الإعلامي والشاعر زاهي وهبي يوقع ديوانه، وعربيات تراقص كلماته
بعد مضي عام على رحيل الشاعر محمود درويش.. عام كأنه يوم أو بضعة أيام، كان بيننا درويش يصدح شعراً وألماً وفرحاً وتفاؤلاً بغد أجمل قادم لا محالة، كان يقول: "علقوني على جدائل نخلة واشنقوني، فوطني ليس حزمة من حكايا، وطني غضبة الغريب على الحزن، وطفل يريد عيدا وقبلة".
هذا درويش الوطن، وهو ذاته درويش الحبيب، درويش الابن الذي يعشق أمه لأنه يخجل من دمعها. الشاعر الذي تساءل: "هل أسأت للشجرة حين شبهتها بالفتاة؟"، محمود الذي وصفه مريد البرغوثي بأنه كاتدرائية إبداع شعري في منتدى العصرية لصاحبه الدكتور أسعد عبد الرحمن كان إحياء الذكرى الأولى لرحيل الغائب الحاضر، ولم يكن – كما رأى عبد الرحمن- أقرب إلى درويش من الشاعر اللبناني زاهي وهبي، الذي تمنى أن يحمل جواز سفر فلسطيني عندما سئل ذات مرة عن الجنسية العربية التي يتمنى لو يحصل عليها بالإضافة لجنسيته اللبنانية، فكان له ما أراد بإيعاز من صاحب القلب والقلم النظيفين محمود درويش.
عربيات حضرت الأمسية الشعرية التي وقع فيها زاهي ديوانه الجديد (راقصيني قليلا)، والتقت وهبي على هامش هذه الفعالية التي ضجت بالشعر والحب والحضور لشاعر رحل ولم يغب.
في البداية، ماذا تذكر من مواقف تعكس روح الفكاهة لدى الشاعر الراحل محمود درويش؟
أذكر قصة رواها الشاعر غانم زريقات وهو صديق مقرب من الراحل درويش، يقول فيها "عندما كنا في بغداد بعد أمسية ناجحة تمت دعوتنا على مسرحية للفرقة الوطنية العراقية، وكان على رأس الفرقة فتاة جميلة جدا، فهمس درويش لطارق عزيز ممازحا وسأله هل تزوجوني هذه الفتاة وأصير بعثياً". كانت تلك الفتاة زوجة الحارس الشخصي للراحل صدام حسين.
درويش علمنا أن العنف لايمت بصلة للسماء، والموت سبق استضافتي له
في هذه اللحظة ومن هذا المكان ماذا تقول لمحمود؟
من عمان، المدينة البيضاء بحجارة منازلها وقلوب أهلها البيضاء والمناديل على رؤوس الأمهات، أقول لدرويش شكرا بيضاء نقية بهية، هو الذي علمنا التضحية والفداء واحترام الذات والمبدأ، علمنا حب الحياة والفرح، وبأنهما لا يتعارضان أبدا مع الإيمان والقيم السماوية، كان دوما يؤكد بأن العنف لا يمت بصلة للسماء، علمنا أن نشكر فلسطين لأنا منها وفيها ولها، لأنها منحتنا شرف الانتماء إليها برغم تقصيرنا، ونحن كإعلاميين نسيرعلى خطاه، فالقدس ليست عاصمة ثقافية لهذا العام فقط، هي عاصمة الثقافة والحب للأبد.
ماذا يوجد بداخلك من درويش؟
قِيَمه وثقافته وحبه لأرضه وعروبته، وأنا أحمل دوماً مجموعة من أقلامه معي أينما ذهبت.. أتفاءل بها.. وتنقذني عندما تعاكسني الكتابة، محمود حاضر في الغياب، وهو شاعري الأثير، أهداني درويش أصدقاءا كثر، فأسعد عبد الرحمن وغانم زريقات وعائلته الجميلة وكل من يحبه ويستحضره في فرح أو حزن.
أبحث عن بصمة مختلفة لا تشبه غيري
زار محمود درويش والدتك قبل وفاتها، ماذا تذكر من تلك الزيارة؟
يوم دخل درويش على والدتي في المستشفى لم تعرفه، كانت مصابة بمرض باركنسون، سألتها "ما عرفتيه يا أمي؟"، فلم تجب.. فقلت محاولا تذكيرها:"هذا اللي يغني له مارسيل أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي"، فتحت عينيها وقالت: "ايه عرفته، الله يرضى عليك يا إبني ياريت كل الأولاد متلك".
تربطك صداقة فكر وشعر ووطنية بدرويش، في آخر حوار أجريته معه في برنامجك الأسبوعي خليك البيت، غلب على حوارك الجانب السياسي، وسألتك وقتها لماذا غيبت الجانب الإنساني في حياته، فقلت لي أنك بصدد التحضير لحوار آخر في حلقة أخرى، لكن الموت سبق، فما الذي كنت تريد أن تسأل درويش عنه؟
كنت أود أن أسأله عما خرج به من فلسفة في هذه الحياة، عن الحب والحلم والمرأة.
في حياتك الآن زوجة وطفلين، ماذا تغير في زاهي، وأنا أعرفك الرجل الطفل الذي كان يشتاق للبكاء في حضن أمه؟
صرت أتعلم من جديد من أبنائي.. ألاعبهم.. ألاحظهم.. وقد تغير شعري لمساحات أرحب.
بين زاهي الإعلامي والمذيع التلفزيوني والشاعر، لمن تنحاز؟
لزاهي وهبي الإنسان بكل ما فيه من انتصارات وانكسارت وحب ونجاح وكبوات، وأعتقد أن المسافة بينهم ليست كبيرة.
عن ماذا يبحث زاهي وهبي؟
عن بصمة مختلفة لا تشبه غيرها.
الدهشة وراء ولادة الشعر
حتى تولد القصيدة هناك محفز للشرارة التي تولد اشتعال الكلمات، ما هي تلك المحفزات لشرارة قصيدتك؟
لعلها التجارب المختزنة في الذاكرة والروح، أنا رجل أربعيني عشت من تجارب الحب والحياة ما يكفي لقلمي أن يشتعل ويتفجر على الورق الأبيض الأخرس، الورقة البيضاء هي أجمل اختراع وتحمل أكبر مساحة من الحرية، قصيدتي هي محصلة عدَّة تجارب وهواجس ووساوس، لكن في حال خُيّرت بين الحب والقصيدة فأنا منحاز للحب، وبين القبلة والقصيدة أنا منحاز للقبلة، لا يمكن أن أفكر بهدفي في كتابة قصيدة من أي قصة حب أمر بها، فالحب لديَّ هو الأسمى.
بمن تأثر زاهي من الشعراء؟
تأثرت بالشاعر شوقي أبو شقرا، الذي كتبت له قصيدة عرفان بالجميل أقولها في كل أمسية لي، كذلك محمود درويش، أنسي الحاج، لوركا، لكنني في النهاية صرت (زاهي) الذي يشبه نفسه.
برأيك، مما يولد الشعر؟
من الدهشة بالأشياء والأشخاص والتجارب، والدهشة من صفات الأطفال، وكل شاعر في داخله طفل تحرض أسئلته على الدهشة، ومن هنا يولد الشعر.
درجت لفترة موجة من تكفير بعض المبدعين من فنانين وشعراء، ما رأيك بهذا، خاصة وأنك في حلقة الفنانة الراحلة ذكرى بدا عليك وقد تخليت عن حياديتك المعتادة في الحلقات وكنت مدافعا شرسا عنها في الفترة التي كفروها فيها؟
لن أدخل في تفاصيل هذا الموضوع، لكنني أحب أن أقول أنني مع منطق التفكير لا التكفير، لا يجوز للمخلوق أن يُنَصِب نفسه إله يحاكم البشر ويصنفهم بين مؤمن وكافر على هواه، الحساب من صفات رب العباد الخالق فقط، وهنا أشد على أزر الشاعر الشاب إسلام سمحان.
نكتب للمرأة الراحلة والقادمة أكثر من الموجودة
يلاحظ في قصائدك وجود الكثير من المفردات الدينية، إلى ماذا ترجع هذا الأمر؟
ربما لنشأتي في بيئة دينية، في أسرة تنتمي لرجال دين، إضافة إلى الجو الثقافي، فجدي لأمي شاعر وجدي لأبي شاعر، وكانت أمي تروي على مسامعي شعراً وأنا طفل صغير.. اكتشفت فيما بعد أنها أبيات للمتنبي وقيس بن الملوح وغيرهم، لقد كانت أمي مثقفة بالفطرة.
هناك مقولة بأن الشاعر في حالة انتظار الحب أكثر احتراقا مما يكون عليه في حالة الحب، ما رأيك؟
نعم، نحن نكتب للمرأة الراحلة والمرأة القادمة أكثر مما نكتب للمرأة الموجودة، كذلك هو الشاعر يجيد الاحتفاء بالغائب وبالغيابات، ويتقن العزف على وتر اللا موجود.
أمي مرآتي، والينبوع والعصفور أول أصدقائي
وأنا طفلة صغيرة كانت تقول لي أمي حينما توقظني في الصباح تطلب مني أن أذهب لأوقظ الشمس، وها أنا اليوم أرتكب خطيئة الشعر، ماذا كانت تقول لك أمك حتى صرت ترتكب الخطيئة ذاتها؟
من طفولتي أتذكر تلك الغرفة الطينية التي كنت ووالدتي نسكنها أول خمس سنوات من عمري، كان في كل ربيع يتفجر في حجرتنا جدول ماء، كنا نحفر له قرب الفراش، لتأتي عصافير السنونو تبني أعشاشها. ما زلت فخورا أن أول صديقين لي كانا ينبوعا وعصفورا، أمي التي كانت لي الأم والأب والأخوة، عندما كانت تصلي بلباسها الأبيض، أشعر أن غرفتنا الصغيرة الضيقة هي أوسع مكان في الأرض، إني مدين لأمي وصلواتها ونذورها، أمي التي كانت تأتي على مدى عام كامل كل يوم إلى المعتقل تنتظرني على أمل أن أخرج، تلك المرأة التي ركضت خلف الباص الذي نقلني وخمس من الأسرى المحررين من المعتقل وحتى المدينة، تلك العظيمة التي قبلتني ورفاقي وهي التي لم تكشف وجهها يوما ولم تصافح غريبا طوال حياتها، كانت لحظة فوق الحلال والحرام بالنسبة لها، هذه هي أمي، خاتمة النساء ومرآتي التي أرى فيها نفسي.
أنا ضد السيرك اللغوي والإبداع المزيف
يقول الشاعر محمد الماغوط "أفضل الشعر الرديء الصادق على الشعر المتقن المزيف"، كيف تصنف نفسك بين هؤلاء؟
أتمنى أن يكون شعري من النوع الصادق المتقن، لكنني لو خيرت سأنحاز للصدق ضد التزييف، أكثر من انحيازي للإتقان.
تقول في قصيدة في ديوان (ماذا تفعلين بي): " أعفو عن جميع أعدائي/ الماضي اللص سارق الطفولة والسكاكر/ ناظر المدرسة ونظارته البلهاء/......./ شعراء التفعيلة والمناسبات" من هنا أسأل، لماذا هذا الموقف السلبي من شعراء التفعيلة؟
هو ليس موقفا سلبيا، أنا مع الشعر بتلك الشعلة التي يحملها بغض النظر عن نوعه، هناك شعر مقفى لا يحمل أي احتراق يجعل قلبك يخفق لأجله، والعكس صحيح، فكثير من الكلام المنثور يصنف ظلما تحت مسمى الشعر. أنا مع الشعر كما قلت لك الذي يحمل روح الشعر والتجربة والدهشة، أنا فقط ضد السيرك اللغوي والإبداع المزيف.
زاهي هل ترى أن هناك مساحة لتذوق طعم الشعر ونحن شعب فقدنا طعم الحياة؟
الوطن يا عزيزتي يضيق على الخريطة ويتسع في القصيدة، أنت شاعرة وتعرفين حجم الأمل الذي نبثه في قصائدنا، القصيدة ستظل أنبل ألوان الدفاع عن الأمة، وهي متراس حقيقي ولو بدا الأفق مظلما. أنا شاب لبناني جنوبي، فلسطيني الهوى، تنفست عطر الجليل وسمعت زقزقة العصافير هناك، نحتاج لتربية الأمل في نفوسنا بحسب ما قاله الشاعر محمود دويش، لذلك فهناك الكثير من الوقت للحياة والحب وليس للشهادة والموت والقتال فقط.
نحتاج لتربية الأمل في نفوسنا، وهؤلاء وراء عدم انتشار دواويني
قلت مرة أن الرقابة في العالم العربي رقابة (غبية)، ماذا تقصد بهذا الوصف؟ وهل سبب عدم انتشار دواوينك السابقة ووصولها إلى الأردن على وجه التحديد كان بسبب الرقيب؟
لأنها رقابة تصادر حرية الفكر ولا تقبل الاختلاف في الرأي والتوجهات والأفكار، أما عن عدم وصول كتبي السابقة للأردن وكثير من الدول العربية، فهذا يعود لتقصير دور النشر وليس بسبب الرقيب على الإطلاق.
خليك بالبيت برنامج مفتوح، وانطباعي عن ضيوفه سأعلنه في كتاب
من مِن الضيوف الذين التقيت بهم في برنامجك (خليك بالبيت) تغير انطباعك عنه سلبا أو إيجابا؟
لا يمكن أن أقول رأيي في ضيوفي طالما ما زلت مقدما للبرنامج، قد أقول ذلك فيما بعد، في كتاب أكتب فيه مذكراتي عن تجربتي في لقاء المشاهير في مختلف مجالاتهم.
كتب الدكتور جمال فياض في مجلة زهرة الخليج بأن برنامج خليك بالبيت يجب أن يتوقف لأنه تراجع في مستوى الضيوف وبدأ يعتمد على أصحاب النجومية من الصف الثاني وربما الثالث، فما رأيك؟ وهل هناك نية لتوقف البرنامج؟
أحترم النقد الموجه للبرنامج، لكن لدي سؤال، من هو الذي يحدد مستوى النجومية في عالمنا العربي؟، ثم إن برنامج خليك بالبيت برنامج مفتوح على كل نوافذ الإبداع، والنجم، أي نجم لم يولد نجما، وبصراحة فإن الاعتراض كان على استضافتي للفنان العراقي رضا العبد الله، بالرغم من أن المقال نشر قبل عرض الحلقة، هناك أقلام صحافية تخدم أغراض فنانين معينين، وجهات معينة، هل لا تتسع الساحة مثلا لتواجد رضا العبد الله؟ لقد استضفته لأنه فنان مجتهد وموهوب، وعلى كل فالدكتور فياض ناقد أحترم قلمه ورأيه، لكن البرنامج مستمر لأجل غير مسمى.
زاهي، كيف ترى الجيل القادم؟
بحكم عملي وسفري، التقيت بمعظم الشباب العربي، الخفيف والتافه والمائع هو الذي يطفو على السطح، لكنني أرى في العمق جيلا واعيا ومثقفا، وهي الفئة البعيدة عن الأضواء، وبرأيي أن الشارع العربي متقدم على قيادته، والقارئ العربي متقدم على الكاتب، هناك في الأعماق كنوز تحتاج لمن ينفض عنها التراب.
