بورتريه

عربيات- يسري أبو العينين

فى كتاب " تعقيبات على الاستشراق " للدكتور إدوارد سعيد  يحدثنا صبحى الحديدى صاحب ترجمة الكتاب فى مقدمته الرائعة و بتهكم شديد عن المستشرقين المحترفين ذوى الباع الطويل فى فهم الشرق والاسلام و العرب .

برنارد لويس إمام المستشرقين المعاصرين غارق حتى أذنيه فى تقصى أثر الأصولية الاسلامية من مساجد طهران إلى حجرات الوعظ فى لوس انجليس ، ومن حسينيات الجنوب اللبنانى إلى طوق التتار القديم فى روسيا . ومنذ أن وضعت حرب الخليج الثانية أوزارها و لويس برنارد يتابع عظائم أمور  العالم الاسلامى وصغائرها ويربط الأهوال بالسفاسف ويستخرج لنا عوارض الرعب والارهاب التى زرعها العثمانيون عند أسوار فيينا عام 1638 ، وتولاها بالرعاية أشخاص مثل رشيد على الكيلانى و الحاج أمين الحسينى ، وأتت أكلها فى عهود جمال عبد الناصر ثم الخمينى ، ثم صدام حسين ثم .... الشيخ عمر عبد الرحمن !

وفى مقالته " جذور السخط الاسلامى " نجد عبارات منشورة بالبنط العريض من هذا القبيل : " إذا كان المقاتلون فى حرب الاسلام ، المجاهدون فى سبيل الله ، يقاتلون لرفع راية الله ، فالنتيجة المنطقية التالية أن خصومهم يقاتلون ضد الله " ..

وفى مقالة حديثة بعنوان " أعداء الله " نشرتها مجلة نيويورك يكشف برنارد لويس النقاب عن وجود بلاشفة ويعاقبة مسلمين ! .. فهو يقول أن الثورة الاسلامية تمتلك يعاقبتها وبلاشفتها بالحماس الشرس و بالثوابت الجامدة وبالعنف الدامى ، ولن يطول الأمر حتى تفرز هذه الثورة نموذجها الستالينى لكى تبلغ ذرى جديدة من حربها ضد أعداء الله ..  فهو يعبر عن ذلك بقوله أن قوى الشر الجبارة ستدخل فى صراع كونى ضد قوى الخير البريئة والاستخلاص المركزى أن الخسران المبين سيكون مصير أولئك الذين يشوهون اسم الله بتحويله إلى سيد يشرف على الخاطفين و القتلة ، ومعبود يبشر بالبغضاء و سفك الدماء ولا يكتسب جلاله إلا بإزهاق أرواح الأبرياء باستخدام القنابل و الرشاشات وسكاكين المطبخ .. لكنه فات على برنارد  لويس أن يضيف السلاح الرابع : الحجر .. ترى أى وقار أكاديمى هذا الذى منعه ..؟

وعن حرب الخليج يقول بثقة حاسمة فى مقال بعنوان " إعادة التفكير بالشرق الأوسط " إنها كانت الاستكمال الشكلى لسيرورة أفول العرب كقوة سياسية محركة والعالم العربى ككيان سياسى . فهو يعتبرها إنها لم تكن حربا عربية - أمريكية ، ولم تكن حربا اسرائيلية - عربية ، كما أنها لم تكن حربا أيدولوجية ، لكنها كانت حربا عربية – عربية تورطت فيها أمريكا وهى كارهة لها ! ، دعما لحلفائها ودفاعا عن المصالح العامة المعروفة للعالم الحر .واستخدمت فيها اسرائيل كهدف لصرف الأنظار . ورغم تعبير العالم الحر الباهت و الزائف الذى استخدمه برنارد فهو يقول أن هذا العالم الحر مضافا إلي الدولة العبرية هو الوحيد القادر على بعث الحياة فى جثة العروبة . و" إعادة خلق كتلة سياسية " من الأنقاض التى خلفها صدام حسين . وهذه ليست مزحة حين تتوالى عواقب حرب الخليج ..

1 – نهاية فاعلية النفط كسلاح فى أيدى الدول المنتجة ، ويحذر الغرب من إعادة تحويل النفط إلى سلاح .

2 – سقوط وهم التكنولوجيا المستوردة كواحد من أهم دروس الحرب العسكرية وهزيمة القوات العراقية النكراء كما يسميها برنارد ، الأمر الذى لابد أن يذكر العالم بأمر كان على وشك أن ينساه : الهوة التكنولوجية و العسكرية التى تفصل الغرب الحديث عن باقى العالم . فاستيراد التكنولوجيا عقيم ومحاولة تطويرها محال بسبب جمود العقيدة ومحاولة سرقتها وتعلمها جريمة لا تغتفر . ويسأل برنارد " أليس هذا هو السبب وراء الانتصارات العسكرية التى أحرزتها اسرائيل ضد جيران أكثر عددا وعدة .؟

ونسأل بدورنا : أهذا هو السبب حقا ؟ .. ألم يكن عقاب العراق بسبب انفلاته علميا هو تدمير الجسور ومحطات الكهرباء قبل كسر شوكة الجيش الرابع فى العالم .

وإذا كان هذا هو خطاب المستشرق المعاصر ، فماذا عن خطاب المؤرخ المعاصر ..

يحدثنا صبحى الحديدى عن بول جونسون الذى يبحث عن امبريالية غربية جديدة ، كما يطالب بإعادة نظام الانتداب الاستعمارى .. قبل فوات الآوان .

وبول جونسون لمن لا يعرفه كاتب من النوع الذى يجعل المرء يرتاب فى أن اليوم الواحد يتألف من مائة ساعة بدلا الأربع والعشرين  .. وضع كتابين عن الحياة الفكرية المعاصرة ومجلدات أشد ضخامة تؤرخ للمسيحية و اليهودية والشعب الأنجليزى وكتب عن حضارات الأرض المقدسة وتاريخ العالم بأسره وفى أقل من عشر سنين أصدر العديد من الكتب آخرها يقع فى 832 صفحة   وجميع الكتب لا تقل عن 500 صفحة .

وما يسرده بول جونسون فى أعماله ليس تاريخيا بل اجتهادات خرافية ونشاطا خياليا مفرطا لا يعانى من مشكلة سوى الافتقار إلى المنطق السليم . وليس الأمر أنه لا يرى ما يجرى من حوله فى العالم ، ولكنه يفضل النظر إلى الحاضر و المستقبل بتفاؤل غربى حذر . ويؤمن بفاعدة مركزية فى التراث اليهودى و المسيحى . كما يقر بتدبير السبل الكفيلة بضمان استقرار كونى ورفاهية واسعة ولتحقيق ذلك ينبغى إعادة تأسيس الأمبراطورية الغربية . فهو يخبرنا بأن نظام العالم ذو الأبعاد الثلاث لم يعد له وجود . وإنما نحن اليوم نعيش نظام العالم الواحد . الذى يشهد انتقال قيم الغرب وطرائق عيشه إلى جميع أرجاء المعمورة انتقال النار فى الهشيم . ولكى يتم هذا بسهولة ويسر لا بد من أرساء هذا العالم الواحد " الوحيد " على سبعة أعمدة ، هى حكمة القرن الواحد و العشرين .

أول هذه الأعمدة هى الأمم المتحدة فى ثوبها الجديد بعد أن أسفرت الحرب الباردة عن انضمام روسيا إلى العالم المتمدن واسترداد مجلس الأمن لدوره كذراع طويلة للقوى الغربية الجبارة .وشروط جونسون لكى يكون أداء الأمم المتحدة لائقا بأخلاقيات العالم الأول الوحيد فى القرن المقبل ، شروط بسيطة : وضع عملية " عاصفة الصحراء " نصب أعين مجلس الأمن الدولة كلما رن ناقوس على وجه البسيطة – ضم اليابان إلى الدول دائمة العضوية لكى يكتمل عقد الجبابرة – توفير الشروط الكفيلة يوضع دول العالم الثالث على هامش المنظمة الدولية لكى لا يتكرر خطأ ترومان فى منح الجمعية العامة حق اتخاذ القرارات ، وخطأ إيزنهاور الذى سمح لشخص مثل همرشولد بادانة فرنسا وبريطانيا جراء حرب السويس ومثلما أتاح فيما بعد وقوع " فضيحة " اعتلاء  ياسر عرفات لمنبر المنظمة الدولية .

و ثانى هذه الأعمدة يخص الأمن الجماعى و تحويله من قوة سلبية تتحرك وفق مبدأ رد الفعل إلى " كلب حراسة " يقظ قادر على التقاط رائحة الجريمة والحؤول دون وقوعها .

العمود الثالث يتفرع عن الثانى ويتصل بحق التدخل .. مثلما يتصل بطرد الأوهام حول " خرافة الاستقلال " فعشرات  الدول فى آسيا وأفريقيا لا تفقه حرفا واحدا فى أبجدية إدارة الدولة و المجتمع وينبغى عدم التردد فى إعادة العمل باتفاقية فرساى ونظام الانتداب . ولأن مجلس الأمن هو مخفر وأرشيف الجبابرة ، فإن جونسون ينيط به مهمة إحياء الحيوية الإمبريالية واستعادة المعنى النبيل لكلمة الإستعمار .

الغمود الرابع هو العمل الحثيث لاستيعاب الصين .. و العمل على توجيهها فى أقنية ايجابية وبناءة وذلك لضمان القدر الأقصى من الانسجام فى علاقات القوة ودرء خطر الشرق ..

العمود الخامس وهو ضغط العامل الديموغرافى .. عن طريق مجموعة مركبة من العوامل .. المجموعة الأوربية ، اتفاقية ماستريخت " GATT  " معدلات صرف العملة .. ومع دخول القرن الجديد سوف تتكون كتلة شرائية هائلة من خمس مليارات هى مجموع سكان الصين و الهند وباكستان وبنجلاديش وفييتنام  وستفتح أسواق هائلة لا مفر من تقاسمها بين الكتل الأوربية والأمريكية والأسيوية .

العمود السادس وهو تربية البشرية وفق القواعد الليبرالية الغربية وتعليمها سبل الدخول السلمى فى نطام العالم الواحد الوحيد ، تفاديا لتحولها إلى قنبلة سكانية موقوتة وحاضنة للتيارات الراديكلية والأصولية .

العمود السابع هو الحفاظ على الموارد وحسن استغلالها وتطويرها  وهى هنا تتجاوز الثروات الطبيعية إلى الدماغ و الإبداع و المخيلة و الذوق و الحساسية ، فهو يلاحظ أن جوائز نوبل بدأت تذهب إلى أبناء ماليزيا وكوريا وتشيلى والهند ومصر و الكاريبى . لكنه يختتم قائلا فلتسقط القلوب الواهنة ، لقد تعلمنا الكثير و المجتمع الكونى يوشك على الولادة .

و السؤال الآن : هل كان بول جونسون فى حاجة لأعمدة سبعة كى يبلور حكمة القرن القادم وهو الذى أصدر كتابه  " تاريخ العالم الحديث " مستشهدا بتلك الفقرة القصيرة من المزمور الثانى " إسألنى فأعطيك الأمم ميراثا لك ، وأقاصى الأرض ملكا لك ، تحطمهم بقضيب من حديد ، مثل إناء خزف تكسرهم " .

على أن الصورة لن تكتمل إلا بحضور المفكر الفيلسوف .. ففى مقالة للمفكر الفرنسى " جان بودريار " نشرها فى مجلة ليبراسيون الفرنسية تحت عنوان " حرب الخليج لن تقع " . جادل فيها بأن الحرب لا يمكن أن تقع لأن فزعنا من واقعة الحرب الحديثة دفعنا إلى خلق عامل تزييف عملاق ، أو حرب كلمات وعلامات تخاض يوميا على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام . لكن الحرب وقعت بعكس ما تنبأ بورديار بشكل لم يكن تنويعا للحرب العالمية الثانية فحسب ، بل كان تنويعا لم يشهد له العالم مثيلا من قبل .تم تحت سمع وبصر مشاهد التليفزيون الذى أتيح له أن يتابع بدقة أصابة الهدف على الشاشة وكأنه يشاهد أحد ألعاب حروب التسلية الألكترونية  . ولأننا لم نصدق شكل الحرب فى سياقها  " ما بعد الحداثى " ، فإن بورديار عاد وكتب مقالته الثانية " حرب الخليج لم تقع " .. لكن ما لم يقله فى مقالتيه هو أن الثقافة الغربية الحديثة تكونت بفعل قوتين تكمل أحدهما الأخرى .. الأولى صنعها عصر التنوير حين تحرر من أعراف وإرث ما قبل الحديث ، فحول العقل إلى مركز للحداثة وأدار الحياة السياسية والاقتصادية بشكل أكثر ارتباطا بالشكل و العقلانية . أما القوة الثانية فقد تنامت فى سياق سيرورة أتاحت للغرب أن يضع يده على العالم ، وأن يتعلم تحديد فرادته الخاصة ضد " الآخر " .

فى هذا السياق يقول روبنز " إن أوربا انتصرت فى العالم ، وجعلت من نفسها قوة مرجعية كونية ، وكان لقاؤها بالثقافات الأخرى التى جلبها التوسع الإمبريالى بمثابة تبشير وإخضاع وترويض . لكنه حين التقى مع الإسلام ، حدث الصدام الأكثر عمقا لما وصم به هذا الدين أو الثقافة بصفات المحافظة و الجمود و التعصب و التأخر واستحالة التحديث .

وقبل وقوع حرب الخليج قال روبنز " هذا النوع من تأزم الحداثة هو ما يواجه الغرب الآن فى الخليج .. ففى هذه الحرب يهاجم صدام حسين المعايير التى حددت قوة الغرب ويخترق الحدود التى ميزت بين العقلانية واللاعقلانية ، بين حداثة الغرب والشرق ماقبل الحديث . فلم يكتف بتسليح نفسه بالأسلحة التقليدية ، بل حاول بناء ترسانة نووية وبيولوجية ، لكنه كما كتب روبنز شخص غير عقلانى بطبيعته العربية و الشرقية ، وبالتكنولوجيا الحديثة يصبح قوة وحشية بربرية منفلتة من عقالها ، لهذا فعلى جيوش الحلفاء " سادة ما بعد الحداثة " يقع شرف سحق هذا المنفلت غير العاقل .

هذه بلا شك الحداثة التى يمقتها الغرب لأنه يخشى تجسدها العنيف .. لكن من يستطيع  إنكار الحقيقة الساطعة بأن العنف على الجانبين هو نتاج التحديث وهو تعبير عن أرقى منجزات العقل ؟ .

نحن فى حاجة ماسة إلى طاقة معرفية عالية أمام هذا العماء المنظم الذى يقترحه نموذج المستشرق و المؤرخ و المفكر ، المحلفين عصبويا ضد الحقيقة ، المتمركزين حول الذات الغربية ، المتحللين من أعباء التاريخ .

نحن  بحاجة إلى المثقف الانسانى ، المتأهب للإنشقاق عن الخطاب السائد ، بحاجة إلى كتب نقدية شجاعة مثل الاستشراق لادوارد سعيد .. الذى غير وجه البحث العلمى حول العرب و العالم الاسلامى و العالم الثالث اجمالا .. وجعل الزمن الذى سمح للخطاب الغربى أن يزعم احتكار تمثيل الآخر يمضى إلى غير رجعه .

يتحدث ادوارد سعيد  بصدد كتاب الاستشراق فيقول " يساورنى الانطباع بأننا فى العالم العربى نقوم بالنسخ المباشر .. فما أن يقرأ الواحد كتابا من تأليف فوكو حتى يرغب فى التحول إلى " فوكوى " .. لا توجد محاولة لتحويل الأفكار إلى شىء ذى صلة بالعالم العربى .. نحن ما نزال تحت تأثير الغرب من موقع اعتبرته على الدوام دونيا وتتلمذيا . إننا دائما تحت تأثير فهم ناقص للغرب " .

" نحن لا نستطيع دراسة الغرب دون معرفة الكثير عن أمريكا أساسا لأنها صاحبة التأثير الأعظم ليس على العالم الغربى فحسب ، بل على العالم الحاضر بأسره .. رغم هذا لا توجد كلية واحدة فى أى جامعة عربية تتخصص فى الدراسات الأمريكية . أليس هذا أمر مدهش ! .. على أن هذا ليس ضدهم ، بل ضدنا نحن .. فنحن لدينا واحد من أثنين إما شعارات عريضة حول الغرب ( استعمار ، أمبريالية ، ... ) أو مدارس صغيرة من المقلدين ..

إننا لم ننل قسطنا بعد من سيرورة التنوير و التحرر بالمعنى الفكرى ، وأعتقد أن اللوم يقع على المثقفين ، إذ ليس بوسعنا أن ننحى باللائمة على الامبريالية أو الصهيونية" .

" لقد دارت فكرة الاستشراق حول استبدال نظام الهيمنة واساءة التمثيل الذى يحمل اسم الاستشراق بفضاء يسمح لنا كشعب أن نكتب تاريخنا الخاص " .

وفى رده عن تساؤل هل هناك وجود تعريف للغرب ؟

قال ادوارد سعيد : يوجد أكثر من غرب واحد .. ولم يسبق لى أن آمنت بأن الغرب أحادى أو متماثل .. بمعنى أنه يوجد نوع من التجانس الأوربى يسهل علينا اكتشافه ، ذلك يتضمن أمريكا ايضا .  فى المقابل فإن الاسلام هو موقع لتنازع تأويلى يتاح بموجبه للناس أن يقولوا هذا هو الاسلام نظرا لعدم وجود تعريف له .. المسألة هنا أنه إذا اعتقدنا أن التراثات ثابتة جوهريا والهويات ستبقى على حالها فإن التاريخ عنها سينعدم وعندها لن يكون بوسعنا  أن نكتب التاريخ .. دعنا نقول أن  الغرب شىء مؤقت . فلنحاول تفكيكه و العثور على طرق للتمييز بين شخصيته الأحادية الجامدة وشخصيته المتعددة بين صفاته المؤكة وتلك النافية .

إننا لابد أن نركز اهتمامنا على أنفسنا فقط . لماذا لا تكون لدينا اسهامات عربية معاصرة أكثر أهمية فى دراسة فرنسا أو ألمانيا أو أمريكا؟ إن العرب فى باريس أسرى حالة من الـ " جيتو  " لأنهم يكتبون عن العالم العربى بالفرنسية ، وينظر إليهم كمخبرين محليين .

وحول سؤال عن كيفية إعادة صياغة عبارته الشهيرة " أعتقد أننى شعبان فى واحد . أشعر أحيانا أن لا مقام لى فى أى ثقافة " .. وعن معنى المنفى بالنسبة له ؟

يقول ادوارد سعيد : الحق أننى لم أعد اشعر أننى شعبان منفصلان  فى واحد ، بل أربعة أو خمسة .ز ربما كان الجواب هو حالة التعدد فى الاهتمامات ودونما نتظر إلى محاولة مصالحة بعضها مع البعض الآخر .. وبالنسبة إلى شرط النفى فهو يعنى الحرية فى اقتفاء خياراتى دون أن أعبأ بالمكان .. أنا لا يعنينى ولست راغبا فى العودة إلى وطنى كلاجىء .. لهذا تجاوزت اهتماماتى العالم العربى ، واشعر أن الأمر حررنى أيضا ، وع ذلك فأنا مخلوق الدرب الذى سرت عليه ، واللغات و الثقافات التى اشتققت نفسى منها .. لكنها لم تعد بالنسبة إلىّ العلة الرئيسية فى وجودى .. إنها جزء من هذه الصورة الشاسعة التى أسميها المنفى ، الذى بات عندى حقلا كريما بعض الشىء فى منح الفرصة .
 


تعريف
إدوار سعيد : المفكر و الناقد و المنظر الفلسطينى المعروف . ولد فى القدس 1935 ، ودرس فى القاهرة .. غادر عام 1957 إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث درس فى هارفارد وفيها نال شهادة الدكتوراة فى الأدب المقارن . ولايزال حتى اليوم أستاذ الأدب المقارن فى جامعة كولومبيا بنيويورك ..

أصدر الأعمال التالية : بدايات القصد و المنهج  .. الاستشراق .. مسألة فلسطين .. الأدب و المجتمع .. تغطية الاسلام .. العالم ، النص ، الناقد .. بعد السماء الأخيرة :حيوات فلسطينية .. لوم الضحية .. متتاليات موسيقة .. الثقافة والامبريالية .. سياسة التجريد .. تمثيلات المثقف .. غزة – أريحا سلام أمريكى .. السلام و السخط . فضلا عن مئات الدراسات و المقالات و المداخلات التى تجمع فى كتب