انا غنية باهتمام ورعاية الناس لي

موعد عربيات الأخير مع الشاعرة فدوى طوقان قبل الرحيل

فلسطين- حوار: عزيزة نوفل
صور وفيديو

دخلنا بيتها استقبلتنا واقفة رغم وضعها الصحي السيئ الابتسامة تعلو شفتيها، وتلوح وراء كل تجعيدة في وجهها قصة من قصص حياتها، وحيدة في البيت الكبير بعد عمر طويل، وحدة تنبئتها وعاشتها حتى وهي بين عائلتها.

طالما قرأنا دواوينها وقصائدها، حزن روحها المستتر وراء كل حرف وكلمة في تلك القصائد شدنا لشعرها ونحن لم نزل في مرحلة من العمر لا تسمح لنا بالتفكير ماذا سنكون في المستقبل، ومرت الأيام وتخرجنا صحافيات من الجامعة التي كتبت هي نشيدها وكان اليوم الذي جمعنا بها في مقابلة صحافية، دخلنا بيتها استقبلتنا واقفة رغم وضعها الصحي السيئ الابتسامة تعلو شفتيها، وتلوح وراء كل تجعيدة في وجهها قصة من قصص حياتها، وحيدة في البيت الكبير بعد عمر طويل، وحدة تنبئتها وعاشتها حتى وهي بين عائلتها، في وحدي منع الأيام وأنا وحدي مع الليل،وعلى قمة الدنيا وحيدا، وقبل أن نطرح الأسئلة التي بذلنا جهدا كثيرا لتكون على مستوى الشخصية، كان لا بد من دردشة فأخذتنا معها إلى حياتها الأولى التي هي باختصار تأريخ لحياة شعبها، فمن المنزل الذي عاشت به دون أن تتمكن من اتخاذ قرار لاكمال دراستها إلى سنوات الهزيمة والرايات البيض والتي أخرجتها من ذاتيتها، إلى وحدتها في بيت كبير برفقة ذكرياتها ودواوين شعرها، وصورة أخيها إبراهيم صديقها الذي لم تمهلها الدنيا لاكتشاف حلاوة طعم الصداقة معه، بجانبها.

ولخصت سنوات العمر الطويل بكلمات بخط يدها على غلاف ديوانها الأخير،" اللحن الأخير "

"أساء ألي الزمان كثيرا كثيرا
إذ اقتاده في مسار حياتي وحشاً خطير
وشراً كبيراً كبير "

 

وبدأنا بالحديث عن الشعر والانتفاضة والثورات ودور الشاعر في تلك الثورات، كونها عايشت ثورات وجرح فلسطين الاول والى الان، وكيف ناضل الأديب الفلسطيني إلى جانب الثائر جنب إلى جنب.

 

**أين فدوى طوقان من الانتفاضة الحالية؟

--أنا متابعة لما يحدث على الساحة الفلسطينية , لكن بسبب المرض الذي ألم بي "الجلطة" فقد أثرت على بصري, أتابع الأحداث من خلال التلفاز لسماع الأخبار, بالرغم من ذلك فقد كتبت في ديواني الأخير أتحدث فيه عن أحلام السلام المستحيل مع اليهود.

 

**ما هي إنتاجاك في هذه المرحلة ؟

--الواقع أن مرضي اثر علي تأثيرا كبيرا على إنتاجي الأدبي , فلم انتج أي شيء, حيث آخر إنتاج لي كان " اللحن الأخير" وهو مجموعة أشعار عاطفية أتحدث فيها عن عاطفتي في أيام الكبر, والتي اعتبرها أيامي الأخيرة . فلم استطع الكتابة لأنني خائفة من المستقبل , ماذا سيحصل معي وينتابني قلق كبير مما يؤثر كثيرا على كتاباتي.

 

كيف ترسم الأديبة الشاعرة فدوى طوقان تصورها للانتفاضة الحالية إيجابا أم سلبا؟

استمرار الانتفاضة ضروري جدا, فتوقفها يفرح الأعداء كثيرا , يجب أن يكون لدينا نظرة إيجابية حيالها, وان لا نكون سلبيين في تعاملنا مع هذا العدو الشرس, الذي تتكاثف فيه كافة الأحزاب الإسرائيلية بالرغم من خلافاتها الكبيرة من اجل تهبيط عزائم وإخماد جذوة الانتفاضة , ونحن بأشد الحاجة أن يكون لدينا هدف واحد من اجل نيل حقوقنا المشروعة.

 

**أن تعاصر الشاعرة ثورات متعددة لكل منها ظروفها وملابساتها , هل يفرض عليها نوعا أو اتجاها معينا للكتابة؟

--كل ثورة من هذه الثورات وكل مرحلة نضالية كانت تحمل خصوصية في ملابساتها , وفي شخصيتها وقادتها , لذلك كانت الأوضاع تفرض نفسها على كل قصيدة تكتب حسب المرحلة والمكان والأشخاص, حتى أن بعض القصائد كانت تفقد معناها نتيجة لبعض الأحداث السياسية , فمثلا ثورة فوزي القاوقجي في الثلاثينيات ثارت في خيالي ومشاعري فككبت على نظم قصيدة تعكس انبهار الصبية الرومانسية بشخصية قائد الثورة الأسطوري ولكن مع خمود الجماهير له مع مرور الأيام تضيع القصيدة المبهورة . ألا أن أشعار كل هذه الثورات السابقة تحمل في مضمونها نفس الهدف والفكرة , وبما أن الطرف الآخر في هذه القصائد هو العدو الأوحد لنا جميعا يتكرر الكره له في كل بيت وكل مقطع , فان خلود هذه القصائد باق ما بقي العدو وبقيت الروح النضالية موجودة في قلب كل مقاوم.

 

***هل هناك فرق بين الوطني المقاتل في ساحة المعركة وبين الكاتب والأديب والشاعر الذي يناضل من اجل نفس القضية؟

---في اعتقادي أن دور الشاعر والأديب لا يقل أهمية عن دور المقاتل في ساحة المعركة, فالشاعر الوطني الذي ينظم الشعر الحماسي يكون دافعا قويا لهؤلاء المقاتلين للصمود والاستبسال في المعركة, واذكر في هذا السياق أن في خلال حرب 67 قرأت قصيدة في الإذاعة بعنوان " لن ابكي" وكانت هذه القصيدة حماسية لدرجة أن مجموعة من المقاتلين سمعوها وعندما انتهت القصيدة قام أحدهم واحضر مصحفا واخذوا يحلفون عليه واحدا تلو الآخر, أن يقاوموا حتى النهاية وان لا يستسلموا أبدا.

 

**حسب اعتقادك هل ما زال شعر المقاومة يعبر عن وضع الانتفاضة الحالية مقارنة بالثورات والانتفاضات السابقة؟

--محمود درويش, سميح القاسم, توفيق زياد, من ابرز شعراء المقاومة الفلسطينية, كتبوا أشعارا ساعدت كثيرا على دفع المقاومة إلى الإمام ودعم الثورات والانتفاضات السابقة, وأنا ضد من بقول أن شعر المقاومة ذهبت مناسبته لانه شعر حقيقي وصادق ويصلح لكل ثورة فلسطينية في أي زمان كان, لانه حالة فريدة من الشعر تخص مقاومة الشعب الفلسطيني ذاته.

 

في ظل هذه الانتفاضة وما شملته من حصار واغتيالات هل للأديب أو الشاعر نفسية خصبة للكتابة؟

اعتقد أن ما يشاهده الشاعر من أحداث يومية تهز مشاعره وكيانه, وتفتح له آفاق عديدة للكتابة, فأنا عندما كنت اجلس أمام التلفاز واستمع لأخبار الحروب والقتل , أتخيل أن الكرة الأرضية عبارة عن فنجان من القهوة احمله واقلبه واسكب معه كل شعوري وعواطفي وانفعالاتي لم أشاهد , هذه الفكرة ألهمتني قصيدة باسم " هذه الكوكب الأرضي" ألقيتها في مهرجان جرش أهديتها لصديقتي الأديبة حياة الحويطي.

ومما قلته في هذه القصيدة :

لو بيدي

لو أني اقدر أن اقلبه هذا الكوكب

أن أفرغه من كل شرور الأرض

أن اقتلع كل شرور البغض

 

***في فترة السبعينيات اتهمت فدوى طوقان بأنها شاعرة ذاتية , ماذا تقولين بذلك؟

---هذا صحيح, فقد كان يتهموني بآني شاعرة ذاتية اكتب شعرا عن تجربتي الذاتية في الحياة , لكن القارئ لسيرتي الذاتية يعرف لماذا كان ذلك, فطريقة نشاتي وتجربتي الشخصية وهي أن الإنسان خلق وحيدا ويتعذب وحيدا ويموت وحيدا وأنا انظر إلى معاناتي فاجد أن لا أحد يتعذب معي فأنا لوحدي , وهذا كله جعلني اكره وحدتي خاصة أن الإنسان والشاعر بالذات لا يتكامل إلا مع الجماعة . وهذا الشعور لم يعد لي إلا بعد حرب حزيران حيث عدت لها, فالاحتلال الإسرائيلي ارجع إلى الإحساس بنفسي ككائن اجتماعي, فقد  كنت بسببه التقي بالجماهير الشعبية, عرفت القيمة والمعنى الحقيقي الذي يتحمر في دنان الشعب.

 

***هل يمكن اعتبار الطفرات الابداعية التي حظيت بها الثورات والانتفاضات الماضية ظواهر اخذت بالاندحار مع كل مرحلة؟

---الإبداعات لا تنتهي بأي جيل والمواهب موجودة, وقد تكون افضل من شعراء كبار نعرفهم , لكن المشكلة في قلة الثقافة وقلة الاتجاه نحو تعميق الثقافة عند الشعراء والأدباء وزيادة الاطلاع, بالإضافة إلى أساليب قد تكون سياسية تمنعهم من كشف أعمال غاية الإبداع بسبب الموقف السياسي من هذه الأعمال.

 

***كيف يمكن للأدب العربي والإسلامي استثماره في مواجهة تشويه الأعمال الأدبية العربية وخاصة الفلسطينية خلال هذه الفترة؟

---أننا في الوطن العربي والإسلامي نمتلك مخزونا ثمينا من الذخائر الثقافية والأدبية في مجال الشعر والنثر, كل جزئية منها تعبر عن معاناة الشعوب حتى الاحتلال والقهر خاصة الذي يتعرض له الفلسطينية في شتى مراحل ثوراته, وان محاولات الجهات الصهيونية الرامية إلى تشويه هذا الإنتاج الثقافي." هنا توقفت لبرهة من الوقت للاستراحة لأنها شعرت بالدوخة لمدة 10 دقائق ولكنها أبت إلا أن تستمر وبإصرار".وهذه القصائد الخالدة لن تنجح إذا ما وجهت بوقفة مقابلة من قبل الأدباء والمثقفين العرب والمسلمين الذين اثبتوا في الكثير من الدول العربية والإسلامية, وفي مواقف مختلفة خاصة في الانتفاضة دعمهم للمقاومة ومقاطعتهم كافة أساليب التطبيع مع العدو الصهيوني, كما أن ما يتوفر لشعراء وأدباء اليوم من وسائل الأعلام وأساليب النشر يستطيعون بها إيصال ما يريدون من شتى أنحاء العالم يساعد في فضح الممارسات الصهيونية ورد محاولة التشويه التي يتعرض لها الإنتاج الثقافي العربي الإسلامي.

 

انظر إليهم في البعيد

يتصاعد ون إلى الأعالي, في عيون الكون هم يتصاعد ون

وعلى جبال من رعاف دمائهم

هم يصعدون ويصعدون

كلمات أفردتها فدوى طوقان لأطفال الحجارة, تلك الفئة الأسطورة التي استطاع القليل القليل من الشعراء والأدباء إيفاءهم بعض حقهم في الوصف.

 

***فقدان الشعور بالأمومة هل اثر على كتابتك للأطفال الفلسطينيين والأطفال بشكل عام؟

--الأطفال يشكلون شيئا أساسيا في حياتي واكن لهم عاطفة قوية, على الرغم من أنني لم انجب أطفالا, وتعلقت بأحد الأطفال وهو الآن ابن لقريبي لدرجة قوية, إذ جاءت أمه يوما لتأخذه فإذا به يحضنني ويصرخ ويبكي فشعرت انه قد دخل قلبي من يومها وأنا اعزه كثيرا, ووضعت صورته على الجدار في معيشتي.

هذه إن كانت حادثة صغيرة إلا أنها أثرت في كثيرا, إذ أن اجمل ما في الحياة الشعور بعاطفة الأمومة, هذا المستوى الشخصي, من جهة أخرى فان الظاهرة التي عرفت فيما بعد لأطفال الحجارة, أبهرتني وجعلتني افرد لها قصائد كثيرة اعبر فيها عن مدى حبي لهذا الجيل المختلف في كل شيء في طموحه ومقاومته وصبره وبراءته وقدرته على التصدي باعتني القوى العسكرية التي لم تستطع على مجابهتها دول, فكان لأطفال الحجارة دورا رائدا في إذلالها وفضح سياستها أمام العالم.

  فكتبت أيضا من قصيدة "شهداء الانتفاضة"

 

لن يمسك الموت الخؤون قلوبهم

فالبعث والفجر الجديد

رؤيا ترافقهم على درب الفداء

انظر في انتفاضتهم صقورا, يربطون الأرض

والوطن المقدس بالسماء

 

***في فترة توقف إنتاجك الشعري هذا كيف ترين الاهتمام ببدوي طوقان الانسانة؟

--انا غنية باهتمام ورعاية الناس لي, فأنا اجتماعية وعاطفية مع الناس احبهم أتعاطف معهم, ولدي الكثير من الصداقات في هذه الفترة بالذات فترة مرضي شعرت حقا بمدى حب الناس لي ولمست ذلك من خلال الزيارات يوميا كالمطر علي, أما الاهتمام من الجهات الرسمية كان كبيرا فجامعة النجاح الوطنية كرمتني بإعطائي الدكتوراه الفخرية هذا بالإضافة إلى الجوائز المادية التي احصل عليها فالشيخ عبد الله العويسي من الشارقة قدم لي جائزة بقيمة 100الف دينار , وهناك العديد من الجوائز لا اذكرها, فأنا غنية والحمد لله معنويا وماديا.