مقالة فنية للدكتورة هدى أحمد زكي

تربية العين

خاص - عربيات

تطالعنا مشارف القرن الواحد والعشرين بخضم هائل من المعارف والثقافات التي تتصارع وتتسارع للفوز بالسبق في تقديم الجديد والمستحدث في جميع مجالات الحياة علمية وثقافية وفنية ... الخ .

والعين جهاز في جسدنا حبانا الله به لنبصر به ونرى هذا الكون من حولنا وذاك التنوع والجديد الذي يقدمه الإنسان ليضيف الى البناء الحضاري والثقافي والفني لهذا القرن من الزمان ، وهذا الجهاز لنا عنده حقوق ، وعلينا له واجبات .

وهذه الحقوق قد سخرها الله سبحانه وتعالى لنا .. فنرى به وندرك من خلاله،نرى بديع صنع الله في هذا الكون،وقد حثنا الله تعالى على النظر والتدبر والتفكر فيما حولنا،وكثير من آيات القرآن الكريم نجدها تبدأ بكلمة" انظروا"..( انظروا في ملكوت السموات والأرض )...( انظروا الى ثمره اذا اثمر وينعه ).....وهذا النظر المصحوب بالتدبر والتفكر هو الذي تتولد من خلاله المعارف والعلوم،والإكتشافات ومعرفة القوانين...الخ.

ولكن" كيف نرى" و " كيف ننظر " وكيف نؤدي واجبنا تجاه هذا الجهاز العظيم ؟..

هناك فرق بين النظر العابر والنظر الذي فيه تفكر وتدبر.... وهذا يحتاج منا إلى التدرب على أدوات النظر لتربية العين تربية فنية والتي منها( الملاحظة والحوار )..

فالملاحظة تعتبر شكلاً من أشكال الكشف عن معطيات الطبيعة من حولنا، حيث يمكن مساءلة الطبيعة ومناقشتها للتعرف على نظم وبنائيات الشكل فيها من لون وخط وملمس وحجم ونسب ..

أما الكشف عن منظومات جديدة في تلك النظم،فهو صورة من صور ممارسة " الحوار " مع الطبيعة وذلك لفلسفة تلك النظم ، وهذا يسهم في زيادة رصيد خبرتنا البصرية ومفرداتنا التشكيلية ويكون ذلك بمثابة مدخل لرؤية جديدة ..

إن الممارسة العملية لأدوات الحوار،تمثل نشاطاً تفسيرياً لعملية الإدراك البصري،وهذا يسهم في تربية العين على كيفية التكشف والتعبير بإستخدام وسائط التعبير المختلفة من الوان وخامات متنوعة،ويسمح للعين بممارسة أساليب الأداء الفني ، فتكشف عن مفردات جديدة ، ودلالات ادراكية مستحدثة في تشكيل الصور والرسوم .

فالحوار صورة من صور الإتصال والمحادثة والمناقشة والكلام والتجاوب والمخاطبة والإقتراب من الطبيعة .

وخلال تلك الصور تستطيع العين ان تحول الشكل الى تشكيل والواقع الى فعل تحقيق رؤية.... وهذه تعتبر بمثابة صيغ من التفكير البصري مثل التجريد - التحوير - التركيب - التعددية - الإبدال .. الخ .

وهذا يعني ان هناك رصيدا من الخبرة البصرية التي تذخر بدلالات ادراكية وحلول متنوعة للشكل .

( اننا نرى بحصيلة خبراتنا ، ونبتكر بحصيلة توقعاتنا ).

إن عملية التدريب على ممارسة الحوار مع الشكل تعد من المهارات الضرورية التي يجب ان يكتسبها دارس الفن .

إن عملية ممارسة الحوار مع الشكل تجعلنا نقوم بفحص الطبيعة فحصاً جيداً بالملاحظة والدراسة والتعبير عن قوانين الشكل من بنية داخلية وخارجية وملمس وخط وابعاد .

فبالملاحظة والتسجيل والكشف والتحليل ينشط التفكير البصري والحس الإدراكي وهذه من المداخل الأولى للتذوق الفني والجمالي .

أما اجراءات الحوار مع الشكل في الطبيعة ، فمتنوعة ومتجددة كالإختزال والتركيز والحذف والإضافة والتجريد والتكعيب والتكبير والتصغير والتحويروكل هذه الاجراءات الحوارية التي تمارسها العين تسهم في تربية العين على تكوين التصورات الشكلية.