الكتابة حررتها من الألم

الروائية والرحالة الفرنسية سيلفي بارباروكس لـ "عربيات": المرأة العربية تشبه أمي

رشيد فيلالي - الجزائر
صور وفيديو

للتغلب على متاعبها اليومية اختارت الكتابة فوجدت فيها خلاصاً من الألم، وفي رحلتها مع القلم اختارت الشرق الأوسط ليكون ملهماً ومسرحاً لأحداث روايتها، الروائية والرحالة الفرنسية سيلفي بارباروكس تستعرض في حوارها مع عربيات أسباب دخولها مجال الكتابة الاحترافية، كما تطرح وجهة نظرها في عدد من القضايا الموجودة على الساحة العالمية.


اعتبر الروائي البريطاني الراحل غراهام غرين أن الكتابة بالنسبة له نوع من العلاج النفسي، ما الذي تمثله الكتابة لدى الروائية الفرنسية سيلفي بارباروكس؟
أنا مع رأي الروائي غراهام غرين بشكل مطلق، لقد بدأت تجربة الكتابة عام 2002 حيث تركت نفسي على سجيتها تسرح في ذكرياتي وخيالي حتى أتغلب على متاعبي اليومية المحبطة في الغالب، إذ أن الغرب بعيد على أن يكون فردوسا مثلما قد نتصور، ففيه طبيعة الحياة والعقليات متباينة بشكل كبير ولا سيما حيال الشرق، وفي العادة أنصح أصدقائي الذين يغرقون في الإحباط وحتى الانهيار العصبي بالكتابة، فإذا كانت قد ساعدتني في محنتي فلماذا لا تكون علاجا للآخرين أيضا؟، في العموم الكتابة هي أفضل علاج ومسكن آلام عرفته حتى الآن.


مصر ملهمتي وأتمنى العيش على أرضها


مصر حاضرة بقوة في كتاباتك، ما هو منبع هذا الاهتمام؟
كان ذلك في عام 2000 أثناء رحلة سياحية إلى مصر دامت أسبوعين، وفي اليوم الأخير وعندما أقلعت الطائرة من المطار الجديد للقاهرة رحت أبكي بحرقة مثل وليد نزعوه من أحضان أمه، لقد شعرت بأنني تركت جزءا مني في مصر، ولا أستطيع وصف هذا الإحساس الملتبس، ومنذ ذلك الحين وأنا أقوم بزيارة مصر كل عام حتى بعد انفصالي عن زوجي، حيث كنت أركب الطائرة أو القطار بكل حرية مثل أي امرأة مصرية!، ثم إنني أعرف القاهرة أفضل مما أعرف مرسيليا، خاصة مع الصداقات التي عقدتها مع عدد من المصريين سواءا كانوا أقباط أو مسلمين في القاهرة أو أسوان، كان اهتمامي في البداية بالتاريخ القديم لهذا البلد، معابده، أهراماته، مقابره، ومتاحفه، وفي تلك الأثناء لم أعد أسافر إلى هناك دون التقرب أكثر من السكان مهما كانت شرائحهم الاجتماعية، من الصحافي إلى الفلاح، ولا أنسى تلك اللقاءات العفوية والتجمع حول البلاط لتناول الفطور مفترشين الأرض، أو أمام كؤوس الشاي الدافئ، وهي لحظات تعتبر دليلا على وجود  صلة حميمة تنعش أرواح الجميع، لذا لم أعد أصنف بسائحة عابرة، لكن امرأة ببساطة تحب الناس، وانطلاقا من هذا الشعور ولدت صداقة أيضا مع علماء مختصين في المصريات وفلاحي الأقصر وأسوان، حيث حظيت ببعض الامتيازات سواء على أرض تجري بها حفريات أثرية جديدة أو داخل منزل ريفي يقع بمصر العليا، أو بجانب ابنتي المتبناة من القاهرة.
إن مصر هي البلد الذي أعتبره مسقط رأسي الثاني، وأتمنى في يوم من الأيام أن أستطيع العيش بها، في أسوان، أو في "البحرية" تلك الواحة الرائعة الواقعة في الصحراء الليبية (إن شاء الله !).
ولقد شرعت في كتابة روايتي الأولى الضخمة "سر الفيوم" في الأقصر عام 2002، وذلك بعدما أمضيت أسبوعا في الصحراء الليبية وقد أذهلني هذا المكان الآسر، غير أن مصر تتميز بغموض بالغ وسحر شديد إلى درجة أنها كانت بمثابة ملهمتي التي فتحت لي أبواب الكتابة والنشر، ثم إنني شرعت أيضا في كتابة أول رواية  بوليسية تدور أحداثها ضمن موقع أثري تتم به حفريات أثرية يقع بمنطقة سقارة وعنوان هذه الرواية هو "انتقام حورس".


هل تعتقدين أن لعنة الفراعنة حقيقة؟
لا، لعنة الفراعنة لا وجود لها ! إنها من أساطير القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث كان العلم متخلفا مقارنة بالوقت الراهن، ولنتصور "هوورد كارتر" يوم فتح الصندوق الذي يضم جثة توت عنخ آمون، لقد كان بهذا الصندوق بعض الخشب والقماش وأطعمة وشراب وكانت جثة هذا الفرعون الصغير حتى وهي محنطة مشوهة وفي طريقها إلى مزيد من التحلل، في هذه الأثناء كان ثمة ثقب في الجدار الذي به قبر الفرعون وبه العديد من البكتيريا التي ظلت موجودة هناك لآلاف السنين وراحت هذه البكتيريا تنتشر في الهواء المحيط الذي كان يتنفسه السيد كارتر، وطبعا لسعة عادية من حشرة على جلد هذا الباحث كانت كافية لانتشار الإصابة والمرض بشكل سريع، ولكن حادثة خطيرة وقعت لي أنا شخصيا بتاريخ 13 أفريل 2007 بالأقصر ناحية الشرق، وأنا للتذكير لست من المتطيرين، الحادث ناجم عن سقوط حر من هاوية مصعد داخل نزل بعمق 5 أمتار، ورغم أنني فقدت الوعي للحظات غير أنني عدت إلى الحياة بعدها، وبشكل سريع تمكنت من المشي، ربما إزيس هي التي أنقذتني من الموت كي تحرمني من رفقة أبدية مع زوجها وأخيها أوزيريس؟!.


لا أهتم إلا بغذاء ذهني، ولا أخفي انتمائي لفقراء فرنسا


القارئ لأعمالك يلاحظ دون شك أنك تملكين فعلا ريشة ذهبية، ما هو سر اكتسابك هذا الأسلوب الرقيق الشفاف والجزل في الكتابة؟
أنا شاكرة لك هذا الاستلطاف المؤثر جداً، ما هو السر؟ هو بقائي كامرأة عادية بسيطة تملك الكثير من تجارب الحياة، أنا أكتب بقلبي، أحب الحياة والناس الذين يستحقون اهتمامي، وأتصور بأن هذا "الكوكتيل" من الحساسية والإنسانية سيبقى ثروتي الوحيدة!، لذا أسافر دائماً مفتوحة العينين، وأتعامل مع الأشياء بنسبية دون شفقة مجانية، فكوني عشت 7 سنوات في ليبيا بطرابلس، وتنقلت إلى تونس والمغرب، وقضائي عشر سنوات في مصر، وكوني أدركت الفروقات الوجودية واحترام الأديان والناس بدءا من العجوز إلى الأقل شبابا، ومن الأكثر فقرا إلى الأكثر غنى، حيث أنني لا أنسى انتمائي إلى " فقراء فرنسا " بلا عمل، ضائعة ( لكوني ضحية حادثة خطيرة وفي وضع بعيد عن الأمان) كل هذا بكل بساطة. ورغم هذا كله تراني انطلق في سفر ولو مرة واحدة في السنة، مهما كان الأمر، وهذا ما يظل بالنسبة لي عند العودة محفزا لرغبتي في الكتابة.
أنا أيضا أتعلم من صعوبات الحياة فضيلة التواضع التي ترشد ريشتي على الورق، وتترجم ما عشته ولم يثر إعجابي، لقد عشت مرتين وأنا أرفض عيش حياتي الأولى مثل الثانية، كما أشير أيضا إلى أن مصر علمتني هشاشة الوجود، وعليه فأنا أعيش على نقيض ما يعيشه غيري من الفرنسيين، ولا يهمني الذي يوجد في صحني فالأهم أن أغذي الذي في ذهني، والذي يكون من خلال تبادل التجارب والرؤى والاكتشافات الجديدة، لذا أصبح قلبي أكثر امتلاء من معدتي، وكل هذا يقود حساسيتي على الورق بكرم وتلقائية.


أنظر للشرق بترقب وخشية من المستقبل

ما رأيك فيما يحدث حاليا في الوطن العربي؟
أنا لا أتعاط السياسة فأنا بعيدة عنها، وما أستطيع قوله ضمن هذا السياق هو أن الثورة التونسية تعد بديهية، فتونس هي أصغر وأفقر بلد في شمال إفريقيا، والشباب لم يتقبل " التلاعب" بمصيره مثلما كان الحال مع أبائه وأجداده من قبل، الأمر في هذه الحالة منطقي.
وبالنسبة لمصر، أعترف أنني منذ سنتين بدأت ألاحظ تغيرا في سلوك المصريين على غرار العدوانية حيال السياح والأجانب، بحيث لم أعد أشعر بذات الحيوية والحماس، هذا السحر الذي يقودني إلى عقد مزيد من الصداقات المتينة وكل هذا بدا مع الأيام وكأنه يتبخر.
وقد أحسست بانزعاج حقيقي وأن هناك شيئا يطبخ في الخفاء ولم يكن حدسي مخطئا، وفي الوقت الراهن ليبيا تعيش نفس الوضع (حتى نبقى في شمال إفريقيا والشرق الأوسط) في هذا البلد عادة ما نكون ضحايا أفكار مسبقة حول رفاهية الغرب، وخلال ذلك تبدأ ضغوطات السلطات تعبرعن طريق محاولة تنظيم انتخابات تشريعية نزيهة، لكن بالنسبة للشعب كل هذا مجرد إحباط آخر يجب أن يتغير، ومع ذلك هناك شيء يحرجني ويقلقني وهو لماذا هؤلاء الثائرون لم ينشئوا أحزابا أكثر شباباً وعصرية وديمقراطية (ولو في السر لتفادي القمع) قبل اللجوء إلى الثورة، إن كل بلد مهما كانت صفته لا يمكن أن يسيّر نفسه بنفسه وهذا ما أخشاه اليوم، أن تصاب الشعوب بالإحباط جراء عدم تحقيق التغييرات المطلوبة، وذلك بعد إمساك أشخاص لزمام السلطة وهم بأفكار رجعية.
وأنا آمل بجدية أن أعود بعد سنوات إلى هذه البلدان العزيزة جدا على قلبي وأن أجد الناس سعداء حتى ولو كنا نعلم مع الأسف بأنه سيظل دائما هناك فقراء وأغنياء في الشرق والغرب، ولكوني شديدة الوعي بهذا الواقع فأنا بسبب ذلك أتألم على مضض، ولا يمكنني سوى أن أكون راديكالية بهذا الشأن، حيث أننا حين نولد فقراء من النادر أن نصبح أغنياء، نعم أنا أتفهم ثورة الشرق الراهنة وأأتابعها باهتمام كبير متمنية أن لا تذهب هذه المعارك هدراً، ومبروك لما سيحدث في المستقبل !
ومن جهة أخرى أتمنى من الغرب أن يترك الشعوب تتحرك من أجل ضمان عيشها الكريم، ولا يتدخل إلا إذا طلب الشرق منه المساعدة. فكل بلد يجب أن يبنيه أبنائه.


الرواية العربية المعاصرة تحتفظ بـ"رهافة" ألف ليلة وليلة


كيف تنظر الروائية بارباروكس إلى الرواية العربية المعاصرة؟
لقد قرأت عددا قليلا جدا من الروايات العربية، وهذا يشجيني كثيرا، أنا أعشق حساسية الروائي الجزائري ياسمينة خضرا (الذي التقيت به في مدينتي يوم12 فبراير 2011)، والكاتب الكبير نجيب محفوظ، وعلاء الأسواني خصوصا في روايته ذائعة الصيت "عمارة يعقوبيان"، وكل نصوص هؤلاء جميعا ليست سوى روائع أدبية في القمة. ومع الأسف أنا لا أقرأ بالعربية  حيث كنت أرغب في قراءة مثل هذه النصوص بلغتها الأصلية، إن الأدب العربي رائع ومنسجم مثل فن الآرابيسك الشهير.
كما أنني معجبة بالخط العربي حتى على الجرائد مثل الأهرام، و أرى فيه انسيابا شعريا وخصوصا تلك الرهافة والسمو، ولاسيما في نوع الكلمات التي يتم انتقاؤها بعناية كبيرة لتجنب التنافر وتجسد من ثمة الروح الرومانسية، أنا لا أعرف ما تطرحه حاليا الكتب العربية من اهتمامات وكذا الصحف لكني على دراية تامة بأن حرية التعبير تربح المزيد من الفضاءات وهذا سيسمح للقلب المفتوح أن يرشد إلى الاتجاه الصحيح قلم مفكري اليوم وغدا. فغياب الرقابة وترك الأفكار تعبر عن نفسها بتلقائية هو احترام لحرية الوجود سواء كان ذلك للمرأة أو الرجل، وعن طريق المثقفين وحرية التعبير يمكن أن يتطور العالم العربي ورواياته أيضا، فكل هذا لا يتعارض –مثلا- مع مبادئ القرآن التي ستظل كلمات الله العليا، وبالنسبة لأفكار الكتاب فهي تفتح مجالات الحلم على مصراعيه وتنشط الخيال، فالرواية العربية المعاصرة تحتفظ برهافة ألف ليلة وليلة.


المرأة العربية تشبه أمي وجدتي، وهذا حلمي لحماية المرأة


هل نستطيع معرفة رأيك في المرأة العربية؟
  أنا أشكرك لأنك طرحت علي هذا السؤال، يا عزيزي إن المرأة العربية اليوم تذكرني بأمي وجدتي إبان الثورة الفرنسية شهر مايو 1968، فهما لم يشآن البقاء "أسيرات" كمجرد أمهات وزوجات، أي الوجود من أجل خدمة الزوج ورعاية الأطفال وشد المكنسة، إن المرأة شجاعة فهي التي تنهض أولا وآخر من ينام، وأنا أم لطفلين الآن ومطلقة لمرتين على التوالي، أعيش وحيدة لمدة ست سنوات، إذن المرأة هنا هي مثل غيرها في مكان آخر، فالمرأة بنفس ذكاء الرجل وليس هناك سوى فاصل بسيط يكمن في القوة الفيزيقية. إن المرأة العربية تريد أن تعمل، وأنا فضلا عن ذلك أريد أن أعترف بأنني بمجرد أن أرى امرأة مهملة أو أرملة تعيش فقرا مدقعا على قارعة الشارع تحاول طرد النظرات الموجهة إليها وتمد يدها بصعوبة إلى المارة من أجل قطعة خبز أو بضعة دنانير، فإنني ساعتها أشعر بألم فظيع يعصر قلبي.
أؤمن بأنه مع التربية والتعليم تصبح الطفلة قادرة على تسيير حياة عملية وإذا في يوم من الأيام تعرض بيتها لمصير سيء فإنها ستكون آنذاك قادرة على العيش، فتغدو ربة بيت ناجحة تعيل أطفالها وتحميهم من تحديات الزمان وتقلباته .
ولدي حلم، أعتبره مجرد "يوتوبيا"، لكوني لا أملك أموالا كبيرة، وهو أن أشتري بناية أجعل منها فندقا ومطعما من خمس نجوم به نساء فقط محرومات وأرامل وأقوم بتكوينهن بشكل جيد مع توفير المأوى والاطعام والعمل الكريم حتى يجدن المنزل الخاص الذي يأويهن، ولكي أحفزهن على العمل يتم صرف منح شهرية تصب مباشرة في حساب بنكي خاص مجمد، وبحلول شهر سبتمبر يتم فتحه لكي يتمكن من توفير مصارف أطفالهن الملتحقين بالمدارس، ومع ذلك إذا لم يعملن بشكل جدي ومتقن فبعد ثلاثة إنذارات يتم طردهن، هذه فكرة أطرحها للأشخاص الذين يملكون وسيلة تمويل، وبرأيي المرأة العربية عليها أن تملك كل حقوق شقيقها الرجل، فهناك قوانين تم سنها منذ سنوات والعالم الآن تغير وتطور والناس أيضا، وعليه أرجو أن أفكاري لا تزعج أحدا، إن هذا صوتي موجه من امرأة إلى كافة النساء، أرسله دون حدود، وهو صوت المحبة وخصوصا صوت السلام.


ما هو أهم كتاب قرأتيه حتى الآن؟
هذا سؤال صعب للغاية، حاليا أعترف بأنني تأثرت بالغ التأثر برواية "سنونوات كابول" لياسمينة خضرا، و"عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني مثلما سبق وقلت لك، ففي الكتاب الأول  الكثير من الأحاسيس التي اخترقت قلبي حد الشغاف، وبالنسبة للثاني أيضا فلكون أحداث الرواية تدور أصلا في الحي الذي عشت به في القاهرة، فإنني بناء على ذلك أعتبر الرواية جد جريئة بإماطتها اللثام عن عدة تابوهات وهي شجاعة تستحق الإشادة.


الصدق هو الخدمة التي نسديها للشعوب والتاريخ


هناك العديد من المستشرقين الذين شوهوا التاريخ العربي ولم يكونوا حياديين في شهاداتهم لكن من جهة أخرى ثمة مستشرقون على النقيض من ذلك قدموا خدمات جليلة في هذا المجال، ألا تشاطرينني الرأي؟
نعم بالفعل، واحتراما لأفكار كل واحد من هؤلاء لا أذكر اسم أي منهم، ولكن أعتقد أنه مع اختلاف وجهات النظر وتعدد الآراء تنفتح سبل الحوار، والتاريخ تصنعه السياسة والصراعات والحروب مع بالغ الأسف.
أعتقد أنه مادام الدين يُقحم في السياسة فإن التاريخ العربي لن يتغير كثيراً، كما أن تصادم الآراء وصراعها سيزداد تداخلاً واختلافاً وتعدداً، وحسب ظني فإن كل المستشرقين قد عاشوا في الوطن العربي لكي يقدموا آراءهم بكل مصداقية، إذ ليس فقط عن طريق تصفح الكتب ونحن جالسون خلف المكاتب نستطيع فهم التاريخ والوضع الراهن في الوطن العربي، ومن هنا فأنا شخصيا أتصور وأشعر بالتغيرات وأتفهم خوف الشعوب وغضبها وآمالها وتململها.
ولا ينبغي علينا تشويه التاريخ مهما كانت نوعية أحداثه، لكن علينا أن نصف تفاصيله مثلما هي دون زيادة ولا نقصان، ثم من نكون نحن أو من يكون هؤلاء المستشرقون وماذا يملكون من أشياء غير مشتركة مع بقية الشعوب الأخرى كي يشوهوا التاريخ؟.
إن عرض أحداث التاريخ كما هي تعد وسيلة مثلى لفتح أعين الشعوب على الأخطاء، حتى لا تتكرر وتعود للظهور مرة ثانية، وهذه هي الخدمة الجليلة التي نسديها للشعوب الأخرى وللتاريخ أيضاً.


لقد اخترت صورا في غاية الروعة للصحراء المصرية والعربية، الأمر الذي يعني أنك تملكين عينا ثالثة أنيقة، هل آلة التصوير أفضل بالنسبة لك للتعبير عن رؤيتك للعالم؟
تقول ضاحكة: رشيد، كل الصور التي شاهدتها عن الصحراء الليبية والعربية والمصرية هي صوري، حيث أن أصدقائي في مصر يلقبونني بالمرأة اليابانية. فأنا لا أغادر بيتي دون آلة تصوير! وهذا يعود ببساطة إلى كوني عندما أرجع إلى بلدي أنتشي وأنا أعيد الاستمتاع بذكرياتي عبر التأمل في تفاصيل صور التقطتها، في تلك الأثناء أتذكر الكلمات والجمل التي نطقتها بعربيتي البدائية والنكهات الخاصة، وحينها أقاسم الآخرين صوري وذكرياتي على مدونتي أو على الفيسبوك كي أشجع السياح المحتملين للذهاب إلى تلك الأصقاع المجهولة لاسيما الذين يرغبون في اكتشافها أو أنهم يخشون أو لا يعرفون عن هذه الأماكن المذهلة شيئا!
إن كل صورة التقطتها هي نتاج لحظة انجذاب وجاذبية متميزة، أو نظرة، ابتسامة، موقف، غروب شمس، ومن صورة بسيطة أتأملها من جديد حين استشعر الحنين إلى هذا المكان أو ذاك وأنا جالسة وحدي، تراني أمسك القلم وأشرع في كتابة رواية جديدة، تفاصيل رحلة سفر أو صنع كتاب على غرار الذي أصدرته حول حديقة مراكش.
عيناي هما آلة التصوير الأولى، ومن خلال ما تقعان عليه أصور وأحلل المشهد، فأينما كنت يرتسم العالم الواقعي على صفحة عقلي، وفكري يدرسه، وحسب الحالات فإن كلماتي وصوري تأخذ لونا مشرقا والعكس صحيح أيضا، أي لونا قاتما للعالم المعاصر في الوقت الراهن والذي يثير شجني وأحزاني.
ولا أعني أن آلة التصوير أفضل من قلمي، لكن الاثنين يكملان بعضهما البعض، حيث أن الآراء مثلا تختلف في تفسير صورة معينة من شخص إلى آخر، لكن بشأن القلم فإن الكاتب عليه أن ينقل أحاسيسه من دون أن يعرف ردود أفعال الآخرين حيالها، فبعض القراء يعجبهم ذلك والبعض الآخر لا، لكنهم وهذا هو المهم قرئوا أفكار المؤلف، فإذا قام هذا الأخير بالكتابة انطلاقا من محتوى إحدى صوره فإن قلمه سيكون حينها بمثابة زخارف آرابيسك تزين جدران قاعة.