معتبراً أن الأزهر مرجعية للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الدكتور فتحي أبو الورد: الإسلام يتسع للاجتهادات على مستوى السياسة الشرعية ويُغَلِب المصلحة العامة

عربيات - القاهرة: محسن حسن
صور وفيديو

الدكتور فتحي أبو الورد، مدير مكتب الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالقاهرة، شخصية تغلّب روح الإسلام الوسطي المعتدل، وتناقش أمور المسلمين بموضوعية مستنيرة وبحكمة، وأسلوب يعتمد أدب الحوار مع الآخر المخالف في الرأى والاتجاه والمنهج أيضاً، ومن خلال أطروحاته ومناقشاته يستشعر محدّثه مدى حرص الاتحاد على عدم الانسياق خلف سفاسف الأمور وترهاتها، أو الاستسلام لاتجاهات الفكر السطحي المندفع والمتهور في تلقي الأحداث والمواقف والتحديات، وفي هذا الحوار تسللنا مع الدكتور أبو الورد إلى العديد من القضايا الماسة بالمجتمع العربي والإسلامي، كشف خلالها عن الكثير من الإيجابيات والسلبيات على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي. وأيضاً على مستوى الخطاب الدعوي والديني الموجه إسلامياً إلى الآخر. 

 

الإسلام والآخر 

على مستوى الخطاب الإسلامي الموجه للآخر هل ترى هذا الخطاب منضبطاً أم تراه عشوائياً؟
بداية لا يوجد حوار بين الديانات لأن مصدرها واحد، ولكن يوجد حوار بين أتباع الديانات، وعلى مدار العشر سنوات الأخيرة، لم ينجح المسلمون في بلورة منهجية فاعلة في خطابهم الإسلامي مع الآخر، فالأمر لا يخلو من عشوائية في الكيفية التي يتم بها توجيه مثل هذا الخطاب. والمسلمون بحاجة ماسة إلى خطة تتبناها الدول الإسلامية لتدشين خطاب إسلامي ممنهج وواضح.  

هل ثمة إشكاليات لدى طرفى الحوار؛ المسلمين وغير المسلمين؟
نعم هناك إشكاليات كثيرة، على رأسها ضعف الكيان الإسلامي الذي يؤثر في موقف المسلمين من أى حوار، وينتقص من كفاءتهم وقوتهم وقدرتهم الماثلة في مواجهة الآخر وحواره، يضاف إلى ذلك تعنّت غير المسلم في حواره مع المسلمين، وتبنيه نهجاً عنصرياً متغطرساً في التعامل معهم، ومثال ذلك موقف بابا الفاتيكان المستقيل  بيندكت السادس عشر حينما أساء إلى الإسلام والمسلمين في محاضرة له بألمانيا، وعندما طالبه اتحاد علماء المسلمين بالاعتذار رفض الاعتذار، وكل هذا في النهاية كان يؤدي إلى فشل الحوار لعدم توافر إرادة إيجابية من الطرفين لإنجاحه، وكذلك لعدم وجود تكافؤ في القوة والساحة والنفوذ. 

كيف تقيّم ردود الفعل الإسلامية تجاه هذه الإساءات؟
الحقيقة نحن نسهب غالباً  في الكلام عن ردود الفعل بينما نترك الفعل نفسه، فالفيلم الأخير مثلاً والذي أثار ضجة كبيرة في العالم الإسلامي، كان مسيئاً بالغ الإساءة وفيه من الغلو والحقد ما فيه، وهو مما لا يمكن قبوله تحت بند الحريات، ومن ثم  فمن حق المسلمين أن يغضبوا وأن يعبروا عن غضبهم، لكن بعض ردود الفعل كانت لا تتناسب بالمرة مع أخلاق الإسلام ومنهجه؛ فهناك من رد بحرق نسخ من الإنجيل، وهناك من هاجم السفارات والقنصليات وهناك قتل السفير الأمريكي في ليبيا، وهذه كلها ردود فعل من الغلو المرفوض من وجهة النظر الإسلامية الصحيحة، وفي ظني أن هناك من يستغل مثل تلك الأحداث لتحقيق أغراض ومهام خاصة باسم الدفاع عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم. 

في رأيك هل تعد الإساءات المتكررة لنبي الإسلام (ص) معارك خاسرة بالنسبة للغرب؟
في رأيي نعم، هي معارك خاسرة بالنسبة للغرب، وبعض ما وردني من معلومات يفيد بأن 360 ألف شخص اعتنقوا الإسلام عقب أزمة الفيلم المسيء نتيجة اهتمامهم الذي لم يكن موجوداً من قبل بالإسلام وبنبي الإسلام، وكل مرة يتعرض فيها الإسلام لمحنة في الغرب تتحول بفضل الله إلى منحة. وهذا حدث بعد الرسوم المسيئة في الدنمارك، وبعد اضطهاد المسلمين نتيجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا. 

 

أعظم منجزات التطور العالمية خرجت من رحم الحرية المقيدة لا المطلقة 

ما رأيك فيما يثار حول حرية الرأى والتعبير وتضييق التيار الديني عليها في مصر؟
بداية نحن مع حرية الرأى والتعبير بشكل عام، لكن شريطة أن تخضع كل عملية إبداعية لنظرة المجتمع النقدية بما فيها وجهة النظر الإسلامية والدينية، لأن هذا أيضاً يدخل في نطاق حرية الرأى والإبداع، وإذا كنا بصدد إنشاء دولة القانون في مصر، فنحن مع حرية الإبداع بما لا يسيء إلى معتقدات الآخر ولا يخدش الحياء العام ولا يشوه رؤية الأجيال القادمة بالدعوة إلى الرذيلة، فهذه قيم يجب احترامها من المبدع أياً كان. 

لكن البعض يريدها حرية مطلقة عن القيد معتبراً أن أى قيد من شأنه قتل الإبداع وعرقلة التطور؟
لا، هذا ليس صحيحاً، ولا توجد حرية مطلقة أبداً، فالحرية المطلقة مفسدة مطلقة، والحرية المطلقة فوضى مطلقة، فأى حرية حتى في النظريات والمناهج والأعراف الوضعية، هي حرية مشروطة بضوابط، وبعدم الإضرار بالآخر أو تجاوز القانون والدستور، أو تجاوز الثوابت المجتمعية العامة المتعارف عليها. وللعلم أعظم منجزات التطور العالمية خرجت من رحم الحرية المقيدة لا المطلقة.  

لكن بعض مواقف الإسلاميين تتسم بالعنف والشدة في مواجهة بعض مظاهر الإبداع، وقد سبق أن تعرض نجيب محفوظ للطعن بمطواة أحدهم؟
لا ينبغي أبداً أن يصل الجدل حول حرية الرأى والتعبير إلى العنف أو الشدة أو تكفير الآخر وإقصائه، وما حدث لنجيب محفوظ سابقاً كان ولا يزال مرفوضاً من وجهة النظر الإسلامية التي تدعو إلى مواجهة الفكر بالفكر والرأى بالرأى، وأقول إن كثيراً مما ينسب للتيار الإسلامي في مصر الآن في هذه المسألة هو من باب التشويه والكذب والاختلاق. وقد اختلقوا قصة إنشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم تكن حقيقية، ورددوا أيضاً أن الشيخ عبد الرحمن آل محمود ـ أحد علماء البحرين ـ هنّأ الدكتور محمد مرسي وقال له "آن لك أن تفعل ما لم يفعله عمرو بن العاص والصحابة من تحطيم الأصنام و تحطيم أبو الهول والأهرامات الثلاثة" وعندما راجعت الرجل نفى تماماً كل ذلك، وعموماً على الجميع الالتزام بالقانون الأخلاقي والقانون الدستوري والقضائي من حيث هما جهة لتحديد المخطيء والمصيب والحكم عليهما. ولا يمكن أن تمثل حادثة أو حادثتان وجهة نظر التيار الإسلامي كله.

 

لا يصح أن يظل الأزهر قابعاً تحت عباءة مؤسسة الرئاسة 

ما رأيك في مطالبات البعض بضرورة إحداث تطوير كبير داخل مؤسسة الأزهر المصرية؟
الأزهر يمثل مرجعية كبرى للمسلمين السنة في العالم، ومن حق الأزهريين أن يطالبوا بتطويره وحقهم علينا أن نتعاون معهم في ذلك، وبصراحة شديدة أنا أدعو إلى استقلال الأزهر استقلالاً تاماً عن مؤسسة الرئاسة المصرية، لأن تبعيته للرئاسة أضرت به كثيراً في السابق، وقد آن الأوان لاستقلاله مالياً وفكرياً وحتى عل مستوى القرارات الصادرة.

حتى ولو كانت القرارات مخالفة لرغبات رئيس الجمهورية؟
نعم، وما المشكلة في ذلك؟ أنا لا أتصور أن يكون الأزهر قابعاً تحت عباءة مؤسسة الرئاسة مرهوناً برغبات رئيس الجمهورية، فهذا أمر أصبح غير مقبول الآن خاصة في ظل تنامي الحريات العامة والخاصة وحرص الجميع على استرداد هيبة هذه المؤسسة الدينية العريقة وكذلك هيبة علمائها الأجلاء. 

 

اتحاد علماء المسلمين يعمل على توحيد صفوف التيارات الإسلامية

ما ملامح العلاقة الثنائية بين الاتحاد العالمي  لعلماء المسلمين وبين الأزهر؟
بالطبع هناك اتصالات مباشرة بيننا وبين شيخ الأزهر وعلمائه، والاتحاد حريص على أن تكون هناك أهداف مشتركة يعمل من أجلها الجميع، علماً أن الاتحاد عضو في المجلس العالمي للدعوة والإغاثة والذي يرأسه شيخ الأزهر، وبالتالي فالأزهر مرجعية بالنسبة لنا ولسنا بديلاً عنه، كما أن بيننا نوعاً من التكامل وليس التنافس وخلال زيارات الدكتور القرضاوي والأمين العام الدكتور على قرة داغي لشيخ الأزهر بعد الثورة أكدا على كل هذه المعاني. 

هل من جديد حول فكرة إنشاء لجنة للتوحيد بين التيارات الإسلامية والتي يتبناها الاتحاد؟
كنّا قد عقدنا مؤتمراً حول "سمات الخطاب الإسلامي" خلال العامين الماضيين، وكان مخصصاً ضمن الفعاليات جلسة مغلقة بين التيارات الإسلامية حملت عنوان "قواسم مشتركة بين العاملين للإسلام" وحضر عن الاتحاد أمينه العام الدكتور علي قرة داغي، والدكتور نصر فريد واصل ممثلاً عن رئيس الاتحاد، وعن الأزهر حضر الدكتور حسن الشافعي، والدكتور عبد المنعم الشحات عن الدعوة السلفية، والدكتور ناجح إبراهيم عن الجماعة الإسلامية، والدكتور محمد يسري عن الهيئة الشرعية، وغيرهم من ممثلي التيارات، وكانت النتائج طيبة للغاية؛ حيث اتفق الجميع على توحيد صفوف العمل الإسلامي، وتنحية المعوقات القائمة في هذا الاتجاه، والحرص على طمأنة الناس وعدم تخويفهم. وحالياً لا يزال الاتحاد قائماً بدوره في الوصول بالفكرة إلى التطبيق الفعلي الكامل.

 

السياسة الشرعية تتعدد فيها الاجتهادات وتختلف

لكن ألم تلمح من خلال هذه الفعاليات نوعاً ما من الصراع المتوقع أو الوشيك بين التيارات الإسلامية على الحكم؟
الحقيقة أمر الصراع على الحكم غير وارد تماماً في التوجهات التي لمسناها من الجميع؛ فقد كانوا حريصين على إعلاء شأن المصلحة العامة، مقتنعين بأن الإسلام يسع اجتهادات الجميع، حتى على مستوى السياسة الشرعية التي تتعدد فيها الاجتهادات وتختلف. وهذا بالطبع مع احتفاظ كل فصيل بملامحه واجتهاداته وتوجهاته الدعوية في المجتمع.

وأين التعاون مع باقي التيارات الغير إسلامية على مائدة هذه الفعاليات والاجتماعات؟
الحقيقة أننا لم ندع فقط للتوافق بين التيارات الإسلامية وحدها، ولكننا دعونا أيضاً إلى أن تقوم هذه التيارات بإيجاد سبل للتعاون مع كل التيارات العلمانية والليبرالية ومع الأقباط أيضاً، على اعتبار أننا جميعاً نركب سفينة واحدة تبحث لها ولراكبيها عن الفوز والنجاة، وعموماً لا أحد يمكن أن يختلف على النهضة بالتعليم والاقتصاد وإعادة الاستقرار والأمن إلى الشارع وتوفير قدر أكبر من الحقوق للمواطن المصري، فهذه كلها سبل اتفاق لا اختلاف بين الجميع عليها.