اللغة، الجهل، الغيرة

هل أنا مصيبة؟

رانية سليمان سلامة

ظلمتنا اللغة، أو ربما أردت بهذا الاتهام أن أدافع عن نفسي... فقد قدر لي أن تحمل إحدى صديقاتي شهادة الدكتوراه في اللغة العربية، وقدر لها أن تصاب بطنين في الأذن كلما استرسلت معها في الحديث وتحمست واستنجدت بالفصحى للتعبير... نفس الصرخة الخارجة عن سياق الموضوع أسمعها في كل مرة مصحوبة بتصحيح للمرفوع الذي أنصبه والمنصوب الذي أجره والجمع الذي ينفض من حولي على لحن «أكلوني البراغيث»... ودون جدوى أحاول إقناعها بأن لاتمارس معي دور المصحح اللغوي أثناء الحوار العفوي حتى لاتقطع الحبل الذي يندر أن أنشر عليه أفكاري، ودون جدوى تحاول أن تقنعني أن اللحن النشاز الذي أعزفه لايمكن أن تحتمله طبلة أذنها المبرمجة على سيمفونيات سيبويه وأصدقائه.

بيني وبينها تقف قضية عالقة منذ سنوات لم أجد لها محكمة تنصفها، تلك القضية أردت أن أرفعها على قاعدة «التغليب» في اللغة، وهي نفس القاعدة التي تمنعها من أن تكون أستاذة مساعدة وتمنعني وغيري من تاء التأنيث في المسمى الوظيفي... وكما أن أُذن صديقتي لاتحتمل اللحن في اللغة فعقلي لايستوعب جملة تعريفية نصفها الأول مذكر والآخر مؤنث، كما لا أتصور أن أعرف الآخرين على صديقتي اللطيفة وأشير نحوها قائلة «إنها أستاذ!!»، هل يعقل أن تكون صديقتي «أستاذ»؟!.

القاعدة تقول أن ذكراً واحداً يمارس المهنة يتغلب على النساء ليصبحن مغلوبات على أمرهن في حمل مسمى وظيفي مذكر مدى الحياة نظير ما اقترفته أيديهن من تطفل على المهنة.

وفي مقابلها «تتأنث» بعض الأحوال والحالات دون أن تحول أي قاعدة بينها وبين معناها الجديد عند اقترانها بالتاء السحرية، تماما مثل رسالة الجوال التي أحتفظ بها كقرينة لإرفاقها مع أوراق محاكمة بعض قواعد اللغة، ومحتواها:
عندما يجيب الرجل على سؤال يسمى (مصيب)، أما المرأة (مصيبة).
عندما يبقى على قيد الحياة فهو (حي)، أما المرأة (حية).
إذا حكم بين الناس فهو (قاضي)، أما المرأة (قاضية).
**********************************
أهاننا الجهل، وقاتل الله جهلاً يجعل خبراً مخجلاً مصدر فخر واعتزاز عند البعض... ذلك الخبر الذي ظلت وسائل الإعلام تتناقله وبسذاجة وجدنا البعض يستشهد به وهو يزعم أن مركزاً بريطانياً للأبحاث العالمية قد توصل إلى أن السعوديات هن أكثر النساء دلالاً على مستوى العالم ذلك أن طلباتهن تلبى دون عناء والخدم يعملون على راحتهن في كل مكان!!.

ولا أدري منذ متى أصبح الدلال صفة محمودة أو مصدراً للفخر في مجتمعنا؟!!... فأحدنا لايجرؤ على أن يصف طفله الصغير أمام الناس قائلاً: «طفلي مدلل» ذلك أن المرادف لهذا الوصف هو أن الطفل فاسد وينتظره مستقبل أليم، فمابالنا بمن يطلق صفة الدلال مصحوبة بهذا التوضيح على امرأة بالغة ناضجة راشدة يفترض أن تكون نموذجاً مشرفاً في تحمل المسؤولية وتنشئة الأجيال وبناء المجتمع السوي؟!.

لقد كان ببساطة خبر يقول: إن المرأة السعودية لاتصلح لشيء... ومع الأسف هناك من يصفق له!.

**********************************

قتلتنا الغيرة، لأننا لم نفهمها ولم نروضها... فالمستحيلات في التراث غول وعنقاء وخل وفي، ويبدو أن علينا تحديثها بإضافة «حقل عمل يخلو من الغيرة».

لم أعرف حتى الآن أنثى عاملة لم تكتوِ بنار الغيرة حتى باتت الخيارات محدودة فإما أن تغار، أو تكون ناجحة فتعاني من غيرة الأخريات، أو فاشلة فتعلق فشلها على عرقلة الأخريات لها بغيرتهن منها.

وإن كانت مستويات الغيرة مرتفعة خلف أبواب المكاتب النسائية وصوتها لاتجدي معه الحوائط العازلة في الكثير من الأحيان، إلا أنها تسجل حضورها كذلك وبقوة في مكاتب الرجال... ففي دراسة أجريت على 2700 موظف من شركات مختلفة أظهرت النتائج أن ثلاثة أرباع الشريحة يعانون من مشاكل مع زملائهم سببها الغيرة، ونصف الشريحة جاء اعترافهم صريحاً بأنهم يشعرون بالفعل بالغيرة من زملاء في العمل.

لا مفر إذن من أن تحل الغيرة كضيفة تثقل كاهل أجواء العمل، ولكن المؤكد هو أنها تتمتع بشيء من المرونة والقابلية إلى إعادة التوجيه... فثمة فارق بين أن تغار (مِن) وأن تغار (على)... عندما تغار (مِن) الآخرين فأنت شخص ضعيف وعاجز تخرج غيرتك عن إطار السيطرة ليتولى الجنون والحقد زمام أمرها فتسوق الجميع إلى هاوية الفشل، أما عندما تغار(على) نفسك أو على عملك فأنت تدرك قيمة ماتغار عليه وتركيزك سيتجه صوب امتلاك أدوات تحويل هذه الغيرة إلى طاقة إيجابية تدفعك نحو مساحة لايزاحمك فيها أحد.


رئيسة تحرير مجلة عربيات الإلكترونية
[email protected]
المصدر: صحيفة عكاظ