السلاح الأشد فتكاً في الحروب

الصدمات النفسية للأطفال في الحروب،، أثرها وعلاجها

عربيات : خاص- ريم محمد
صور وفيديو

لا تحمل الحروب في أحشائها سوى الألم والموت والمعاناة للأنفس البريئة... فأما ما نشاهده فهو تلك الصور المؤلمة للمصابين والقتلى والدمار، وقد يكون الزمان كفيل بتجاوزها ونسيانها، وأما مالا نشاهده ولا يمحوه الزمن فهو الأثر النفسي الذي ستتركه هذه الحروب بداخل كل من عاصرها وعايش الرعب والقلق وفقد عزيز أو قريب أو منزل يستظل بظله ليجد نفسه في العراء.

يعتبر السلاح الأشد فتكاً في الحروب هو التدمير النفسي الذي يدمر التوازن النفسي للمدنيين وعلى وجه الخصوص الأطفال، وهكذا الحروب دائما يصنعها الكبار ويقع ضحية لها الصغار.

ولعلنا في العالم العربي لا نعطي اهتماماً كبيراً بالرعاية النفسية والوسائل المطلوبة لاحتواء ردة فعل الصدمات على الأطفال في حين أن غالبية المختصين يؤكدون أن أخطر آثار الحروب هو ما يظهر بشكل ملموس لاحقاً في جيل كامل من الأطفال سيكبر من ينجو منهم وهو يعاني من مشاكل نفسية قد تتراوح خطورتها بقدر استيعاب ووعي الأهل لكيفية مساعدة الطفل على تجاوز المشاهد التي مرت به... ومن الممكن تفادي هذه الحالات فقط إذا تذكر أحدهم الجانب النفسي للطفل في هذه الأوقات العصيبة .

أما في العراق فحسب ما ورد على لسان أحد ممثلي الأمم المتحدة، أكثر من نصف مليون طفل عراقي من الأرجح أنهم سيكونوا بحاجة إلى علاج نفسي من جراء الصدمة النفسية التي تعرضوا لها خلال الحرب .

ويقول كاريل دي روي: "هناك 5.7 مليون طفل عراقي في المدارس الابتدائية ونتوقع أن يحتاج 10% على الأقل من هؤلاء الأطفال إلى علاج نفسي من الصدمات التي تعرضوا  لها خلال الحرب".

ويستشهد كاريل بحالة عاصرها لزميل عراقي أصيب ابنه الذي يبلغ من العمر تسع سنوات "بهستيريا" بعد سقوط صاروخ على مقربة من منزله .

وقد قام فريق من الخبراء الكنديين في مجالات الصحة والغذاء، وعلم النفس بزيارة للعراق قبيل الحرب لمعاينة أحوال الأطفال وخرجوا بتقرير يحمل عنوان (مسؤوليتنا المشتركة: تأثير الحرب القادمة على أطفال العراق) أوضحوا من خلاله أن أطفال العراق يعيشون حالة من الرعب والخوف من الحرب التي من المتوقع أن يصل عدد ضحاياها من الأطفال إلى عشرات أو مئات الآلاف حيث  سيواجهون الموت إما جوعاً أو قتلاً أو يحملون معهم ذكرى لا تنسى .

الدكتور محمد النابلسي: الزمن لا يشفي الصدمة بل يحولها إلى مزمنة

 في موقعه الخاص يتحدث الدكتور محمد النابلسي عن ردود الفعل إزاء الانفجارات ويصنفها إلى:

1 ) ردود الفعل الأولية: التخدير الحسي عند سماع الانفجار ثم الانتقال إلى مرحلة عدم استيعاب الحدث يتبعها مرحلة الهستيريا من الصراخ والبكاء .

2 ) ردود الفعل قريبة الأمد: وهي صعوبات التفكير وحالة من القلق والاضطرابات .

3 ) ردود الفعل متوسطة الأمد: فيها يبدأ الإنسان بالشعور بعدم الاطمئنان وأحياناً الإحساس بالذنب لعدم قدرته على تقديم المساعدة وقد تنتابه حالة من الغضب الناتج عن العجز وهذا يؤدي إلى انتكاسات نفسية وجسدية .

4 ) ردود الفعل الطويلة الأمد: تعتمد على قدرة الإنسان على التكيف مع الأحداث .

الصدمة

 نستخدم عادة كلمة ( صدمة) للتعبير عن التأثر النفسي الشديد... ولكن المفتاح لتعريف هذه الحالة والمعروفة بـ "trauma" بشكل مبسط هو حالة من الضغط النفسي تتجاوز قدرة الإنسان على التحمل والعودة إلى حالة التوازن الدائم بعدها، دون آثار مترسبة.

ولقد قام المختصون بتعريف الصدمات النفسية بأشكال مختلفة يعتمد كل منها على التجربة الفردية الخاصة نحو الحدث الذي أدى إلى الصدمة ويعتبر أكثرها أثراً هو ذلك النوع من الصدمات التي تهدد  الحياة بالخطر أو الإصابات الجسدية والمفاجآت الخارقة للعادة التي تجعل الإنسان في مواجهة الخوف من الموت، الإبادة، الإيذاء، الخيانة، الوقوع في فخ، العجز، الألم أو الخسارة .

هذا هو التعريف العام للصدمة بشكل تقريبي ويتضمن ردود الفعل على الحوادث التي نتعرض لها مثل الحوادث العرضية، الكوارث الطبيعية، الجرائم، الجراحات، الوفيات، أو الأحداث العنيفة بشكل عام... ويتضمن أيضاً لدى الأطفال حوادث التحرش، الإهمال، القتال، الحرمان وعلى رأس كل هذا الحروب .

الأطفال والحروب

تقول الدكتورة نعمة البدراوي أخصائية الطب النفسي لـ عربيات: "تعتبر الصدمات التي يتعرض لها الطفل بفعل الإنسان أقسى مما قد يتعرض له من جراء الكوارث الطبيعية وأكثر رسوخاً بالذاكرة ويزداد الأمر صعوبة إذا تكررت هذه الصدمات لتتراكم في فترات متقاربة... ومن معوقات الكشف عن هذه الحالات لدى الأطفال هو أنه يصعب عليهم التعبير عن الشعور أو الحالة النفسية التي يمرون بها بينما يختزلها العقل وتؤدي إلى مشاكل نفسية عميقة خاصة إذا لم يتمكن الأهل أو البيئة المحيطة بهم من احتواء هذه الحالات ومساعدة الطفل على تجاوزها".

ومن أهم  الحالات التي يتعرض لها الأطفال خلال الحروب:

ـ سوء التغذية في المناطق الفقيرة

ـ المرض

ـ التشرد

ـ اليتم والفواجع

ـ المشاهد العنيفة

ـ الإرغام على ارتكاب أعمال عنف

ـ الاضطراب في التربية والتعليم

 

وقد تصاحب هذه الصدمات حالات من الفوبيا المزمنة من الأحداث أو الأشخاص أو الأشياء التي ترافق وجودها مع وقوع الحدث مثل الجنود، صفارات الإنذار، الأصوات المرتفعة، الطائرات... وفي بعض الأحيان  يعبر الطفل عن هذه الحالات بالبكاء أو العنف أو الغضب والصراخ أو الانزواء في حالة من الاكتئاب الشديد... إلى جانب الأعراض المرضية مثل الصداع، المغص، صعوبة في التنفس، تقيؤ، تبول لا إرادي، انعدام الشهية للطعام، قلة النوم، الكوابيس، آلام وهمية في حال مشاهدته لأشخاص يتألمون أو يتعرضون للتعذيب .

 

وفي حال مشاهدة الطفل لحالات وفاة مروعة لأشخاص مقربين منه أو جثث مشوهة أو حالة عجز لدى مصادر القوة بالنسبة للطفل مثل الأب و الأم على سبيل المثال يصاب عندها الطفل بصدمة عصبية قد تؤثر على قدراته العقلية.

 

وغالباً ما تظهر المشاعر التي يختزنها الطفل أثناء اللعب أو الرسم فنلاحظ أنه يرسم مشاهد من الحرب كأشخاص يتقاتلون أو يتعرضون للموت والإصابات وأدوات عنيفة أو طائرات مقاتلة وقنابل ومنازل تحترق أو مخيمات  ويميلون إلى اللعب بالمسدسات واقتناء السيارات والطائرات الحربية... وتمتلئ مشاعر الطفل بالعنف والكراهية والشك أو اليأس و القلق المستمر .

دور الأهل

 أثناء إعدادنا في عربيات لهذا الموضوع لم تتوفر مصادر عربية من الكتب المختصة بتوعية الأهل عن كيفية التعامل مع هذه الحالات... وهذا يرجع إلى ضعف الاهتمام بالتربية النفسية للطفل في هذه الظروف الاستثنائية... ووجدنا في المقابل من خلال بحثنا في الانترنت العديد من المواقع و المراجع الغربية التي تقوم عليها جهات حكومية وتطوعية لتوجيه الأهل في كيفية التعامل مع الأطفال ليس فقط في مواجهة الحرب الدائرة على أرضهم  ولكن يتجاوز الاهتمام بذلك التوازن النفسي إلى  إعداد الأطفال لاستيعاب الحرب التي تدور في دول أخرى بدلاً من أن يتركوهم عرضة لمشاهدتها على شاشات التلفزة... وعمدت بعض المدارس إلى إضافة حصة دراسية من ضمن مناهج الأطفال في الفصول الأولى لتهيئتهم لتقبل هذا الأمر دون صدمات أو آثار مترسبة.

وخلاصة توجيهات المختصين في هذا المجال أنه على  الأهل في حال تعرض الطفل لظروف مروعة أن يبدءوا مباشرة بإحاطتهم بالاطمئنان ولا يتركوهم عرضة لمواجهة هذه المشاهد دون دعم نفسي وذلك عن طريق  الحديث المتواصل معهم وطمأنتهم بأن كل شي سيكون على مايرام وأنهم لن يصيبهم شي مع التركيز على بث كلمات من الحب أو تشتيت فكرهم عن التركيز في الحدث المروع خاصة في أوقات الغارات المخيفة في حال وقوعها على مقربة منهم، فهذه اللحظة هي الأهم في حياة الطفل النفسية وكلما تركناه يواجهها وحده يزداد أثرها السلبي بداخله على المدى القريب والبعيد .

وبالنسبة للأطفال الأكبر سناً يمكن مناقشة ما يجري معهم وإقناعهم بأنهم في مكان آمن أو أن القصف لن يطالهم وأن الأهل متخذين كافة الاحتياطات لحمايتهم، مع ضرورة عدم منعهم من البكاء أو السؤال عن ما يجري والحديث عنه فمن الضروري معرفة ما يدور في تفكير الطفل و أن نترك لمشاعره العنان في هذه الأوقات  حتى لاتتراكم الصدمة... ويمكن تشجيعهم على الحديث بمبادرة من الأب أو الأم للتعبير عن مشاعرهم مع اختيار الأسلوب والألفاظ التي يمكن للطفل استيعابها والتجاوب معها .

ومن المهم أيضاً أن يراقب الآباء تصرفاتهم ويحاولوا المحافظة على الحالة الطبيعية لهم وقوة التحمل وتلطيف الأجواء ليبثوا الثقة في الأطفال، وأن لا يتغير أسلوب الحياة بشكل كبير وبقدر المستطاع .

 

اللجوء إلى الله

 ويبقى في الواقع الجانب الروحي أو الديني هو الأهم حيث  يكفل للإنسان الاطمئنان فيمكن التجمع في اللحظات العصيبة لقراءة القرآن أو الصلاة الجماعية والدعاء، و زرع الإحساس بداخل الطفل عن وجود قدرة الإلهية عظيمة قادرة على نجدته في هذا الوقت من أي شيء مهما كان قوياً ومروعاً لمساعدته على تجاوز حالة العجز والخوف التي قد ترافقه بقية حياته وتساهم أيضاً في استعادته لثقته بنفسه وبالعالم حوله وعدم فقدان الأمل، مع محاولة تخفيف الأمر عليه بذكر قصص تحكي عن فضائل الصبر والجلد والعزيمة .