إغتيال الحريري، ذريعة للصراع والانقسامات

مياه عكرة لمحترفي الاصطياد

رانية سليمان سلامة

أعلن ريتشارد باوتشر الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن قررت استدعاء سفيرتها لدى دمشق (للتشاور) بعد تسليمها رسالة الحكومة السورية تبدي فيها غضبها إزاء الانفجار مؤكداً قلق أمريكا واستهجانها الشديد بعد العمل الإرهابي الفظيع.. قرأت هذا الخبر, وأنا أشهد للـ(كاوبوي الأمريكي) بالتجدد حتى لا يصيب المشاهد بالملل.. فسيناريو أسلحة الدمار الشامل أصبح قديماً وانكشفت حقيقته للعيان بعد أن وقف منتجه أمام العالم معلناً أن المؤلفين والمخرجين قد خدعوه وأن الوثائق التي جعلتنا نصدق أن القصة والذريعة لغزو العراق حقيقة ما هي إلا صرح من خيال سقط, وعلينا أن نتجاوزه لنشهد النهاية السعيدة وننسى ما بنيت عليه من تدليس.. وقدرنا قبل أن نشهدها وقبل أن ننسى, أن نشهد على فتح ملفات جديدة تهدد أمن المنطقة, فالملف السوري بدأت تلوح به واشنطن مع الملف الإيراني قبل أن نفيق من شلالات الدماء والحرب الدائرة في العراق... أما وقد خلفت جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري رحمه الله مياهاً عكرة فما أكثر السنارات المتأهبة لرحلة اصطياد.

وقبل أن نصدق على السيناريو الجديد بالقبول ونشهر أصابع الاتهام لا بأس من أن ننعش ذاكرتنا.. فمن الغريب أن يتجه الاتهام للجارة التي تواجه ضغوطاً أمريكية وتهديدات تكاد أن تعصف بها وهي التي أسهمت عام 1976م في تكوين قوات الردع العربية بقرار من جامعة الدول العربية وبمشاركة عربية لتنهي الصراع الداخلي في لبنان وتحول دون تقسيمه.. بينما تغيب تلك الأصابع عن الجارة التي اجتاحت لبنان بالكامل في عام 1982م والتي لها مصالحها في تفتيت وحدته وتأجيج الصراعات الطائفية لتنزلق لبنان مجدداً في هاوية النزاعات وتسقط في نفق مظلم فتضرب الجارة عصفورين بحجر لتنام قريرة العين مرتاحة البال.

عندما تغيب شمس الحقيقة عن التحقيقات, وعندما يمرر العالم جرائم تزوير الأدلة لتحقيق الغايات, بل وعندما تتورع قناة إخبارية عربية بالمشاركة والانضمام إلى نادي السيناريوهات الجاهزة للطبع لتوسع دائرة الاتهام العربية العربية... علينا عندها أن نخشى من فجوة جديدة قد يتم حفرها في الجسد العربي.

والأمل المنشود بأن لا يلدغ عاقل من جحر مرتين فمن شرب بالأمس القريب من مياه الحرب العراقية العكرة لا أخاله ينوي أن يشربها من نبع لبنان أو يروي بها حقول سوريا... وحتماً سيكون تحويل عملية الاغتيال الآثمة إلى ذريعة للصراع والانقسامات جريمة أكبر بحق وتاريخ رجل كانت حياته سلسلة من السعي والعمل لإنقاذ لبنان من سنوات الحرب العجاف.

 

* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ