أعراسنا

مقال - كليب (1)

رانية سليمان سلامة

لا أدري إن كان القارئ في شهر رمضان يجد الوقت الكافي لقراءة مقال يستدعي تفكيره المنشغل خلال هذا الشهر إما بالعبادات، أو بالتهام الوجبات الفضائية الدسمة التي يستغرق طبخها عاماً كاملاً ليتم تقديمها لنا في رمضان كبديل لتناول الطعام... لذلك اخترت أن تساير مقالاتي الرمضانية الإيقاع الدرامي وسأكتفي بمشاهد (كليب) متتالية تلتقط فيها عدسات مقالي بعض الأحداث لمسلسلات واقعية قصيرة.

المقال - كليب الأول يتناول حدثاً- لحسن حظنا أننا نحصل على إجازة منه في رمضان- وهو مناسبات الأعراس النسائية، والقصة واقعية من بطولة صديقة عزيزة تتميز دائماً قصصها بالإثارة، فسأترككم مع (منى).

* في المشهد الأول كانت (منى) تضع يدها على رأسها المربوط (بعصابة) سوداء تشبه بها فاتن حمامة في فيلم (دعاء الكروان)، صرخت ما إن شاهدتها (وين هنادي يا أماي؟)... أشارت لي بأن أتحدث بصوت منخفض فرأسها يكاد ينفجر من صداع حفل زفاف بدأت تستعيد أحداثه في مشاهد (فلاش باك).

* اتجهت منى في ليلة العرس إلى صالون التجميل الساعة السادسة وعندما هنأتها على هذا التوقيت المبكر الذي اختارته حتى تتخلص من الزحام أجابت بنظرة حادة (انتهيت من تصفيف شعري في الساعة الحادية عشرة مساءً!!).. وبالطبع لو دارت كاميرا المقال كليب لتلتقط مشاهد الساعات الخمس العصيبة التي مرت على منى لن نجد سوى مصففة شعر شهيرة وصفوف تنتظر أن تخرج غالباً بتسريحة مستنسخة تربعت على رأس إحداهن في عرس سابق فأردن تقليدها... المثير في المشهد أنك لو شاهدت النساء من الخلف لا تستطيع أن تميز بينهن إلا باختلاف لون الشعر والمؤكد أن الصداع يبدأ من هناك حيث تمارس مستحضرات التثبيت وأدواته دورها في تثبيت الصداع في الرأس.

* تتابع منى استعدادها للذهاب للعرس بالحركة البطيئة حتى لا تسقط عقصة شعرها التي دفعت ثمنها 5 ساعات من يومها، ثم تتجه إلى قاعة الاحتفالات لتلحق (بالزفة) التي ورد في بطاقة الدعوة أنها ستكون في (تمام) الساعة الثانية عشرة والنصف، وفي العرس تتخذ مكانها بين صديقاتها على المقعد الذي عقدت العزم أن لا تفارقه حتى نهاية الحفل.

* مشهد صاخب جن فيه جنون مكبرات الصوت التي لا تعترف في توزيعها وصوتها بحجم الصالة, فكان من الواضح أن منى ورفيقاتها يعجزن عن تمييز الكلمات التي تخرج من هذه المكبرات ولكن الأهم أن الجميع عجز كذلك عن تبادل أطراف الحديث وصوت واحد فقط يطغى على المشهد تتداخل فيه كلمات متطايرة مع دق الدفوف داخل طبلة الأذن... ومحاولات التحاور بين منى وصديقاتها تبدو ممتعة حيث كن يصرخن في بداية الأمر ليصل صوتهن إلى بعضهن البعض ويصيبهن الإحراج عندما تنتهي وصلة الإزعاج بينما إحداهن لا تزال تصرخ... بعد قليل تسيدت لغة الإشارة الموقف فتحول إلى ما يشبه لبرنامج (بدون كلام) حيث تستخدم كل من الحاضرات أصابعها وتعابير وجهها لمحاولة صياغة جملة مفيدة قصيرة مثل (أنا بخير), (أنت كيفك؟)، (أريد قهوة)، (فستانك جميل)، (الزفة تأخرت)، وغيرها من الجمل الشائعة التي تضل طريقها أحياناً فتجد إحداهن تشير إلى رغبتها بفنجان قهوة والأخرى تهز رأسها مؤكدة أنها بخير... والمؤكد أنه كان بوسع المدعوات أن يستمتعن بالعرس كمناسبة اجتماعية لو أن الصوت لم يكن مرتفعاً إلى هذا الحد!!، ولكن ثمة علاقة تربط بين الفرح والصخب في أعراسنا.

* الساعة الثالثة والنصف صباحاً خفتت الأضواء في القاعة استعداداً لاستقبال العروس بعد طول انتظار وأخيراً تركزت الإضاءة على الجهة التي ستخرج منها العروس بالقرب من طاولة منى. وبالطبع لابد من المؤثرات الحركية التي شاعت مؤخراً في الأعراس فانطلق ضباب كثيف تحول لدخان جعل منى تعتقد أن الساحر (ديفيد كابرفيلد) سيظهر من تحت الأرض أو أن مفاجأة سيئة قد وقعت فهمست في أذن جارتها (الدخان لم ينجل كالمعتاد هل باعتقادك العروس احترقت؟)، أجابتها جارتها بلهجة تأنيب وتعليل قائلة: (فال الله ولا فالك. الآن ستظهر العروس وتنتهي الزفة وبعدها بقليل نتجه للعشاء ثم نغادر)، صرخت منى (عشاء!! تقصدين بالتأكيد الإفطار الذي أفضل أن أتناوله في منزلي بعد أن أستعيد حاسة السمع والرؤية التي انحجبت مع تسرب الدخان إلى عيني, أنا لم أعد أرى!!) وتحركت منى تتلمس طريقها لمغادرة القاعة.

* عندما اعتقدت أنها الخاتمة وبدأت أواسيها قاطعتني: (من قال إن الأمر انتهى عند هذا الحد؟ تبقّى مشهد!!... لقد غادرت القاعة أنا ووالدة زوجي وشقيقاته وبعض القريبات لأن منازلنا متجاورة ووجدنا أنه أكثر أماناً أن تسير سياراتنا معاً في هذا الوقت المتأخر من الليل, وما تحسبنا له قد وقع... فلحقت بنا سيارة لثلاث مراهقين هم أقرب إلى سن الطفولة من الشباب وبحركة استعراضية أوقفوا سيارتهم في عرض الطريق أمام سياراتنا، وتساءلت ماذا يعتقد كل منهم أنه فاعل أمام أربع سيارات بأربعة سائقين وثماني سيدات منهن من هي أكبر من والدته بالتأكيد؟ لم تتأخر الإجابة فكل ما فعلوه هو أنهم خرجوا من السيارة بعد تشغيل أغنية صاخبة وبدأوا بالرقص أمامنا، وبينما كنت أفكر بإبلاغ الشرطة كانوا قد انتهوا من مهمتهم وأشاروا لنا من موقعهم بتحية سلام وعادوا إلى سيارتهم وذهبوا إلى حال سبيلهم)... بتعجب سألتها: (فقط؟).. قالت: (فقط، هذا كل شيء... كانوا (مزنوقين) في رقصة الساعة الرابعة صباحاً ويبحثون عن جمهور).

* ليلة عجيبة بالتأكيد وأحداث يصاحب بعضها جميع أعراسنا بينما بعضها الآخر عارض...

أما السؤال المشترك في كل الأحوال هو من يستمتع حقاً بهذا السيناريو؟... فالتجهيزات مكلفة ومتكلفة على من يقيمها ومن يحضرها، والأجواء مزعجة إلا لقلة تستمتع بالصخب، والتوقيت متأخر، وطريق العودة محفوف بالمخاطر... والأهم هو أن العروس المسكينة لا تعيش من يوم عرسها سوى ساعة أو ساعتين استغرقت التجهيزات لها أسابيع وربما شهور.

 

* رئيسة تحرير مجلة (عربيات) الالكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ