خبيران عراقيان اختلفا حول ربط جرائم التعذيب بـ"الفتنة"

وثائق "ويكيليكس" كشفت فضائح الجيش الأميركي والحرب الطائفية بالعراق

أحمد الجمال - القاهرة
صور وفيديو

العراق مازال يتألم وجرح بغداد لا يلتئم. هذا ما كشفت عنه الوثائق العسكرية السرية التي نشرها موقع التسريبات الأشهر في العالم "ويكيليكس" وعددها 400 ألف وثيقة حول الحرب في العراق تضمنت فظائع تعذيب وقتل لمدنيين وأسرى عراقيين وبأساليب إجرامية تعاقب عليها القوانين الدولية.
وفي الوقت الذي حمَّل فيه "ويكيليكس" نوري المالكي مسؤولية الإشراف على إدارة فرق للتعذيب والقتل وضلوعه في عمليات "حمام الدم" كما وصفها الموقع، قللت الحكومة العراقية من أهمية هذه الوثائق، كما لفت الموقع إلى تستر الجيش الأميركي على أعمال التعذيب التي تعرض لها سجناء عراقيون على أيدي قوات الشرطة والجيش العراقيين وصلت إلى حد الاغتصاب والتصفية الجسدية في بعض الأحيان.
وتباينت الوثائق المكشوف عنها النقاب أخيراً ومنها قيام جنود أمريكيين بتفجير بنايات كاملة لأن قناصاً يوجد على سطحها، بالإضافة إلى ظهور صور لاقتحام قوات أمريكية لبعض المنازل وتهديد المدنيين العراقيين بالقتل وتعذيبهم وقتل مدنيين بشكل عشوائي عند نقاط للتفتيش وإطلاق رصاص من طائرة أباتشي أمريكية على رجلين عراقيين رغم محاولتهما الاستسلام، بما يعيد للأذهان سيناريوهات التعذيب المشينة في سجن أبو غريب مع بداية الغزو الأمريكي للعراق.
 

خبراء سياسيون يطالبون بتحقيق دولي وأن تكون العقوبات رادعة

 

"عربيات" استطلعت آراء بعض السياسين العراقيين بالقاهرة حول وثائق ويكيليكس ودلالات خروجها إلى النور في الوقت الحالي تحديداً مع الاستعداد للاتفاق على حكومة عراقية جديدة. وعلق د.علي الكليدار الإعلامي والسياسي العراقي: "كأي مواطن عراقي وعربي عموماً فإنني مستاء جداً ومتضرر مما جاء به الاحتلال الأمريكي للعراق وإفرازاته سواء من جانب التدخل الإيراني أو الذين مارسوا أبشع أنواع الجرائم تجاه الشعب العراقي، ونحن نعلم جيداً بهذه الجرائم منذ وقت مبكر والتي ازدادت حدتها عندما بدأت الفتن الطائفية تتأجج وبدأت المليشيات تتحرك وكلها مدربة في إيران، إلى جانب ما تقوم به الشركات الأمنية في العراق والتي لها دور كبير في هذه التجاوزات على أرض العراق، لذا فإن القوات الأميركية حينما أعلنت الانسحاب من العراق طالبت جميع الجهات العراقية ألا يترك الأمريكان العراق فريسة للطائفية.
ويضيف الكليدار: ما جاء في تقرير "ويكيليكس" ليس بجديد على العراقيين، ولكن جوليان أسانج مؤسس الموقع الألكتروني معروف عنه كشف المستندات والوثائق وهو في النهاية موقع غربي وليس عربياً وبالتالي هو جهة محايدة، وهذا يعني أن نشر هذه الوثائق بهذه الدقة والمصداقية دليل واضح على ما كنا ننادي به في الماضي من ضرورة تحمل الولايات المتحدة والاحتلال المسؤولية كاملة حيال ما يحدث في العراق ويتعرض له بشكل يومي الشعب العراقي".
وطالب الكليدار بضرورة فتح تحقيق دولي في هذه الجرائم وأن تكون العقوبات رادعة وليس كما حدث من قبل بعد أزمة سجن أبو غريب حيث لم تزد العقوبات عن الإدانة المادية والوقف عن العمل أو الاكتفاء بتقليل الرتبة العسكرية، مضيفاً: " بالطبع  هذا لا يكفي بل يجب إعطاء الشعب العراقي حق القصاص وليكن ذلك من خلال المحكمة الجنائية الدولية، التي لم تتحرك إزاء قضايا إجرامية كثيرة وقعت في العراق على أيدي الجيش الأمريكي بينما نجدها مثلاً توجه تهماً غير موثقة ضد السودان، فالجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم خصوصاً أن الضحايا كما كشف وثائق "ويكيليكس" بالآلاف".
وعن وجود فتن طائفية في العراق يمكن ربطها بهذه التجاوزات التي فضحتها الوثائق الأخيرة أوضح الكليدار بقوله: "أن الشعب العراقي بكل طوائفه لا يعاني مشكلة من هذا النوع بينما هناك جهات مرتبطة بأجندات خارجية تخدم مصالح وأهداف إقليمية ودولية من مصلحتها تأجيج الصراع الطائفي والعرقي بين أبناء العراق، لافتاً إلى وجود حضور صهيوني وإيراني في تحريك الفتنة الطائفية وكذلك الشركات الأمنية والمليشيات، لكن الشعب العراقي أدرك هذه اللعبة وأنه مستهدف، والدليل على ذلك أين نتائج التحقيقات التي أجريت بخصوص الأحداث التفجيرية التي نسمع عنها بين حين وآخر في العراق! لذا فإن الشعب العراقي الآن وبعد الكشف عن هذه الوثائق العسكرية السرية يشعر بنوع من الارتياح لأنها خطوة على الطريق لاستعادة حقوقه".
 

الوثائق أكدت أن التخوف من عودة المالكي للحكومة الجديدة في محله

 

بينما يختلف معه في الرأي د.رائد العزاوي الكاتب والمحلل السياسي العراقي مؤكداً أن هناك صراع طائفي وسياسي يؤججه بعض السياسيين، موضحاً : "لا يمكن استبعاد المالكي من الحكومة الجديدة فهو شريك في مجلس النواب العراقي وفي الحكومة، وإن كان الوضع على المستوى الشعبي يؤكد أن المواطن العراقي كفر بكل السياسيين، لافتاً إلى نقطة مهمة وهي أنه ربما تكون هناك بعض الضمانات التي أخذتها دول الجوار من المالكي بعدم عودة العنف في العراق وبالتالي فإن الكشف عن هذه الوثائق السرية في الوقت الحالي يمكن أن يقلب موازين المعادلة".
وأضاف العزاوي: "إن الكشف عن الوثائق في الوقت الحالي تحديداً لا علاقة له بما يجري في العراق حالياً من تشكيل الحكومة، فهذا الموقع لم يأت بجديد بل معروف عنه أنه مختص في كشف العديد من الوثائق قديماً وحديثاً، وعموماً فهذه الوثائق لم تدن نوري المالكي فحسب بل دانت أيضاً دول الجوار وإيران والكثير من السياسيين المتورطين في الاقتتال والحرب الطائفية في العراق، لكن لأن المالكي يتسيد المشهد كانت لديه قوة التأثير، لذا فإن الجيش الأمريكي كان يسعى لعدم نشر هذه الوثائق في الوقت السابق، لكن مع حرية النشر التي يتمتع بها الغرب خرجت إلى النور، وبالتالي كان الهدف من ذلك هو مجرد الكشف عن الحقائق التي كتبت بأيدي ضباط أمريكيين حول عمليات تصفية عرقية من جميع الأطياف وهم كتبوا ذلك وأشاروا إلى هذه العمليات بدلائل واضحة."
وأشار العزاوي أن هذه الوثائق جاءت في وقت حساس لأن بعض السياسيين العراقيين لجأوا إلى دول الجوار في محاولة منهم لضغط كل طرف على الآخر لتشكيل حكومة عراقية، والمالكي سعى ألا يكون أداة بيد أمريكا أو إيران، لكن هذه الوثائق أشارت بدلائل واضحة إلى أن تخوفات بعض السياسيين لعودة المالكي في التشكيل الحكومي الجديد في محلها.