مؤسسات الإعلام الحكومية ستتحول إلى مؤسسات مستقلة، والإنترنت فرضت على العالم تقاليدها

الدكتور فهد العرابي الحارثي يستشرف مستقبل الإعلام السعودي

خاص
صور وفيديو

اختار أن يسبر أغوار الظواهر الفكرية والاجتماعية والاقتصادية من خلال مجهر مركز "أسبار" للدراسات والبحوث، وأردنا أن نستشرف معه مستقبل الإعلام السعودي وهو الخبير الذي يستند إلى تجربة طويلة في هذا المجال بدأت بصحيفة الندوة وانتهت إليها، ومرت بمرحلة انتقالية شهدتها الصحافة السعودية عندما خرجت صحيفة الوطن من معمل أبحاثه كأحدث الصحف السعودية تأسيساً وربما أكثرها تأثيراً، الدكتور فهد العرابي الحارثي ضيفنا اليوم يستضيف قراء "عربيات" في جولة تعرج على الماضي وتستشرف المستقبل الذي تتطلع إليه دراسة إعادة تأسيس صحيفة الندوة، ويترقبه الإعلام الجديد الذي ترأس فريق إعداد مشروع نظامه.


حصلت على درجة البكالوريوس في اللغة العربية ، فأين تقف اليوم بين المطالبين بالتركيز على تأسيس الطلاب بها في المدارس وبين التوجه إلى اعتماد اللغة الإنجليزية للتدريس باعتبارها لغة العلوم؟
اللغة العربية هي لغة الدين ولغة المخزون الثقافي والفكري والتاريخي للأمة، وهي اللغة التي ينبغي أن تتولى مهمة التعبير عن وجدان الناس وتطلعاتهم وهي لغة التفاهم فيما بينهم وينبغي أن نعمل على أن تكون هي في الوقت نفسه لغة العلم نظراً لما طرأ على عالم اليوم من تغيرات جذرية فيما يتعلق بالصلات والعلاقات بين أممه وشعوبه وفيما يتصل أيضا بإدارة الاقتصادات الجديدة فرضت على هذا العالم أن يكون هناك لغة مشتركة توفي بهذه الأغراض وتحقق أهداف العولمة، وكانت اللغة التي أخذت مكانها في هذا السياق بكل قوة واقتدار هي اللغة الإنجليزية نظراً لظروف كثيرة لا تخفى على أحد وهى أنها أي "اللغة الإنجليزية" لغة القوي المتمكن في الجانب العلمي والتقني والاقتصادي، لا مفر اليوم من أن تكون هذه اللغة هي لغة العالم فيما يتعلق بتأمين الحدود المقبولة من علاقاته وصلاته، وفيما يتصل بمتابعة مستحدثاته ومستجداته العلمية والتقنية بل وحتى الفكرية، لهذا أنا أعتقد أن من الضروري أن نعلم طلابنا اللغة العربية وأن نعلمهم في الوقت نفسه اللغة الإنجليزية.

الإنترنت فرضت على العالم تقاليدها وأعرافها وإيقاعاتها

هل تخشى من (التهجين) الذي تتعرض له اللغة العربية في الاستخدامات اليومية على شبكة الإنترنت؟
الإنترنت فرضت على العالم اليوم تقاليدها وأعرافها وإيقاعاتها، وهي بالتالي أحدثت تأثيرات قوية ومهمة على لغات العالم، ولا نستطيع أن نستثني اللغة العربية من ذلك، فالملاحظ اليوم في التعاملات الإلكترونية وفي التواصل عن طريق الإنترنت، أن هناك لغة أو لغات جديدة تتشكل هي هجين ما بين اللغات المحلية واللغة الإنجليزية على وجه الخصوص، لأن ما يبث عبر الإنترنت اليوم هو في معظمه من حظ اللغة الإنجليزية دون لغات العالم الأخرى، وبنسبة لا تقاس، فالمحتوى الذي يتدفق عبر الإنترنت هو في غالبيته العظمى محتوى مكتوب ومقدم للناس باللغة الإنجليزية، هذا فضلاً عن أن تقنية الإنترنت نفسها خلقت أو أوجدت مصطلحات لابد أن تأخذ بعين الاعتبار، وهذا لا يعني ألاّ يكون هناك محاولات جادة من خلال المؤسسات المختصة والمعنية بأن يكون للعرب وجود أقوى على الإنترنت وأن يكون لهم أيضاً لغة تتعلمها الأجيال للتعامل مع ثورة الاتصالات الجديدة، لقد فرضت الإنترنت أشكالاً جديدة للتعبير وهي قدمت تسهيلات كبيرة لمشاركة كل الناس في التواصل مع كل الناس، وبالتالي فإن هذا يفترض أو يقتضي أن تكون هناك مزيد من التنازلات على الصرامة التي عرفتها لغة الكتابة في أزمنه سابقة، وهي تنازلات على البناء، وتنازلات على الأسلوب، وتنازلات بلاغية وبيانية أيضاً.

من جامعة أم القرى إلى السوربون، كيف تمكنت من حجز مقعدك في الجامعة الباريسية؟
لا أظن أنني أتيت في ذلك بمعجزة، فأنا فعلت كما يفعل الطلاب المبتعثون الآخرون، فجامعة السوربون هي إحدى الجامعات التي لا تميز بين الأجناس والأعراق والثقافات، وقد دخلتها كما يدخل أي طالب سعودي آخر في أي جامعة غربية أخرى.

حصلت من السوربون على دكتوراة الدولة فما هو الفرق بينها وبين دكتوراة الجامعة؟
يعتقد الفرنسيون بأن دكتوراة دولة هي أكبر شهادة دكتوراة في العالم، وهم يمنحون شهادات أخرى مثل دكتوراة الجامعة أو مثل دكتوراة الدرجة الثالثة وأعتقد أنهم مؤخراً اكتشفوا أنهم لابد أن ينتظموا في سياق ما تقدمه جامعات العالم الأخرى من درجات، فوحدوا هذه الأنواع الثلاثة من الدرجات العلمية في درجة علمية واحدة سموها "الدكتوراة الجديدة".

هل كانت لك مشاركات أو أطروحات في الصحافة الفرنسية أثناء دراستك في السوربون؟
لم تتهيأ الفرصة لي في تلك الأيام لأي مشاركة في الصحافة الفرنسية، كنت في تلك الأيام أدير مكتباً صحافياً سعودياً في العاصمة الفرنسية يضم خمسة مراسلين ويغطي دول أوربا الغربية ودول شمال أفريقيا ولكنه كان يعمل لصالح الصحافة السعودية.

البرزخ بين الابتعاث القديم والابتعاث الجديد

بالرغم من أن المبتعثين إلى الخارج فيما مضى كانوا أقل عدداً إلا أن العائد من عملية الابتعاث كان أكبر، هل تتفق مع هذا الرأي؟ ولماذا؟
لي ملاحظات كثيرة على نظام الابتعاث إلى الخارج في السابق وفي الحاضر أيضاً، فبالنسبة للابتعاث في السابق، أظنه كان عشوائيًّا، ولم يحظ بالاهتمام اللازم فيما يتعلق بتحديد التخصصات المهمة التي تحتاج إليها البلاد، ربما يعذرنا التاريخ في تلك الأيام بأننا كنا في حاجة لكل التخصصات، لكني أعتقد انه كان ينبغي أن يكون لنا أولويات في التخصصات العلمية التي نبتعث من أجلها طلابنا إلى الخارج، اليوم أصبح الابتعاث أكبر عدداً من السابق، وأظن أن هناك تقنيناً للتخصصات التي نحتاج إليها، وأنا متفائل جدًّا بنتائج الابتعاث على الصيغة التي نقرأ عنها اليوم، طبعاً هذا لا يقلل أبداً من أن الابتعاث في القديم أدى دوراً كبيرا في ملء الكثير من الاحتياجات التنموية، وإن لم يكن بالصفة المثالية التي كنا نريدها، فقط أريد أن أقول بأنني نادم على السنوات الطويلة التي شكلت ما يشبه البرزخ بين الابتعاث القديم والابتعاث الجديد، أعني تلك المرحلة التي توقف فيها الابتعاث نهائياً إلى الخارج، إنني أرى أن الابتعاث إلى الجامعات المهمة في الخارج، وإلى البيئات العلمية والتقينة الجديدة، أمر مهم لنهضة البلد، ولنا في تجربة اليابان خير مثال، فلم يكن أمام الإمبراطور "ميجي" في اليابان لكي يحقق النهضة الحديثة لبلاده إلا أن يطلق شعاره الشهير "اذهبوا إلى الغرب وتجاوزوه" وكان هذا هو ما حقق النهضة الحديثة اليابانية.


الندوة ستحقق ماهو مطلوب على المستوى الورقي، وماهو متوقع على المستوى الإلكتروني

 أول عمل صحفي لك كان في صحيفة الندوة، ومن خلال مركز أسبار اليوم تقوم بإعادة تأسيسها وإصدارها، فكيف توازن بين ارتباطك العاطفي بالصحيفة ورغبتك في استمرارها، وبين الآراء التي تؤكد أن فرص الصحف المطبوعة باتت ضئيلة في عصر الإعلام المرئي والإلكتروني؟
صحيفة الندوة هي صحيفة ذات حمولات ثقافية وتاريخية كبيرة، فهي من جهة تصدر من مكة المكرمة، وهي من جهة أخرى من أوائل الصحف السعودية التي أسهمت إسهاماً كبيرا في دعم التنمية الثقافية والفكرية والاجتماعية في هذه البلاد، إذ قدمت أسماء كبيرة في تاريخ الثقافة السعودية والإعلام السعودي، ولهذا لم يكن ينبغي لها أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم من المشكلات والمعوقات التي أنهكت حاضرها، وجعلت المستقبل أمامها شديد الغموض، ولقد قيض الله لها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي قدم لها كل ما يمكن أن يهيئ لعودتها قوية أخاذة بين مثيلاتها ورصيفاتها في الصحافة السعودية، وهي من هذا المنطلق ستعمل بفريق العمل الذي يعمل على إعادة تأسيسها اليوم على أن تأخذ بآخر ما توصلت إليه التجارب الصحيفة والإعلامية في العالم، سواء كان ذلك على مستوى الأداء أو على مستوى التقنية، وأعتقد أن هذه فرصة كبيرة لصحيفة الندوة أن تنطلق من حيث ما انتهى إليه الآخرون، وألاّ تتكبد من أجل ذلك أي أعباء كبيرة لاسيما فيما يتعلق بالتخلص من كل ما هو تقليدي، والانتظام مع كل ما هو جديد في عالم الإعلام اليوم، لعل التكلفة ستكون أكثر عبئاَ على المؤسسات الصحفية الأخرى، فهي من أجل أن تنتظم في السياق الإعلامي الجديد اليوم لابد أن تتخلص أولاً من مظاهر الإعلام التقليدي، وفي كل ما يتصل به من موارد بشرية ينبغي إعادة تأهيلها، ومن تقنيات جديدة ينبغي أن تقوم على أنقاض التقنيات القديمة، ولهذا فلا خوف أبداً على صحيفة الندوة التي افترضت سلفاً أنها في عصر الإعلام الجديد، فهي ستحقق ما هو مطلوب على المستوى الورقي، وما هو مطلوب ومتوقع على المستوى التقني والإلكتروني.

إلى أي حد اختلفت دراستكم التأسيسية لإنشاء صحيفة الوطن في عام 1997م عن دراستكم اليوم لإعادة تاسيس صحيفة الندوة، خصوصاً مع التغيرات التي طرأت على طبيعة الجمهور؟
الدراسات التأسيسية لصحيفة الوطن أنجزت منذ ثلاثة عشر عاماً، وبالتالي فهي ارتكزت على معطيات لم تعد في معظمها صالحة لهذا اليوم، وأعتقد أن الدراسة التأسيسية لصحيفة الندوة ستقوم على نمط آخر من الدراسات الاستشارية، وهذا النمط يعتمد على الأحدث، ويعتمد على تصورات مختلفة فرضتها التغيرات الهائلة التي مرت بعالم اليوم، أعتقد أن صحيفة الوطن نفسها في خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية شهدت تطورات مرحلية مختلفة، حتى أنني أجزم أنها اليوم قد تجاوزت العديد من نتائج الدراسات التأسيسة التي قمنا بها عند انطلاقها، وفي صحيفة الندوة استقطبنا عناصر مهمة على المستوى السعودي والعربي والعالمي لإنجاز الدراسات والاستشارات والمساهمة فيها، وأستطيع القول بأنه يشترك اليوم مع مركز أسبار وتحت إشرافه شركات عربية وعالمية، وشخصيات إعلامية أيضاً مرموقة على مستوى العالم سواء من الولايات المتحدة الأمريكية أو من العالم العربي أو من المملكة العربية السعودية ذاتها، وكل هذه العقول، وكل هذه الخبرات، تعمل اليوم على أن تكون الندوة نمطاً متقدماً وراقياً في أدائه وفي وسائله.

 لك تجربة في رئاسة مجلس إدارة جريدة الوطن بالإضافة إلى منصب المدير العام والمشرف على تحريرها، من خلال تلك التجربة هل تؤيد فصل الإدارة عن التحرير؟ ومتى يمكن الجمع بينهما؟
لكل أسلوب من هذه الأساليب الإدارية سلبياته وإيجابياته، وأعتقد أنه من المناسب أن نعطي الفرصة لكل مؤسسة أن تدير أمورها بما تراه يتلاءم مع ظروفها، ومع رؤيتها ورسالتها.

مؤسسات الإعلام الحكومية ستتحول إلى مؤسسات مستقلة

أين تقف بين مطالب إلغاء وزارة الإعلام والاكتفاء بوزارة الثقافة، وبين ضرورة وجودها لتعكس من خلال منابرها السياسة الإعلامية للدولة؟
يهمني شخصياً أن أؤكد على ضرورة استقلال الإعلام الأهلي عن الإعلام الحكومي، وأن تعطى له الفرصة لكي يقدم رسالته وفق السمت الثقافي والاجتماعي والتاريخي للبلاد، ووفق الأنظمة المرعية التي أقرها ولي الأمر، أما بعد ذلك فلا يهمني أن يكون هناك وزارة للإعلام أو وزارة للثقافة أو للاثنين معاً، أعتقد أن هناك تطورات سيشهدها الإعلام السعودي في السنوات القريبة القادمة ومن أبرزها أن الإعلام الرسمي نفسه سيتعرض لتغيرات جذرية أبرزها تحويل كثير من مؤسسات الإعلام الحكومية إلى مؤسسات مستقلة أو شبه مستقلة في إجراءاتها وفي إنجازاتها وتصوراتها عن وزارة الإعلام، وذلك مثل تحويل التليفزيون والإذاعة ووكالة الأنباء السعودية إلى مؤسسات مستقلة بمجالس إدارة مستقلة وبرؤية إدارية مختلفة عما هو عليه الحال اليوم، وهذه كلها إنجازات ستدفع بعجلة التنمية الإعلامية إلى مزيد من التقدم.

هل ترى في أي من الجمعيات والهيئات الإعلامية القائمة بديلاً لوزارة الإعلام في حال إلغائها؟
الجمعيات التي أشير إليها في السؤال لا يوجد في أنظمتها الداخلية أو سياساتها أو أهدافها أي شيء مما يمكن أن يوحي بأنها يمكن أن تضطلع بإدارة الإعلام في البلاد، فكل واحدة من هذه الجمعيات لها أهدافها الخاصة، ولها أنظمتها الداخلية الخاصة التي لا تقدم ما تقدمه وزارة الإعلام اليوم.

نظام الإعلام الإلكتروني تجاوز الأنظمة المتعلقة بالمطبوعات والنشر وواكب المعطيات الجديدة

ترأستم الفريق العملي الذي أعد مشروع نظام الإعلام الإلكتروني في المملكة العربية السعودية، وفي المفهوم العالمي يعتبر التنظيم في هذا المجال عبارة عن قوانين حماية ملكية فكرية تكفل للمحتوى الإلكتروني حقه  وتفرض عليه مراعاة حق غيره في الملكية الفكرية للمواد كما تقتصر العقوبات على المخالفات في مجال التحريض على العنف أو بيع الأعضاء البشرية وغيرها من الأنشطة غير مشروعة بشكل عام، فهل سينفرد نظام الإعلام الإلكتروني الذي عملتم عليه ببنود مستحدثة أخرى؟
أستطيع القول بأن ما يهدف إليه نظام الإعلام الإلكتروني الذي سيصدر في القريب هو الحد من الفوضى التي تعتري هذا النوع من الإعلام فقد أساء الكثيرون استغلال هذا الفضاء الرحب الجديد، الذي يشي بمجال أوسع من الحرية والمطلوب هو أن يكون هناك مسئولية اجتماعية وديينة وسياسية تحدد المضمار الذي ينبغي عدم تجاوزه فلا يتحول الإعلام الإلكتروني إلى معاول للهدم الاجتماعي أو الديني أو الثقافي، ثم أن هناك هدفاً آخر يصب في مصلحة الناشطين في هذا المجال، أستطيع أن أقول بأن النظام يركز على حفظ حقوق هؤلاء، وعلى تحويل الكيانات الهشة القائمة اليوم إلى كيانات قانونية شرعية تضمن للاستثمارات التي تضخ في هذا المجال الاستمرارية والنمو، ولا ينبغي إلى أن ينظر إلى النظام إلى أنه مجموعة من العقوبات وأنه وسيلة للقمع والحد من الحريات، فالنظام يكفل حرية التعبير للجميع، وهو في نفس الوقت تجاوز كثيراً الأنظمة المتعلقة بالمطبوعات والنشر والتي وجدت في سنوات سابقة وتعاملت مع معطيات وظروف لم تعد موجودة اليوم، ولذلك فلا أجد مبرراً لأي مخاوف من هذا النظام بل على العكس هناك مردودات إيجابية على المجتمع وعلى المستثمرين وعلى الناشطين في مجال الإعلام الإلكتروني.

هل تتوقع أن ترخيص المواقع الإعلامية السعودية على الإنترنت سيمنحها قيمة مضافة في المنافسة مع المواقع التي لم تحصل على ترخيص أو تصدر من خارج المملكة؟
نعم أنا مؤمن بذلك تمام الإيمان وكما قلت في إجابة السؤال السابق فإن الإجراءات الجديدة ومنها منح التراخيص سيعطي شرعية لهذه المواقع، وسيضمن الاستثمارات المتدفقة فيها، وسيكفل للمنتمين إليها الكثير من الحقوق، في الوقت الذي يحدد لهم واجبات اجتماعية ودينية وسياسية لابد من الأخذ بها كأساس من المسئولية الأخلاقية والمسئولية الفكرية لكل من يريد أن يكون جزءاً في المنظومة الإعلامية في بلد مثل المملكة العربية السعودية.

هل وضعتم بعين الاعتبار في الدراسة الفوارق بين ما يمكن تطبيقة من أنظمة وقوانين على المحتوى الصحفي الإلكتروني الذي تتحمل مسؤوليته هيئة التحرير، وبين الإعلام التفاعلي كالمنتديات والشبكات الإجتماعية وغيرها؟
النظام يتعامل مع المحتوى الإلكتروني تعاملاً واحداً، فالمحتوى هو مسئولية الموقع الذي ينشر أو يبث ما يكتب له، أو يقال فيه، سواء كان ذلك من قبل هيئة التحرير أو من قبل المشاركين الآخرين من خارج هيئة التحرير.

هل توصلتم إلى آلية تكفل لأي أنظمة متعلقة بالإعلام الإلكتروني النجاح والتطبيق دون أن يتطلب ذلك التزام الدول الأخرى بنفس النظام أو حتى التعاون لتطبيقه في حال وجود موقع مخالف مستضاف على خوادمها ويصدر من أراضيها؟
النظام يُعنى بالدرجة الأولى بما يقع تحت الولاية السعودية، أما ما هو خارج عن الولاية السعودية فهناك أجهزة أمنية أخرى يمكن أن تتعامل معه بالطريقة المناسبة.


معجم أسبار للنساء السعوديات واجه ضعف استجابة النساء

أصدرتم معجم أسبار للنساء السعوديات، ولكن ألا تعتقد أننا اليوم أصبحنا بحاجة إلى معاجم ربما بعنوان "أول من ....؟" وسط فوضى في توزيع ألقاب "الأولوية" على إنجازات مختلفة دون وجود مرجع للباحث ولوسائل الإعلام بوسعه فض الاشتباك وتوثيق الإنجازات بالتواريخ والأسماء الصحيحة؟
"معجم أسبار للنساء السعوديات" صدر قبل عشرة أعوام في وقت لم يكن الفضاء المفتوح أمام المرأة السعودية بالمستوى الذي هو عليه اليوم، وبالتالي كان الهدف من المعجم أن يقدم للناس فكرة موجودة في مجتمعات أخرى وهي فكرة (who is who) بغض النظر عن تحديد أولويات معينة، أو تأكيد أهميات محددة، لشخصيات نسائية، وكنا نريد أن نستمر في هذا العمل، ولكن معوقات كثيرة اعترضتنا ومن أبرزها وأهمها ضعف الاستجابة لفكرة هذا المعجم مع الأسف الشديد حتى من النساء أنفسهن، اليوم الفضاء الأكثر انفتاحاً أمام المرأة السعودية يحتاج إلى أعمال أخرى، بشروط أو بمعايير أخرى، ربما تختلف في قليل أو في كثير عن المعايير التي اعتمدها فريق العمل الذي اشتغل على معجم للنساء السعوديات في وقت سابق.

تتطلب أغلب مشاريعكم في مركز أسبار دراسات مسحية، فما مدى تعاون أفراد المجتمع معكم للإجابة على الاستطلاعات وتعبئة الاستبانات؟ وهل أصبح لدى المواطن العادي الوعي الكافي بضرورة تحري الدقة عند الإجابة التي ستترتب عليها الاستنتاجات؟
عندما نقوم بإنجاز بحوث استطلاعية في المجتمع السعودي يعمد الفريق المكلف بالمهمة إلى تطبيق المعايير العلمية الصارمة لكي لا يبني نتائجة على معطيات مضللة، ولذلك فنحن نقوم بتحديد حجم العينة وبتوزيعها ضمن الأطر الجغرافية والديموجرافية وبناء على المتغيرات المطلوبة وفقاً لمعايير منهجية معروفة، وهي بالتالي تختلف من بحث إلى بحث وفقاً للأهداف المرسومة، وطبقاً للنتائج المراد التوصل إليها، وبالتالي فإن توزيع العينة وتدريب الباحثين الذين سيقومون بالمهمة تدريباً مكثفاً يجعلهم يتحاشون الكثير من السلبيات التي قد تفضي إلى إحداث خلل ما أو خطأ ما في المنهج المطبق، وبعد أن يتم تدريب هؤلاء التدريب اللازم في التعامل مع المبحوثين، وأعتقد أن المجتمع السعودي لا يختلف عن أي مجتمع آخر من حيث مراعاة الحد الأعلى من المصداقية، ولاسيما إذا تأكد المبحوث أنه لا يتحمل أي مسئولية من أي نوع فيما سيقوله من إجابات، فاسمه غير معروف كما أن إجاباته توظف لأغراض علمية صرفة، فضلاً عن أن الهدف الأسمى لكل هذه الأعمال هو خدمة هذا المجتمع والمساهمة في الوصول إلى نتائج تضاف إلى ما يمكن أن يحقق له مزيداً من الثبات في طريقه التنموي الشاق، وهذا لا يعني أن الاستبانات بعد جمعها أيضاَ لا تمر بعملية فحص دقيق لما يمكن أن يوحي بالتهاون أو التساهل في الإجابة على بعض الأسئلة، وهناك طرق كثيرة للكشف عن مثل هذه الأمور، وهذا كله يتم، ونحن نعتقد أن كثيراً من المخاوف التي يعتقد بها البعض هي ليست موجودة على أرض الواقع وقد أكدت لنا تطابق الإجابات على بعض الأسئلة أو بعض المتغيرات في أبحاث مختلفة، لأغراض مختلفة، في أوقات مختلفة، أثبتت أن بعض الحقائق غير قابلة للجدل، وأضرب مثالاً على ذلك بكثير من الأمور المعروفة والأساسية والتي نعرف أنها تكون صفة من صفات المجتمع السعودي، ومن ذلك على سبيل المثال "تدين" السعوديين والتزامهم ببعض الممارسات التي يعتقدون أنها جزء من عاداتهم وتقاليدهم، والتي تفاجئنا في كثير من الأحيان بإجابات الناس عليها فهي تأتي مخالفة لتوقعات النخبة التي تتداول في قاعات الدرس أو في صالونات المثقفين.

بعد مشوارك الطويل في مجال الإعلام كصحفي ورئيس تحرير، ما هو المشروع/المشاريع الإعلامية التي تنظر لها اليوم بعين الإعجاب؟ ولماذا؟
طبيعى أن يكون هناك اختلاف حول كثير من المشروعات الإبداعية سواء في مجال الإعلام أو في غيره، ولكن هذا لا يمنع من القول بأن هناك مشروعات إعلامية سعودية على قدر كبير من الاحترافية وعلى قدر كبير من التأثير اليوم، وأستطيع أن أسمي مجموعة إم بي سي التي يقوم عليها الشيخ وليد البراهيم بكل مهنية، وبكل إبداع، وهي اليوم تعتبر منارة من منارات الإعلام العربي الذي يقدم إعلاماً جاداً ومسئولاً، وأؤمن أن الإعلام السعودي اليوم يقدم نماذج جديرة بالاهتمام وتستحق أن نحييها.