الناس فيه وحوله مختلفون

الحظ..صدفة جميلة أم تخطيط محكم؟

رشيد فيلالي - الجزائر
صور وفيديو

الحظ كلمة تتكرر كثيرا في حياتنا اليومية وإن كان في صيغ تعبيرية مختلفة مثل: الزهر، النصيب، المكتوب، القضاء والقدر، والفارق بين جميع هذه الكلمات يتباين من شخص إلى آخر حسب السن والجنس والمستوى الثقافي والتحصيل العلمي، إذ يراها البعض شيئا واحدا لا يتجزأ بينما يعتبر الآخرون ذلك خلطا في المفاهيم ناجم عن غياب الوعي وقصر في النظر. أما مسألة الإيمان بـ" الحظ " بمدلوله الشامل والسائد لدى كافة الشرائح الاجتماعية بمن فيها المتعلمين طبعاً فهذا ما اجتهدت عربيات في طرحه بكل حيادية على أكبر عدد ممكن ممن التقينا هم من كلا الجنسين، وحاولت بالتالي سبر آرائهم حول قضية مطروحة دائما كسؤال يبحث عن إجابة شافية فكان هذا الاستطلاع.

 


هل تؤمن بالحظ ؟

 


في البداية توجهنا بهذا السؤال إلى الشاب عزيز قربوعة 42 سنة بائع كتب ومثقف فرد قائلا :" إن الحظ في ظني هو صيرورة أحداث قد تتوافق مع نظرة وطريقة عمل البعض من الناس، فيعيشون في سعادة وانسجام مع محيطهم بحيث يدركون ما يريدون في يسر وسهولة بينما يحدث العكس مع الآخرين، فيتعسون ويخيبون إلى درجة تصيبهم باليأس والإحباط ، الشيء الذي يزيدهم فشلا وانهيارا في سلم الحياة وأذكر في هذا الإطار "كاتب ياسين"- الروائي الجزائري المعروف والتي كانت رواية" نجمة" خير عليه، حيث فتحت عليه باب السعد طوال حياته، وأنقذته بإيرادات طبعها مرارا من شر الفاقة والبؤس ولم يكن يتوقع ذلك مطلقاً، سيما وقد كانت هذه الرواية سببا في ذيوع شهرته الواسعة في مناطق عدة من العالم، فهل هي ضربة حظ أم خلاصة جهد إبداعي كان حتما سيعود على صاحبه بالإيجاب بطريقة أو بأخرى .

 

ابتسام الحظ مكتوب، وعلى الإنسان العمل لتغيير حظه


و من جهته يجيب الشاب لونيسي 43 سنة (تاجر مواد الغذائية ) عن سؤالنا قائلا :" أنا لا أومن بالحظ لكنني أؤمن بالقضاء والقدر، غير أنني مع ذلك أظل في حيرة من بعض الأشخاص الذين أحتك بهم يوميا، إذ أجد أحدهم " محظوظاً" جدا بحيث لو خدش الجدار يطلع له كنز، بينما لو ذهبت أنا إلى المناجم الراقدة في بطن "الأهقار"(منطقة في صحراء الجزائر شهيرة بمعادنها) وحفرتها بأظافري وأسناني شبراً شبراً فلن أنال من جهدي سوى الحجر والغبار!!، إنه في رأيي أمر عجيب ولا أجد ما أفسره به اللهم إلا كما تقول العامة ...مكتوب !" .
الآنسة صوفيا (طالبة جامعية سنة تحضيرية 21 سنة) كان لها رأي في هذا الموضوع فقالت :" أنا أؤمن كلية بوجود الحظ إذ هناك الكثير من الناس يكدون ويجتهدون في الدراسة والعمل ويأملون في الوصول إلى نتيجة إيجابية لكنها لسبب من الأسباب تأتي سلبية وتخيب ظنهم فكيف نفسر كل هذا؟، أليس هو الحظ ؟، أم تراه قضاء وقدرا من عند الله سبحانه وتعالى ؟، أتمنى على العموم أن يبتسم لنا هذا الحظ في المستقبل ولو ب10 في المائة فقط".
وتجيب الشابة صبرينة  (24 سنة المستوى الدراسي نهائي وهي عاطلة عن العمل ) عن السؤال قائلة:" الحظ عندي هو القضاء والقدر و بالتالي فإن الله هو الذي يحدد نصيبنا في الحياة بلا أدنى ريب، كما أؤمن بأن الحركة والعمل مطلوبان لتحقيق ما نصبوا إليه، فتوفير الأسباب ضرورة وحسن تدبير".


الحظ صدفة تؤثر عليها عوامل عدة

السيد ناصر سميرة - رجل أعمال، 44 عاماً-  له تصنيف مختلف للحظ حيث يرى أنه الصدفة موضحاً :" الحظ في تعريفي الشخصي هو الصدفة ، لماذا ؟ الإجابة تظل في رأيي غامضة فهناك من يبذل مجهودا ويحصل على ما يريد بينما يفعل آخرون ذلك فيمنون بالفشل الذريع ؟ لكن يمكننا أن نفسر نجاح هذا الشخص أو ذاك على ضوء جملة من العوامل الداخلية والخارجية فهناك التجربة والذكاء والجرأة والظروف المواتية ، العلاقات العامة ، المستوى الاقتصادي ، توفر الفرص الخ، غير أنني أظل في عجب من فشل بعض الناس الأكفاء والموهوبين ونجاح الكسالى والمتخاذلين وإن كان ليس كقاعدة دائمة الثبات، وقد يرى بعض الناس في هذا " مكتوبا " لكنهم يجهلون بأن الله لا يظلم أحد ولا يفضل هذا على ذلك إلا بالعمل الصالح وعليه فالمكتوب في الحقيقة هو ما سبق في علم الله عن الأعمال التي نختار فعلها وبإرادتنا وأي مفهوم خارج هذا الإطار التعريفي أتصور أنه خاطئ وغير منطقي".
الشابة فيروز - ليسانس علم الاجتماع وطالبة في اللغة الفرنسية جامعة قسنطينة،23 عاماً-  فكان ردها كما يلي :" الحظ عندي بالمختصر المفيد هو شيء من عند الله عز وجل والباقي من إرادة الإنسان وهناك مثل شعبي ذائع هو (أنت عليك يا عبدي بالحركة وأنا علي بالبركة) هذا في اعتقادي هو الحظ وأنا أؤمن به مائة بالمائة".

 

الحظ لا يبتسم إلا للمجتهدين، والأمم المتقدمة خير شاهد


 وردا عن نفس السؤال أكد لنا السيد نور الدين مزهود  - فنان كاريكاتوري بصحيفة الخبر الرياضي المعروف باسم ميميش، 44عاماً -  على أن الحظ اجتهاد بنسبة 70 في المائة و20 في المائة صدفة، حيث أن الأشخاص المجتهدين هم الأكثر حصولا على فرص النجاح والعمل والبروز والتألق فيما غيرهم يظلون الأدنى حظا على عدة أصعدة وهذا هو قانون الوجود الأزلي وفي المقدور التأكد في يسر من صحة هذا الحكم العقلاني الساطع الوضوح، إذا جاز لي التعبير وذلك بالنظر إلى الأمم المتحضرة والمتقدمة التي تعمل بهذا المبدأ في حين تبقى الدول المتخلفة حبيسة أفكارها القاصرة و البائدة والبعيدة عن روح الواقع وقوانينه الكونية الثابتة.

 

 


لا مكان للحظ في الحروب، وهذا الدليل على أن لا تفسير غيبي للحظ


وبالنسبة للسيد عبد الكريم - 39 عاماً،  أستاذ علم المناجم بالمركز الجامعي بمدينة تبسة شرق الجزائر-  فإن الحظ في تصوره هو: "حساب احتمالات إذ أثبت العلم عن طريق المعادلات الرياضية الدقيقة أن ما نسميه بالحظ ما هو سوى تحقيق لاحتمالات تقع لهذا أو ذاك ولا وجود لتفسير غيبي خارج هذا النسق المعرفي، وأعتقد أن شؤون الحياة جميعها مرتبطة أولا وأخيرا بإرادة التخطيط وحسن التنفيذ، وبالتالي فالنجاح والفشل مسألة نسبية تخضع لهذين المعادلتين، ثم إذا أردنا التدقيق أكثر فإننا لا نجد مثلا مكانا للحظ في الحروب إذ أن أي تفكير بهذه الطريقة يفضي إلى انهزام أكيد، ولعبة الشطرنج أجمل مثال على هذا الكلام".


الشابة عايدة -21 عاماً،  طالبة في الصيدلة معهد العلوم الطبية جامعة قسنطينة - لا تؤمن بالحظ موضحة:" أنا لا أؤمن بشيء اسمه الحظ أو (الزهر) لاعتقادي ببديله إن صح التعبير وهو القدر فوقوع الأحداث السارة أو عكسها قدر، والحديث عن الحظ مجرد مجاراة وانسياق مع الأقوال اليومية السائدة، ثم أن البعض يهرب كثيرا من مسؤوليته ليتعلل بهذه العبارة (ليس لي حظ)، في حين كان الموقف يحتاج منهم إلى جدية وتأكيد أكثر للذات باتخاذ الأسباب الكونية".
وتختلف معها الشابة صبرينة -24 سنة متخصصة في الإعلام الآلي - حيث تقول: " الحظ في قناعتي يساوي الصدفة فعلى سبيل المثال نحفظ ونستعد لخوض الامتحان بكل عزم وثقة وفي الأخير نجد الأسئلة ليست كما توقعناها وهو بالتالي حظنا التعيس والعاثر، بينما البعض الآخر قد يكتفي بمراجعة جزء من الدروس فتأتيه الأسئلة مثلما يود ويشتهي أليس هذا هو الحظ أو الصدفة الجميلة –سميها كما شئت – وعلى كل حال هذا رأي الشخصي."


الحظ إرادة، وابتسام الحياة للبعض امتحان من الله


وبنفس السؤال توجهنا به إلى السيد أحمد شعباني - حرفي في صناعة الجلود 45 عاماً -  فقال :" الحظ في تعريفي هو إرادة، فالذي يوفر الشروط اللازمة لتحقيق هدفه ينجح ويفوز ومن هنا لا يوجد في اعتقادي ما يسمى عند الكثيرين بالحظ أما بالنسبة لأولئك الذين ابتسمت لهم الظروف عن طريق الميراث أو اليانصيب الخ فهذا ربما يفسر بكونه " هبة " من الله يخص أو يمتحن الله بها البعض من عباده لحكمة يعلمها."


الحظ: الفرصة المناسبة في الوقت المناسب

وسألنا السيد الزبير - صحافي، 28 عاماً-  عن مفهوم الحظ في نظره حيث رد بالقول:"الحظ كلمة كثيرا ما تتردد على أفواه الناس فمنهم من يعتبرها خرافة ومنهم من يعتبرها واقعا معاشا، وتستعمل هذه الكلمة سواء من الذين رضوا عن مسيرتهم في هذه الحياة أو عن الناقمين عنها، حيث أضحت هذه الكلمة مشجبا لكل من يريد تعليق فشله وعدم تحمل مسؤولية إخفاقاته فيزعم أنه الحظ وراء ذلك.
كما أن هناك من الناس من ينسب نجاحات الآخرين إلى الحظ بالنظر إلى الفرص التي أتيحت لهم، ولهذا ربما يكون الحظ في المعنى العام هو الحصول على الفرصة المناسبة في المكان المناسب والوقت المناسب وهي بالتالي كلمة مرتبطة بنسبة النجاح في أي مجال من مجالات الحياة.
أما في المجال الديني فإن الحظ عند المؤمن هو الفوز بالجنة وذلك مصداقا لقوله عّز وجل " وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم"


الحظ: احد قوانين عالم الغيب، وحقائق اليوم هي أحلام الأمس


وقد توجهنا بالسؤال إلى الدكتور أبو بكر جيملي - الأستاذ المحاضر بجامعة سطيف بالجزائر والمختص في علم الاجتماع - فكان رده مقتضبا وموحيا، حيث قال:"العالم الذي نحيا فيه له قسمان، قسم فيزيقي يحكمه المنطق والعقل والحسّ، وقسم ميتافيزيقي تحكمه قوانين لا ندركها ولا نفهمها، ولو كانت الحياة خاضعة فقط لقوانين الحياة الفيزيقية، لكانت ربّما حياة استاتيكية تطبعها الرتابة والملل، ولكنّ قوانين الحياة الميتافيزيقية هي التي تعطي للحياة معاني الديناميكية والتغير، وما نطلق عليه نحن الحظّ، ما هو إلاّ أحد قوانين عالم الغيب، التي اقتحمت عالم الشهادة لتعطيها نكهة العيش، والحلم والتطوّر والتقدّم، لأنّنا في كثير من الأحيان نبالغ في التفكير بالمنطق الفيزيقي، فنلغي فرصا قد تكون بانتظارنا، بل إنّه من دون حظ، وقد نمنع أنفسنا من مجرّد الحلم، رغم أنّ حقائق اليوم هي أحلام الأمس، وبالتالي فإنّ دورات التغيير والحضارة ستصبح خطوطا مستقيمة، ليظلّ المتقدّم متقدّما، والمتخلّف متخلّفا."

كانت هذه بعض الرؤى التي حصلت عليها عربيات، ونسعد بمشاركتنا والقراء تجاربكم ورؤيتكم عن الحظ أو الصدفة أو "الفال" باختلاف مسمياته.