المبادرات الشعبية لتجسير الفجوات

عندما يتحول المفعول به الى فاعل

رانية سليمان سلامة

قد يسعد الكاتب بكلمات الثناء التي يخطها قلم قارئ ليعبر عن إعجابه بمقال, وقد يقع في نفسه هجوم حاد من قارئ آخر على فكرة طرحها, ولكن ما يفوق هذا وذاك أثراً هو أن يشعر الكاتب بأن فكرته التي صاغها بالحروف قد استقبلها عقل يحسن القراءة فحولها الى فعل.. وهذه هي صورة العلاقة كما يجب أن تكون بين الكاتب والقارئ.. فلا قيمة لكاتب بلا قارئ, ولا معنى لكلمات تبقى أسيرة حيز الأحلام دون عزائم تحول الحلم والأمل الى واقع ملموس.

في الأسبوع الماضي عندما تضمن مقالي عن أحداث لندن نداء بالتعاون لترجمة كل تلك المقالات الرائعة التي قرأناها في صحفنا لنتيح للآخر فرصة سماع صوت العقل الذي يصدح بيننا حتى لا نحاكم بجريمة يرفضها ديننا قبل أن ترفضها إنسانيتنا، تلقيت اتصالاً من سيدة فاضلة طرحت عليّ أسئلة عديدة لم يكن من بينها (متى يا ترى سيتحقق ذلك؟ أو من سيحققه؟ أو من سيتبناه؟), ولكنها اختصرت مسافات الانتظار واحباطات التواكل وسألت مباشرة (كيف نبدأ؟)... وأردفت قائلة: (إن ما يجري من عمليات عنف وقتل وإفساد في الأرض لا يعد جريمة فقط بحق الأبرياء في مختلف بقاع الأرض ولكنه جريمة بحق كل فرد منا ينتمي الى هذا الدين وهذه الحضارة العظيمة التي احترمت النفس البشرية ففرضت عليها بالمقابل أن تحترمها, وإن لم نشعر بمسؤوليتنا وواجبنا نحو تصحيح الصور المشوهة التي تحاول تلك الجرائم ان تضعنا في اطارها سنكون شركاء في تضليل العالم عن الحقيقة)... واستدركت قائلة: (ماذا ينقصنا لنعجز عن إيصال رسالة إيجابية لشعوب العالم).... أجبتها: (لا شيء سوى أقلام تعكس الحقيقة وقارئ مثلك يدرك بأن دوره أكبر من مجرد الجلوس على مقاعد المتفرجين أو الوقوف في صفوف الحزانى والمكلومين، وأفراد من حوله يدركون أن الشراكة في وطن أو دين تعني شراكة بالقول والفعل, وأن الشراكة في العالم تعني التعايش والتواصل والسلام... وأخيراً مبادرة وتكاتف وتكامل بين كل هؤلاء لتصل من خلالهم رسالة موحدة نمد بها جسور التفاهم والحوار مع شعوب العالم فلا نؤخذ بعدها بجريرة جهل بعضنا ولا نحاكم الآخرين الأبرياء على جرائم ارتكبها ساستهم)....وانقطعت المكالمة فيما بيني وبينها على وعد أن نبحث عن الآلية التي يمكن بها ان نوفر كل ذلك على موقع الكتروني باللغة الانجليزية... وبينما صال وجال تفكيري في كيفية إخراج هذا العمل وفشلت اتصالات عديدة أجريتها بغرض توفير نسخ مترجمة من مقالات الصحف والمجلات المحلية والعربية المتعلقة بهذا الشأن، نجحت القارئة في أقل من 60 دقيقة في أن تحمل لي رسالة جديدة تؤكد لي أن مجتمعنا بخير وأن العملية لا تتطلب التعقيد ولا تحتمل التأخير ففي تلك الدقائق القصيرة وجدت السيدة في محيطها فقط عدداً لا بأس به قد تحمسوا للفكرة وأبدوا رغبتهم بالمشاركة الفورية في العمل كل حسب مقدرته فهناك من يحسن القراءة ويحرص دائماً على جمع المقالات القيمة وهناك من يملك القدرة على الترجمة وهناك من يؤمن بأن الانفاق في سبيل اظهار الحق ونشر السلام وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الدين وأهله هو أضعف الايمان.... كل ما عليك أن تدركه في هذه المرحلة هو أنك لست (روبنسن كروزو) الذي عاش في جزيرة منعزلة وانقطع عن العالم, فنحن نعيش واقعاً مغايراً لذلك تماماً في عالم كبير تحول الى جزيرة وقرية صغيرة لا يمكن لأحدنا أن يعيش فيها بمعزل عن الآخرين أو يتجاهل التواصل معهم أو يتخاذل في دوره نحوهم....

القرية التي نعيش فيها اليوم لا تعترف بأفراد تسكن نفوسهم السلبية ولا تملك القدرة على الاستماع الى اصوات العقل الباطن التي نسمع وحدنا ترددها بداخلنا.... لن يسمعنا أهل القرية ما لم نخرج لمخاطبتهم بلغة يفهمونها ومنطق يعقلونه. إن سكان هذه القرية يتبادلون اليوم أطراف الحديث في ما بينهم ويصلنا صوتهم دون أن نسجل ردة فعلنا على ما نسمع, فقد استمعنا الى اصوات من المنزل الأمريكي تحمل نداء sorryevrybody.com لتعتذر للمنازل المجاورة على ما طالها من أذى جراء انتخاب رئيس منزلهم بوش فأوضحوا بكلماتهم انهم قد فشلوا في جولة انتصر فيها صوت الحرب إلا أنها لن تكون نهاية المطاف وستستمر مساعيهم لنشر رسالتهم حتى لا يحظى من يدير آلة الحرب ويمسك بزمامها بفرصة اخرى للتحكم في القرية.... وكان الرد مباشراً من سكان المنازل المجاورة برسالة apologiesaccepted.com لتأكيد ان الرسالة قد وصلت وان جيران القرية يدعمون اهداف من ارسلها ويتفهمون مواقفهم ويقدرون اختيارهم الوقوف خارج ساحة الموت.... تلك الرسائل نشأت عنها مجتمعات جديدة بداخل القرية تضم سكاناً من مختلف المنازل التي تفصل في ما بينها المسافات والسياسات. ولأفراد هذه المجتمعات الجديدة رسالة موحدة ضد الحرب فمنها من قال antiwar.com حاملاً على عاتقه مسؤولية ايقاف تدمير القرية وقتل أهلها.... ومنهم من اراد ان يكشف حقيقة هامة تفيد بأنه علينا اعادة حساباتنا عندما نحصي الأكثرية في مقابل الأقليات... فقد تشكل انت اقلية على مستوى منزلك الذي تعرض سكانه للتضليل ولكن اذا خرجت الى فضاء اوسع ستجد انك ومن هم مثلك تشكلون معاً الأكثرية القادرة على احداث تغيير ايجابي, تلك كانت رسالة تشبه رسالة truemajority.com بل وحتى الكهوف المظلمة في القرية خرجت منها اصوات تتضامن مع الحق فكهف اسرائيل سمعنا منه صوت (بتسليم) المجموعة التي تكفلت بكشف حقائق جديدة عن الاجرام في ابشع صورة عندما يتمسح بدين.... فخلعت (بتسليم) رداء الخفافيش ومصاصي الدماء واختارت ان تعود الى جنس البشر من سكان القرية لتشكل معهم سداً من الدروع البشرية التي تدافع عن الارض المسلوبة من الصهاينة ظلماً وتعدياً على رسالات الانبياء.

قد يكون ما يجمعنا اليوم هو حجرات منزل تعرضت نوافذه للرمي بالحجارة من بعض الايدي الآثمة فسكن في نفوس أفراده الخوف والعزلة وانعكس ذلك عليهم بالخلافات والفرقة حتى كادت القواسم المشتركة التي تجمعهم تتلاشى وباتت المفاهيم مشوشة وطغت الرغبة بالانتقام على تحكيم صوت العقل... فهل ستكون مواجهة سكان هذا المنزل للظلم الذي وقع عليهم بالصمت؟ أو سيكون اول خروج لصوتهم خنجراً في قلب من وقف معهم وذريعة لمن كان يقذفهم بالحجارة؟.... أو ستخرج رسالة موحدة، أهل ذلك المنزل وتلك الأمة هم الأجدر بنشرها ليجتمع حولهم كل سكان القرية بهدف مشترك هو إيقاف الظلم ومنع الاعتداءات على ممتلكات الخالق؟.... بوسع سكان المنزل أن يتخلصوا من الحجارة قبل أن تتراكم وتبني بينهم وبين القرية وأهلها سداً منيعاً... فلو أمسكت حجراً وحوطته برسالة مفهومة وأعدت قذفه الى الخارج ستجد أنك قد أسهمت بكسر باب المنزل الذي اوصدته على نفسك بمساعدة من يعيشون حولك وستشعر أنك قد تحولت من مفعول به الى فاعل تماماً كما اختارت تلك السيدة أن تكون عنصراً فاعلاً ومتفاعلاً.

 

(*) رئيسة تحرير مجلة عربيات الالكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ