رؤية نقدية لراوية "وسادة لحبك"

الناقد الأدبي أ.د. صبري مسلم حمادي
صور وفيديو

لا شيء كالحدث الشيق يشد القارئ إلى عالم الرواية النابض . وهذه رواية جديدة للروائية السعودية زينب حفني (وسادة لحبك) - وقد صدرت عن دار الساقي ببيروت 2011 - ترتكز إلى حدث رئيسي مستمد من قصة حب جارف ينعقد بين شاب سعودي (جعفر) وامرأة سعودية تكبره سنا (فاطمة) . ولم يقف فارق السن عائقا أمام حبهما وهو ليس العائق الأساس أمام الحبيبين بيد أن العائق الحقيقي أمام الحبيبين الذي اشتغلت عليه هذه الرواية هو أن (جعفر) من الطائفة الشيعية في حين أن فاطمة من الطائفة السنية .
وحين تفضي قصة الحب هذه إلى الزواج فإن من حق القارئ أن يؤول حدث الزواج على صعيد الرمز وعلى أنه بداية مرحلة جديدة من التفاهم والاستيعاب . يرد في منولوج فاطمة بطلة القصة:  " قرأت اسم جعفر بين الأسماء المنادية بتأسيس رابطة وطنية أهلية تقوم على احترام الطوائف جميعها , غمرني الاعتزاز وأنا أتأمل صورة جعفر بسحنته التي تفيض طيبة بعينيه العميقتين الطافحتين بالعطاء ".الرواية ص 148
وبذلك لا يبقى ثمة وجود لمثل هذا الفارق الذي ظل منفذا للأحقاد والضغائن والفتن.
وتميز زينب حفني سردها لروايتها وسادة لحبك بتقنيات منها أنها تبدأ فصوص روايتها بنص شعري مقتبس دال , فلكي تشير إلى الوحدة التي تعيشها بطلتها إثر زواج ابنتها فإنها تبدأ هذا الجزء المعنون (بدايتي) بنص شعري للشاعرة نازك الملائكة:
"الليل يسأل من أنا
أنا سره القلق العميق الأسود
أنا صمته المتمرد
قنعت كنهي بالسكون ...." الرواية ص6 .

وفي الجزء الذي ورد تحت عنوان (هو وهي) يرد نص شعري آخر يمهد لحدث اللقاء بين فاطمة وحيدر وهو نص للشاعر نزار قباني :
من أنا خلي السؤالات أنا لوحة تبحث عن ألوانها
موعدا سيدتي وابتسمت وأشارت لي إلى عنوانها.......
وترد نصوص شعرية مقتبسة أخرى لها صلة بسياقات مختلفة في الرواية وهي للشعراء كامل الشناوي والهادي آدم وبشارة الخوري ومحمود درويش . وثمة مواضع كثيرة تشير فيها إلى أغاني لأم كلثوم وطلال مداح وعبد المجيد عبدالله وشيرين وسواهم حيث تمنح هذه النصوص المقتبسة والأغاني تلقائية لافتة لهذه الرواية الشيقة.
وثمة ملمح سردي مهم انتظم في رواية وسادة لحبك وهو تعدد الأصوات، إذ لم تقتصر الرواية على وعي بطلة الرواية فاطمة بالأحداث داخل الرواية بل أوردت رؤية جعفر بطل الرواية للأحداث ذاتها مما يعطي الرواية قدرة على أن تعرض وجهتي نظر مختلفتين تكريسا لمبدأ التنوع والاختلاف الذي هو جوهر هذه الحياة.
وعلى الرغم من وجود بطلين مهيمنين في الرواية هما جعفر وفاطمة بيد أن هناك شخصيات كثيرة ترد من خلال وعي البطلين (فائزة- إيمان- عواطف- الداعية- أمين- رابحة- أمل) فكأن هذه الشخصيات مرايا تعكس طبيعة شخصية البطلين فضلا عن أنها تشخص حالات في المجتمع السعودي وفي إطار رؤية هذه الرواية لها. وربما أرادت زينب حفني أن تشير إلى أن لبطلتها فاطمة كينونة خارج ذاتها وليست بالضرورة شخصية مطابقة لها من خلال نص ورد منعكسا على وعي فاطمة " وقفت عند نص شعري جميل كاتبته مثيرة للجدل دوما: هذا المساء. اشتهيتُ المسامرة مع أرضيّة ذكوريّة. في ممارسة فطريتي على أرصفة الهوى. أذبتُ أسوار جمودي. أرهفتُ السمع لعربدة الليل الثمل. الصارخ ضجرا من حرمان الصمتِ. فيضان الأنثى يتدفق دافئا في شرايين جسدي. استرقتُ النظر من ثقوب أنّاتي إلى وميض ملامحي. جذبتُ خصلات شعري. سحقتها بين أناملي.....". الرواية ص 53 .
وهي تقصد زينب حفني ذاتها في قصيدة لها بعنوان "هذيان" , فضلا عن أن هذه اللمحة الطريفة تشير إلى هاجس زينب حفني في التفرد وفي أن تترك أثرا لا ينسى في قارئها.
وإذا كان ثمة ما يدعى بالسهل الممتنع في الشعر فإن ثمة سهلا ممتنعا في الفن الروائي وهو ما ينطبق على هذه الرواية إذ تميزت بلغة سردية سهلة ولصيقة بالجمهور الواسع من القراء سواء أكان هذا في سردها الحميم بضمير المتكلم أم في منولوج فاطمة وجعفر . وعلى الرغم من وجود حوارات فكرية ذات طابع ديني بين فاطمة وجعفر وقد عززت بعضها بمصادر في هذا الشأن فإن حوار الرواية على وجه العموم بدا مستساغا وهو مؤطر بسياق الرواية، وهناك حوارات أخرى جريئة وطريفة ولاسيما بين فاطمة وصديقاتها وتحديدا حين يدور الحديث عن الجنس "علقت فائزة : هل تصدقن إذا قلت لكنَّ إن زوجي في واحدة من المرات ونحن نمارس الجنس ناداني باسم إليسا المغنية من كثرة اشتهائه لها ؟ لحظتها ابتلعت الإهانة وتغاضيت عن تصرفه . أتدرون لماذا؟ أدنت رأسها منا وتابعت بصوت خافت لأنني أنا أيضا أتخيل نفسي نائمة مع راغب علامة لشدة انجذابي إليه فلم ألومه على إعجابه المفرط بإليسا؟" الرواية ص 26- 27. وفي مثل هذا النص تعزز الرواية وجهة نظرها بمؤسسة الزواج حين لا تقوم على مبدأ الحب المتبادل إذ لامناص في هذه الحالة من الأقنعة والزيف.
ولا ريب في أن ثمة رسالة متضمنة في رواية وسادة لحبك لزينب حفني على صعيد المضمون وهي رسالة ذات قطبين اثنين أحدهما دعوة لتفهم المذهب الشيعي بغية التقريب بين المذاهب واستيعاب الخلاف وتجاوزه وليس أدل على ذلك من إيراد مصادر ومراجع في هذا الشأن. وأما القطب الآخر من الرسالة المتضمنة في هذه الرواية فإنه الحب الذي يضمن لمؤسسة الأسرة نجاحها وبخلاف ذلك فإن الزواج يكون عبئا ثقيلا على المجتمع حين يكون قسريّا وبلا أثر للمودة والرغبة المتبادلة. ولذلك أنبنت الرواية على حدث الحب الذي هو حدث روائي يمكن أن يقع في عالم الواقع .
بيد أن ثمة حدثا واقعيا تؤرخ له الرواية في صفحاتها الأخيرة وهو حدث غرق بعض أحياء مدينة جدة أو حدث (أربعاء جدة الأسود) كما ورد في الرواية وقد استمدت التسمية من الصحافة في حينها. وإذا كانت فاطمة بطلة الرواية قد أحست بالإحباط الشديد إثر هذا الحدث لا سيما أنها شاهدت "في منطقة الصواعد حفرة الموت الشهيرة التي تراكمت فيها جثث الضحايا الذين لم يستطيعوا الفرار من قدرهم المأساوي . كثيرة هي الحكايات التي سمعناها من أفواه أصحابها وأدمت قلوبنا" الرواية ص 142.
ومع هذا فإن الرواية منحازة إلى ضفة التفاؤل بمستقبل الإنسان السعودي وقدرته على التضحية والبذل: " كان أهالي جدة قد هبوا لإنقاذ مدينتهم . بدا آلاف من الشباب والشابات بالتجمع في المركز الدولي للمعارض .. لمساعدة المتضررين من السيول. قررت الانضمام إليهم" الرواية ص 140 .
وأما السطور الأخيرة من رواية وسادة لحبك ذات المائة وواحد وخمسين صفحة فقد ختمت بأغنية طلال مداح : وطني الحبيب لا أحب سواه . وطني الذي قد عشت تحت سمائه . وهو الذي قد عشت تحت رباه . منذ الطفولة قد عشقت ربوعه . إني أحب سهوله ورباه.
 

عن الدكتور حمادي :

• أنهى دراسته للبكالوريوس في قسم اللغة العربية / الجامعة المستنصرية عام 1973 بتقدير جيد جداً ، وكان الأول على دورته ، وحصل على درجة الماجستير في موضوع (أثر التراث الشعبي في الرواية العراقية ) من جامعة القاهرة 1978 بتقدير جيد جداً وحصل على درجة الدكتوراه في موضوع : صورة البطل في الرواية العراقية ( 1928 – 1980 ) من جامعة بغداد عام 1984 بتقدير امتياز. حائز على عدة دروع تكريميّة من الموصل والقاهرة. من أعماله: أثر التراث الشعبي في الرواية العراقية ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت 1980.
• قام بتدريس مواد متعددة لطلبة الدراسات الأوّلية والدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه ) منها : الأدب العربي الحديث (النثر والشعر) والنقد الأدبي الحديث والأدب المقارن ومنهج البحث الأدبي ، ومناهج النقد الأدبي ، والأسلوبية ، وعلم العروض. كما ناقش الكثير من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعات بغداد والموصل وتكريت وعدن وحضرموت.
• قصص شعبية عراقية ،(بالاشتراك) ، جزءان ، مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية ، الدوحة 1988 .
• البطل المصلح في الرواية العراقية ، دائرة الشؤون الثقافية ، بغداد 1988.
• الآفاق والجذور ( فضاءات الأدب اليمني المعاصر ) ، إصدارات اتحاد أدباء اليمن ، مركز عبادي للدراسات والنشر 2004 .
• من أبحاثه: رسم الشخصية في رواية موسم الهجرة الى الشمال ، مجلة المنهل السعودية ، العدد 570 ، جدة 2000 .
• محاكمة ليلى العثمان سيرة ذاتية أم رواية ؟ ،مجلة الكويت ، العدد 268 ، الكويت فبراير 2006.