كاتب التاريخ البحريني الذي اقتحم مجال الأدب ويرفض الجوائز

خالد البسام: "لايوجد مصور في عنيزة" تقف على أطلال منزلي

أحمد الجمال - القاهرة
صور وفيديو

مبدع من طراز خاص، كتاباته تنطلق من عبق التاريخ الذي أخذ القارئ العربي في رحلة طويلة إلى ملامحه القديمة، بدأً بكتابه الأول "تلك الأيام" عام 1986 الذي تلاه كتب أخرى أثرت المكتبة العربية كـ"رجال في جزيرة اللؤلؤ" 1991 و"خليج الحكايات" 1993 و"مرفأ الذكريات" 1995 و"يا زمان الخليج" 2002 و"نسوان زمان" 2003 وغيرها الكثير من الكتب والترجمات إلا أنه تحول إلى الرواية أخيراً ليصدر روايته الأولى "لا يوجد مصور في عنيزة" والتي تدور أحداثها في السعودية وعاد من خلالها لجذوره الأولى، الكاتب البحريني خالد البسَّام  في استضافة عربيات يتحدث عن هذا العمل تفصيلياً إلى جانب قضايا أخرى .

زيارة لعنيزة جعلتني روائياً

 معظم كتاباتكِ في مجال التاريخ فلماذا تحولت أخيراً إلى الرواية؟
أنا في الأصل من مواليد مدينة "عنيزة" السعودية، و هاجر جدي لوالدي من المملكة إلى البحرين قبل مائة عام تقريباً وقد كتبت عنه كتاباً بعنوان "النجدي الطيب" حيث هاجر إلى البحرين وعمل فيها بالتجارة، وأنا أحد أبناء العائلة الذين ولدوا في السعودية وفي بلدة "عنيزة" قضيت طفولتي وسنوات نشأتي الأولى.

بعد غياب طويل عن هذه المدينة الجميلة سمعت أن البيت الذي وُلدتُ فيه هُدم وتحول إلى موقف للسيارات، وحينما زرت عنيزة أخيراً في العام 2008،  شاهدت أطلال البيت الذي لم يعد حتى أطلالاً بل أصبح عبارة عن أسفلت أسود قبيح، وبعد جولة قصيرة في المدينة رجعت إلى البحرين وأنا مشحون بالذكريات والحنين والمرارة والشجن الذي كان كبيراً، وبالصدفة ومن دون تخطيط كتبت مقالين عن هذه الزيارة في جريدة "الأيام" البحرينية وجريدة أخرى سعودية، لكنني وجدتُ أن هذا  قليل ولن يفي جزء بسيط من الحنين والذكريات التي أعيشها، فجأة شعرت أنني لابد أن أكتب عملاً كبيراً، وفكرت أن أدوِّن مشاعري في شكل عمل تاريخي كعادتي في الكتابة فلم ترق لي الفكرة، لأن المدينة كُتب عنها كثيراً كمدينة شهيرة تاريخياً ومن هنا قررت أن أكتب عملاً أدبياً فصارت رواية "لا يُوجَدُ مُصَوِّر في عُنيزة".

كم استغرقت من وقت لتفريغ شحنة مشاعرك في هذا النص السردي الطويل؟
شهران فقط، لكنني جلست فيهما منهمكاً في الكتابة بشكل متواصل تقريباً، كنت أريد أن أطفيء ظمأ الذكريات واستعادة الماضي وعشقي للمدينة والطفولة إلى أن فرغت تماماً من الرواية التي لاقت رواجاً وقبولاً كبيراً لدى الصفوة والقراء في ربوع العالم العربي.

"لا يوجد مصور في عنيزة" لماذا هذا العنوان تحديداً وما دلالته؟
هذه العبارة موجودة في الحكاية، فقد قرر خالي (شقيق أمي) الهجرة من عنيزة السعودية إلى البحرين في بداية الأربعينيات من القرن الماضي، ولما ذهب إلى محل جوازات السفر في مدينة "بريدة" بالقرب من عُنيزة سأله الموظف عن بياناته وحينما استفسر عن صورته حتى يمنحه جواز المرور قال له "لا يوجد مصور في عنيزة" فكتب له الموظف نفس العبارة في المكان المخصص للصورة، وبالتالي أبرزت هذا كعنوان للرواية.

 الصورة المشهدية واضحة في النص فهل قصدت ذلك بديلاً عن الصورة الحقيقية؟
حاولت في الرواية أن أكون المصور للمدينة، نقلت الصورة والتاريخ وملامح الحياة بالكلمة وليس بالصورة الفوتوغرافية، الطريف أن البطل في نهاية الرواية بعث رسالة إلى صديقه ومعها صورة فوتوغرافية له - حيث كان التصوير قد أصبح متاحاً في ذلك الوقت - أرسل لصديقه يهنئه ويقول "أبشرك يا عزيزي إنه صار عندنا مصور. ولأثبت لك ولتذكرني بخير أرسل لك صورتي التي التقطتها لتوي في السوق وسط دهشة المارة".

 ما الأجواء العامة التي ترصدها الرواية؟
الرواية تحكي قصة هجرة أهل نجد من مدنها إلى الدول القريبة المجاورة فقد ذهبوا إلى العراق والبحرين والشام عموماً ومصر وانتقلوا إلى الهند أيضاً،  كان الفقر الذي يمر به الناس وقتذاك هو السبب الرئيس وراء هذه الهجرات، فصورت بقلمي هذه الهجرة لمحاولة توثيق.

كيف وجدت الاختلاف في كتابة عمل روائي للمرة الأولى؟
التاريخ هو الوعاء الذي نهلت منه وهو المستند الرئيس لكتابة هذه الرواية، إذ لابد كمبدع أن تكتب في أمر تعرفه ومتخصص فيه، لذا تعجبني كتابات أمين معلوف وعبدالرحمن منيف لأنهما استفادا من التاريخ في أعمالهم الإبداعية أو ما يمكن تسميته بـ"الرواية التاريخية".

اعتمدت في "نسوان زمان" على أرشيف الصحف المصرية

لا يمكن أن يُذكر اسم البسَّام دون الإشارة لكتابه الرائع "نسوان زمان". على أي أساس اخترت الشخصيات النسائية العربية في هذا العمل التوثيقي؟
مادة هذا الكتاب كانت في الأساس زاوية صحافية أكتبها في مجلة "كل الأسرة" الإماراتية التي نشرت فيها لمدة 15 سنة تقريباً، واعتمدت في هذه الزاوية على أرشيف الصحف المصرية تحديداً ورأيت في هذا الأمر جديداً ومخالفاً للمعهود والدارج، رأيت أن الأرشيف المصري يكفي حول بدايات الحركات النسائية والنهضة النسوية في العالم العربي عموماً، ولذا تلاحظ أن أكثر الشخصيات كانت مصرية نظراً لأنهن كُنّ رائدات، إلى جانب تغطية الكتاب لبعض الحوادث والوقائع المهمة في مسيرة المرأة العربية مثل تظاهرات نسائية في فلسطين ومشاركة هدى شعراوي في مؤتمر في عشرينيات القرن الماضي وأمور أخرى إخبارية ذات علاقة بالمرأة العربية.

إذاً كانت لك علاقة قوية بمصر وقتذاك لجمع هذه المواد الأرشيفية؟
كنت أزور مصر سنوياً وأشتري على نفقتي الخاصة من أرشيف الصحف والمجلات القديمة وأعمل عليه بطريقة الإعداد وليس "الكولاج" أو القص واللصق بحيث تُقدم للقارئ بصورة حديثة، لأن الصياغة الإخبارية القديمة كانت مختلفة جداً، وبوجه عام كان من الضروري تقديم معلومات عن كل شخصية حتى يتعرف عليها القارئ.

ما التوصيف الذي تفضل أن يطلق عليك: المؤرخ أم الروائي؟
لا أُوَصِّفُ نفسي، لكن يمكن أن تقول أنني كاتب تاريخ بدأت أكتب في الأدب الآن، عموماً أنا أكتب في زمن التنوع الأدبي في أشكاله المختلفة شعراً وقصة ورواية لكن الصحافة أخذتني كثيراً.

 

جائزة أفضل كتاب سنوي "بائسة"

أقاويل كثيرة ترددت حول السبب الرئيس لرفضك جائزة أفضل كتاب سنوي في البحرين فما قولك الفصل في هذه المسألة؟
هي جائزة بائسة أصلاً، أعطوني إياها في التاريخ عن كتابي "كلنا فداك.. البحرين والقضية الفلسطينية" الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهو كتاب تاريخ اشتغلت فيه على مدار 15 سنة في إنجلترا ومصر والبحرين، وفي النهاية قالوا لي لقد فزت بالجائزة في المرتبة الثالثة، وحينما سألت عن المرتبتين الأولى والثانية علمت أنهما حجبتا ومن هنا جاء رفضي للجائزة وتساءلت وقتها "إلى هذه الدرجة لا أستحق المرتبة الأولى!". رفضت الجائزة لأنها لم تقدر قيمتي الحقيقة.

هل شعرت بأن الأمر كان متعمداً؟
نعم بدا لي الأمر هكذا ومن دون سبب واضح، فلو أن هناك باحث بحريني كبير حصل على المرتبة الأولى كنت سأوافق على جائزتي تلك لكن القائمين على الجائزة لم يفعلوا ذلك.

ماذا كانت القيمة المادية لجائزة المرتبة الثالثة؟
قيمة تافهة جداً (2000 دولار) ووقتذاك حصلت ضجة إعلامية كبيرة في البحرين والكل استاء لهذا الأمر الذي حدث معي وبخاصة أن البحرين ليست فيها جوائز دولة من الأساس سواء تشجيعية أو تقديرية على غرار المعمول به في غالبية الدول العربية تقريباً.

بكل صراحة.. خالد البسام هل أنت في انتظار تكريم؟!
لا أنتظر التكريم لأن من يفعل ذلك كأنه يقول إن إبداعي نفذ وانتهى، لكنني ولله الحمد لازلت قادراً على العطاء وفي كل عام أصدر كتاباً جديداً ولا أنتظر أي جائزة لا من بلدي ولا من أي بلد آخر.

روايتي الجديدة تجربة شخصية عشتها في فترة من حياتي

أخيراً هل سنرى إصداراً جديداً لك في الفترة المقبلة؟
أستعد لنشر رواية جديدة لم أستقر على عنوان نهائي لها حتى الآن، وهي عبارة عن تجربة شخصية عشتها في فترة معينة من حياتي، وهي  جزء من سيرتي الذاتية.