مؤكداً على وجود علاقة بين الثراء وإرتفاع معدلات الطلاق

خبير الإرشاد الأسري علاء الغندور: سوء الظن بين الزوجين يهدد أمن الأسرة، والبوح بأسرار العلاقة الحميمة يهدم الحياة الزوجية

عربيات - القاهرة: محسن حسن
صور وفيديو

لا شك أن الأسرة في عالمنا العربي والإسلامي تحتاج إلى الكثير من وسائل التوعية والتربية والإرشاد النفسي والسلوكي؛ ذلك أن طرفي هذه الأسرة وهما الزوجان غالباً ما يقعان في الكثير من المحاذير والأخطاء التي تتسبب في زعزعة الثقة بينهما، وفي زرع بذور الفتنة والشقاق، إما بسبب التفاوت الفكري الشاسع بينهما، أو لخطأ يرتكبه أحدهما في حق الآخر أو يرتكبه كلاهما في حق صاحبه، وهو ما قد يكون معه الطلاق والإنفصال أحد النتائج الطبيعية المترتبة على ذلك لا محالة. وهنا يلعب المحكّم أو المستشار الأسري  دوراً كبيراً في الإصلاح الاجتماعي والزوجي، وفي الحفاظ على الكيان الأسري وإدراكه قبل بلوغ مرحلة التفكك والانهيار، وكما قال الله تعالى "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا".. ويعد السيد علاء الغندور خبير التنمية البشرية ومستشار الإرشاد الأسري، أحد أهم الشخصيات العربية في هذا المجال؛ حيث استطاع بخبراته المتراكمة أن ينزع فتيل أزمات زوجية وأسرية وعائلية بلغت عشرة آلاف حالة مختلفة ومتباينة في حدتها وتفاصيلها؛ ويرى الغندور أن الأسرة السعيدة تقوم دائماً على الحب والمودة والتراحم، وأن أنانية أحد الزوجين أو كلاهما معاً، هى آخر ما يجب أن يحرص عليه كل منهما، باعتبار أن الأنانية تناقض فكرة الشراكة الزوجية القائمة على تبادل الشعور بالبذل والتضحية والعطاء. عربيات حاورت الخبير الأسري علاء الغندور حول آفاق العلاقات الزوجية ومشكلاتها. 

ضعف الدخل الأسري، وغياب ثقافة العلاقات الزوجية الحميمة أكثر المشاكل انتشاراً

ما أكثر المشكلات الأسرية التي واجهتك بشكل متكرر؟ وما تفسيرك لسبب تكرارها؟
أهمها على الإطلاق فشل العلاقة الحميمة بين الأزواج، ويليها ضعف الدخل المادي والمشاكل الاقتصادية مثل "النكد الزوجي، المعايرة، البخل العاطفي، الإهمال، الغيرة، المشاكل مع أهل الطرف الآخر، ندرة التواجد في المنزل، الخيانة الزوجية، إفشاء أسرار البيت، احتقار الطرف الآخر، الضرب، الإنحراف، مشاكل الابناء، مشاكل الزوجة مع الجيران"، وهى تتكرر بسبب عدم وجود ثقافة كافية عن العلاقة الزوجية.  

في رأيك ما الذي يؤثر بشكل أكبر على مستقبل العلاقات الزوجية؛ هل هو تفاوت المستوى الثقافي بين الزوجين أم ثبات هذا المستوى؟
تفاوت المستوى الثقافي يتسبب في عدم توازن واستقرار الأسرة، لأن كلاً منهما يشعر بأنه من كوكب يختلف عن كوكب شريك حياته، وبالتالي فكلاهما لا يفهم الآخر ولا يسبح معه على نفس الموجه. 

ما أخطر الأخطاء التي يمكن أن ترتكبها المرأة في حق زوجها؟ وماذا عن أخطر أخطاء الرجل في حق زوجته؟
بالنسبة لأخطاء الزوجة الفادحة يمكن تلخيصها في مجموعة أخطاء أهمها "رفض المعاشرة، الخيانة الزوجية، الجفاف العاطفي، ضرب الزوج علناً أو سراً، إفشاء أسرار العلاقة الزوجية، قيامها بسرقة أموال زوجها، النكد، مطالبة الزوج بما لا يقدر عليه، المعايرة له، التقليل من شأنه أمام أولاده وأهلها، الصراخ الدائم في البيت بصوت مرتفع، ندرة تواجدها فى البيت والذهاب إلى الأهل أو الصديقات أو العمل". أما بالنسبة لأخطاء الزوج فهي بالمقابل تتمثل في "الخيانة الزوجية، ضرب الزوجة وإهانتها، البخل عند امتلاك المال، إهمالها بعدم التواجد في المنزل، السلوك العنيف، تحقيرها، طردها من البيت بسبب أو بدون سبب، سرقة أموالها، الزواج عليها بدون علمها، تعاطي المخدرات، لعب القمار".  

باعتبارك محكّم وخبير في حل النزاعات الأسرية والزوجية، ماهي أهم الأخطاء التي قد يقع فيها المحكّم وتؤدي إلى فشل مهمته؟
قد يخطئ المحكم إذا فقد حياده وشفافيته وانحاز بغير وجه حق لأحد الأطراف، وقد يقع هذا إما لخصومة شخصية مع أحد الأطراف، أو نتيجة لاستفزاز أحد الأطراف له، أو توجيه إهانه، أو لوجود مصلحة شخصية مع الطرف الذي ينحاز إليه.

وأنت تتعاطى مع مستويات اجتماعية متفاوتة، أيهما أكثر تعقيداً في مشكلاته الأسر الغنية والمرفهة؟ أم الأسر الفقيرة؟
الأسر الأكثر ثراء قد تكون مشكلاتها أكثر تعقيداً لأنها تعتمد غالبا على المصالح، وكون الزواج مجرد صفقة لاكتساب السلطة أو النفوذ أو المال أو الوجاهة الاجتماعية أو للمحافظة على الشراكة التجارية أو للمحافظة على الأنساب والممتلكات والثروة حتى لا تخرج خارج العائلة. ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك مشكلات معقدة لدى الأسر الفقيرة بشكل مختلف، وخاصة عندما يرغب الزوج فى طلاق زوجته الحاضنة لأولاده الصغار، ويشعر بالعجز عن ذلك لأنه لن يجد مأوى له إذا طلقها.

المنطقة الآمنة للخلاف هي الإحترام

من وجهة نظرك ماهي المنطقة الآمنة التي يمكن أن يلتقي عندها زوجان مختلفان في الأفكار والتوجهات حتى لا تنقطع علاقتهما الزوجية؟
يمكن الوصول للمنطقة الآمنة بينهما إذا عقدا اتفاقاً ملزماً بينهما على أن يحترم كل طرف رغبات الطرف الآخر، وتنفيذ الإتفاق كأنهما يلتقيان لتناول الطعام ولممارسة اللقاء الحميم عندما يرغبان فى ذلك وبخلاف ذلك يعيش كل منهما وفق الضوابط المتفق عليها دون إيذاء مشاعر الآخر. 

إذا تحدثنا عن مرحلة الخطبة ما أهم الفوارق الكامنة في هذه المرحلة والتي يمكنها إفشال الزواج لاحقاً؟
من المؤسف وفى أغلب الحالات أن الخطيبان يقومان بإظهار أجمل ما فيهما ويخفيان معظم عيوبهما فيكون الفشل هو النتيجة الحتمية لهما عندما يتم الزواج ويكتشف كل منهما أنه يعيش مع إنسان غريب عنه، وأنه تعرض لخديعة كبرى وذلك نتيجة الغش أو عدم الوضوح والصراحة أثناء فترة الخطبة.

كيف يمكن لأسرة محافظة أن تفتح مساحات آمنة لبناتها خلال فترة الخطوبة دون التفريط في القيم والمبادئ العربية؟
يحدث هذا بوجود الرقابة من الأهل، ولكن بشكل مرن وغير خانق، بحيث يعطى الفرصة للخطيبان للتعارف بشكل جيد، ويكون هناك دائما مرافق للخطيبين من الأهل ولو عن بعد.

كخبير تنمية بشرية، هل تؤثر وسائل الإعلام  بأشكالها المختلفة في تآكل البناء ألقيمي للمراحل السنية المبكرة من الشباب والفتيات؟
من المؤكد أن وسائل الإعلام أصبحت تؤثر بشكل سلبي فى هيكل البناء القيمى للمراحل السنية من الشباب والفتيات، لأنها تعبر بشكل مبالغ فيه عن صور غير حقيقية لقصص خيالية تعكس عادة وجهة نظر مؤلف العمل الدرامي، فمثلا تجد الشرير طوال 59 حلقة هو القوى والمبتسم والمنتصر، بينما صاحب الحق هو الضعيف المقهور والذي يقاوم الشر ولا ينتصر إلا فى آخر عشرة دقائق من الحلقة ال60 والأخيرة، وكأن المؤلف يطالب الشباب بأن يكونوا أشرارا. وفى أعمال درامية أخرى تجد البطل يخدع الفتاة ويسلبها شرفها ويرفض الزواج منها رغم توسلها إليه بأن يستر عليها وأيضا لا يتزوجها إلا في آخر عشرة دقائق فى الحلقة الأخيرة، وكأن المؤلف يدعو الشباب لخداع الفتيات والهروب. هذا يعطى صورة سيئة عن  نماذج الشباب والفتيات، وأيضا هناك نماذج كثيرة لا تعبر عن الشخصية السوية والمستقيمة إلا فى أضيق الحدود وكأنه زمن الأشرار فقط، ونماذج أخرى كثيرة لا تعبر عن الواقع، وهو ما يؤدى بالتأكيد إلى انهيار المبادئ والأخلاق والقيم.

هل نسبة الطلاق تعد أكبر في المجتمعات الخليجية أم في غيرها؟ ولماذا؟
نسبة الطلاق عالية فى منطقة الخليج قياساً بغيرها من الدول العربية  دول، لأنه في المجتمعات الخليجية يستطيع الرجل أن يتزوج أربع  زوجات وتتقبل الزوجات ذلك فى العموم، وما يعطى الرجل هذه الإمكانية هو ثراؤه، وهذا يجعله فى أحيان كثيرة لا يهتم بغضب زوجته، أو بإرضائها ويكتفي بالطلاق إذا رغب أو إذا رغبت زوجته فى ذلك. 

ثقافة الاعتذار بين الزوجين مفقودة، واصطناع الفرحة يشجع الأبناء على نسيان المواقف الأسرية المؤلمة 

كيف تقيّم أثر عادة "البوح" للأصدقاء والصديقات عن أسرار العلاقة الحميمة وانعكاسها على مستقبل الأسرة؟
عادة يؤدى البوح للأصدقاء والصديقات إلى نتائج وخيمة غير محمودة العواقب، وتؤثر على مستقبل الأسرة خاصة إذا تضّمنت أسرار غرفة النوم والعلاقة الحميمة بين الزوجين أو أسرار البيت، وأنا هنا أتوجه بالنصح لنترك ما يحدث فى البيت داخل البيت ونتحدث فى كل شئون الحياة إلا أسرارنا الخاصة، لأنها إذا انتشرت فإنها ستؤدى إلى ما لا يحمد عقباه.

كم مشكلة واجهتك كمستشار أسري كان سوء الظن فيها هو الأساس في تفكيك الأسرة والحياة الزوجية؟
أغلب الناس أصبح يغلب عليهم الشك وبدون سبب أو دليل، لمجرد وجود أناس سيئون حولهم، ومع الوقت تحول سوء الظن هذا إلى مرض وأصبحنا نحكم مسبقا بالأحكام السلبية والسيئة على الجميع دون أن نسأل أو نفهم أو نتحرى الدقة في الحكم. ومن ثم فإن التأنى فى التفكير وفي الفهم والتحليل يعطينا القدرة على الاستنتاج الصحيح والحكم الصحيح. وللأسف الشديد كثير من المشكلات وكثير من حالات الطلاق وقعت بسبب سوء التفاهم أو بسبب الفهم الخاطئ وخاصة من النساء نظراً لعدم تحكمهن فى مشاعرهن عند الغضب والخوف والغيرة أو عند الإحساس بالقهر أو بالظلم. أما عند الرجل فقد يكون سوء الظن بسبب غرور أو عدم ثقة الزوج فى نفسه أو فى زوجته، أو لأنه مريض بمرض الشك أو الغيرة بشكل مبالغ فيه.

على مستوى الحياة الزوجية، هل ترى أن ثقافة الإعتذار قد أنهارت في مجتمعاتنا العربية؟
بالتأكيد أصبحت ثقافة الإعتذار شبه غائبة بين الزوجين في كثير من الأحيان، لكن حتى لو انهارت هذه الثقافة فعليهما أن يستعيداها سريعاً وأن يدركا أن الاعتذار من شيم الكرام و الأقوياء، وأنه لن يبخس قدر المخطئ عندما يعتذر، خاصة أن الاعتذار سوف يجعل الحياة تسير بشكل أفضل، وإلا فإن الزوجين سوف يعيشان حياة جافة وأسلوباً عنيداً ويصبحان كالغرباء وكلاهما خاسر إذا كانت هذه حياتهما.

بأية وسيلة تعتقد كخبير أسري يمكن إفراغ مخيلة الأطفال مما علق بها من مشاهد أسرية عنيفة بين الوالدين؟
أعتقد أن ذلك صعب الحدوث خاصة أن الأطفال يتأثرون بمشاهد العنف بين الزوجين وقد تتحول إلى عقدة نفسية تلازمهما طول العمر، ولكن لإفراغ صور تلك المشاهد على الزوجين أن يظهرا حسن علاقتهما دائما أمام أطفالهما بشكل دائم، ويظهران المحبة والود ولو بشكل مصطنع ولفترة طويلة حتى ينسى الأطفال تلك الصور السيئة من عنف والديهما.

وماذا عن فلسفة الإفراغ اليومي للهموم والمشكلات العالقة بين الزوجين داخل وخارج عش الزوجية؟
إذا توفر لديهما الوقت الكافي والمناسب يوميا فلا بأس، وإن لم يكن ذلك متاحاً فيمكنهم على الأقل التفرغ مرة أسبوعياً واختيار الوقت المناسب والهادئ لتصفية كافة الهموم والمشاكل العالقة بينهما.

 

الإبتسامة تذيب جبال الخلافات مهما كان حجمها 

لاحظت أنك تمارس الرسم والفن التشكيلي، فهل هذا يساعدك في مجال التنمية البشرية وحل المشكلات؟
بالتأكيد، لأن رسم الكاريكاتير يقدم صورة ضاحكة وساخرة عن الموضوع أو المشكلة التي أتعامل معها ويكون أسهل وأبسط وأسرع للفهم من العامة بكل مستوياتهم الثقافية والعلمية، أما بالنسبة للفن التشكيلي فهو يعطى خيالا أوسع، وفرصة للتأمل والتفكير العميق. ومن لم يجرب العلاج بالرسم والموسيقى لن يقتنع به ولكن علوم التنمية البشرية قدمت طرقا جديدة ورائعة للعلاج لم يكن أحدا يتوقعها وثبت أن لها مفعول السحر . 

لماذا فكرت في إطلاق إذاعة ضاحكة عبر إنترنت؟ وهل ترى أن البسمة كافية لحل مشكلاتنا؟
من المؤكد أن للإبتسامة فعل السحر على الناس، فعندما نضحك يكون لدينا استعداد كافي ورائع لمناقشة أى أمر ونحن فى حالة مزاجية جيدة تمكننا من التفكير بهدوء و روية وبشكل موضوعي فى كيفية حل مشكلاتنا.