إلى جانب نظرة المجتمع لقيمة أعمالهن

الفنانات التشكيليات الفلسطينيات يواجهن واقعا سيئا نتيجة الأوضاع الحالية

عربيات- فلسطين- مرفت صادق

لم يعد للفن معنى عندنا …ذابت تفاصيله في أجواء الحزن و إ طلاق النار فهربت شهية الفنانين للإبداع وتوقفت أيديهم عن الرسم في انتظار حل لهذ الواقع المرير .وحين استطاعوا تجميع قواهم والوقوف أمام حامل اللوحة رسموا خطوطا لحياة شردتها مدافع الإحتلال، وابتسامات باهتة لأطفال يحتفلون بالعيد وأزهار ذبلت من كثرة تداعي رائحة البارود عليها.

واقع الفنانين الفلسطينيين أينما كانوا ، التصقوا بالفلسطينية فرافقت جمالية الحزن معظم أعمالهم، وحتى في أوقات السلم كانت الأحلام بواقع هادئ تبدو خجولة ومتوارية في أعمالهم.

ولم تكن الفنانة الفلسطينية بمنأى عن هذه الأجواء ، بل كانت الأكثر تأثرا كونها الجانب الأنثوي الأكثر حساسية وتأثر ا بما يحيط به من أجواء.

ولقد تأثرت القطاعات النسوية الفلسطينية عامة بالأحداث المستجدة دوما على اختلاف مجالات اهتمامها .وكغيرها من الفئات النسوية واجهت الفنانة التشكيلية الفلسطينية ولا تزال مجموعة من العوائق ذات الأصل المختلف التي أثرت على مستوى أعمالها الفنية من حيث الكم ولكنها تميزت بالرغم من الصعاب على مستوى النوع.

صعوبات

وتواجه الفنانة الفلسطينية عامة مشكلات متعددة قد تعود أسبابها إلى إشكالية مجتمعية عامة تتمثل في سوء فهم الدور والرسالة التي يؤديها عمل فني هادف، وقد تكون العوامل السياسية والإشكالات المتلاحقة الناجمة عن هذه العوامل كالأحداث الحالية مثلا والتي أثرت على واقع هذه الفئة بشكل كبير، أو طبيعة التصنيف بين فتاة وشاب هي التي تفرض نفسها حتى في قضية إبداعية كهذه من المفترض أن تتلاشى فيها هذه الفروق.

الأستاذ كمال زيدان رئيس قسم الفنون التشكيلية بجامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس يعلق على هذه المسألة قائلا:" أن العقبة الأولى تتمثل في الحد من ميول هؤلاء الفتيات منذ صغرهن، فحتى طبيعة المواضيع التي تدرس للفتيات في المدرسة لا تراعي تنمية الموهبة لديهن، إذ أن طاقاتهن توجه إلى مواضيع التدبير المنزلي بينما يحتفظ الذكور بفرصة تنمية إبداعاتهم ومواهبهم من خلال حصص الرسم " ، وعلى الرغم من ذلك نجد أن نسبة الطالبات في كلية الفنون الجميلة وهي الكلية الوحيدة من نوعها في الجامعات الفلسطينية تطغى على نسبة الطلاب بالرغم من أن هناك عوامل اجتماعية تحد من تحقيق طموحات مثل هؤلاء الفتيات، ( ميسون وجيه ) فنانة تشكيلية حاصلة على بكالوريوس في الفن التشكيلي وتعمل حاليا مدرسة للتربية الفنية تقول:"حصلت على معدل مرتفع في الثانوية العامة 92% وقررت أن التحق بكلية الفنون وأن أحقق أمنيتي بصقل هذه الموهبة التي أمتلكها في مجال الرسم، إلا أن الموضوع لم يجد صدى في محيطي الاجتماعي على أساس أنه لا مستقبل لمثل هذا التخصص وأنني يجب أن أتجه إلى تخصص يفيدني مثل اللغة الإنجليزية أو التجارة، إلا أنني وبالرغم من ذلك صممت ونجحت في دراسة ما أحب"، أما ( عايدة أحمد ) فهي فنانة تشكيلية أيضا و خريجة فنون جميلة تعمل في دار الطفل العربي بالقدس تقول" إن أهلي بالرغم من عدم معارضتهم لاختياري دراسة الفن التشكيلي إلا أنهم كانوا دوما يتخوفون من عدم مقدرتي على إيجاد عمل في المستقبل ولا يوجد أحد سيقدر هذه المهنة".

الحصار

وكسبب روتيني يمكن أن يضاف إلى جميع المشكلات التي تعترض الفلسطينيين عامة في حياتهم اليومية، يعتبر الحصار و الإغلاقات المستمرة عقبة كبيرة  أمام هؤلاء الفنانات من خلال طبية تنقلاتهن خاصة في ظل انحسار نشاطات إبداعية كهذه في مناطق معينة.

 

 

تقول عايدة :" أن الأوضاع الحالية فرضت نفسها بشكل كبير على عملنا، إذ أننا فقدنا القدرة على التواصل فيما بيننا، كما أن هذا الحال ضيع علينا الكثير من الفرص بسبب عدم القدرة على الوصول للمؤسسات المعنية بهذا المجال".

 

 

 

والوضع ذاته يشكل عقبة بالنسبة لميسون التي لا تستطيع تطوير موهبتها بشكل أفضل عن طريق الدورات التي تعنى بطرق جديدة في الفن والرسم بمختلف ألوانه، وتضيف" لقد عملت قبل الانتفاضة ضمن كادر قسم المناهج التعليمية في وزارة التربية والتعليم وقمت بإعداد الرسوم الخاصة بالجزء الأول لكتاب اللغة العربية للصف السادس الابتدائي، وكم كنت أتمنى أن أكمل وأتخصص في هذا المجال، لكن الحصار وسوء الطرق حالت دون ذلك" .... أما عايدة فتقول :" أنا الآن ملتحقة بدورة لمدة تسعة أشهر في مجال رسوم قصص الأطفال بمدينة رام الله وقد وجدت في هذه الدورة الكثير من المعلومات والطرق التي لم نتعرض لها أثناء دراستي الأكاديمية بسبب عدم توفر تخصصات كهذه " ... و تضيف عايدة :" ان الأوضاع الحالية منعت الكثير من الفنانات اللواتي أعرفهن من الالتحاق بهذه الدورة بسبب سكنهن خارج منطقة رام الله" .

فرص العمل

وقد تكون النظرة المتشائمة لأهالي هؤلاء الفتيات حول مستقبلهن مع هذا التخصص وهذه الموهبة أمر حقيقي، إذ غالبا ما يضطر خريجو كلية الفنون الجميلة إلى التوجه لطرق باب الوظائف الحكومية خاصة في سلك التربية والتعليم بعد أن تمنى محاولات الكثير منهم بالفشل في رحلة بحثهم عن مؤسسات متخصصة تنمي إبداعاتهم وتحتضن أعمالهم الفنية وتفتح لهم آفاقا للعمل والاستمرارية في هذا المجال.

وربما لا تكون الوظيفة الحكومية هي المشكلة بحد ذاتها لكن الظروف التي ترافقها تعيق تقدم الفنان وتحد من نشاطاته، "أنا لا أرسم حاليا" هكذا أجابتنا ميسون عندما سألناها عن نشاطها الفني في الوقت الحالي وسبب ذلك" أن برنامج الحصص في المدرسة والوقت الذي تشغله من يومي لا يسمحان لي بأن أجد متسعا من الوقت لأجلس وأرسم" ، بينما تعتبر عايدة روتين الوظيفة قتل للموهبة وحد من إبداع الرسام.

المعارض

وكأي حركة فنية في مختلف دول العلم يحتاج الفنان إلى إقامة المعارض والمشاركة فيها بهدف عرض أعماله الفنية والتواصل مع جمهوره ومحبي هذا العمل ، لكن الظروف المتعلقة بهذه القضية تتخذ منحنى صعبا بالنسبة للفنانات الفلسطينيات خاصة ، إذ أن إقامة المعرض مسألة صعبة بعض الشيء، تقول عايدة :" إن إقامة المعرض وحتى بالتعاون مع مؤسسات أخرى بحاجة لدعم مادي ونحن في الغالب خريجات جدد لا نستطيع تحمل هذه التكاليف" ....

وفي بعض الحالات تضطر هؤلاء الفنانات إلى المشاركة ضمن معارض قائمة أو ضمن أيام مفتوحة بهدف إبراز أعمالهن مثلما فعلت ميسونالتي تقول :" شاركت في معرض في بداية العام ضمن برامج اليوم المفتوح في مدارس المستقبل برام الله لكن اشترط علي أن لا أبيع أية لوحة في ذلك المعرض وكان الأمر مقتصر على عرض أعمالي لفترة محدودة فقط".

وعن بين الفنان والفنانة في هذا المجال تقول عايدة:" قد يتميز الشباب أكثر في مجال المعارض لأنهم على الأقل لديهم قدرة على التنقل وحمل  لوحاتهم بشكل أسهل خاصة في ظل هذه الأوضاع" لكن تعود عايدة لتقول: إن النشاطات والاشتراك في معارض قضية شخصية مرهونة بمدى نشاط الفنان نفسه وتصميمه على التطور وإثبات نفسه رغم كل الظروف" ، وتضيف:" إن المعارض قد تشكل نقطة انطلاق هامة للفنان خاصة عندما توفر له فرصة لقاء متخصصين في هذا المجال، أولئك الذين يملكون خبرة في الفن على مستويات محلية وعالمية خاصة عندما تضع الجهة المسؤولة عن المعرض أهدافا معينة تسعى لتحقيقها من خلاله،ـ إذ أن مجهود الفنان وحده غير كافي، وغالبا ما تتكون للمعرض لجنة نقد فني تساعد على المستوى الفردي للفنان وتشجعه على تحسين أعماله في المعارض اللاحقة" .

الفنان ابن البيئة

وكأي إنسان فلسطيني تعايش الفنانة الفلسطينية هموم شعبها من قتل وتدمير وتشريد، إذ أن لهذا الوضع تأثير سلبي وإيجابي في آن واحد، فمن ناحية التعبير عن قضية ما خدمة لهذه القضية وضرورة من ضرورات فضح الممارسات الإسرائيلية أمام المجتمع الدولي وهي وسيلة الفنان للتعبير عن ذاته أمام هذه الوحشية، لكنها وكما تقول عايدة قد تشكل إحباطا عند الفنان :" الفنان بشكل عام دائما محبط ومتوتر وقلق، يريد المثالية التي لا تتوفر في المجتمع عادة" ... ولكن بالرغم من ذلك إلا أن الانتفاضة الحالية فرضت نفسها على أعمال هذه الفئة في المرات القليلة التي استطاعت فيها أن ترسم، فقد شاركت الفنانة ميسون مثلا في معرض خصصت فيه كافة أعمالها لعرض مآسي  الانتفاضة وأحلامها بقدس محررة وأقصى غير مدنس كما قالت.

وبالرغم من الصعوبات التي واجهتها هاتين الفنانتين إلا أنهما تجمعان على قضية أكثر أهمية لاحظنها خلال كفاحهما من أجل المحافظة على هذه الموهبة وهي عدم قدرة المجتمع الفلسطيني والعربي عامة على استيعاب دور الفنان وأهمية ما يقوم به من عمل وهذا ما كرسته ميسون عندما قالت لنا " أن أولياء أمور الطالبات في المدرسة التي أعمل بها يعتبرون مادة التربية الفنية زائدة في المقررات المدرسية وأنها وضعت فقط كي تحصل فيها الطالبات على معدلات مرتفعة تعوض النقص الحاصل في معدلات المواد الأخرى، على الرغم من امتلاك الكثير من الفتيات لموهبة الرسم التي لم تجد الاهتمام الكافي من مختلف الجهات الأسرية والمجتمعية وحتى من المدرسة التي لا توفر الميزانيات اللازمة لتطوير تدريس مادة الفن…".
 

معرض الفنانة عايدة أحمد