مسلسل (البحث عن صلاح الدين) اجرأ من العرض على الشاشات العربية

المخرج نجدت أنزور: الجنادرية محطتي القادمة

عربيات - لندن
صور وفيديو

ضيفنا في هذا العدد أحد أبرز الأسماء الساطعة  في سماء الإخراج بالعالم العربي،  ترعرع في أحضان هذا الفن منذ نعومة أظفاره و قلب مفاهيم الدراما العربيه بالثورة على النمط الدارج لسنوات طويلة فيما يتعلق  بمفهوم الصورة والحوار ، و وصل  بأعماله   للعالمية.
كان خلف تعلق المشاهد العربي بالشاشة  في هذا الموسم  من خلال عملة الأخير ( البحث عن صلاح الدين ) الذي جمع بين جرأة الطرح واستلهام الواقع  أو كما يطلق عليه " اسقاط الواقع في التاريخ " ليلامس بأسلوبه الخاص المعاناة العربية المعاصرة في زمن الإنكسار ويضعها في إطار واحد مع العصر الذهبي للإنتصارات ... وكما ترك عقل المجمهور يبحث عن " صلاح الدين " .... نترككم مع المخرج " نجدت أنزور " في هذا اللقاء الشيق.

المخرج ( نجدت أنزور ) اسم عربي أثبت تواجده حتى وصل إلى العالمية ، وغدا معروفاً لدى الجميع ، لكن هل لك أن تحدثنا  على البدايات؟
أعتقد أن مشواري يحتوي على بدايات عديدة ... أولها عندما بدأت بإخراج الإعلانات التلفزيونية ثم  بعد ذلك  عملت على الأفلام الوثائقية إلى أن قدمت أول عمل لي وهو ( نجمة على الرمال ) وحصلت على جائزة عالمية عن هذا العمل الذي أعتبره بدايتي الحقيقية .... ولكن لي بداية أخرى مع عمل ( نهاية رجل شجاع ) حيث كان أول عمل أقدمه من وطني سوريا الذي غبت عنه 12 سنة قضيتها في الأردن .
 
هل كانت ممارستك لمهنة الإخراج عن دراسة أو موهبة؟
في الحقيقة درست ( الهندسة الميكانيكية ) بسبب غياب الدراسة الأكاديمية للسينما في  سوريا آنذاك ... ولكن كانت بداخلي دائماً أمنية أن أمارس المهنة التي أهواها عندما تسنح لي الفرصة ... و  قد يكون أيضاً لوالدي دور في تكوين هذا الإهتمام بالفن لدي ، فهو يعتبر من مؤسسي السينما السورية وكنت أتابع تفاصيل عمله بشغف منذ صغري...
 
هل فكرت بإعادة إخراج أفلام والدك  بشكل جديد؟
لا، فأفلام والدي تأخذ حظها من الإهتمام والتقدير حتى أن الفيلم الروائي الصامت الأول له وهو ( تحت سماء دمشق ) ، تم عرضه في مهرجان القارات الثلاث في فرنسا عام 1999م بالرغم من أن والدي قدمه عام 1931م ... وكانت هناك مفارقة طريفة حيث كنت مدعواً للمشاركة في المهرجان نظراً لعرض هذا الفيلم إلى جانب الفيلم الوحيد الذي قدمته في مشواري وهو ( حكاية شرقية ) .... وكان علي أن أقوم بتقديم فيلم والدي للجمهور فبدأت كلمتي بأن ذكرت لهم : " ان من المفارقات الغريبة أن يكون هذا الفيلم قد منع من العرض في عام 1931م  بسبب الإستعمار الفرنسي، واليوم تدعونا فرنسا لتقديم عرض الفيلم في عقر دارها، فماذا حدث ياترى بين عامي 1931م و1999م؟ لا بد أن هناك المزيد من الحرية"
 
 
اللغة البصرية أعمق من الحوار
 
في أحد المؤتمرات الصحفية تحدثت عن تعميق مفهوم الصورة ، فهل لك أن توضح هذا المفهوم الذي يعتقد أغلب النقاد اليوم أنه السر وراء تميز المخرج ( نجدت أنزور )؟
منذ سنوات طويلة والعمل الدرامي العربي هو من وجهة نظري عمل إذاعي .... فلم تختلف الصورة كثيراً بين الأعمال الدرامية الإذاعية وما أصبحنا نشاهده من دراما بعد دخول الفيديو والتلفاز إلى منازلنا سوى أننا أصبحنا نصور من كان يتحدث في الإذاعة .... ولايزال المسلسل العربي مسلسل إذاعي يمكن متابعته بالسماع دون أن تشاهده ... فكانت فكرتي المتمثلة بالثورة على هذا النمط من الأعمال والإستغناء عن جزء من الحوار لإضافة مدلول بصري ... ومحاولة توفير المعنى المطلوب من خلال الصورة بدلاً عن الحوار الإذاعي المتعارف عليه .
 
وهل يمكن أن تغني الصورة عن الحوار؟
نعم، بالتأكيد ... فهي أعمق كما أنها تمنح المتفرج مساحة لإعمال عقله وخياله .... فاللغة البصرية لها مفرداتها الخاصة التي لايمكن إدراكها بالسماع ... وكلما كان المعنى عميقاً يمكنك التعبير عنه أكثر بالصورة .
 
هناك من يعزو ذلك الإنشغال بالصور وعناصر الإبهار إلى رغبة المخرج ( نجدت أنزور ) إبراز موهبته وقدرته على التعامل مع الكاميرا مما يؤدي إلى تهميش دور الكاتب والممثل ليصبح المخرج هو البطل الأول للعمل الفني ، فما رأيك في ذلك؟
أ
عتقد  أن نجوم سوريا جميعاً  برزوا على الساحة بعد مشاركتهم في أعمالي ولو لم أكن أترك لهم مساحة جيدة للظهور لما كنا نراهم اليوم في أعمال أخرى ... هذا الرد يكفي للتأكيد على أنني في أعمالي أهتم بجميع العناصر المشاركة ... ومشكلة بعض النقاد تكمن في أنهم لم يتمكنوا حتى الآن من استيعاب أي تجديد في أسلوب الإخراج والأداء الدرامي .
 
 
العمل الدرامي التاريخي يختلف عن العمل الوثائقي
 
للأعمال التاريخية حساسية خاصة فهي مبنية على حقائق وفي كثير من الأحيان نجد  أن هناك نوع من التحوير لهذه الحقائق من قبل الكاتب أو المخرج  لإضفاء الإثارة على العمل الدرامي ، و قد يكون هذا مقبولاً في الأعمال الإبداعية الخاصة للكاتب لكن عند معالجته لحدث تاريخي يصبح مشروطاً بأمانة النقل وهذا ما يندر مراعاته في الأعمال التاريخية الدرامية التي نتابعها ... لماذا؟
أولاً لابد أن نعرف أن التاريخ مكتوب بوجهات نظر مختلفة فكل زعيم ومؤرخ له توجهاته التي أثرت على تسجيل التاريخ .... من جهة أخرى نحن  لانقدم  أفلام وثائقية لكننا نعيد الصياغة بشكل يناسب الدراما التلفزيونية ولنا الحق في الدراما أن نغير بعض التفاصيل لتناسب سياق العمل دون أن نسيء للشخصيات الأساسية .... فالمسلسل التاريخي يستند إلى الحقائق لكنه ليس عملاً وثائقياً ...
 
شعارك في العمل ( دراما سورية بآفاق عربية عالمية ) ، كيف نجحت في تطبيق هذا الشعار؟
هذا الشعار يمكنك أن تشاهد مثال حي على تطبيقه من خلال كل عمل من أعمالي ... بداية من اختياري للقصة ، إلى تحديد البلاد التي يتم التصوير فيها و اختيار الممثلين من جنسيات مختلفة ... والأهم وضع كل ذلك في قالب اللغة العربية الفصحى التي تكفل للعمل سهولة الإنتشار والإستيعاب من الجميع ... أما العالمية فأنا أستخدم أدواتها وأوظفها لإبراز إرث حضارتنا وثقافتنا ... و أعتقد أن مسلسل ( آخر الفرسان ) يعتبر خطوة هامة لنقل العمل العربي إلى العالمية حيث أنتجنا ( 4 )  حلقات عالمية مدبلجة إلى عدة لغات لاقت رواجاً كبيراً واشترتها حتى الآن 42 دولة .
 
ألا تواجه صعوبات في تحقيق الإنسجام بين فريق العمل المتعدد الجنسيات؟
لا، على العكس هناك إنسجام تام دائماً بين فريق العمل وأعتقد أننا نشكل صورة مصغرة للوحدة العربية كما يجب أن تكون ... ومن جهة أخرى أجواء العمل في مواقع التصوير تغلفها الجدية التي تلازمني في هذه الأثناء  فلايوجد مجال للخلاف أو التفكير في أي شيء سوى المشاهد التي نحضر لتصويرها.
 
هل يؤثر التفكير في تسويق العمل على جودته ، خاصة وأن كل قناة فضائية لها متطلبات وتوجهات خاصة؟
لا أعتقد ذلك ، فهذه سياسة الضعفاء الذين يتعاملون مع نصوص ضعيفة .... أما من  يخطط لتقديم عمل جيد لايمكن أن يقدم التنازلات عن هذه الجودة ... بل في الواقع لم يعد هناك من يجبر المخرج على ذلك طالما أنه مؤهل لتقديم العمل ... ولعل في تجربة مسلسل ( البحث عن صلاح الدين ) مثال لذلك ، فبالرغم من أنني أعتقدت أنه اجرأ من أن يعرض على الشاشات العربية إلى أن من تبناه هو الشيخ ( محمد بن راشد المكتوم ) دون أي تدخل في سياق العمل .... وأيضاً أول قناة فضائية اشترت المسلسل هي قناة ( MBC ) السعودية دون تدخل أو حذف لأي مشهد أو حوار.
 
هل هناك مبادرات مشابهة من شخصيات عربية ؟
نعم، فعلى سبيل المثال لا الحصر الدكتور ( بشار الأسد ) يزور مواقع التصوير ويذلل لنا عقبات كثيرة ويتابعنا بشكل دائم .... و الأمير ( متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز  ) وهو صديق عزيز كلفني بإخراج عمل مسرحي أقوم به للمرة الأولى في مهرجان الجنادرية والذي سيكون هذا العام عربياً بدلاً عن كونه سعودياً أو خليجياً فقط .... وأيضاً سيكون له علاقة بالقدس والوحدة العربية ... على كل حال أنا أرحب بأي دعم على أن يكون بدون تدخل في تفاصيل العمل.
 
كيف يتم اختيار القصة و الحقبة الزمنية التي تعمل على اخراج كل مسلسل فيها؟
أقوم باختيار الفكرة ووضع الخطوط الرئيسية ثم أكلف الكاتب بعد ذلك بكتابتها ولم يسبق لي أبداً أن عملت على نص جاهز يقدمه لي الكاتب أو المنتج.
 
 
اختيارك لمسلسل ( البحث عن صلاح الدين ) وشخصية البطل العربي الذي ربما يشعر البعض أنه ضالة العرب اليوم ، هل كان الإختيار لمواكبة الأحداث الجارية؟
في الحقيقة للأحداث التي تمر بنا دور في الإختيار ... لكن ... لم يكن يشغلني أن أقدم عملاً عن ( صلاح الدين ) بالتحديد بقدر ماكان يشغلني  التخطيط لعمل يصل  بالمتلقي إلى الربط والإستنتاج  بين مانعيشه اليوم وبين تلك الحقبة لنعرف مانفتقده ...  و أعتبر أن هذا المسلسل يعد تجربة جريئة جداً لتجسيد التاريخ بطريقة معاصرة .... حاولت أن أقدم فيه صورة للإنتفاضة بطريقة أو بأخرى لكي لا يكون العمل تاريخياً فقط ، فهو مرتبط  بالأمس واليوم والغد .... و من هنا اخترت مجموعة من الأحداث من سيرة هذا البطل العربي ، تتناسب مع واقعنا .... مع التركيز على ضرورة إعادة بناء النسيج الذي تتكون منه الأمة العربية لتتضافر الجهود والجنسيات والأديان في سبيل تحقيق هدف واحد.
 
إذن هل هو إجترار لنشوة الإنتصار في زمن تعاني منه الأمة العربية من الهزيمة؟
الذي نهدف إليه من تقديم هذا العمل هو رفع الروح المعنوية لدى الطفل والشاب والإنسان العربي ليتعامل مع الواقع ... والرسالة الموجهة بإختصار هي أن ( صلاح الدين ) موجود بيننا اليوم ويتجسد في كل من يقاوم الإحتلال والفساد والرشوة ، وكل من يخلص في عمله وفي تربية أطفاله .... كل هؤلاء صلاح الدين الذي أقدمه في المسلسل.
 
 
ماهي أهم الجوانب المعاصرة التي تم ربطها بالسياق التاريخي للعمل؟
بالطبع من أولويات العمل تركيز الضوء على قضية الصراع العربي الصهيوني و أحقيتنا بالقدس .... والدعوة لتوحيد الصفوف فوحدة الصف كانت طريق ( صلاح الدين ) لتحرير القدس .... بينما كان تفرق العرب سبب سقوطها ..... وأيضاً تطرقنا للحوار العربي مع الغرب الذي أصبح اليوم محور جميع المحافل السياسية .
 
 
ماذا عن العمل الآخر الذي يتناول سيرة صلاح الدين؟
هناك الكثير من الأعمال الدرامية التي تناولت سيرة صلاح الدين لكننا اليوم في ( البحث عن صلاح الدين ) نقدم شيئا جديدا ومختلفاً عما سبق تقديمه ، فنحن اخترنا من التاريخ ما ينطبق على واقعنا المعاصر وأسقطنا الواقع في التاريخ وليس العكس.
 
تناقلت بعض الصحف خبر إعتذار الفنان ( نور الشريف ) عن أداء دور ( صلاح الدين ) فماهو السبب وراء هذا الرفض؟
ليس كل ما يكتب صحيحاً وأنا لم أعرض الدور عليه .... مع أنني أحترم الفنان ( نور الشريف ) وقد يكون بيننا تعاون قادم لكن تحديداً دور صلاح الدين كان أقرب إلى الفنان ( رشيد عساف ) لذلك لم أعرضه على غيره .
 
مشوار حافل طرقت فيه أبواب النجاح واقتحمت خلاله العالمية أكثر من مرة ... فماذا نترقب بعد ( البحث عن صلاح الدين )؟
في الحقيقة لازلت أعيش أصداء عرض المسلسل والذي أتمنى أن يأخذ نصيبه من الإهتمام ... أما الجديد فسيكون بإذن الله العام المقبل حيث أحضر لمشروع سينيمائي كبير يتناسب ... ولكل حادث حديث.