هي من أجل خدمة هؤلاء الناس، وضروري  البحث من أجل العثور على دواء، فلربما أن السيدة التقليدية القديمة في المجتمع الزراعي، كانت مثقفة تبحث وتلاحظ وترقب الأعشاب وتجربها من باب الفضول، وبفضل هذه التجربة اكتسبت خبرات.
والمرأة حققت ثقافة التداوي بالأعشاب ليس بالمغرب فقط، ولكن في دول أخرى، فمثلا في الدول الإفريقية كانت المرأة تستعمل أوراق شجرة "كاريني" ضد آلام الرأس والحمى، و تبث فعلا أن "زبدة كاريني" المستخلصة من أوراق هذه الشجرة، وبناء على الدراسات العلمية التي أجرتها مختبرات التجميل والتي اكدت على أن هذه المادة تغذي فعلا الطبقات الجلدية، كما تحمي الطبقة الذهنية من الأشعة الحارقة، ومثل زيت "أركان" الذي لا توجد شجرته إلا بالمغرب فإنه يحمي أيضا الجلد.

إلى جانب الأدوية ذات التركيبة الطبيعية هل تسعى لتطوير مشاريع أخرى في هذا المجال؟
أسعى إلى الاستثمار في معالجة بعض الأمراض اعتمادا على المواد الغذائية، مثل الجزر، البطاطس، وغيرها، لأن جميع الفئات الاجتماعية تستهلك الخضر، من الرضيع إلى المسن.، وبالتالي تكون التسممات مستبعدة في هذا النوع من العلاجات.
كما أطور أبحاثي في مجال التداوي بالأعشاب، عبر متابعة هذه الأعشاب في مراحلها الأولى من النبث أو الزرع، إلى مرحلة القطاف وطرق التخزين، لتكون فاعلة أضافة  إلى رصد التحولات التي يمكن أن تطرأ عليها، والعوامل الطبيعية المساهمة في ذلك.