والبحث العلمي أسهل من كتابة الشعر

الخبير البيولوجي والشاعر الروسي الدكتور سلافا تزايتسيف: الصراع بين العلم والأدب خرافة

رشيد فيلالي - الجزائر
صور وفيديو

من الأفكار التي أضحت مسيطرة على الوجدان العربي إلى درجة الهوس بحيث يصعب التخلص منها، قضية الصراع بين العلم والأدب وأيهما أحق بالاهتمام من الآخر، حتى صار الدفاع عن التحصيل العلمي في أوساطنا الاجتماعية أولى من الخوض في "تهويمات" الأدب الذي لا يقصد دراسته في جامعاتنا سوى "شغل فارغ" كما يقال، وللإجابة عن مثل هذه التساؤلات المطروحة بنوع من الحساسية الزائدة لدى الكثيرين، نحاول ضمن هذا الحوار الذي أجرته عربيات مع أحد كبار العلماء الروس في مجال البيولوجيا وهو شاعر فذ أيضا له عدد من المجموعات الشعرية المنشورة، استطلاع رأيه حول هذه المسألة الشائكة.

أنت باحث خبير في علم الأحياء الجزئية وشاعر أيضاً، كيف تفسر لنا هذا الاهتمام بميدانيين متناقضين؟
على العكس أجدهما متكاملين، وعموماً جميع التقسيمات والتصنيفات هي من ابتكار العقل البشري، وأرى بأن الحدود بينها غير ثابتة إلى حد ما.
فالطبيعة ليس لها دراية بمثل هذه التقسيمات "التكنولوجيات"، الأدوات..إلخ ولكن للتطرق إلى الأسئلة الجوهرية فإن الأمر يختلف  طبعاً، والشعر يحاول أن يجيب عن الأسئلة بواسطة التعبير عن الشخصية، مستخدماً الاستعارات، والصور، والرموز، والإيقاع والقافية ، مع منطق أقل والكثير من الخيال و التهويمات.
أما العلم فهو من جهته يستخدم المعادلات، والمنطق، والبحث المعمق، والقوانين، و أتصور بأنه من المتعذر أن نوصف الجمال عن طريق استخدام الأدوات العلمية، وبناء على ماسبق هناك محاولة قديمة لطرح هذا التساؤل من طرف الفيلسوف الروماني تيتوس لوكريس كاروسTitus Lucretius Carusو ذلك في قصيدته المعنونة "De RerumNatura في طبيعة الأشياء" .

العقل الروسي متأثر لحدود الهوس بالوسائط الإعلامية المتعددة

يتميز الأدب الروسي بكونه ذا روح إنسانية عظيمة، كيف تنظر إلى الحركة الأدبية الروسية الراهنة، ومن هو في رأيك أفضل كاتب روسي حالياً؟
سؤال جيد، في القرن العشرين باستيرناك، مانديلستام وبرودسكي، كانوا هم الأفضل، أما في الوقت الراهن لا أستطيع أن أقدم لك اسماً أدبياً في القمة، لكن في مقدوري طرح عدداً من أسماء الكتاب المهمين على غرار..ليمونوف، أكونين، بيلوفين(في النثر)، وكوبريانوف (في الشعر)، بالإضافة إلى هؤلاء أذكر أيضا دميتري غلوخوفسكي(مؤلف كتاب ميترو 2034)، وتاتيانا غارماشروف، وألكساندرا مارينينا، وداريا دونتسوفا، وليونيد كاغانوف، وآنا و سيرغاي ليتفينوفس، وهؤلاء الكتاب لهم شعبية كبيرة في روسيا اليوم.

وفي الوقت الراهن نجد أن العقل الروسي شديد التأثر إلى حدود الهوس بالوسائط الإعلامية المتعددة، ثمة قلق أيضاً يعشش في العقل الروسي (جراء الوضع الاقتصادي) ينبغي وضعه في الحسبان، وبالنسبة لي شخصياً فلقد نشأت وترعرعت وسط تأثيرات الأدب الروسي برواده العظماء ليرمونتوف، وتولستوي، ودوستيوفسكي، وبونين، وغوغول، وتشيخوف، وبولغاكوف، وبلاتونوف ، و-مع الأسف – لا أستطيع أن أجد قامات مماثلة في الأدب الروسي الحديث ومع ذلك، فإننا لا يمكننا معرفة من هو غوغول أو دوستويفسكي إلا في القرن 22

نشرت مؤخراً ترجمة إلى اللغة الإنجليزية لمجموعتك الشعرية " لغز بدائي" هل تستطيع أن تحدثنا عن جوهر هذه القصائد مجملة؟
إنها تأملات ذات إيقاع خاص، في شكل حنين إلى روح روسية أجنبية إلى حد ما (إسكتلاندية)، والمحيط أيضاً مستلهم من بيئة طبيعية إسكتلاندية قاسية ومن طبيعة بحر الشمال( منطقة سان أندروز حيث أقطن رفقة عائلتي).

ألا تعتقد أن ترجمة الشعر مستحيلة وهل أنت راض عن ترجمة مجموعتك الأخيرة؟
في تصوري أن ترجمة الشعر إلى لغة مختلفة لن تكون أبدا ترجمة أمينة مائة بالمائة، على اعتبار أن لكل لغة "مجموعتها " من الاستعارات، والتعابير الخاصة، واللهجة، وأصواتها الطبيعية، و ارتعاشاتها، كما أن هناك اختلافات في الإيقاع أي موسيقة الكلمة، لكن هذا لا يمنع من وجود مقاربات جيدة، وأعتقد أن الفكرة العامة في هذا الخصوص ترتكز على محاولة الحفاظ على "هالة" النص الأصلي خلال عملية الترجمة ولا ينبغي الاعتماد على حساب الكلمات التي نستعملها..
إن مترجم مجموعتي السيد "ديفيد أندرسون"  وفق في غالبية محاولاته ضمن هذا المجال وأحياناً ذهب بعيداً إلى درجة كتابة أشعاره الخاصة !

 لماذا إذن لا تكتب شعرك بالإنجليزية مباشرة طالما أنك تتقن هذه اللغة ؟
إن لغتي الإنجليزية ليست جيدة مائة بالمائة، صحيح أنه في مقدوري الكتابة بالإنجليزية مباشرة، لكن بشكل أفضل في البحث العلمي وتدوين الوثائق والمنشورات المختصة، غير أنه فيما يتعلق بالكتابة الشعرية (الجيدة) فأنت عندها في حاجة قصوى إلى معرفة ممتازة ومعمقة باللغة التي تستعملها.

الشعر ترف فكري لعقل حر

أريد أن أسألك مجدداً هل صحيح أن البحث العلمي أفضل من ممارسة الشعر؟
سبق أن أجبت عن هذا السؤال..وأضيف:إذا كنت تتعامل مع الاثنين على شكل"مهام" فإن البحث العلمي أسهل من كتابة الشعر، لأنك في العلم تملك أهدافاً محددة سلفاً (أي مبرمجة بطريقة مستقلة أو عن طريق طلب معين) غير أنك في الشعر تحتاج فيه إلى حضور الإلهام(اللهم إلا إذا كنت ترغب في الكتابة عن غياب الأهداف!)، إن العلم أقرب إلى الوظيفة ، بيد أن الشعر لا يمكن أن يكتب بنفَس إبداعي لو فكرت بطريقة " إنه عملي، سأقوم به..".

هل صحيح أن الشعر ترف فكري في حين أن العلم ضروري للحفاظ على استمرارية الوجود و الحياة؟
لا أعتقد ذلك، إن الاثنين لهما مبررهما ودافعهما الخاص، ثمة تحد في البحث العلمي وعليه يمكنك العمل ليل نهار دون التفكير في الراتب الشهري -على سبيل المثال- فهو يشبه عملية صيد لشيء ما، وبالنسبة لكتابة الشعر فهي ربما ترف فكري لعقل حر، إنها نوع من النزعة الفردانية لكل كاتب، كما أنني لا أستطيع أن أكتب الشعر خلال المواءمة بين آلة الأشعة السينية أو خلال الحوسبة وتفكيري ليس حرا في هذه اللحظة.

هل تكتب الشعر أثناء أوقات الفراغ أم في اللحظات الحيوية المميزة؟ ولماذا تكتب الشعر وليس الرواية على سبيل المثال؟
هذا سؤال جيد، أنا أكتب كلما حضرني الإلهام، أحياناً أكتب قصيدة متكاملة "دفعة واحدة" وفي غالب الأحيان خلال السفر.
غير أن كتابة الرواية تحتاج إلى تنظيم أكبر ووقت فراغ أوسع، ولدي أفكار مهمة ومن يدري ربما أشرع في كتابة رواية في القريب العاجل.

هل سبق وأن نشرت مجموعات شعرية أخرى ؟ 
نعم نشرت أربع مجموعات باللغة الروسية.

هل لنا أن نعرف أهم الأبحاث العلمية المنجزة من طرفك حتى الآن في اختصاص علم البيولوجيا الجزيئية؟
نعم أنجزت أبحاثاً مهمة في مجال البلورات البروتينية وتصميم الأدوي، إذ لا يخفى أن العديد من البروتينات لها مسؤولية مشتركة عن وقوع الأمراض ويمكن تصحيح هذا السلوك من البروتينات أو أشكالها المعدلة وراثياً وتحسين استخدام المركبات الصغيرة ومثبطات (الأدوية) ولتحقيق ذلك نحتاج لمعرفة الأبعاد الثلاثة للبنية الذرية للبروتين فضلاً عن هيكلها ومركزها النشط، و يجري اختبار الربط على نحو فعال، نحن نستعمل أجهزة الأشعة السينية الخاصة بتحليل البلورات(بما فيها آلات synchrotrons) لدراسة الأبعاد الثلاثة للبلورات البروتينية، وهذا باختصار، ما نقوم به في الجامعات:البحث المعمق على آليات الإنزيم والنمذجة بالأبعاد الثلاثة 3Dعبر حفز البروتين بالتعاون مع مؤسسات صناعة الأدوية.

 

نبذة عن العالم والشاعر سلافا زايتسيف  SlavaZaitsev 
ولد في مدينة ألكسين التابعة لمنطقة تولا في روسيا، وهو باحث خبير في البيولوجيا الجزيئية الهيكلية والبلورات البروتينية في المؤسسات الأكاديمية بكل من روسيا وأوروبا (السويد، المملكة المتحدة، فرنسا، ألمانيا)و حالياً يقيم في المملكة المتحدة منذ عام 1993.