داعش في سوريا تقاتل أهل السُّنّة وفي العراق تقاتل الشيعة

خبراء يكشفون لـ عربيات علاقة داعش بالأطماع الخارجية في المنطقة وأمد الحرب المرتقبة

عربيات - القاهرة: صفاء عزب
صور وفيديو

 فى التاسع من إبريل لعام 2013 تم الإعلان عن قيام الدولة الإسلامية فى العراق والشام والذى عرف باسم "داعش" ليصبح خلال شهور قليلة واحدا من أخطر التنظيمات العنيفة على مستوى العالم  بعد أن استطاع السيطرة على قطاعات كبيرة وحيوية  في سوريا والعراق مستغلاً الأوضاع الأمنية السيئة، فأصبح له وجود قوي في كل من  محافظات الرقة وحلب‏ و ريف اللاذقية ودير الزور وحمص وحماة والحسكة وإدلب في سوريا، بالإضافة إلى منطقة المثلث السني فى العراق. ولايعرف على وجه التحديد أعداد مقاتلي داعش إلا أن التخمينات التي تتم على أساس رصد الواقع  أشارت إلى وصول عدد مقاتلى داعش لعشرات الآلاف. وقد كشف مسئولون فى جهاز الإستخبارات الأمريكية عن حدوث زيادة كبيرة في صفوف تنظيم داعش وأن عدد مقاتليه وصل إلى حوالي خمسة وثلاثين ألفا من المقاتلين فى سوريا والعراق وأن عددا كبيرا منهم ينتمى إلى جنسيات غربية.

 جدير بالذكر أن تنظيم داعش انبثق عن تنظيم القاعدة فى العراق في أعقاب مقتل أبو مصعب الزرقاوى وكانت أهدافه مركزة على تأسيس الخلافة الإسلامية فى المنطقة السنية بالعراق إلا أن خلافا وقع بين القاعدة وداعش وتفرقت بهما السبل وتوسعت داعش فى سوريا أيضا مستغلة أحداث الحرب الأهلية فيها. وخلال فترة وجيزة من العام الحالي تدهورت الأوضاع فى سوريا والعراق وسقطت أجزاء مهمة من الدولتين الكبيرتين فى أيدى مقاتلى داعش لينتهى الأمر إلى إعلان داعش إقامة ما أسمته دولة الخلافة فى التاسع والعشرين من يونيو عام 2014 وتنصيب الجهادى أبو بكر البغدادى خليفة للمسلمين. وقد أدت الممارسات العنيفة لداعش إلى إثارة الرعب فى العالم من  ذلك التنظيم المخيف والمصير المظلم الذى يحيف بالمنطقة لو استمرمقاتلوه فى التوغل والإستيلاء على مزيد من الأراضي. إلا أن الأسئلة المثير للجدل هي:

ـ كيف نمت قوة داعش بهذا الشكل فى غفلة من شعوب المنطقة والقوى العالمية؟!
ـ ومن وراء إمداد تنظيم داعش بتلك الأسلحة الحديثة والمؤن التى تساعده على تحقيق هذه النتائج العسكرية الخطيرة فى مواجهة جيوش منظمة لدول كبرى فى المنطقة؟
ـ وما مستقبل هذا التنظيم خاصة مع توجيه ضربات عسكرية  لداعش من قوى دولية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؟

هذه الأسئلة وجهناها لخبراء وباحثين فى شئوون الإرهاب والشرق الأوسط.

 

أطماع دولية وداخلية وراء داعش ودامس

فى البداية يقول الدكتور إيهاب العزازي الباحث السياسي فى شئون الشرق الأوسط لـ عربيات:  يجب أن ندرك أن قوى الشر فى العالم بدأت خطة جديدة في العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط لإعادة تشويه الإسلام وتقسيم المنطقة والسقوط في هاوية الفتن والحروب والانقسام المدمر، فمن الواضح أن قوى الشر تسارع بدعم ميليشيات الجهالة والعمالة بالمال والسلاح لتسيطر ملامح الحروب الأهلية على مصر من الشرق حيث العراق وسوريا، ومن الغرب حيث ليبيا، ومن الجنوب حيث معسكرات التدريب الممولة، وفي سيناء حيث المعلوم المجهول، ولذلك نشاهد ظهور تنظيمات مسلحة تطفو على السطح وتتصدر الأحداث منها تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام المعروف باسم (داعش)، والتنظيم الآخر هو الدولة الاسلامية فى المغرب العربي (دامس)، وهما تنظيمان إرهابيان بكل المقاييس فهما بلا هوية ولا ايدلوجية ولا شئ يذكر والدليل على ذلك أن داعش في سوريا تقاتل أهل السُّنّة وفي العراق تقاتل الشيعة، فهم يريدون إشعال الفتن والحروب في العالم العربي لنرى مرة أخرى دعوات لتدخل القوى الغربية في المنطقة لمحاربة إرهاب داعش ودامس. يخطّط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بـ داعش إلى التوغل في الجزائر واتخاذها مركزا لتنظيمه الجديد الذي سيطلق عليه اسم تنظيم الدولة الإسلامية في المغرب الإسلامي دامس، ليكتمل سيناريو المؤامرة ونرى تفجيرات واحتلال لبعض المناطق كما يحدث فى العراق ونرى خلافات على حدود بعض الدول، وكذلك يخططون لخلافات ونزاعات مسلحة على الحدود المصرية الليبيبة مع محاولة نشر الإرهاب فى كل مكان تحت راية تنظيمات تستخدم شعارات إسلامية لتصدير رسالة للعالم أن الاسلاميين إرهابيون، ولتوفير الذريعة للتدخل الأجنبى في عالمنا العربي وتكرار مأساة التدخل الأمريكى في العراق وتدخل حلف الناتو فى ليبيا.

ويضيف العزازي أن داعش وأخواتها من الجماعات المتطرفة حلقة في مسلسل تشوية الإسلام عالميا ويقف خلفهم لوجيستيآ أجهزة مخابرات ودول تريد تشوية الإسلام واستمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط وعلينا أن نتعلم الدرس من جرائم القاعدة وطالبان و"بوكو حرام" وغيرها لمواجهة هذا الخطر الكبير. وحول كيفية مواجهة العالم العربي لهذه المؤامرة الكبرى يقول العزازي أن الأمر يحتاج لمواجهة شاملة حاسمة وتكاتف عربي حقيقي لأن العالم العربي يواجة حربا حقيقية شرسة بين أطماع دولية بتقسيم العربي وأطماع داخلية من قوى خسرت السلطة مثل الجماعات الإسلامية فى مصر واليمن وليبيا وسوريا.

 

الحالمون بالخلافة الإسلامية

من ناحية أخرى يقول مصطفى زهران الباحث بالحركات الإسلامية بمركز سيتا للدراسات السياسية بالقاهرة أن الاشكالية الحقيقية لدى الدولة الاسلامية في العراق والشام أو ماعرف بتنظيم داعش أنه انتقل من الأفكار الساحرة والتنظير إلى الممارسة الفعلية على الأرض، من خلال الانتقال بفكرة الخلافة من العالم الافتراضي والدعوات الحالمة إلى التطبيق فوق مساحة شاسعة تمتد من الشام إلى نهري دجلة والفرات أو على تخومهما وهو مايعنى أنها أضحت أداة جذب رئيسة لكل الحالمين بالخلافة والدولة الإسلامية التي ترفع راية الجهاد أمام قوى الاستكبار العالمي أو هكذا يفكرون وتتمثل قناعاتهم. وهو مايعنى أنها أضحت بمثابة إعادة بلورة لحالة الجهاد العالمي في المنطقة، التى تسعى لأن تكون حالة أممية وأسميها حالة تتارية جديدة تجتاح الأمة ولكن تصطنع رداء  مغايرا تطلق علية الإسلام.

ويؤكد زهران أن الخطر الحقيقي يكمن في أن داعش نسخت الحالات الجهادية التى سبقتها وهو مايعنى أنها قبل أي شئ تسعى لصهر التيارات الراديكالية في العالمين العربي والإسلامى في بوتقة واحدة وهو بكل وضوح يشير إلى أن داعش حالة مختلفة عن الحالات السابقة عليها.

30  فرقة من بنات داعش وحفيداتها

 وفى تصريحات خاصة لـ عربيات كشف المفكر العربي الكبير الدكتور مولاي الطيب بيتى عن خطورة المؤامرة التي يتعرض لها العالم العربي لتفتيته وتقسيمه عن طريق خدعة الربيع العربي –على حد وصفه- ويقول أنه على الرغم من التغيرات الطارئة في المنطقة إلا أن العرب سيظلون أسيري المخططات الغربية لأن النخب العربية المتعالية على شعوبها لا تملك أي مشروع مستقبلي. ويضيف أن الربيع العربي لن يتوقف عن مفاجئتنا لعهود إلى أن يتم الغرب مشروعه السيادي -بالمعنى الروماني- أو "النهاية" بمعناها (التلمودي).

وعن إعلان داعش الخلافة الإسلامية قال الدكتور الطيب  أنا أول من تحدث عن مشروع الخلافة الإسلامية وأنا الآن قيد تحضير كتاب جديد  حول سوسيولوجيا الخيانة السياسية وقد وصل العرب إلى الذروة في "ظاهرة الخيانة السياسية" وسيتناسل عن داعش دواعش أخرى ويكفي أن هناك الآن   حوالي 30 فرقة من بنات وحفيدات داعش لأن "الإمبراطورية" قد صممت على الهيمنة على المنطقة أو النهاية أو الطوفان ولو بإشعال حرب عالمية ثالثة لأن كل الشروط متوفرة سواء كانت أزمات مالية خانقة غربية وهزات اجتماعية مقلقة في أوروبا وأمريكا مع إستفحال الدواعش وأخواتها المهددة حتى لمن خلقها وهو ما يذكرنا تماما بالحربين العالميتين الأولى والثانية مع ظهور فاشية موسوليني ونازية هتلر (اللذان هما خلق وتمويل أمريكي وقتها -كما ورد في مذكرات موسوليني نفسه-) والباقي كله دردشات مثقفين وثرثرات ومحللين (جيو-سياسين).

 

مشروع تفتيت المنطقة

ويحذر الدكتور مولاي الطيب بيتى من خطأ السقوط فيما ينشره الغرب عن داعش مؤكدا أنهم مجرد كومبارس لمرحلة انتقالية مقبلة مشيرا إلى أن داعش ليست هي المحور أو الموضوع وإنما الموضوع هو ماذا يراد تحقيقه من وراء تكوين داعش!   ويقول الطيبى أن الوضع أشبه بـ"الثلاجة المغلقة" التي لم تنفتح أبوابها على مصراعيها. وأضاف أن معظم الإعلاميين أغرقوا في الدوران حول الموضوع في غير الموضوع لأن الغرب يمتلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من "الكومبارسات" من أجل تفتيت المنطقة، وتعد مصر أكثر البلاد عرضة لمشروع التفتيت النهائي على المدى المتوسط لأن مصر أصبحت اكثر البلدان العربية هشاشة، ومطوقة من حدودها مع ليبيا والسودان وإثيوببيا والبحر والفقر – وللأسف الشديد قد تكون الحكومة الحالية "حكومة كاستينغ" مهددة بالزوال في آية لحظة وفق تحليل الإنثروبولوجيا السياسية التي لاترحم!.

 

التمويل بالفدية وعوائد تهريب البترول

فى ذات الوقت يثور التساؤل حول كيفية حصول تنظيم داعش على الأموال اللازمة للإنفاق على التسليح والمستلزمات اللوجستية وغيرها من المتطلبات إلا أن شهود عيان يكشفون عن سبل عدة لحصول هذا التنظيم على المال منها عمليات خطف الرهائن لطلب الفدية، سيما الرهائن الغربيين حيث كشفت  مجلة «فوكوس» الألمانية في عدد إبريل الماضى أن هناك أموالا طائلة حصل عليها الداعشيون من جراء خطف الرهائن، وذكرت واقعة خطف رهائن فرنسيين التىي اضطرت فيها  فرنسا إلى دفع 18 مليون دولار للإفراج عنهم  وذلك حسب مصادر في حلف شمال الأطلسي في بروكسل.  وفى ذات السياق ذكرت قناة «إيه بي سي نيوز» أن تنظيم  «داعش» طالب بفدية قيمتها 6.‏6 مليون دولار للإفراج عن أمريكية تعمل فى مجال المساعدات الإنسانية وتم اتخاذها رهينة. وإلى جانب ذلك يعتمد داعش على الإستيلاء على المركز التجارية والسيطرة على البنوك فى المناطق التى احتلها . إلا أن أكبر مصادر التمويل الداعشية هى عوائد بيع البترول وتهريبه من الحقول الموجودة فى المناطق التى استولى عليها التنظيم الخطير والتى يصل عددها في بعض التقديرات إلى خمسة حقول يضم كل حقل منها حوالى 50 بئرا يستخرج منها حوالى 20 ألف برميل يوميا. حيث كشفت تقارير أنه يجرى تهريب البترول المنهوب من الأراضي التى احتلها داعش عبر شبكة من الوسطاء، وذلك مقابل خصم كبير على سعر البرميل وتشير الأرقام إلى أن حجم دخل داعش اليومى من تهريب البترول يتجاوز المليون دولار يوميا.

 

داعش تلعب لصالح من؟

فيما تحاول داعش استقطاب أنصارها بالتلويح بحلم الخلافة الإسلامية، تظل الحقيقية ضالة التحليلات، بين أن تكون داعش الورقة الأخيرة للمحاولات الأمريكية المتواصلة لإعادة رسم خارطة المنطقة وتقسيمها بشكل يختلف عن ما ورثته من فرنسا وبريطانيا للمنطقة، وبين إفرازات الخلافات الطائفية والسياسية التي عجز العالم الإسلامي عن التعامل معها بجدية، وبين الدول التي تبحث لنفسها عن امتدادات سياسية وطائفية، أو المستفيدة من تفتيت جيرانها لإعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة. غير أن المؤكد أن الغالبية العظمى من أنصار داعش في سن المراهقة والشباب والذين تم استقطابهم من الشرق والغرب يغيب عنهم الهدف الحقيقي الذي قد لايعرفه إلا قادة التنظيم الإرهابي.