دعوة للمراجعة التاريخية

قراءة للانسحاب الاسرائيلي من غزة في الإعلام

محمد الحسن
صور وفيديو

احتلت التغطيات المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي من غزة مساحة كبيرة من الصحف حول العالم، إلا أن وقع هذا الحدث كان متفاوتاً....فالمتابع لها قد يرى أنها حققت أهدافها المرسومة لها من الجانب الإسرائيلي فتفاعل الجمهور مع المشاهد المؤثرة وتعاطف مع خروج المستوطنين من الأرض المحتلة وشعر بالتضحية التي قدمتها حكومة شارون من أجل السلام، بينما يرى البعض الآخر أنها كانت عبارة عن مسرحية خرجت عن النص الذي أراده شارون فأظهرت التصدع والصراعات الدفينة في الجسد الإسرائيلي وعكست صوراً تؤكد أن هذه الفئة ترفض السلام وتصر على اغتصاب الأراضي الفلسطينية وتتصادم مع جيشها وتصفه بأقذع الأوصاف في مشاهد غير حضارية جعلت حتى بعض الكتاب في الصحف الإسرائيلية يعتبرون أن الدولة قد تعاني من العجز في التوفيق بين الديموقراطية التي تحاول تطبيقها والديانة اليهودية التي تعتنقها وتعتبر وفقاً لها أن هذه الأرض هي هدية لها من الله ولايحق التفريط في شبر منها.... كما اعتبرت بعض التحليلات أن الانسحاب صوري حيث أن إسرائيل ستحتفظ بتحكمها في سماء وهواء وحدود غزة التي قد تصبح معتقلاً كبيراً للفلسطينيين> وفيما يلي مقتطفات من الصحف الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية.

بينما احتلت الصور المؤثرة للمستوطنين الإسرائيليين الذي أجبروا على مغادرة غزة صفحات " نيويورك تايمز " أكدت افتتاحيتها أن المشهد كان من المتوقع مسبقاً أن يكون مثيراً للعواطف إلا أنها دعت إلى مراجعة تاريخية لمعرفة حقيقة الأمر باعتبار أن غزة لم تكن من ضمن الدولة الصهيونية وفقاً للخارطة التي رسمتها الأمم المتحدة في عام 1948م لإسرائيل... وتناولت الافتتاحية سرداً تاريخياً للقطاع منذ العهد العثماني كما اعتبرت أن غزة كانت تمثل الوجه الأكثر بشاعة من حركة الاستيطان الإسرائيلية كونها وطن حوالي مليون ونصف فلسطيني تحولوا إلى لاجئين يعيش كل 14.000 منهم في ميل مربع بينما يحتل 8000 مستوطن 33% من القطاع.... وبسبب الإجراءات الأمنية المشددة لم يكن بوسع الفلسطينيين الوصول إلى إسرائيل للعمل فارتفعت معدلات البطالة إلى 45% ، وتعيش أغلب الأسر الفلسطينية في غزة على أقل من دولارين يومياً.... كما استشهدت الافتتاحية بتفسير لأحد المسئولين الإسرائيليين لهذا الانسحاب حيث اعتبر أن قادة إسرائيل لم تكن لهم نية أبداً في الاحتفاظ بغزة وأنهم كانوا يعتبرونها ورقة مفاوضات لكن المشكلة تعقدت عندما وقعت إسرائيل في غرام غزة فسمحت للمستوطنين باحتلال أفضل بقاعها.... واختتمت الافتتاحية بالمخاوف من الآلية التي سيتم حكم القطاع بها إلا أنها اعتبرت أنها تمنح الفلسطينيين أخيراً فرصة لحياة أفضل .

وفي نفس الصحيفة ورد عن " ديانا بيرينو " متحدثة رسمية للبيت الأبيض قولها أن الرئيس بوش يتعاطف مع الأشخاص الذين غادروا منازلهم ولكنه يعتبر أنها خطوة ستجعل إسرائيل أكثر قوة وستسهم في توطيد علاقتها مع أمريكا .

كما انتقد الكاتب " جوناثان ستيل" في  صحيفة " جارديان " البريطانية التغطية الإعلامية للحدث على اعتبار أنها أغفلت هذا الاهتمام لأحداث أخرى مثل اجتياح رفح وهدم منازلها وذكر بأن 13.350 فلسطيني قد أصبحوا بلا مأوى في قطاع غزة خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي... واتهم الكاتب " شارون " بأنه أراد أن يستعرض أمام العالم مشاهد تفكيك مستوطنات غزة بشكل مؤثر ليقول لاحقاً أن إخراج 400.000 مستوطن من الضفة الغربية أمر مستحيل... وفي تقرير لمراسل الصحيفة من " تل أبيب " أكدت " جالي أميت " 32 سنة – مصممة ديكور -  أن المشاهد التي أخرجها الإعلام للمستوطنين لم تكن محل تقدير من الإسرائيليين بقدر ما أثار غضبهم إقحام الأطفال الصغار في تجربة أليمة وتوجيههم للتعامل مع الجنود بشكل غير مقبول كما أنهم اعتبروا أن ربط المستوطنين رحيلهم بالهولوكوست كان تصرف أحمق... و رأى " يوفال روساك " 48 سنة أن الإعلام قد ارتكب خطأ فادح بتسليط أضواءه على الحدث ومنح المستوطنين مكبرات للصوت دفعتهم للتصرف بهذا الشكل للتأثير على المشاهدين .

ووفقاً لمجلة " واشنطن ريبورت " سيحصل المستوطنون مقابل مغادرة غزة على 18 شهر من السكن المجاني في إسرائيل ومبالغ تتراوح بين 200.000 و 500.000 دولار أمريكي .

صحيفة " يديعوت أحرونوت " صورت المشهد بشكل ميلودرامي وركزت على مشاعر المستوطنين كما نشرت مذكرات لمستوطنة غادرت غزة.... ومن جهة أخرى نشرت تقرير يكشف عن تباعد بين يهود أمريكا وإسرائيل معتبرة أنهم لم يعد لديهم اهتمام بإسرائيل أو توجه نحو الانخراط في الأنشطة المساندة لها... حيث أوضح استطلاع أجراه البروفيسور " ستيفن كوهين " في الجامعة العبرية أن 39% فقط من يهود أمريكا يتحدثون باستمرار عن دولة إسرائيل مع أصدقائهم مقارنة بـنسبة تقدر بـ 53% في عام 2002م.... بينما تفائل 29% فقط من يهود أمريكا بمستقبل العلاقة خلال 3 إلى 5 سنوات قادمة... كما أقر " شارون " بهذه الفجوة قائلاً :" كنا فيما مضى أخوة أما الآن أصبحنا أبناء عمومة ".

الكاتب " أفراهام تال " في صحيفة " هاريتز " الإسرائيلية طالب حكومته بأن تتصرف بشكل مختلف وأن تقطع الماء والكهرباء وبقية الخدمات عن المستوطنات وتمنح سكانها مهلة ليتخذوا قرارهم بالمغادرة قبل أن يتم تسليم القطاع للفلسطينيين معتبراً أن عليهم أن يتحملوا مسؤولية قرارهم بدلاً من ينقلهم الجنود رغماً عنهم إلى إسرائيل .
كما أشارت الصحيفة إلى استطلاع يجري تداوله في إسرائيل بخصوص نقل المعابد اليهودية من غزة بما فيها الحوائط والأسقف والأرضيات على اعتبار أنها قد أصبحت مقدسة لممارسة التعبد فيها، وأبدت الصحيفة رأيها الذي أثار بعض القراء حيث رأت أنه لايوجد سبب يمنع هدمها أو بيعها أو استخدامها لأي غرض آخر بينما وردت ردود عديدة رافضة لرأي الصحيفة وكان هذا الأمر محل خلاف في المداخلات بين القراء على موقع الصحيفة .