في حلب كنت أضحوكتهم ونصحوني أحلم على قدِّي

المخرج العالمي مصطفى العقاد يفتح قلبه لـ "عربيات"

مي كتبي
صور وفيديو

في بهو أحد فنادق بيروت الراقية كان الحظ حليفي بلقاء المخرج العربي العالمي مصطفى العقاد، الذي قدم من خلال أعماله الإسلامية والعربية صورة مشرقة وصل بها إلى العالمية بجدارة سبق بها غيره وحفر بها اسمه في عالم الإخراج والإبداع .

وبالرغم من  مشاغله العديدة  الا أنه كان كريماَ مع عربيات وخصها بحوار خاص وجرئ وتحدث معنا  من قلبه وعقله.

ـ في زاوية هادئة بعيد عن ضجيج رواد الفندق جلسنا، سألته عن "حلب" و عن أحلامه التي ولدت فيها... أشعل غليونه و بعد لحظة صمت قصيرة تكلم وقال:
(حلب هذه المدينة الصغيرة التي أحملها في قلبي دائماَ هي مدينتي ، ولدت و نشأت فيها .... كان لدينا جار يعرض الأفلام السينمائية و كان يأخذني في الصغر لأتابع  كيفية عرض الأفلام و كيفية قص المشاهد الممنوعة و مع مرور الوقت أصبحت مولعاَ بالسينما ، و عندما بلغت الثامنة عشرة من عمري قررت أن أصبح  مخرجاَ سينمائياَ و في هوليوود تحديداَ ويا لها من ردة فعل كانت لأهالي حلب بعد أن بحت لهم بأحلامي فقد أضحيت أضحوكتهم.

قالوا : "احلم على قدك ، اذهب الى الشام أو مصر لتدرس الإخراج هناك"... لكني كنت مصمماَ على هوليوود).

ـ يصمت قليلاَ.. وهو يستعيد تلك الذكريات، ثم يعاود حديثه قائلاَ:

(عندما أعود الى الوراء أجد أن ما كنت أفكر فيه آنذاك  كان ضرباً من الجنون

فأولاً،،  أبي رجل فقير "على قد حاله"..

ثانياَ،، الفكرة كانت مرفوضة اجتماعياَ..

لكنني قررت وعقدت العزم.. كنت حينها طالباَ في احدى المدارس الأمريكية عندما قدمت طلباَ لجامعة "يو سي ال آي"  شاء الحظ أن أحظى بالقبول.. عندها  قال لي والدي "افعل ما تشاء لكنني غير قادر على اعانتك مادياَ" ومكثت عاماَ كاملاَ أعمل لكي أوفر ثمن بطاقة الطائرة، و قبل رحيلي أعطاني والدي مصحفاَ و 200 دولار فهذه كانت أقصى قدراته).

ـ وعن رحلته قال:

(الرحلة كانت شاقة، فلقد ذهبت فقير مادياَ لكنني غني دينياَ وتربوياَ وقومياَ وهذا كان رأسمالي.. و عندما وصلت إلى أمريكا وعرفت المجتمع هناك قدّرت قيمة الأخلاقيات التي ربّاني عليها والدي، لكنني لا أنكر أني حملت معي بعض مركبات النقص وعلى مقاعد الدراسة ومع الاختلاط بعدة جنسيات اكتشفت أنه لا ينقصني شئ  كوني مسلم وعربي.. و بعد هذا الاكتشاف حدث انقلاب في تفكيري ومركب النقص تحول الى ثقة، ومن هذه النقطة بدأت أنقل الخبرة إلى وطني وصممت أن أقدم لأمتي خلاصة تعبي و تصميمي وذلك عن طريق الأفلام السينمائية، و توجهت الى التاريخ ففي يوم من الأيام  حكمنا الأندلس وعلمنا "الهمج" الأروبيوون! نحن من علّم الفلك والطب واكتشف الأبجدية).

أشمئز من العرب الذين ينكرون هويتهم في الخارج

ـ و يتابع:

(كان طريقي شاقاَ بمعنى الكلمة فلو لم أكن عربياَ لكان الأمر أسهل بكثير فكون اسمي "مصطفى" هذا وحده يشكل صعوبة كبيرة كان بامكاني أن أغيره لأمارس عملي بسهوله  لكن كيف أغير اسمي الذي أورثني اياه أبي؟!، فلقد كنت و لا أزال متشبثاَ به.. و تابعت عملي باصرار وفرضت على الجميع في هوليوود و خارجها احترام اسمي فلقد كنت أحترم نفسي لذلك فرضت على الآخرين احترامي... فأنا أشمئز من بعض العرب الذين يأتون الى أمريكا و يغيرون أسمائهم العربية ويتنكرون للغتهم العربية فقد لتسهيل أعمالهم).

ـ قاطعناه بالسؤال: ماذا عن اليهود في هوليوود فمن المعروف أنهم يمسكون زمام الأمور هناك؟

أجاب:
(اليهود هم المتحكمون لأنهم يمسكون هوليوود من عصبها و هو "المال"، و يجيدون السيطرة عليها مالياَ لكن ابداعياَ لا!. فسيطرتهم مالية لا إبداعية.. واليهودي في النهاية يهمه فقط كسب المال  بغض النظر عن الوسيلة، لكن لديه خطوطه الحمراء والويل  لمن يتخطاها و هي معروفة.. منها عدم التطرق بأي شكل كان لقضية فلسطين و اسرائيل).

 

اليوم نعيش حاضراَ أشبه بالغيبوبة.. وواقعاَ متشرذم فكرياَ ومعنوياَ  مع أننا من رواد الحضارة

(مشكلتنا دائماَ هي عدم اعترافنا بأخطائنا و دائماَ لدينا "الشمَاعة" التي نعلق علينا أخطائنا.. نحن شعوب عانت من الاستعمار و لا نزال نعاني منه، فنحن مستعمرون من الداخل لأننا ببساطة لسنا من صناع القرار في أوطاننا... نحن لا نتعب في أي نوع من أنواع التصويت فالقرار مأخوذ عوضاَ عنا.. هذا يعني أننا نخضع لعملية "تقليص" لعقولنا. و ازاحة عملية التفكير عنها!... انظري الى الكثافة السكانية في بلادنا  العربية و لا نزال لا نقوى على ردع إسرائيل الضئيلة من ممارسة طغيانها ... فقط الآن بدأت عملية البحث عن سبب لهذا التخاذل بعد ما جرى مؤخرأ.. ربما يحصل تغيير الأن أو لاحقاَ ، فللحضارة دورات و ربما تعود الكرة الى ملعبنا من يدري).

 

ـ بما أننا نعيش في الوقت الحالي أزمة العراق فماهو رأيك في الرئيس المخلوع "صدام حسين"؟ وهل تربطكم علاقة بالقيادات العربية في مجال عملك؟

(ربما تصدمين لو قلت لك أن ثمة علاقة شخصية كانت تربطني بـ الرئيس صدام حسين ولقد رأيت منه خيراَ، ففي يوم من الأيام أراد أن يتولى  تمويل فيلم "صلاح الدين" لكن ظروف حرب الخليج آلت دون تحقيق هذا المشروع.. وأيضاَ تربطني علاقة شخصية بالرئيس الليبي معمّر القذافي، فالقذافي عرف حاجة الإعلام و قال لي :"السينما سلاح أقوى من الدبابات". و هو من قام بتمويل فيلمي "الرسالة" و "عمر المختار").

ـ و يستأنف حديثه:

(الشعب العراقي مثقف و عظيم لكنه تعتّر وأُضعف. و مَن مِن شعوبنا لم  يتعتّر؟! ).

التطرف بكافة صورة هو عين الجهل

 

ـ يصمت قليلاَ... و يعيد إشعال غليونه ويستطرد حديثه بلهجة مصحوبة بنبرات الأسف:

(اليوم توجد موجة تطرف خطيرة  وبدأت تظهر في العراق بشكل فجائي، فالتطرف هو عين الجهل و لا أقصد التطرف الديني فقط فالتطرف في مفهومه العام هو عامل إضعاف للكائن البشري... سأروي لك قصة لأصور لكِ جهل الإنسان المتطرف، شائت الظروف أن أتحدث مع أحد الأشخاص المتطرفين بشأن سيناريو يتعلق بأحد  أفلامي و بينما كنا نتحدث..

قال لي: "ان ما تفعله حرام في حرام وسيجازيك الله على أفعالك المشينة، كيف تقدر أن تخلق في الصور روحاً لتحركها؟!).

سألته : "هل الصور التي تصدر في المجلات حرام؟".

أجاب  قائلاَ : "لا هذا تجميد للظل مسموح به".

حاولت عبثاَ أن أوضح له أنني فقط أحرك الصورة في السينما و لا أخلق فيها روحاَ.

و بشئ من العصبية علق قائلاَ : "هذا كفر!!".

ولا يدري دون أن يعلم  أعطاني صفة الخلق و هذا من شأن رب العالمين وحده عز و جل.. ألا يدرك هذا الشخص أن الذي اخترع نظرية التصوير كان مسلم و عربي هو "الحسن ابن الهيثم الأندلسي").

 

ـ روايتك أيضاَ تدل على أنه لدينا نوع من أنواع القمع الفكري والإبداعي.

(بالطبع لدينا قمع فكري... لذا كنت أرّكز على الإعلام الخارجي و أردت أن أقدم تعريفاَ للحضارة الإسلامية وتقديم صراعاتنا مع الحضارات و بعده انتشار الإسلام، لكن يظل الأساس هنا في بلداننا العربية لذا سأركز في المرحلة المقبلة على الإعلام الداخلي).

 

ـ و بشكل فجائي يضيف:

(من منظوري يجب تغيير عدة معتقدات في البلدان العربية).

 

ـ كيف؟!

(صحيح أننا قوم نائمون و نتحرك دائماَ بعد فوات الآوان و أحيان كثيرة يأتي تحركنا بلا فائدة... لكن هناك دور هام للإعلام لأنه بإمكانه أن يكون عامل تحريضي، ففي زمن التكنولوجيا المتطورة كل شئ ممكن و بإمكاننا أن نستغل التقنيات الحديثة لصالحنا القومي).

 

ـ ماذا يستطيع جيلك من المفكرين والمبدعين العرب أن يقدموا لجيلنا لكي نسير بخطى ثابتة؟

(صحيح،، الآن يجب أن نسلم الرسالة لكم.. انه دوركم وعلينا أن نرشدكم الى الدرب الصحيح و ننبهكم على الأخطاء التي ارتكبناها لكي تتفادوها . يجب أن ندعمكم بالثقة وأهم شئ أن تفخروا بدينكم وأصولكم ودائماَ تسلحوا بالعقل والكلمة الواعية).

   

ـ هناك مشروع فيلم صلاح الدين الأيوبي الذي طالما تحدثت عنه و أردت اخراجه أين هو الآن و متى سيرى النور؟

(الآن هو التوقيت المناسب لفيلم "صلاح الدين"، فسيرة صلاح الدين هي الإسقاط المعاصر للأحداث التي تجري على الساحة اليوم، و في زمنه كانت فلسطين كما هي عليه الآن لكن هو جاء و " نظّف" ووحد و غزى أخلاقياً. إنني أريد إخراج صلاح الدين لتثبيت عروبة القدس.. لكنني لا أزال أبحث عن تمويل لهذ المشروع الضخم، لأن تكلفته باهظة وأنا  مصمم و في التصميم تكمن العزيمة).

 

عملي القادم يروي قصة ملك انجلترا الذي طلب من خليفة الأندلس أن تصبح انجلترا بلد مسلم

ـ وهل هناك مشاريع لأفلام أخرى؟

(نعم، هناك فيلم عن "صبيحة الأندلسية"... المرأة  التي حكمت الأندلس، وهناك أيضا فيلم آخر يروي قصة ملك من ملوك انجلترا الذي أرسل في عام 1213م وفد الى الخليفة في الأندلس يطلب منه ثلاثة أشياء:

أولاَ، أن تكون انجلترا تحت حماية الخليفة .

ثانياَ، أن تصبح انجلترا بلد مسلم .

ثالثاَ، تدفع انجلترا جزية إلى الخليفة.

الطريف في القصة ان الوفد عندما وصل الى قرطبة كان منبهراً بالحضارة هناك آنذاك... و المفارقة الأطرف أن الوفد طَرد من قبل الخليفة، باعتقاد أن أي ملك يحكم شعبه و يسلمه إلى قوى أخرى ليس أهلاَ لحمايته. إنه لإسقاط معاصر مريع، اليوم يذهب العربي الى أوروبا منبهراً بالحضارة الغربية).

 

ـ ألا تعتقد أن هذا العمل من الممكن أن يسبب لك مشاكل؟

((هذا العمل سيتم بأيدي كتّاب أجانب و عرب ، العنصر الأجنبي يجب أن يتواجد ليكون التأثير أقوى.. و لكي تصل رسالتنا يجب أن نستعمل كوادرهم و لغتهم ، فعندما تَنقل الرسالة من الغربي الى الغربي يكون صداها أعلى)).

 

ـ سيدي في ختام الحوار الذي أمتعتنا به ماهي الكلمة التي توجهها لنا و لجمهورك من خلال مجلة "عربيات"؟

أقول أن ثقتي بالإنسان العربي كبيرة وهذا من واقع خبرتي الشخصية فلقد أتيت من بيئة فقيرة واستطعت أن أحقق أهدافي بعد مثابرة عنيفة... و أتمنى من كل عربي و مسلم أن يتمسك بأخلاقياته لأن الغرب ليس أفضل منا بشئ و أتمنى أن نتخلص من مركبات النقص المتفشية في مجتمعاتنا... وأتمنى منكم في عربيات أن تستمروا وتثابروا لتصلوا الى أقصى مراحل النجاح، لأن ما رأيته وسمعته عن عملكم "يرفع الرأس"، استمروا و لا تخافوا فقط تسلحوا بالعزيمة و الإصرار... وليكن الله نصيركم.