الإستعمار العسكري خرج من الباب ودخل الإستعمار الإقتصادي والفكري من النافذة

الإعلامي عرفان نظام الدين

عربيات: لندن - رانية سلامة
صور وفيديو

اليوم ضيفنا هو ذلك الرمز العربي الذي حمل أمانة القلم على عاتقه في مشوار يقدَّر بأكثر من ثلاثين عام... كانت فيه فلسطين قضيته... وهموم العرب هاجسه... ومع خلجات الحب وقفته... ويصحبنا عرفان نظام الدين معه في عوالم السياسة والتحليل والأدب لكننا نلمح الجانب الخفي من شخصيته... عرفان نظام الدين الإنسان الذي لبى طلبنا باستضافته بالرغم من وفاة والدته رحمها الله قبل لقاءنا بأيام ومع ذلك منحنا من وقته الكثير وقدم لنا خلجاته لتحتضنها عربيات وتنشرها للمرة الأولىعلى الإنترنت... ولا نستغرب كل هذا العطاء من رمزنا الذي فتح لنا أبواب قلبه على مصراعيها.

في البداية نتقدم لك بأحر التعازي في وفاة والدتك رحمها الله وترى ماذا كانت مكانتها في حياة عرفان نظام الدين؟
الأم بالنسبة لي هي القلب... قد يقول البعض كانت كبيرة أو كانت مريضة واستعجب من ذلك التقزيم للمشاعر التي تربط بين الأم وابنها فكيف لا يتأثر أو يحزن لفقدان أمه؟ أنا أعتقد أن الطفل الصغير تكون علاقته بأمه حب حاجة لكن عندما يكبر ويستقل بذاته تصبح علاقة حب وصداقة وحوار، علاقة راقية جداً، ومن يعود إلى القرآن الكريم يعرف قيمة ومعنى هذه العلاقة الفريدة... وبالرغم من انني كنت كثير السفر والترحال الا ان رحالي كانت تحط بأراضيها في نهاية المطاف فوالدتي رحمها كانت القلب الكبير الذي نلتف من حوله.


على ذكر السفر والترحال وبما أنك رمز من رموز الإعلام العربي المهاجر كيف تقيِّم هذا الدور؟
في الواقع الإعلام العربي المهاجر يلعب أدوار متعددة وأعتقد انه تطور جدا وبدأ يخاطب العقل العربي والتغطيات أصبحت أكثر شمولية كما أنه ساعد على التقارب وكسر الحدود والمسافات وساهم في تعريف تعريف القاريء بأدباء وفنانين وكتاب من مختلف أنحاء الوطن العربي....من جهة أخرى هناك بعض الأقلام المأجورة لها دور سلبي في اشعال الفتن وتباعد العرب وتفرقتهم.

 

القضايا العربية وهموم العرب


لاحظت في كتابك (هموم العرب2000) أنك ذكرت أنك لن تخوض في تفاصيل قضية فلسطين لكن في الواقع كنت أجدتها بين الصفحات والسطور كأنها الهم الأول المسيطر على قلم عرفان نظام الدين فلماذ حاولت تجنبها؟
بالطبع هي موجوده في عدة مواقع من كتابي لكن لم اطرحها بشكل منفصل فلو تطرقت لها ولم أتعمق وأسهب لن أكون موضوعياً.. لذلك آثرت التركيز على هموم الإنسان العربي الأخرى.. أما كونها مسيطرة على قلمي فقد يكون ذلك صحيحاً لأننا جيل نشأ وتربى على هذه القضية المقدسة واعتبرناها مصير وصراع وجود وليس صراع حدود فهي موجودة في ضميرنا.


إذن مارأيك بالسلام كحل لهذه القضية؟
السلام هو غاية الجميع فبعد 50 عام من الصراع كان لابد من ايجاد حل اما بالحرب أو بالسلام،ولكن السلام المشرف وليس الإستسلام... وقد يكون الإنسان العربي أصيب بصدمة كبيرة عندما تابع عملية السلام وشاهد مصافحتنا لإسرائيل نفس اليد التي ذبحت أبنائنا واحتلت اراضينا فلم يكن تقبل هذا الأمر سهلاً خاصة على جيل الكبار الذي عاصر الصراع وأعتقد ان الغالبية قد أصابها نوع من (القرف) السياسي بسبب هذه الصدمة.

 

صدام حسين ضرب العذرية العربية


عندما نتحدث عن الخذلان فهذا يعني أننا كنا نتوقع شيء مختلف وأننا كنا نحلم بشيء لكن لم يتحقق...على سبيل المثال حلمنا بالوحدة العربية فبدأت المشاكل الداخلية و حلمنا بتحرير الأراضي العربية فازدادت سيطرة العدو عليها... فلماذا تتحول الأحلام العربية إلى كوابيس؟
لابد أن نحلم فالحلم حق من حقوقنا... لكن المشكلة هي أننا بقينا في سبات عميق نحلم، ولم نبحث عن الوسائل التي تحول أحلامنا إلى حقيقة... لم نخطط للمواجهة ولم ندرس أبعاد الخطر الصهيوني في البداية... والأحلام لاتتحقق دون دراسة وعمل وتطبيق سليم... ثم جاءت الضربة التي ذبحت أحلامنا بغزو العراق للكويت وضرب العذرية العربية وحرمات الأخ على أخيه... فاحدثت شرخ وخلفت آثار عميقة على جميع القضايا العربية لانزال نعاني منها حتى اليوم.


من وجهة نظرك ماذا تتطلب الوحدة العربية اليوم لتتحقق؟
عقل عربي،وحكمة،وبداية من الصفر لدراسة كل نقطة وقضية... فالوحدة في أوروبا على سبيل المثال تأتِ من فراغ بل كانت نتاج لدراسات واقعية دقيقة استغرقت 50 عام وشملت كل شيء يتعلق ببلادهم... وأعتقد أنه علينا أن نبدأ بالاقتصاد لأننا اليوم في عصر الاقتصاد والتكنولوجيا.


اذن انت تؤيد اندماج الشركات والمؤسسات العربية ليكون لها دور اقتصادي قوي؟
بالطبع،فهي ان لم تندمج اليوم ستنتهي وتصبح قزماً وحسب اتفاقيات التجارة الدولية (الجات) لم يعد هناك مجال لحماية بضاعتنا أو ترويجها بلا تنسيق وتجميع للشركات لتتعامل مع العالم كوحدة متكاملة... فلوفرضنا على سبيل المثال أنه يوجد بتروكيماويات في عدة دول عربية فلابد تكون شركة موحدة ومنفتحة على العالم وليس عدة شركات متنافسة.


وهل تعتقد أن المجال سيكون متاح للشركات العربية لاقتحام السوق العالمية دون ان تحارب من مثيلاتها في الخارج؟
لدينا سوق عربية هائلة،واليوم قوى العالم لاتتعامل إلا مع القوي... قد تكون هناك محاولات لتهشيم بعض المؤسسات العربية الخاصة في الخارج لكن الواقع أن أصحابها قد ساهموا في ذلك بارتكابهم لأخطاء قانونية وغيرها لذلك لايجوز اتخاذهم كمثال يمنعنا من المحاولة.


أشرت إلى هجرة العقول العربية إلى الخارج فماهي مسبباتها؟وكيف نحد من هذه الظاهرة؟
هناك عدة أسباب لهذه الظاهرة منها انعدام فرص العمل والمغريات الخارجية والأوضاع الإقتصادية المتردية في بعض الدول العربية بالإضافة إلى عدم تبني المواهب وتقدير العلماء والمفكرين والأدباء وغيرهم من المتفوقين والمبدعين... أما للحد من ذلك فهناك عدة أمور تحتاج لدراسة وتعديل ولابد أن نبدأ من الأساس ومن الأسرة فاليوم هناك خلل في تنشئة الطفل بعد أن تركنا عاداتنا وتقاليدنا وأردنا اتباع الطريقة الحديثة بقشورها الزائفة فضاع دور الأم والأب واستُبدِل بالخدم الذين يؤسسون الطفل وهم غير عرب ولا مسلمون في الغالب فينشأ الطفل دون ان يشعر بالإنتماء لهويته وأرضه ودينه... من جهة أخرى أنظمة التعليم العربية والتي لم تتطور من عشرات السنين ولم تعد مقبولة بعد ثورة التكنولوجيا والعلوم والتسارع الخطير الذي أصبح أسرع من سرعة الضوء... فلا بد من تحديث المناهج الدراسية ولابد كذلك من تشجيع المبدعين والعلماء الذين هاجروا للعودة لأوطانهم والإستفادة من خبراتهم.


تحدثت عن التعليم فماذا عن الأمية التي يعاني منها العالم العربي وكيف نقلص من نسبها؟
للأسف هناك احصائيات تؤكد أن نسبة الأمية في العالم العربي تتجاوز 60% وربما تكون قد تزايدت بعد الحروب في لبنان والعراق وغيرها، هذا عن أمية الكتابة والقراءة أما الأمية الجديدة والتي يندرج تحت معناها كل من لايجيد التعامل مع التكنولوجيا الحديثة والكمبيوتر والإنترنت فالنسبة أكبر بكثير وقد لاتكون مشكلة اليوم لكن غداً لن يتمكن أي انسان من انجاز أعماله بدونها.. لذلك لابد من ادخالها في الأنظمة التعليمية في المدارس والجامعات.

 

الإعلام المرئي والإستعمار الفكري


لك تجربة مع الإعلام المرئي فقد شاركت في تأسيس مركز تلفزيون الشرق الأوسط، فكيف تقيِّم هذه التجربة؟
في الحقيقة حياتي العملية توقفت بعدة محطات وقد أكون الصحفي الأول الذي تنقل من الجريدة اليومية المحلية إلى وكالة الأنباء الدولية إلى القناة الفضائية mbc واعتبرها المرحلة الأهم والأكثر اثارة فالبث الفضائي آنذاك كان شيء جديد تفاعل معه الجميع وأعتقد أنها تجربة جيدة بالنسبة لي استطعت فيها تحقيق نجاح أعتز به واستطعت أن أضع أسس جيدة تساعد على الموازنة بين استخدامنا لأحدث التقنيات والحفاظ على مبادئنا وعاداتنا وتقاليدنا.


بعد 30 عام من العمل في مجال الإعلام بمختلف أشكاله فكيف ترى الفرق بين الإعلام المقروء والمرئي؟
بالطبع هناك فرق كبير وأعتقد ان دور الإعلام المقروء بدأ يتراجع في مواجهة الإعلام المرئي في ما مضى المقال كان يهز بلاد بأكملها وكانت تأتينا بعده اتصالات ومراسلات كثيرة جداً واليوم الأصداء ضعيفة جداً لأن الغالبية أصبحت تفضل الإعلام المرئي وتتفاعل معه بشكل أكبر خاصة بعد استخدام تقنيات حديثة مبهرة للتقديم بالإضافة إلى سرعة وصول الخبر.


بعض القنوات الفضائية العربية لاقت نجاح كبير ولكن البعض يتهم ما تقدمه بالفساد الفكري أو الأخلاقي فما رأيك في ذلك؟
بالفعل هذا شيء ملاحظ وقد يكون السبب محاولة تقليد الغرب (فمشينا مشية الغراب) وبالرغم من نجاح هذه القنوات إلا أنني أعتقد أنها ستأخذ وقتها وتزول فلن يستمر انبهار المشاهد بالمذيعة التي ترقص وهي تقدم البرنامج وبالبرامج التي تناقش القضايا الجنسية والشعوذة وغيرها سوف تنتهي هذه القضايا التي أثارت المشاهد ويفلس من يقدمها فليست كل حياتنا هكذا وكلها أشياء تم توظيفها بشكل خاطيء لتحقيق نجاح وقتي واهداف تجارية بحتة... وأعتقد أن الإفساد أمر مخطط له فالإستعمار العسكري خرج من الباب ودخل من جديد عبرالنافذة متمثل في الاستعمار الإقتصادي والعلمي والثقافي وبما ان للإعلام الدور الأكبر في التأثير على عقول الشعوب فكان لابد ان يكون أكثر وعياً لما يطرح ويقدم حتى لا يصبح اداة افساد خلقي أو فكري.


ككاتب سياسي ماهو رأيك ببرامج التحليل السياسي ونقاش القضايا الهامة على الهواء؟
للأسف معظمها يخفق في اختيار من يدير الحوار واختيار الضيوف فأنا اتفاجأ بأسماء لم نسمع عنها مطلقاً ويقدمونها لنا تحت مسمى (كاتب ومحلل سياسي)! وأتحدى ان يكون لهم مقال واحد في الصحف العربية... ويؤدي سوء الإختيار إلى استماعنا لآراء ساذجة ومواجهات بين أطراف غير مؤهلة للحوار تنتهي إلى مهاترات وصدامات واتهامات دون أي نتيجة يخرج بها المشاهد... هناك قاعدة تقول انك متى ما ارتفع صوتك أثناء الحوار تفقد قضيتك وهذه نقطة لا يفكر أحدهم بمراعاتها ليتحول النقاش إلى حلبة مصارعة كلامية.

 

الكتابة الوجدانية ملجأي


المعروف عنك أنك كاتب قضية فكيف كانت ولادة دواوينك الوجدانية؟؟هل هي هروب من السياسة ولجوء للرومانسية؟
في الواقع انا لست جديد على الكتابة الوجدانية ولي عدة دواوين لكن عن بدايتها فكانت في مجلة سيدتي عندما طلبت مني الدكتورة (فاتنة شاكر) رئيسة تحريرها آنذاك أن أكتب معهم وكتبت زاوية (خلجة) ثم بعد نجاحها نقلتها إلى الشرق الأوسط... أما عن هروبي من السياسة إلى الرومانسية فنعم هذا صحيح بعد كل تلك الحروب والمآسي يشعر الإنسان بالحاجة إلى وقفات مع المشاعر الإنسانية والوجدانية.


ماهو الحب بالنسبة لك؟
الحب قضية.... وهو سر الحياة واكسيرها فالأخوة في الأسرة الواحدة بحاجة ليربطهم الحب والشعوب بحاجة لتحب بعضها البعض وتتوقف حروب العداء فيما بينهم.


كيف وجدت أصداء طرحك لديوانك الأخير (خلجات الحب)؟
بفضل الله أكثر من ممتازة فالإقبال عليه كبير واتلقى رسائل كثيرة من ألاف القراء يبدون إعجابهم به.

 

المستقبل لصحافة الإنترنت


كصحفي وكاتب ورئيس تحرير سابق هل تعتقد بأن الصحافة الشبكية قادرة على سحب البساط من تحت أقدام الصحافة المطبوعة؟
أنا لا أعتقد ولكنني متأكد من ذلك، فالمجلات المطبوعة بدأت تعاني اليوم من انخفاض التوزيع أما الصحف اليومية الورقية فأتوقع أن تتلاشى بعد عشر سنوات وتتحول إلى صفحات على الإنترنت بعد أن ينقرض جيلنا القاريء،فأنا على سبيل المثال لا أستطيع أن أتخلى عن قراءة الصحف الورقية كل صباح لكن قمت بعمل احصائية شخصية على جيل الشباب فوجدت انهم لايقرأونها أبداً ويكتفون بنشرات الأخبار وتصفح الإنترنت...من جهة أخرى نحن في (عصر اللحظة) وسرعة نقل الخبر مطلوبة وهذا ماتوفره الفضائيات والإنترنت أما الطباعه فلابد من ان تمر بمراحل تتطلب تأخر الخبر حتى يصل إلى القاريء.


الكاتب القدير (عرفان نظام الدين) هل من كلمة توجهها (لعربيات) وقراءها؟
لعربيات أقول أنتم رواد في هذا المجال وسيُسَجَّل ذلك لكم بأنكم أول مجلة الكترونية عربية من نوعها تقتحم مجال النشر بشكل حديث وتقديم متميز وفريق عمل من الشباب الواعد المثقف فأتمنى لكم النجاح في جميع خطواتكم وأتوقع أن المستقبل لكم. أما لقراء مجلتكم فلا أملك أغلى من ديواني الجديد (خلجات الحب) لأقدمه لهم وأقوم بنشره لأول مره على الإنترنت.