أطلق خبراء الصحة العالميين تحذيراً شديداً من خطورة إنتشار فيروس الإنفلونزا الذي يودي بحياة آلاف الأشخاص سنوياً في مختلف أنحاء العالم . كما حذروا من الأضرار الإقتصادية الجسيمة الناجمة عن هذا المرض الشائع ، ودعوا إلى ضرورة تضافر جهود الهيئات الحكومية ومختلف الجهات العاملة في قطاع الرعاية الصحية لمكافحة هذا المرض والسيطرة عليه . جاء ذلك في تقرير طبي تحت عنوان "الأنفلونزا .. سباق مع الزمن" أعده البروفيسور جون إكسفورد من كلية الطب بجامعة كوين ماري البريطانية ، وشارك فيه الدكتور دانيال لافانشي ، المسئول عن قسم الأمراض المنقولة بالعدوى في منطمة الصحة العالمية ، بالتعاون مع البروفيسور ألبرت أوشتراوس ، من جامعة إيراسموس في روتردام ورئيس المجموعة العلمية الأوروبية لمرض الإنفلونزا . وقد كشف هذا التقرير - الذي يعد أول بحث علمي متكامل من نوعه حول الإنفلونزا - عن حقائق هامة تستوجب الإنتباه ، لاسيما في ظل غياب الإهتمام والوعي الكافي بهذا المرض . وعلى عكس الإعتقاد السائد بين كثير من الناس بأن الإنفلونزا هو أحد الأمراض العابرة المصحوبة ببعض الأعراض البسيطة والتي سرعان ما تزول ويتعافى منها الفرد ، فقد أشار التقرير إلى أن هذا الإعتقاد ينطوي على سوء تقدير كامل لطبيعة وأضرار هذا المرض الذي يصيب واحداً من بين كل عشرة أشخاص بالغين في العالم ، وطفل من بين كل ثلاثة أطفال . وفي هذا الصدد أوضح البروفيسور جون أكسفورد ، أن الإنفلونزا مرض خطير يؤثر على الجميع كباراً وصغاراً ، خاصة أولئك المصابين ببعض الأمراض المزمنة مثل الربو والسكر ، وهو مرتبط بنسبة غير قليلة من الوفيات على المستوى العالمي ، مؤكداً أن رفع مستوى وعي العامة بهذا المرض ، وتنظيم حملات التطعيم بالإضافة إلى إيجاد بدائل جديدة من العلاج المناسب التي تحتوي على مثبطات إنزيم نيورامينيديز البكتيري ، من شأنها تخفيف أضرار هذا المرض ، بل وإنقاذ حياة الألوف من الناس في كافة أنحاء العالم .
وفي حين أورد التقرير أن الأنفلونزا تأتي في مقدمة الأسباب الرئيسية وراء تغيب نحو 10% من القوى العاملة عن العمل في مختلف دول العالم ، فقد تضمن أيضاً بعض الإحصائيات الهامة المتعلقة بالآثار السلبية لهذا المرض في عدد من الدول المتقدمة :
ففي فرنسا يترواح عدد الوفيات الناتجة عن الأنفلونزا ما بين (4000 – 16000) شخص سنوياً . وتنفق الحكومة الفرنسية زهاء 290 مليون يورو سنوياً في علاج هذا المرض الذي يؤدي إلى خسائر إقتصادية مصاحبة تقدر بحوالي 2180 مليون يورو سنوياً . ولا يختلف الوضع كثيراً في بريطانيا ، حيث تصل نسبة الوفيات من الأنفلونزا إلى (12000) حالة سنوياً ، ويبلغ ما تنفقه الحكومة البريطانية في العلاج نحو 26 مليون يورو ، كما أنها تتكبد (1074) مليون يورو سنوياً في شكل خسائر إقتصادية ناتجة عن الإنفلونزا . وفي إيطاليا يلقى قرابة الخمسة آلاف شخص حتفهم سنوياً من الأنفلونزا .
أما في المانيا ، فيصل معدل الوفيات إلى (15000) حالة سنوياً ، في حين يقدر حجم الإضرار الإقتصادية للمرض هناك بنحو (1139) مليون يورو سنوياً .
وتعليقاً على ذلك قال الدكتور روني سناكن ، المسئول بوازة الصحة في بلجيكا : "تعتبر الأنفلونزا أحد الأمراض الفيروسية التي تهدد كافة الدول الأوروبية ، ويتعين علينا جميعاً توضيح مدى خطورة إنتشار هذا المرض أمام صانعي القـرار والسعي لحملهم على إتخاذ إجراءات فورية للحد من أضراره ." كما علق الدكتور دانيال لافانشي ، المسئول عن قسم الأمراض المنقولة بالعدوى في منطمة الصحة العالمية ، وأحد العلماء المشاركين في البحث ، قائلاً : "لقد أصبح الأمر كله مسألة وقت ليس أكثر قبل أن نواجه أحد التحديات الجديدة والمتمثلة في إنتشار وباء الأنفلونزا . وبالرغم من الدور الحيوي الذي تعلبه المراقبة والمسح الشامل لهذا المرض والأدوية والعقاقير الجديدة التي ظهرت مؤخراً ، إلا أن مواجهة هذا التحدي سيكون أمراً مستحيلاً مع غياب الخطط الصحية اللازمة التي تتبناها الجهات الرسمية لمكافحة وباء المستقبل ." ومع الإعتراف بصعوبة التكهن بالوقت الذي يمكن أن تتحول فيه الأنفلونزا إلى وباء ، فإن منظمة الصحة العامة تحث الجهات الرسمية ذات العلاقة في كافة دول العالم على إتخاذ كل الحذر والحيطة تحسباً لذلك . وفي هذا الإطار أصدرت منظمة الصحة العاملة عام 1999م ورقة عمل تتعلق بخطة الإستعداد لمواجهة المرض ، على أن يتم تعديلها بما يتماشى مع أوضاع ومتطلبات كل دولة على حدة لمساعدة المسئولين عن القطاع الصحي والطبي في دول العالم على وضع الخطط من أجل مواجهة إحتمال إنتشار وباء الإنفلونزا في أي وقت . هذا ، وقد كشف التقرير الذي نحن بصدده عدم جاهزية وإستعداد العديد من الدول حتى الآن للتعامل مع هذه المشكلة بالطريقة الصحيحة في حال حدوثها .
ومن جهته صرح البروفيسور ألبرت أوشتراوس ، ورئيس المجموعة العلمية الأوروبية لمرض الإنفلونزا ، بأن الطفرة الهائلة التي حققتها صناعة الأدوية والمستحضرات الطبية تمثل أحد الأسلحة الفعالة في الحرب ضد فيروس الأنفلونزا . وأضاف : "إن توسيع نطاق حملات وبرامج التطعيم من المرض والإستفادة من الأدوية الجديدة مثل مثبطات أنزيم نيورامينيديز البكتيري تعتبر من العناصر الرئيسية لمكافحة الإنفلونزا . وبينما يمثل التطعيم أول خطوط الدفاع والوقاية من فيروس الإنفلونزا ، فإن فعالية الأدوية الجديدة ستقلص ولاشك من حدة الأعراض المصاحبة لفيروس الأنفلونزا ، ومـدة
الإصابة به ، إلى جانب منع حدوث أي مضاعفات ومن ثم خفض إحتمالات تنويم المريض في المستشفى ، وكذلك إحتمال الوفاة لا سمح الله ."
ويتزامن إصدار هذا التقرير الهام "الأنفلونزا .. سباق مع الزمن" مع سياق العمل على نشر الوعي بمرض الإنفلونزا ومخاطره على النحو اللازم ، والحث على تضافر كل الجهود المبذولة من قبل جميع الجهات المعنية للسيطرة على المخاطر والأضرار الجسيمة التي يحدثها هذا المرض في كافة أنحاء العالم.