السعودية تنتظر قانون تحديد سن الزواج، والمغرب تشترط إذن القاضي، والمحاكم الفلسطينية تماطل، ومصر تعتبره "اغتصاباً"

عربيات تفتح ملف أحوال زواج القاصرات في العالم العربي

المكتب الرئيسي - سناء عليوان – فلسطين، حسن الأشرف- المغرب، ممدوح الصغير – القاهرة
صور وفيديو

يؤطر الزوج - موضوع القضية - زواجه من طفلة بإطار موافقتها، بينما يبرر الأب تزويج ابنته من كهل بدافع الستر، في الوقت الذي ينفي فيه مأذون الأنحكة التهمة عن نفسه بتأكيد عدم وجود قانون يمنع  تزويج الفتاة دون الثامنة عشر.

على الجانب الآخر ترفض الأم غالباً تزويج طفلتها والمقابل المادي لصفقة الزواج مما يجعلها تتجه لساحات القضاء مطالبة بإبطال العقد. هذا السيناريو يتكرر في أغلب حالات زواج الفتيات الصغيرات، أما العروس فتحتفظ وحدها بذكرى أليمة لليلة العمر وصورة لزفاف لم يحضره سوى دُماها فيما الكبار يتصارعون على مصيرها.

بعد أن ساهمت وسائل الإعلام مؤخراً في وضع هذه الحالات التي انتشرت في العالم العربي تحت المجهر، اتجهت "عربيات" إلى البحث عن الرأي والسبب، والحل الذي يبدو أنه لايزال في قائمة الإنتظار وساحات الحسم.

الشرع لايمنح الطفلة حق التصرف بإرثها، فكيف نكلفها بمسؤوليات الزواج؟

في البدء يرى الدكتور سعود كاتب" أستاذ الإعلام في جامعة الملك عبد العزيز" والناشط في مجال حقوق الأطفال أن قضية زواج الصغيرات لن يجدي معها التوعية باختلاف طرقها ووسائلها مؤكداً على أهمية إصدار قانون يحدد السن القانوني لزواج الفتيات، موضحاً: "المشكلة أن البعض في جهات مؤثرة كالمؤسسة الدينية لديهم رفض تام لفكرة تحديد سن الزواج وهم بذلك (حجر عثرة) أمام تنفيذ القرار، لذلك أتمنى أن يصدر قرار من ولي الأمر يمنع  زواج الصغيرات، فالموضوع يمسنا من جميع النواحي وقد ثبت الضرر الناتج عن زواج الصغيرات على الصعيد الصحي والنفسي والاجتماعي، في الوقت الذي لا توجد فائدة من زواج رجل بالغ بطفلة، فكل مؤيدين هذا الزواج يستندوا على زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من السيدة عائشة رضي الله عنها وهي في التاسعة من عمرها، وهذا الاستناد عليه خلاف ولم يثبت، إلا أنني أتسائل أين نحن منه عليه السلام؟ وألا يحق في حال ثبوته أن نطبق قاعدة درء المفاسد مقدما على جلب المصالح خاصة وأن الأضرار من هذا الزواج لا تعد ولا تحصى".

s_kateb_814159586.jpgوفي رده على تأكيد أب طفلة القصيم والتي تم تزويجها مؤخراً من رجل في السبعين بأن بنيتها بنية امرأة وليس طفله يقول: "هل الزواج يعتمد على بنية الفتاة وجسمها؟، وهل إذا توفى والدها سيحق لها التصرف في ميراثها قبل بلوغها سن محدد لمجرد أن بنيتها كبيرة؟، الإجابة لا فإذن القياس الخاطيء والشرع لا يمنحها حق التصرف في مالها إلا بعد أن تكون أهلا لذلك وفي سن معينة ولم يرتبط  تصرفها في الإرث ببلوغها وشكلها، وهذا يعد من سماحة الدين الاسلامي الذي يجنب الفتاة تحمل مسؤوليات قبل أن تصل إلى سن ونضج يؤهلها إلى ذلك،  فالزواج مؤسسة لا تعتمد فقط على الجسد إنما على الحقوق والواجبات التي على الطرفين القيام بها".
ويؤكد الدكتور كاتب أن السن المناسب للزواج لفتاة هو 17 سنة على أقل تقدير، قائلاً: "بشكل عام حينما تتزوج طفله في العاشرة برجل في السبعين نفترض أنه سيعيش 20 عاماً أخرى، لتصبح زوجته أرملة وهي في الثلاثين أي في أوج شبابها، ويتم الحكم عليها بأن تفقد طفولتها ووشبابها مما قد يجعلها عرضة للعذاب أو الانحراف، فالرجل الذي يسعى إلى مثل هذا النوع من الزواج لاشك أنه مريض نفسي، والأب الذي يزوج ابنته الطفلة يعاني من حالة جشع وطمع".

ويبرر السبب في  زيادة حالات زواج القاصرات بغياب القانون، قائلاً: "لو أن هناك قانون يمنع الزواج من الصغيرات، ويضع عقوبات صارمة لمن يتجاوزه ستنتهي المشكلة".

الجدير بالذكر أن الدكتور سعود كاتب بصدد تأسيس جمعية لحماية الأطفال من العنف والذي يعتبر زواج القصر أحد أنواعه.

السعودية: زواج الصغيرات جائز، ومنعه مباح ترجيحاً للمصلحة

 

almaki_272365408.jpgويعلق الشيخ علي المالكي المستشار الشرعي والأسري في المملكة العربية السعودية على القضية، بقوله:"لا بد من التوضيح أن حكم زواج الصغيرات في الدين جائز، لكن ترجيحا للمصلحة يتم المنع أو التقنين لهذا الزواج وفقا لقانون ونظام الدولة، وأعتقد أن هناك دراسة تتم في مجلس الشورى قد تخرج قريبا لتقنين هذا الزواج، فالدولة لا تتخذ القرارات بصورة عشوائية أو فردية، خصوصاً ما يرتبط منها بالمواطن حيث يتم عرضها أولاً على هيئة كبار العلماء ومجلس الشورى، وبشكل عام لو اتضح أن الرجل يرغب في الزواج لمصلحة شخصية يترتب عليها ضرر على الفتاة صغيرة السن فيتم منع هذا الزواج من قبل الحاكم الشرعي، والقاضي أو من ينوب عنه يجب أن يرجح المصلحة".

وعن ما إذا كانت قد واجهته حالات مماثلة، يقول: "قد دعيت لعقد نكاح فتاة عمرها 15 عاما على رجل عمره 59 عاما، وقد نصحت الفتاة وطلبت منها أن تفكر بعقل وأن لا تقحم نفسها في مشاكل ومسؤوليات قد لاتحتملها، فاستجابت واستجاب وليها، كما دعيت لعقد نكاح رجل عمره 63 عاما على فتاة عمرها 17 عاما، وامتنعت عن إتمام هذا العقد بعد أن قدمت المشورة للفتاة وشعرت برفضها لهذا الزواج".

ويضيف: "اختلفت آراء العلماء حيال مسألة إجبار الولي، والنظام يتبع الرأي الذي يرى أن الولي لا يمكنه إجبار الفتاة على الزواج من شخص ترفضه، ولو تم ذلك وأبلغت المرأة القاضي فله أن يفسخ عقد النكاح ويعاقب وليها، كما أن هناك تعليمات صادرة من وزارة العدل بشأن عقود النكاح منها أنه لابد وأن يستمع المأذون إلى موافقة الفتاة بعد أن يتم التعريف بهامن قبل محارمها".

المغرب: لا تتزوج القاصر إلا بإذن القاضي

ومن المغرب يؤكد الشيخ العلامة محمد زحل أحد كبار العلماء على عدم جواز إكراه الفتاة على الزواج لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "لا تنكح الأيم حتى تُستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن. قالوا يا رسول الله: وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت" والحديث متفق عليه، وفي رواية أخرى: "البكر تستأذن (أي تستشار) وإذنها صمتها"، أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم واستدل زحل أيضا بأن فتاة  جاءت الرسول صلى الله عليه وسلم فتاة، فقالت له: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع به خسيسته (أي مكانته ومنزلته بصهره)، فجعل الرسول الأمر إليها، فقالت له: قد أمضيت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء". وهذا دليل على أن الفتاة لا يجب أن يُكرهها أبواها ولا إخوتها على الزواج دون إذنها واستشارتها.

واستدرك العالم المغربي، قائلاً: "يمكن للأب أن يزوج ابنته إذا كان ذلك في مصلحتها، حيث أن الفتاة قد ترفض الزواج بسبب العاطفة والهوى، وبالتالي يمكن للأب تزويجها حينما يرى الخير في ما رفضته دون سبب معقول أو لهوى في نفسها قد يكون وبالا عليها". ويضيف عن زواج القاصرات، قائلاً: "وفقاً للقانون المغربي القاصر لا يجب أن تتزوج إلا بإذن القاضي تاذي بوسعه تقدير المصلحة والمفسدة من زواجها خاصة وأنها لاتملك التمييز بين ما يصلح لها وما لا يصلح في أمر الزواج".

وخلص الشيخ زحل إلى أن الفتاة القاصر تتزوج صغيرة إذا كانت يتيمة وليس هناك من يرعى مصالحها وشؤونها، ويُخشى عليها من الضياع والتشرد أو الانحراف مثلا، حينها يتم قبول تزويجها ولو كانت قاصرا باعتبار حالتها الاجتماعية الخاصة تستدعي قيام رجل (هو الزوج) بشؤونها ورعايتها.

فتاوي تحلل زواج القصر في المغرب

وأثارت فتوى قبل أشهر قليلة لأحد الدعاة المغاربة وهو الشيخ الدكتورعبد الرحمن المغراوي جدلاً كبيراً حين نشر موقعه الالكتروني جواباً له على سؤال بخصوص زواج القاصر أجاز فيه  زواج الفتاة الصغيرة ذات التسع أو العشر سنوات في حالات معينة. وملخص الفتوى كما يلي:
"بالنسبة لقوله تعالى (واللآئي لم يحضن) في سورة الطلاق فهناك حالات لنساء لا يحضن أبدا، ولايوجد ما يربط الزواج بحدوث الحيض، فالمرأة متى تمكنت من تحمل الرجل بكل ما في هذه الكلمة من معنى يمكنها الزواج، والرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها على سبع ودخل بها وهي على تسع، ولا شك أنها سن صغيرة جدا".

وأضاف المغراوي أنه قد ينقطع الحيض ولا تحيض المرأة لا لحمل إنما لمرض، فقد يأتي الحيض ثم ينقطع، وهناك تفاوت في مسألة الحيض بالنسبة للنساء، وقد تظهر على الفتاة بين 10 إلى 12 سنة علامات نضج العقل والبنية مما يؤهلها للزواج، وهذا أمر مشهود وسمعنا به وحُدثنا به، حيث أن لبنات التسعة سنوات القدرة على النكاح أكثر في بعض الأحيان من فتيات في العقد الثاني من العمر.

يذكر أن إحصائيات زواج القاصرات بالمغرب تشير  إلى ارتفاع عدد طلبات الزواج بقاصرات المُقَدمة إلى المحاكم، حيث أكد وزير العدل المغربي عبد الواحد الراضي  في إحدى جلسات البرلمان أن عدد طلبات الإذن بزواج القاصر لسنة 2007 بلغ 38,710  طلب، تم قبول 33,596 منها، ورفض 4150 طلبا، وأوضح الوزير أن 94% من الطلبات المقبولة كانت تتراوح أعمار الفتيات فيها بين 16و17 سنة.


 فلسطين: القاضي يماطل في إتمام الزواج، والقرار النهائي بيد الولي

hassan_318767137.jpgالشيخ حسن الجوجو رئيس محكمة الاستئناف أوضح لـ"عربيات" حكم الشرع في زواج القصر بالإكراه، قائلاً: "عقد الزواج بالإكراه يعد من أنواع الزواج الفاسد ويجب فسخه, فلا بد أن يتم الزواج بالتراضي وهذا هو الأصل الذي يبطل الزواج بغيابه، فعادةً عندما يتم تقديم طلب الزواج في المحكمة يبادر القاضي الشرعي بسؤال الفتاة عن قبولها وإذا استشف عدم موافقتها أو لاحظ وجود فارق كبير بين سنها وسن الخاطب أو وجود عيب ظاهر ينفر من الزواج، فإنه  يطلب من مرافقين الفتاة الخروج قبل أن يسألها إن كانت مكرهة على الزواج أم مخيرة, وفي حال شعر القاضي بإجبار أهلها مع عدم رغبتها في التصريح بذلك يقوم بتأجيل عقد القرآن للمماطلة وعلى أمل أن يعود الأهل لرشدهم في زواج ابنتهم، وفي بعض الحالات قد يتدخل القاضي في الموضوع مباشرة مع الأهل، وأحيانا ينجح في إقناعهم وأحيانا تبوء محاولاته بالفشل إزاء إصرار الأهل على موقفهم، وفي النهاية يكون القرار للأهل وللفتاة صاحبة الشأن".

مصر: لا يصح القياس بالسيدة عائشة، وإكراه الفتاة يبطل عقد الزواج

amna_636209067.jpg
وتقول الدكتورة آمنه نصير عميد كلية أصول الدين سابقا: "لا يجوز لولي الأمر إكراه الفتاة على الزواج، سواءًا كانت قاصر أو بالغة، فهذا الأمر يرفضه الإسلام خاصة لو تم على شكل صفقة كما يحدث اليوم عندما يتجه رجل مقتدر إلى الريف أو الأسر الفقيرة ليتزوج من بناتها القاصرات مقابل الهدايا والأموال التي يأخذها ولي أمرها كمهر أو ثمن لإتمام الزواج".

وتضيف: "من حق الفتاة أن ترفض، وتتوجه للمسؤولين أو لأحد كبار العائلة لمنع هذا الزواج، لان الزواج يجب أن يتم بالتوافق والتراضي بين من يتقدم للزواج والفتاة التي من حقها القبول أو الرفض".

وتدعو الدكتورة نصير ولي الفتاة بتزويجها بمن يناسبها، وأن لا يبيع الفتاة مقابل مكسب مادي، معتبرة أن السن المناسب لتزويج الفتاة هو الثامنة عشر، كونها لا تستطيع قبل هذه السن تحمل المسؤولية، وتضيف: "لا يجب القياس بالسيدة عائشة رضي الله عنها، لان القياس هنا يكون قياس غير صحيح، فالسيدة عائشة لها خصوصيتها".

ويتفق معها الدكتور عبد المعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية الذي يرى أن الزواج لاينعقد إلا بموافقة الرجل والمرأة، فإذا تم إكراه احدهما يصبح العقد فاسداً، وتكون علاقة الزوج بزوجته بمثابة "الإغتصاب" إلا إذا وافقت الزوجة في مرحلة لاحقة عليه وارتضته زوجاً لها، هنا يعتبر الزواج صحيحاً.


الدخول بفتاة قبل بلوغها يعرضها لخطورة

dr.khaled_768852047.jpg
ويعلق الدكتور محمد خالد استشاري و رئيس قسم الطب النفسي في المستشفى السعودي الألماني، بقوله: "لا بد أن نفرق بين زواج صغار السن قبل البلوغ وبعده، ولا بد أن تتصف الفتاة بنضج كافي قبل الزواج كأن تكون قادرة على التمييز والاختيار، وتزويج الفتاة من قبل ولي الأمر يكون بعد الرؤية الشرعية وموافقتها. فالرؤية الشرعية شرعها الإسلام ليس للرؤية فقط إنما لشعور كلا الطرفين بالقبول تجاه الطرف الآخر، وان تم إجبار الفتاة على زوج لم تشعر نحوه بقبول أو راحة نفسية ستشعر حيال زواجها بالغبن طيلة الحياة وربما يفشل هذا الزواج، فالمرأة وفق الطبيعة التي جبلت عليها لا تقدم عواطفها بالكامل للرجل إلا بعد أن تحبه، والمحبة لا تأتي إلا بعد أن تشعر بالراحة تجاه الخاطب، ولا مشكله في موافقة الفتاه للزواج برجل يكبرها سنا بشكل كبير فربما لديها تصور لحياتها أو احتياج معين تسعى لإشباعه من خلال هذا الرجل، ولكن في حال إجبار الفتاة على الزواج فإن وليها يكون قد ضيع حق من حقوقها في القبول والرفض أو حتى الاختيار، وسترفض هذه الحياة وربما تنشق نفسها لآخر أو ينتهي الزواج بالطلاق".

وعن زواج صغيرات السن يضيف الدكتور محمد خالد: " الكثير من الفتيات اللاتي أرغمن على  الزواج لا يعرفن مفهوم الزواج والعلاقة الخاصة بين الزوجين، فلابد أن يتم تعريف الفتاة بمفهوم الزواج وتهيئتها للعلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة بالإضافة إلى واجباتها الزوجية، فالواجبات تعد مهمة صعبة على طفلة في التاسعة على سبيل المثال، ولا يجب مقارنة الفتاة في العصر الحالي بالعصور القديمة بسبب تغيرات عديدة طرأت على المجتمع، وأود أن أوجه إلى خطورة الدخول بفتاة لم تبلغ كونها غير جاهزة عضويا للزواج كامرأة وذلك من جانب صحي ونفسي".