في قراءة للمؤشرات الاقتصادية والسياسية

رئيس وزراء مصر الأسبق الدكتور علي لطفي: منطق أهل الثقة قبل أهل الخبرة لا يصلح لإدارة أزمات الدولة

عربيات - القاهرة: محسن حسن
صور وفيديو

يعد الدكتور علي لطفي من الوجوه السياسية والاقتصادية البارزة في الساحة المصرية والعربية، فبالإضافة إلى كونه خبيراً متميزاً في مجال التجارة والاقتصاد وإدارة المنشآت الاقتصادية، هو أحد أبرز الشخصيات المصرية المعاصرة والمشاركة بقوة وفاعلية في تشكيل الواقع السياسي المصري، فقد كان شاهداً بكراً على فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، كما كان وزيراً للمالية في عهد الرئيس أنور السادات وعضواً بارزاً وشريكاً مقرباً في اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل. 

شغل عدة مناصب في عهد الرئيس السابق حسني مبارك  كان أولها منصب رئيس الوزراء في الفترة من 4 سبتمبر 1985 إلى 9 نوفمبر 1986، ثم رئيساً لمجلس الشورى حتى عام 1989. ويحتل الدكتور علي لطفي مكانة متميزة في قلوب المصريين لمواقفه الواضحة دائماً ولحرصه الشديد على نزاهته الشخصية وعدم التورط في شبهات الحكم ودهاليزه الخفية. "عربيات" التقت رئيس وزراء مصر السابق في مكتبه بحي الدقي بالقاهرة، وناقشته في قضايا عديدة حول الواقع المصري والعربي والدولي. 


 

العلاج بعودة الأمن والاستقرار السياسي وترشيد نفقات الحكومة

بداية.. هل سقطت مصر اقتصادياً؟
لا، لم تسقط مصر اقتصادياً، ولم نصل بعد إلى حد السقوط في الهاوية "أي الإفلاس"، ولسنا حالة ميئوس منها، وليس الاقتصاد المصري مريضاً محكوماً عليه بالوفاة، ولكن الوضع الاقتصادي في مصر حالياً صعب وخطير. 

ما مؤشرات خطورة هذا الوضع الاقتصادي؟
عجز كبير ومتزايد في الميزان التجاري، ومثله في ميزان المدفوعات، وذات الشيء في الموازنة العامة للدولة، كل هذا مع تناقص احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، وزيادة معدلات البطالة وارتفاع المستوى العام للأسعار، وتوقف شبه كامل للسياحة، وإغلاق ما يقرب من أربعة آلاف مصنع.

كاقتصادي كبير، هل توجد بدائل متعارف عليها لإنقاذ اقتصاد مقبل على الانهيار؟
بالتأكيد توجد بدائل، لكنها مرتبطة بالمناخ العام في أي دولة، وإذا كنا نتحدث عن مصر؛ فالبدائل متمثلة في أمور منها عودة الأمن، وتحقيق الاستقرار والتوافق السياسي، وتطوير النظام الضريبي، ثم ترشيد النفقات الحكومية بما لا يقل عن 20% ، وأخيراً ترشيد الدعم، والذي بلغ حوالي 140 مليار جنيه في موازنة مصر، ومتوقع له أن يصل إلى 200 مليار في نهاية السنة المالية الحالية. مع السعي الجدي لاسترداد الأموال المهربة والتصالح مع رجال الأعمال.

وكيف يتم ترشيد الدعم من وجهة النظر الاقتصادية؟
بأمرين هما؛ ضمان وصول الدعم لمستحقيه، وضمان عدم وصول الدعم لغير مستحقيه. 

في رأيك هل يلعب الاستيراد العشوائي دوراً ما في أزمة الاقتصاد المصري؟
بالتأكيد، ولابد من إصدار قرار بترشيد الاستيراد الخارجي وبمنع استيراد السلع الكمالية والترفيهية. 

ولكن منظمة التجارة العالمية بجنيف تمنع من تقليص حجم الاستيراد الخارجي؟
هذا ما يستند إليه البعض على سبيل الخطأ؛ فبنود اتفاقية التجارة تؤكد أحقية أي دولة تواجه عجزاً في ميزان مدفوعاتها أن تقلص حجم الاستيراد الخارجي.

هل ترى أزمة التهرب الضريبي في مصر مؤخراً أزمة مسيّسة؟
هذه أزمة قديمة ولا علاقة لها بالنظام الحالي، وللأسف الشديد فإن من المصريين مَن يفتخر بنجاحه في التهرب الضريبي مردداً أنه "ضحك على الحكومة" وهو في الحقيقة يتسبب في سقوط اقتصاديات بلده بالتحايل على القانون.
 

سقوط النظام السابق بسبب افتقاد العدالة في توزيع الدخل القومي

 من وجهة نظرك هل توجد خطيئة اقتصادية كبرى ارتكبها نظام مبارك في حق الاقتصاد المصري؟
نعم توجد خطيئة كبرى هي عدم تحقيق العدالة في توزيع الدخل القومي؛ فمعدل النمو الاقتصادي كان مرتفعاً وتعدى نسبة 7% في عهد مبارك، ولكن انتفت العدالة في توزيع ثمرة التنمية، وإذا حسبنا هذه النسبة سنجدها تقدر بـ 60 مليار جنيه زيادة في الدخل القومي سنوياً، كان يحصل عليها عدد محدود جداً من الأفراد ويحرم منها الفقراء ومحدودي الدخل والطبقة المتوسطة. وكان ذلك سبباً في قيام الثورة وسقوط النظام.

لكن هل تعرضت ميزانية مصر لعبث ما أدى إلى انتفاء العدالة في توزيع الداخل القومي؟
ليس عبثاً بمقدار ما هو تفضيل لقطاع على آخر أو نشاط على غيره، فالقوات المسلحة والشرطة والقضاء والإعلام والخارجية هي جهات سيادية يسأل عنها رئيس الجمهورية، وهؤلاء بالطبع يحصلون على الجزء الأكبر من "الكعكة" وبالتالي لا يتبقى شيء للتعليم وللصحة وللنقل وللموانيء وللمطارات ولخدمة الناس، وهذا من الأخطاء التي كانت سائدة لدى كل الأنظمة في العهد الماضي. 
 

قطاع السياحة مرهون بالاستقرار، وهو الأكثر قدرة على دعم الاقتصاد المصري

كانت لك بعض الاعتراضات على بنود المشروع الأخير للصكوك في مصر، ما أوجه هذا الاعتراض؟
بداية، اعترضت على وصف الصكوك بـ "الإسلامية" لأنه لا يوجد شيء اسمه صك إسلامي وصك غير إسلامي، إنما يمكن اعتبارها صكوك تتفق مع الشريعة الإسلامية. اعترضت كذلك على وصفهم الصكوك في مشروع القانون بـ "السيادية"، وقلت إنها ليست سيادية لأن القطاع الخاص يمكنه إصدارها. وفي النهاية استقروا على تسميتها بـ "الصكوك" فقط دون كلمتي إسلامية وسيادية، وهذا هو في اعتقادي ما أجازه مجلس الشورى المصري بعد مناقشاته الأخيرة. 

لكن كيف ترى الفلسفة الاقتصادية لمقترح الصكوك؟
في الاقتصاد يوجد ما يسمى بـ "أدوات التمويل"، فالسهم أداة تمويل، والسند أداة تمويل، وأذون الخزانة أداة تمويل، والصكوك كذلك ما هي إلا أداة تمويل، والصكوك كأداة لا تغني عن الأدوات الأخرى المذكورة قبلها، لكن تختلف الصكوك هنا في ربطها بموافقة هيئة شرعية سيتم تكوينها من كبار رجال الدين عند الرغبة في إصدار نشرة صك من تلك الصكوك لأحد المشروعات بحيث تقر الهيئة موافقة أو عدم موافقة مشروع الصك لمنطلقات الشريعة الإسلامية.

في رأيك ما القطاع الاستثماري في مصر الذي يمكنه إنعاش باقي القطاعات الاقتصادية؟
أعتقد أنه قطاع السياحة، لأنه سيحل أولاً مشكلة النقص في احتياطي مصر من النقد الأجنبي، ثانياً لأن قطاع السياحة من أسرع القطاعات قدرة على استئناف العمل بمجرد تهيئة المناخ له، ومن ثم فبمجرد استقرار الأمن تبدأ السياحة في دعم الاقتصاد القومي، وثالثاً لأن القطاع السياحي المصري يعمل فيه ما لا يقل عن 4 مليون سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وهو أخيراً قطاع متكامل الأدوات والهياكل والأنماط.

على أي شيء يمكن للمواطن المصري أن يراهن اقتصادياً في المرحلة الراهنة؟
على الأمن والاستقرار السياسي، فإذا ما تحقق هذان الأمران فإن مصر ستقفز اقتصادياً بمعدلات تفوق نسبة الـ 7% وبالتالي يشعر هذا المواطن بالتغيير الحقيقي على المستوى الاقتصادي. 
 

البترول وحده لا يكفي، والتكتلات الاقتصادية والسياسية مطلوبة 

وأنت خبير اقتصادي، هل هناك أنماط اقتصادية بعينها تناسب المواطن العربي دون غيرها؟
المسألة ليست قضية أنماط ، إنما هناك أمران أساسيان يجب مراعاتهما؛ الأمر الأول ـ وهذا ناقشت فيه الإخوة العرب كثيراً لكن للأسف لم يستجب أحد ـ وهو أهمية عدم الاعتماد على البترول بصفة أساسية وبشكل مبالغ فيه، فبعض الدول العربية تعتمد على البترول بنسبة  80% وهذا أمر خطير وغير مضمون، لأن أسعار البترول يمكن أن تنخفض فجأة وبشكل كبير، كما يمكن أن يتم اكتشاف بديل للبترول وهذا وارد جداً بل حدث، ومن ثم يصبح الاقتصاد مهدد. الأمر الثاني وهو ضرورة الالتفات لأهمية تحقيق وإنجاح التكامل الاقتصادي العربي، وليس من المعقول أن تنجح أوروبا ونفشل نحن الذين بدأنا قبلها منذ العام 1945 أيام الجامعة العربية، فقد بدأوا السوق الأوربية المشتركة بـ 6 دول، تطورت إلى الاتحاد الأوروبي بـ 27 دولة، ثم العملة الموحدة بعد ذلك.. أين نحن من كل هذا؟!.

كيف ترى بوادر السعي إلى الاندماج الخليجي في كيان واحد؟
الحقيقة لا تزال الأمور غير واضحة بعد، ولا يزال هناك تخوّف ما لدى البعض تجاه هذا الاندماج، وهو تخوف ليس له ما يبرره على الإطلاق، لأن التكتلات الاقتصادية والسياسية مطلوبة بقوة في الوقت الحاضر لإحداث دور فاعل في كل الاتجاهات.

 

حجم الاستثمارات الخليجية ضئيل بسبب المخاوف

هل أنت راض عن وتيرة ضخ الاستثمارات الخليجية في المنطقة العربية قياساً بضخها في أوروبا وأمريكا؟
بالطبع لا، فما يتم استثماره من أموال عربية داخل المنطقة العربية حوالي 10%، وهذا معناه وبشكل عكسي أن 90% من أموال العرب تستثمر في أوروبا وأمريكا، وهذا وضع غير طبيعي، والحقيقة أن الدول العربية أولى باستثماراتها من أي كيانات أخرى غير عربية. 

لكن ما السر في هذه الظاهرة؟
أولاً عدم وجود إرادة سياسية واقتصادية، ثانياً لا يزال هناك تخوّف قائم بين الدول العربية، خوف من تأميم الاستثمارات والأموال أو مصادرتها لأمر ما، وطالما الخوف وعدم الإرادة موجودان، ستظل الاستثمارات العربية بعيدة عن الوطن العربي.

هل لازلت تؤمن بجدوى الخصخصة بعدما أثارته من مشكلات مع المستثمرين العرب وعلى رأسهم المستثمر السعودي؟
يا سيدي كلمة "خصخصة" في مصر أصبحت سيئة السمعة، والواقع أنني كنت ومازلت وسأظل من أنصار الخصخصة، ليس لناحية عقائدية، ولكن لعلمي بالأرقام أن القطاع الخاص أكثر قدرة وكفاءة وإنتاجية من القطاع العام، ولأن حالات نجاح القطاع العام استثنائية، تماماً كما أن حالات فشل القطاع الخاص استثنائية، وستبقى الخصخصة هي وسيلة الإنقاذ المثلى لشركات القطاع العام الآخذة في الانهيار. 

لكن لماذا أصبحت الخصخصة سيئة السمعة في مصر؟
لأمور منها العمولات الخفية والمشبوهة، ومنها إجراءات سوء التقييم والتعامل مع معطيات الحالة الاقتصادية، وهنا العيب ليس في الخصخصة وإنما في من قام بتطبيقها، ومن ثم يجب أن نبقي على الخصخصة ولكن برجال مختلفين وآليات مختلفة ورقابة مختلفة كذلك.

 

مناخ الاستثمار في مصر مفتوح، ومشكلة القنبيط لابد أن تحل لاستعادة الثقة

المستثمر السعودي "جميل القنبيط " لا تزال قضيته مع شركة "عمر أفندي" مثار جدل كبير في مصر، كيف تقيّم موقف الدولة من هذه القضية؟
القضاء يحكم دائماً بما أمامه من أوراق، وما كان يحدث أن القضاء يقرر بطلان البيع لشركة عمر أفندي، في حين تقوم الدولة بالاستئناف على الحكم وتبدي عدم رغبتها في استرداد الأرض والشركة، وهذا ما لم يفطن إليه البعض، أن الدولة هي التي ترفض الحكم وليس المستثمر، من باب أن مشكلة عمر أفندي ليست هي الوحيدة، إنما يوجد أكثر من عشرة أحكام أخرى والبقية تأتي، وهو ما تعلم الدولة أنه يضيف عبئاً كبيراً عليها لعدم قدرتها على ضخ استثمارات جديدة، والمشكلة معقد، خاصة وأن بعض من خرجوا للمعاش المبكر من العمالة الزائدة في عمر أفندي وغيرها، حصلوا على مكافآت ترك الخدمة، وبمجرد صدور حكم البطلان تجد هؤلاء العمال واقفين على باب الشركة يطالبون بعودتهم إلى العمل، رغم عدم قدرتهم عليه ورغم حصولهم على مستحقات سابقة بلغت 30 أو 40 الف جنيه، وهو أمر لا يمكن أن يتحمله مستثمر أو يرضى به.

إذن هل من حق المستثمر السعودي أن يسترد أمواله واستثماراته؟
بالطبع لابد أن تقوم الحكومة المصرية بتسهيل حصول هذا المستثمر على حقوقه كاملة، وإلا سيفقد المستثمر العربي والأجنبي ثقته في مصر وفي اقتصادها وهو ما سيكون له آثار وخيمة على المناخ الاستثماري بصفة عامة. 

الآن، ما المجال الذي تدعو المستثمر السعودي إلى الاستثمار فيه على أرض مصر؟
كل المجالات مفتوحة أمام المستثمر السعودي، وما علينا إلا أن نهيء المجال له ليأتي باستثماراته، وأنا أعرف بعض المشروعات تجنى أرباحاً 150% سنوياً بمعنى تحصيل رأس المال في تسعة أشهر فقط، ويمكن للمستثمر السعودي أن يراهن على هذه المشروعات. 

 

فرص استثمارية في مصر ربحيتها 150% سنوياً

هل هناك نموذج معروف لهذه المشروعات المربحة؟
نعم، مشروع تصنيع أكياس تعبئة الأسمنت في مصر يحقق أرباحاً 150% سنوياً، وإذا شئت التيقن فاسأل عن "شركة  السويس للأكياس" لتتأكد بنفسك من حجم الربح المتحقق. وهناك الاستثمار العقاري؛ ففي مصر سنوياً 350 ألف حالة زواج منهم 200 ألف بالمدن تحتاج شقق سكنية ، ناهيك عن العدد التراكمي في السنوات الماضية. المجال مفتوح بقوة للمستثمر الخليجي والعربي والسعودي. 

ما طبيعة علاقاتك بالمملكة العربية السعودية؟
علاقاتي بالمملكة أقل ما يقال عنها أنها ممتازة ومتميزة، وهي علاقات قديمة ومتجددة، ولدى في مصر طلاب سعوديون أشرف على رسائلهم للماجستير والدكتوراة، وأنا أحرص سنوياً على حضور الحفل السنوي بالسفارة السعودية بالقاهرة في العيد الوطني للمملكة.

 

الفلسطينيون أضاعوا قضيتهم، واتفاقية السلام أخطأ العرب فهمها 

وأنت تعد استثناءً كرجل سياسة نجى من أخطاء الأنظمة السياسية السابقة، ما فلسفتك الخاصة التي تعاملت بها مع تلك الأنظمة؟
فلسفتي الخاصة هي عشق العلم والعمل ومراعاة القيام بما علىّ من واجبات تجاه ربي ثم تجاه الناس والوطن، وعلاقتي مع جميع الأنظمة كانت علاقة سوية وطيبة وصريحة، سواء مع السادات أو مبارك أو حتى الرئيس مرسي. 

على ذكر السادات، ما الذي حفرته تلك الفترة في ذاكرتك؟
ما حفرته تلك الفترة هو ما يتعلق باتفاقية السلام مع إسرائيل، وأنا شاهد عيان على تلك الاتفاقية، وكنت عضو الوفد المصري الرسمي الذي وقعها في واشنطن في مارس 1979، وكنت على اطلاع كامل بكل التفاصيل، بل إنني من التقيت بـ "شيمون بيريز" وتفاوضت معه بشأن مسألة التحكيم في جنيف بخصوص "طابا" فأنا على علم متكامل بقضية الصراع العربي الإسرائيلي التي هي في رأيي قضية الفرص الضائعة.

لماذا هي قضية الفرص الضائعة؟
لأن الفلسطينيين كانت تعرض عليهم فرص التسوية السياسية والدبلوماسية وكانوا يرفضونها، ثم يبدون موافقتهم بعد عدة سنوات حين تكون الفرصة ضاعت وانتهى أثرها، والدليل على ذلك أن السادات عندما دعا الفلسطينيين لفندق "مينا هاوس" للتوقيع على اتفاقية السلام رفضوا الحضور، وكان معروضاً عليهم وقتئذ الحصول على كامل أراضيهم مقابل السلام مع إسرائيل ومع ذلك رفضوا، واليوم يبحثون ونبحث معهم عن نصف تلك الفرصة فلا نجدها. لذا فأنا أرى أن اتفاقية السلام تحسب للسادات بالإضافة لحرب اكتوبر 1973.

لكن ما تقييمك للموقف العربي وقتئذ من السادات بعد توقيع اتفاقية السلام وزيارة  إسرائيل؟
السادات كان رجلاً وطنياً، وكذلك الحكام العرب هم رجال وطنيون، لكن لم يفهم كلاهما الآخر، فبعد صراع عربي ـ إسرائيلي لما يقرب من 50 سنة منذ الأربعينيات، لم يستوعب العرب وقتئذ القفزة التي فعلها السادات تجاه إسرائيل سواء بتوقيعه الاتفاقية معها أو بزيارته لها، كانت هناك صدمة سببتها هذه القفزة للإخوة العرب، وهم رجعوا بعد ذلك واعترفوا بأنهم أخطأوا التقدير، ونحن التمسنا لهم العذر في كل ذلك. وعادت جامعة الدول العربية إلى مصر مرة أخرى وعادت معها العلاقات. وما لم يكن واضحاً للإخوة العرب وقتها أننا عندما وقعنا الاتفاقية، قمنا أيضاً بتوقيع اتفاقية أخرى موازية كانت تسمى اتفاقية "إطار السلام " والتي كانت تعني فتح الباب أمام أى دولة عربية لها مشكلات مع إسرائيل لتنضم لإطار السلام الذي يعني مبدأ "الأرض مقابل السلام". 

متى أحسست برغبة في ترك العمل مع نظام مبارك؟
حدث هذا عام 1986 بعد أن توليت رئاسة الوزراء بسنة واحدة، عندما رفض مبارك خطة للإصلاح الاقتصادي تقدمت بها في ذلك الوقت، وكان رفضه خوفاً من نشوب مظاهرات أو هبوط شعبيته، وقد كانت تلك الخطة الإصلاحية كفيلة باستقرار الأوضاع في مصر، لكنه رفض، فأفصحت له عن رغبتي في الانسحاب طالما أن كلامي لا فائدة منه.

عاصرت ناصر والسادات ومبارك، كيف تقيّم المساحة البينية بينهم وبين المواطن المصري؟
يأتي عبد الناصر في المقام الأول، فقد كانت له شعبيته الجارفة لدى المواطن المصري، ورغم اختلافي واختلاف كثيرون معه في بعض توجهاته السياسية، إلا أن إيجابياته كانت أكثر من سلبياته، خاصة وأن إيجابياته كانت لصالح الطبقات الفقيرة مثل "قانون الإصلاح الزراعي"،  "التعليم الجامعي المجاني"،  "قانون تخفيض الإيجارات". لذا فشعبية ناصر أكثر من شعبية السادات ومبارك. 
 

عودة المؤسسة العسكرية لحكم مصر مرفوضة، وعلى المصريين دعم الشرعية

كمواطن مصري كيف تقيّم أداء الرئيس الحالي محمد مرسي؟
أولاً لابد من أن نعلم أنه رئيس منتخب، ومن ثم يجب أن نحافظ على الشرعية، ويجب أن يستكمل الرئيس مدته من أجل الحفاظ على تلك الشرعية، وحتى نستطيع الحكم عليه بشكل جيد وواضح. 

وبم تنصح الرئيس مرسي في الفترة الحالية؟
أنصحه بحسن اختيار مستشاريه، فهو اختار أربعة مساعدين، وسبعة عشر مستشاراً، نصفهم استقال، وهذا يدل على أن علاقاته مع مستشاريه غير فعالة، وللأسف الشديد أكثرهم غير متخصصين فيما يعانيه الشعب المصري من مشكلات أغلبها اقتصادية، ومن ثم فإن منطق أهل الثقة قبل أهل الخبرة هو منطق لا يصلح لإدارة أزمات الدولة، وليس مهماً أن يكون الخبير إخوانيا أو غير إخواني ، فالمهم هو تقديم أهل الخبرة، ومن الغريب أن يخرج علينا مستشار يؤكد أنه لم يستطع مقابلة الرئيس لأكثر من ثلاثة أشهر. لذا فأنا أنصحه بتعيين مجموعة من المستشارين المخلصين المستقلين من أهل الخبرة.

لو عُرض عليك تولي حقيبة المالية أو رئاسة الوزراء هل تقبل؟
لا لن أقبل بالطبع، فدوري الرسمي في الدولة المصرية والمناصب التنفيذية انتهى، وإذا كان هناك من عطاء فهو للرأى والمشورة عبر وسائل الرأى والإعلام المختلفة.

البعض يطالب الجيش بالعودة إلى حكم مصر والنزول إلى الشارع، كيف تقيّم هذا الطلب؟ وماذا لو رجع الجيش للشارع؟
لست مع عودة الجيش ليحكم مصر، فأنا مع الشرعية ومع استكمالها لغاياتها الطبيعية، ونحن جميعاً اتفقنا أننا مع الديمقراطية ومع التعددية الحزبية حتى أصبحنا 60 حزباً أو يزيد، ومن ثم لا مجال للعودة إلى الوراء ليحكم الجيش. 

وماذا إذا ساءت الأمور أكثر من هذا؟
إذا ساءت الأمور يعود الجيش بشكل جزئي لأيام أو لأسابيع  لاستعادة السيطرة ولدعم الشرعية، كما حدث الأمر في بورسعيد مؤخراً، ثم يرجع لثكناته مرة ثانية.

كيف رأيت حالة الشد والجذب بين الرئيس مرسي والمحكمة الدستورية العليا؟
أمر كان يجب ألا يكون، فالدكتور مرسي هو رئيس السلطة التنفيذية، والمحكمة الدستورية هي قمة السلطة القضائية، ومعهما السلطة التشريعية، وبدون الثلاثة لا يمكن تسيير أمور المجتمع، وبالتالي يجب أن تكون العلاقة بين السلطات طيبة، وذلك بافتراض حسن النية، وباحترام أحكام المحكمة الدستورية، وفي اعتقادي أن المحكمة الدستورية غير مسيسة، وليس لها هوى، ولا أعتقد أنهم طامعين في الحكم أبداً، وما يرونه هو في حقيقته في مصلحة مصر، كما هو الحال مؤخراً في القانون الخاص بالانتخابات حيث وجدوا إحدى عشرة عورة في هذا القانون، والسؤال المنطقي كيف صدر هذا القانون بهذا العوار عن مجلس الشورى بلجانه التشريعية المكونة من أكثر من 250 عضوا؟ فيحسب للمحكمة الدستورية أنها لفتت النظر لهذا العوار. أما التسرع والرغبة في الإنجاز على حساب الصحة القضائية والدستورية فهو أمر مرفوض ولا يجب أن يكون. عبد الناصر والسادات لم يقفزاً أبداً على حكم المحكمة الدستورية وقد حُل المجلس أكثر من مرة. لذا أرجو ان تكون العلاقة طيبة بين مرسي والدستورية.

هل ترى أن علاقة مرسي بالإخوان هي السبب في زعزعة استقرار مصر؟
لكي لا نكون ظالمين، الدكتور مرسي لا ينكر إنه إخواني، وهو كان رئيساً لحزب الحرية والعدالة قبل توليه منصب الرئاسة، وليس من المعقول مطالبته بتغيير جلده بالكلية والتنصل لفكره وفكر جماعته فهذا من الصعوبة بمكان، وأرى أنه سيتغير تدريجياً. وليس معنى ذلك أن يفقد مرسي استقلالية قراراه ويترك الجماعة هي التي تحكم فهذا ليس مقبولا ولن يكون مقبولا ً أبداً. فاستشارة مرسي لحزبه وجماعته أمر لا يطعن في شخصه أو وطنيته. 

إذن حساسية المعارضة وجبهة الإنقاذ مبالغ فيها في هذا الإطار؟
عندما تتهم المعارضة أو جبهة الإنقاذ الدكتور مرسي  يجب أن تكون هذه الاتهامات موثقة بالأدلة والمستندات ، كما فعل حزب النور مثلاً عندما قدم وثيقة للرئيس حول أخونة بعض الوظائف، أما الاتهامات الجزافية فهي عبء كبير علينا جميعاً.