"ملتقى الحياة الخامس يحتضن النانو بجانب أبيات الشعر"

سوق عكاظ: عنقاء الجزيرة العربية والخل الوفي للمثقفين العرب

الطائف: سلطان المنصوري
صور وفيديو

انتفض سوق عكاظ قبل خمس سنوات كطائر الفينيق من رماد الغياب لقرون طويلة، وعاد ليصبح ملتقى الحياة، ولتتم تسميته بعنقاء الجزيرة العربية، وربما أنه سيصبح أيضاً الخل الوفي للمثقف العربي في ظل الربيع العربي ومتطلباته.
انطلقت فعاليات سوق عكاظ الخامس بمحافظة الطائف -غرب السعودية - برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، وبحضور أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، ووزراء التربية والتعليم والثقافة والإعلام ورئيس الهيئة العليا للسياحة وكبار المسئولين والمثقفين العرب .

وفي دورته الخامسة تم تكريم الفائزين بجوائز سوق عكاظ حيث فاز الفنان التشكيلي السوداني عوض أبو صلاح بجائزة لوحة وقصيدة، وفاز بجائزة التصوير الضوئي - عن فئة فوق 18 سنة - رائد سفر البقمي – سعودي الجنسية-، وعن فئة أقل من 18 سنة فاز جلال رفعت المسري – مصري الجنسية-، أما جائزة الخط العربي فقد فاز بها محمد فاروق حداد – سوري الجنسية- مناصفة مع عبد الرحمن الشاهر- مصري الجنسية-، وقد فاز بجائزة الإبداع والتميز العلمي - التي استحدثتها أمانة سوق عكاظ هذا العام-  الدكتور أحمد صالح العمودي من جامعة الملك عبد العزيز، والبروفيسور عبد العظيم فاروق جاد من جامعة الطائف.


وتحول - رئيس الهيئة العليا للسياحة والآثار- صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان إلى راوٍ للشعر في كلمة سوق عكاظ التي ألقاها، وألقى أبيات من الشعر عن عكاظ ودور المملكة في الثقافة والحضارة.
وقال في كلمته : "إن سوق عكاظ فرصة سانحة للاجتماع في هذه المملكة، بلد الحضارات ومهد الرسالات، وقد كان سوق عكاظ والحج وسيلتا الاتصالات بين الشعوب، ونؤكد اليوم على الدور الذي تقوم به المملكة والتي تضطلع بدور أصيل ناتج عن تاريخ أصيل ومكانة مرموقة".هذا وقد ركز سموه على البعد الحضاري للمملكة ولسوق عكاظ.

سوق عكاظ ملتقى هام، والتركيز على التقنية سيكون له دور في نهضة السعودية  

وضمن الفعاليات الثقافية لسوق عكاظ ذكر سمو الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد - نائب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية - خلال ندوته التي أقيمت حول: "نقل المملكة إلى مجتمع المعرفة" بأن هناك مشروعاً لتحلية المياه عن طريق الطاقة الشمسية وستكون تكلفة الواط الواحد "2 دولار"، بينما تكلفته عالمياً "4 دولار"، وشدد على أن المشروع الذي بدأ من مدينة الخفجي سيصل إلى جميع مدن المملكة خلال عشر سنوات.
وفي تصريح لـ عربيات قال سموه: " هناك خطة بالتعاون مع وزارة التخطيط للتنمية وهي أساساً جزء من خطة التنمية التاسعة وتركز على جانب العلوم والتقنية والابتكار".
وأضاف: "وادي التقنية والذي أعلن عنه الأمير خالد الفيصل بمنتدى جدة الاقتصادي سيكون في الطائف، وهو واحة التقنية الكبرى التي سوف يتم إنشاءها إن شاء الله في عكاظ".
وعن سوق عكاظ قال سموه: " لا شك أن سوق عكاظ ملتقى هام جداً، وقد وجد الدعم الكبير من سمو الأمير خالد الفيصل، والحقيقة أن هذا الدعم وهذا الاهتمام سوف يكفل بأن يكون للملتقى دور أساسي في نهضة المملكة خاصة مع تركيز صاحب السمو الملكي خالد الفيصل على التقنية، ونعتز بدعوة الأمير خالد الفيصل لمشاركة المدينة المنورة في هذا السوق، فهذه المشاركة تتيح شراكة بين المدينة المنورة وأمارة مكة المكرمة لا تقتصر على سوق عكاظ إنما تشمل واحة التقنية، ونشكر سموه على هذا الاهتمام".

سوق عكاظ بين الأصالة والجدة 


أستاذ الأدب بجامعة الإسكندرية الدكتور محمد زكريا عناني والذي كان مشاركاً ضمن فعاليات تجارب الكتّاب تحدث لـ عربيات عن تعدد الفعاليات الأدبية داخل مهرجان سوق عكاظ قائلاً: " أنا أجده ملتصقاً بروح عكاظ، ألم نجد هناك مساجلات نقدية بسوق عكاظ؟، من هذا المنطلق أجد كل جواز أدبي في أي فرع من الفروع يتفق مع الروح المتواتية المدهشة لعكاظ الذي يمثل إحياءها بالنسبة لي شيئاً مدهشا لم يفعله الأوربيون بالنسبة لجبال الأوليمب وملهمات الشعراء كما كانت الأساطير تقول في الزمن القديم، وكأني أريد لسوق عكاظ أن يكون أصيلا أصالة متناهية، وجديداً جدة متناهية يجمع بين العراقة ويستطيع أن يلجأ إلى الجدة فيترجمها في تلك الفعاليات المشتركة".
ويسرد عناني خفايا عكاظ بداخله وأنها حركت به البحث عن تاريخه فيقول: " لقد بدأت حياتي مبدعاً حتى في المرحلة الثانوية ومرحلة الشباب الباكر حيث أصدرت روايات وقصص قصيرة وديواناً شعرياً، ثم جرفتني أعاصير الأكاديمية والترحال والعمل والشواغل والمناصب وغيرها فتشوشت رؤيتي، وكنت أكتفي في الغالب الأعم بنشر قصيدة هنا وقصيدة هناك والغالبية العظمى كنت أعكف على النص وأحاول أن أجوده حتى وإن فرغت منه ألقي به في درج من الأدراج أو في ملف من الملفات، والآن أفكر بالعودة إلى أوراقي القديمة، أحاول أن أنشر منها ما أشعر أنه يعبر عني شعراً كما عبرت أو حاولت، لقد آن الأوان في أن ابحث في نفسي عن روح عكاظ الكامنة أساساً في الشعر والشعر أبو الفنون".

جائزة التقنية منحت عكاظ الشمولية  


وعن رأي عناني في مقترح عربيات بإضافة جائزة للترجمة بسوق عكاظ قال عناني: " سوق عكاظ التي احتضن التجربة العلمية الحديثة تقنية النانو قابلاً تماما لأن يستوعب كل التيارات الأدبية والفكرية وكل المذاهب والمشروعات الكبرى ومنها الترجمة".
ويستمر عناني في قراءة ملامح سوق عكاظ ملتقى الحياة في عامه الخامس ويحكي: " سوق عكاظ قابل للتطور، على سبيل المثال أشعر أن سوق عكاظ يمكن أن يصنع إلى جواره شيئا مما يسموه المصرين أحيانا بورشة الشعر, المكان الذي يستمع إلى شباب الشعراء والشاعرات لكي يعطي مزيداً من التوجيه وتدريسا للعروض, تصويباً وإعطاء لرؤى نقدية مختلفة تنغمس في نفوسهم ومن يدري لعل الفترة المقبلة تكشف عن شاعرية قصوى من هؤلاء".


"العمل القوي هو الذي يستحق الفوز سواء كان لرجل أو لامرأة" هذا ما بدأ به حديثه لـ: عربيات الفنان التشكيلي محمد الثقفي المشرف على معرض مسابقة لوحة وقصيدة والذي ذكر بأن المرأة لم تغب عن الفوز بجائزة لوحة وقصيدة طوال السنوات الماضية لكن التركيز يكون عن العمل وقوته، والمرأة تشارك الرجل في المعارض وفي جمعيات الثقافة والفنون وفي لجانها.

المسرحية استحضرت الماضي وأسقطته على الحاضر


عمرو القحطاني منتج مسرحية زهير بن أبي سلمى والتي تم عرضها بسوق عكاظ لهذا العام استنكر القول بغياب الشاعر زهير عن المسرحية وقال لـ عربيات: " لم يغب الشاعر, نحن أظهرنا الشاعر كشاعر سلام ويسعى إلى الصلح بين عبس وذبيان، نحن أظهرنا شعره أيضا وأظهرنا دوره في الصلح والسلام وهو شاعر السلام، ونحن نحتاج اليوم إلى السلام ومن خلال شاعر السلام أسقطناه على واقع اليوم".
وشدد القحطاني على معرفة الجميع لشخصية زهير وشعره في الدواوين والكتب ولكن المسرحية من دورها أن تقدم جديداً ولذلك ارتكزت المسرحية على اختيار جانب من حياة زهير ويذكر القحطاني ذلك بقوله: " اخترنا زاوية من زوايا حياة زهير وهي محاولته للصلح بين عبس و ذبيان ومن خلال هذه الرواية، ومن خلال الحرب استحضرنا الماضي وأسقطناه على الواقع في بعض دول الجوار التي تسعى إلى الفتنة في منطقة الشرق الأوسط أو في دول الخليج بشكل أدق".
مسرحية زهير بدأت بالجماجم والجثث والعظام وهي لقطة رمزية يشير إليها القحطاني بقوله: " بداية المسرحية هي في الواقع نهاية آخر يوم لحرب داحس والغبراء بعد أربعين سنة، وزهير بن أبي سلمى أتى من الصندوق السحري، أتى من عالم الأحياء إلى عالم الأموات، فالأموات ينصحون ويقولون أين كنت؟، ولماذا لم تأت منذ زمن؟، ولماذا لم تنصحنا من قبل؟، وهو يقول نصحتكم ولكن الشر فيكم أنتم إلى أن اكتشفوا أن هناك (ساساني) في وسطهم والذي كان وراء الفتنة، وقد صورنا الوضع بين العرب بأحد مشاهد المسرحية، فالعرب تركوا فجوة فيما بينهم حتى يدخل (الساساني) فيما بينهم، أي أن الخطأ لا يتحمله (الساسانيين) بمفردهم أو  الفرس إنما يتحمله العرب بعدم توحيد صفوفهم، وهذه رسالة من رسائل المسرحية".


وعن تميز ملابس المشاركين ذكر القحطاني: "أن ملابس شخصيات المسرحية جلبت من أمريكا، وقد وفرت أمانة سوق عكاظ إضاءة عالمية لإنجاح هذا العمل، المسرحية كانت من تأليف الدكتور شادي عاشور، وإخراج الأستاذ رجاء العتيبي، وبطولة كل من: يعقوب الفرحان، وعبد الله عسيري، ومجموعة كبيرة من الفنانين، وتم عرض المسرحية لمدة أربعة أيام بجانب ليلة الافتتاح وحظيت بحضور جماهيري مميز، والذي دفع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل إلى الوقوف ليحيي العمل وطاقمه أثناء الافتتاح".

يذكر أن فعاليات سوق عكاظ الثقافية احتضنت ندوات علمية عن تقنية النانو، وندوة عن نقل المملكة إلى مجتمع المعرفة، وندوات تجارب الكتّاب، بالإضافة إلى عدد من الأمسيات الشعرية والنقدية والتاريخية وعدة عروض لمسرحية زهير بن أبي سلمى.
وقد تنوعت فعاليات جادة عكاظ بين مسرح الشارع التاريخي، وعرض القصائد الجاهلية، واستعراض القوافل، والإبل، وسباقات الخيول، بالإضافة إلى الحرف اليدوية القديمة واحتفالات اليوم الوطني.