عملاق الأدب الأندلسي "أبو همّام" مؤكداً أننا نعيش عصراً أسوأ من عصر ملوك الطوائف في الأندلس

الشاعر عبداللطيف عبدالحليم: نحن نضيع كل شيء، ولا نتعلم من أى شيء

عربيات - القاهرة: محسن حسن
صور وفيديو

عندما تلتقي بالشاعر المصري "عبد اللطيف عبد الحليم" الملقب بـ "أبي همّام"، لا يسعك إلا أن تنحني إجلالاً وإكباراً لشاعر أحب العربية وأحبته العربية، حتى غدا من روادها القلائل الذين حوّلوا الشعر أداة من أدواتها، وصاغوه بحراً وقافية لتمجيد حرفها وتوشية صورتها وتراكيبها ومعانيها. وهو فوق هذا يجمع بين ثقافتين؛ العربية والإسبانية، وله فيهما باع طويل سواء في الدواوين الشعرية أو الأعمال المترجمة، وفي وجدان "أبو همّام" أحزان كبيرة لما آل إليه الوضع في مصر بعد الثورة، كما لديه أحزان خاصة لما آلت إليه حال الثقافة وحال الشعر والشعراء في العالم العربي، ناهيك عن حزنه على أحوال الترجمة والمترجمين من تدهور وسطحية وبعد عن المصداقية "عربيات " التقت بالشاعر عبداللطيف عبدالحليم في كلية دار العلوم بالقاهرة وكان لها معه هذا الحوار. 


حفظت دواوين العقاد العشر ومعظم ديوان المتنبي قبل الالتحاق بدار العلوم هل هي إرهاصات الشعر؟
هذا صحيح، فقد بدأت حفظ القرآن الكريم في سن العاشرة تقريباً، ثم بدأت أحفظ الشعر الديني كبردة البوصيري وغيرها، ثم تقدمت بى الأمور شيئاً فشيئاً حتى وقعت على دواوين كثيرة من الشعر وحفظت منها كثيراً، وأنا أذكر أنني حفظت كثيراً لشوقي والبارودي وعلي الجارم والمتنبي وديوان الحماسة والعقاد بطبيعة الحال، حتى دخلت دار العلوم وحصيلتي تقريباً عشرين ألف بيت من الشعر.

ما الذي أحدثه الربيع العربي في مخيلة ووجدان أبو همام؟
هو لم يحدث أثراً فقط، وإنما أحدث زلزالاً شعرياً في داخلي حتى أنني بدأت في بعض القصائد ولكني لم أنهها لأن الأمور تغيرت تغيراً شديداً، فبعد الفرحة حدث إحباط على جميع المستويات؛ الأمنية والاقتصادية والسياسية  إلى غير ذلك، لهذا فالشاعر حائر كيف يفرح أو كيف يحزن أو كيف يتفاءل أو كيف يتشاءم، ولذلك لم أنه الأعمال الخاصة بالثورة. فكل ما يحدث في العالم العربي محبط ومحزن، ونحن نعيش عصراً أسوأ من عصر ملوك الطوائف في الأندلس، وأخشى على هذه الأمة أن تندثر.

كيف وجدت التلقي العربي والتلقي الغربي لدواوينك الشعرية المترجم منها وغير المترجم؟
دواويني أحدثت أصداءً طيبة لدى المتلقي العربي وغير العربي على السواء، بدليل أنها أحرزت جوائز كثيرة عربية ومصرية وأيضاً حين ترجمت إلى اللغات الأخرى أحسست بأثر طيب، فبعض قصائدي تم ترجمتها إلى الماليزية وكذلك إلى الإسبانية والإيطالية والفرنسية وغيرها. 

لكن هل تعتقد أن المتلقي العربي الآن مؤهل لتلقي كل الثقافات ومنها الشعر؟
المتلقي العربي الآن أصابه ما أصاب الأمة العربية كلها من ترهل وضعف، وقاريء الشعر عندنا قليل، لأنه قاريء مختلف عن القاريء العادي للقصة والرواية، ولكن لا يزال في الأمة خير، فهناك أناس يقرأون ويتذوقون ويستمتعون لكنهم قلة. 

 

بعض الترجمات في مصر لا تستحق الورق

إلى أى حد ترى العلاقة بين الأدب العربي والأدب الإسباني قائمة إلى الآن؟
تأثير الأدب العربي في الأدب الإسباني هائل جداً جداً، ولا يزال الناس هناك يتحدثون شعراً يستلهم التاريخ الأندلسي والتاريخ العربي، وهذا شيء طيب. ونحن الآن نحاول خصوصاً في مسألة الترجمة من الإسبانية إلى العربية وبالعكس أن تكون الترجمة  جيدة، ولكن هناك أناس واغلون على الترجمة، لا يستطيعون القراءة الصحيحة ولا الترجمة الصحيحة، وهناك ترجمات ينشرها المجلس الأعلى للثقافة في مصر لا تستحق الورق لأنها ترجمة مهلهلة ورديئة عدا بعض الترجمات القليلة الجيدة.

ما الذي يمثله ديوان "أغاني العاشق الأندلسي" في وجدان أبو همام وإبداعه؟
هو مرحلة من المراحل، ولا تزال الأندلس فردوساً مفقوداً بالنسبة لي، وأنا أستلهم الأندلس في أشياء كثيرة جداً أستلهمها تاريخاً وأستلهمها واقعاً حتى الآن، ولذلك أكاد أكون كما قال النقاد عني "الشاعر الوحيد الذي أنزل الشعر من التاريخ إلى الشارع" فقد تحدثت عن الراقصة الغجرية وتحدثت عن رجل الشارع الأندلسي والمقاهي الأندلسية والبواب الأندلسي وغير ذلك. 

هل بالغنا في رأيك في الاهتمام بـ "ولاّدة بنت المستكفي"؟
ولادة بنت المستكفي لم تكن فقط شاعرة وإنما كانت مؤثرة في حركة الشعر الأندلسي، ويكفي القصائد التي كتبت عنها عند ابن زيدون مثلاً، فهي رمز ونموذج، وللعلم أنا لدى قصائد لشاعر من ليما في بيرو كتب عن ولادة بعض القصائد وترجمتها، فلا تزال ولادة مصدر إلهام وهي حركة أساسية في مسيرة الشعر والحياة الأندلسية عموماً. 

لكن ألا توجد حالات مماثلة لولادة في تاريخ الأندلس؟ وكيف ترى المرأة العربية الآن؟
هناك 25 شاعرة ذكرهن بعض المؤرخين الأندلسيين، في حاجة لجمع شعرهن والحديث عنهن. أما المرأة العربية فهي في الحقيقة مهانة على كل المستويات وخاصة السياسية والاجتماعية والثقافية، وهي في حاجة ماسة لمزيد من الحقوق. 

هل ترى أننا مقصرون في هذا الجانب؟
المشكلة للأسف فيما يتصل بالأندلس أن الذي يتصدى للأندلس لا يتقن اللغة الإسبانية، ولابد لدارس التاريخ الأندلسي من إتقان هذه اللغة؛ لأنه يجب الاهتمام بالأندلسيين لما لهم من إسهامات مهمة جداً فيما يتصل بالشعراًوالنثر والتاريخ والحضارة. 

 

نضيع كل شيء، ولا نتعلم من أى شيء

ما الدرس المستفاد من تاريخ الأندلس لنا كعرب؟
نحن يا صديقي كعرب لا نستفيد من أي درس، فقدنا الأندلس حينما ضعفت مصر العربية والإسلامية، فقد سقطت الأندلس في عصر كانت مصر فيه في غاية الضعف، ومن هنا كان الاستنجاد بالمماليك والمصرين لكنهم لم يكونوا يستطيعون شيئاً. فنحن نضيع كل شيء، ولا نتعلم من أى شيء.

لكن الأسبان الآن مقبلون على الثقافة العربية بشكل أكثر شمولاً أليس كذلك؟
بلى، فالثقافة العربية لدى الإسبان مقبولة جداً منذ سنوات وعقود طويلة خلت، وهناك أعلام كبار في الأدب الأندلسي والاستشراق الإسباني، لكن ما نقوم بتحقيقه نحن الآن في الأدب الأندلسي، وما نتواصل به معهم، هو في أغلبه ثقافي عام وسياسي وليس أدبياً بطريقة أساسية.

 

الخروجات على الشعر الموزون باطلة، ودعاة الانتصار للرواية نسوا أننا أمة غنائية 

ما رأيك في التغيرات التي طرأت على الشعر العربي؟
نحن في برج بابل يا صديقي، الألسنة مختلطة جداً ولا تكاد تدري ما هو الشعر الحقيقي، وفي رأيي أن الشعر الحقيقي هو الشعر الموزون المقفَّى، وأن الخروجات التي تمت هي خروجات باطلة وسوف تؤدي إلى الشعر مرة أخرى، لأن الناس جربوا التساهل وجربوا التسيب، وأصبحنا الآن نقرأ دواوين لشعر فلان وعلان وهي كلها نثر ولا صلة لها بالشعر. المشهد مختلط جداً وسيء.

وماذا عن صراع الشعر والرواية؟
لا يوجد صراع بين الشعر والرواية، فالشعر هو ديوان العرب وسيظل أو ينبغي أن يكون هكذا، أما الرواية والمسرحية وما إلى ذلك ما هي إلا نباتات مستزرعة في تربة الثقافة العربية، والناس لا تزال تطرب للشعر، لكن القضية أنه لم يعد لدينا شعراء كبار يحققون الطفرة المطلوبة في سيطرة الشعر، وبعد أن حصل نجيب محفوظ على نوبل، بدأ الناس يقولون إن العصر عصر الرواية، وهذا إذا صح في الآداب الأخرى فلا يصح في الأدب العربية.

لماذا لا يصح في الآداب العربية؟
لأننا أمة غنائية، ولغتنا مختلفة عن اللغات الأخرى، فهي لغة موزونة على المستوى الصرفي أولاً ثم على المستوى الجمالي وهو "العروضي"، ولغتنا لغة اشتقاق بينما اللغات الأخرى لغات نبرية وليست لغات اشتقاق وهي خالية من الوزن الصرفي مطلقاً. 

هل تأثر الشعر العربي بغياب الطرب الأصيل؟
الوزن في اللغة فطرة عندنا، والناس يطربون حتى للأزجال، ونحن أصبحنا نسمي الزجل شعراً وهذه مأساة أخرى، فالزجل زجل وهو داخل إطار العامية، وللعلم الرجل العامي الذي يكتب، ينظم على أوزان الخليل بن أحمد، فهي فطرة ولن تزول هذه الفطرة على الإطلاق.

 

بعض النقاد لا يفهمون ما يكتبون 

لماذا في رأيك نحن مقلّون في إعداد جيل من النقاد على المستوى العربي؟
النقاد عندنا يتساهلون كثيراً، ولا يقرأون، ويكتبون كتابات غامضة وغير مفهومة، وأنا أظن أنهم لا يفهمون ما يكتبون، وقد قرأت المذاهب الأوروبية الجديدة في النقد الأدبي باللغة العربية فلم أفهمها، ولما قرأتها بالإسبانية فهمتها، والحل يكمن في إصلاح المنظومة التعليمية العربية.

ما الذي بقى من التراث الأندلسي حتى الآن؟
التراث الأندلسي باق كله، إلا ما ضاع منه بفعل الزمن، لكنه باق ومؤثر وسوف يظل مؤثراً ما بقيت العربية. 

 

دراسة المخطوطات الأندلسية قد تقلب الموازين النقدية والثقافية

هل من توصية ما في هذا الإطار؟
لابد أن نسعى كعرب إلى التراث الأندلسي كما سعى المستشرقون إلى مخطوطات الأندلسيين، وإحضارها من جميع أنحاء العالم، وعلينا أن ندرسها ونحققها لأنها ربما تقلب بعض الموازين النقدية أو الثقافية فيما يتصل بالأدب أو الفكر عموماَ. 

لماذا اخترت "أنطونيو جالا" تحديداً و "خاتمان من أجل سيدة" لترجمتهما؟
لا يا صديقي، أنا لى عشر كتب مترجمة من اللغة الإسبانية، ولي بعض القصائد العربية ترجمتها إلى الإسبانية، أما أنطونيو جالا فهو يمثل لي صديقاً، كما يمثل لي أيضاً لغة مختلفة غير التي يكتب بها الإسبان عموماً، فهو رجل له لغة مميزة مثل لغة محمود شاكر ولغة العقاد في العربية، لذا فأنا مفتون به من هذا الجانب، الأمر الآخر أن الرجل منصف للثقافة العربية والأندلسية وقليل ما نجد مثل هذا الإنصاف.  


 

لماذا في رأيك نترجم بالصدفة ودون آلية قائمة؟
هذا الوضع قائم منذ فترة طويلة وسيظل قائماً فيما أعتقد، لأنه لا توجد لدينا هيئة تنظم ما هو مطلوب ترجمته، ومن ثم فالأمر يتعلق بالاجتهادات الشخصية، ورغم ذلك فأنا شخصياً عندما كان يطلب مني المجلس الأعلى للثقافة ترجمة شيء ما كنت أبادر بترجمته. والمؤسسات الثقافية تمد يد العون إلى حد ما في أمر الترجمة، لكن للأسف دون وجود سياسة حقيقية.

هل ما تم ترجمته يحتاج لمراجعة؟
نعم، لابد أن تقوم المؤسسات بمراجعة ما تم ترجمته بالفعل، لأن بعض هواة الترجمة وبعض أساتذة اللغة الإسبانية في الجامعات المصرية  مثلاً لا يعرفون العربية جيداً، ويكتبون بلغة عربية مهلهلة وبعيدة عن الأصل الإسباني وهذه مشكلة كبيرة. 

لكن لماذا لا توجد مبادرة من خبراء الترجمة في مصر لتدشين هيئة لترجمة الآداب والثقافات الإسبانية بشكل صحيح؟
الجهود الفردية تعجز عن مثل هذا، وحتى النخبة المثقفة لا تستطيع فعل شيء لأن أغلبها أناس مطحونون في معترك الحياة، ومن ثم يجب أن تقوم مؤسسات الثقافة والترجمة بدورها. وقد اتصلت بي جريدة الأهرام أوائل الثمانينيات من أجل الاتفاق على بعض الترجمات فوجدت أن ثمن الكلمة بـ "ثلاثة تعريفة" فرفضت. وأي كتاب مترجم حين تريد أن ترتقى به إلى أي درجة علمية في الجامعة لا يعتبرونها وهذا من ضمن المعوقات الكبيرة جداً في مسألة الترجمة وأنا أتصور أن كتاباً مترجماً أفضل من عشرين بحثاً من بحوث الماجستير والدكتوراة التي تجاز الآن.

لماذا إذن لم يتم الاعتراض على ذلك؟
اعترضنا كثيراً لكن دون فائدة ، وأنا شخصياً قدمت بعض الكتب المترجمة للترقية لأستاذ مساعد فلم تدخل في الإنتاج.

الترجمة أو التحقيق، أيهما أولى بالمرحلة الحالية؟
كلاهما وزيادة. 

علاقة الشاعر بالمتلقي كيف تراها؟
المتلقي عليه أن يبذل جهداً ضخماً لكي يقرأ ويرتقى بذائقته اللغوية والشعرية، والأديب ليس مطلوباً منه أن يهبط إلى مستوى المتلقي الضعيف، بل عليه أن ينهض بالمتلقي، لأن هذا هو ما يخدم الأمة ويرفع من قدرها الثقافي والأدبي. 

في الختام ما أبرز تطلعاتك القريبة والبعيدة؟
أتطلع إلى الحرية ومزيد من الديمقراطية ومزيد من الإحساس بالكبرياء العربية والإسلامية لهذه الأمة كلها، فنحن لا نملك إلا الدعاء لهذه الأمة، وندعو أيضاً فناً لهذه النهضة فعن طريق الفن ترتقى الأمم وتتحقق نهضتها.