معتبراً أن كل شيء في الكون قابلاً للفهم

الشاعر الإسباني "غافريال نافارو": القرآن الكريم أروع درس إنساني

عربيات - رشيد فيلالي
صور وفيديو

تحاور "عربيات" أحد أبرز الأصوات الشعرية في إسبانيا، وهو غافريال نافارو صاحب ديوان "الريح و البحر" الذي ستصدر ترجمته من الإسبانية إلى اللغة اليابانية وقد تولى الترجمة الشاعر نفسه بعدما ترجمه إلى الإنجليزية، فيما يعكف أيضا على ترجمة ديوانه إلى الفرنسية والألمانية، ويحلم بترجمتة إلى اللغة العربية هادفاً إلى إيصال صوته الشعري إلى العالم أجمع. حيث يختزل تجربة استقطرها صاحبها من خلال احتكاكه اليومي بشتى ثقافات العالم، وساعده في ذلك كثرة أسفاره وتعدد مواهبه وتنوعها، إذ أنه يمارس فن التصوير الفوتوغرافي وتصميم الجرافيكس والإرشاد السياحي، وفي السطور التالية نتعرف على هذا الشاعر الذي اعترف بأن القرآن الكريم منبع إلهامه، فهو الذي أعطاه كما يقول أروع درس إنساني.


ديوانك الشعري " الريح والبحر" هل قلت فيه ما تريد؟ وهل في تصورك ترجمة الشعر ممكنة؟
لا يوجد أحيانا سببا لتأليف كتاب، بيد أنه في أحيان أخرى ثمة شيء ما له معنى أنت ترغب في أدائه وتجسيده. وفيما يتعلق بديواني" الريح والبحر" فهو كتاب ولد أثناء رحلة بحثي عن الأنا الروحية، حيث اكتشفت خلالها بأننا مهما تعددت تجاربنا نبحث بعيون مريضة وفي الاتجاه الخطأ. كتابي خلاصة عمل ثلاث سنوات وهو يتخذ من القلب محوره الجوهري، وعليه فإنه يتوجب علينا أن نعيد التركيز على قلبنا قبل شروعنا في رحلة البحث عن وعينا. لقد ترجمت ديواني المؤلف بالإسبانية إلى الإنجليزية واليابانية وفي الوقت الراهن أنا بصدد نقله إلى الفرنسية والألمانية، كل ذلك بهدف إيصال صوتي الشعري إلى أوسع عدد من القراء في العالم وأمنيتي أن تصدر ترجمة عربية لهذا الديوان في يوم من الأيام.


بالنظر إلى سيرتك نجد أنك مواطن عالمي نموذجي، فهل تسافر إرضاءًا لفضول معرفي؟
أنا لا أؤمن بالحدود عبر الأوطان، بل أؤمن بعالم واحد موحد هو منزلنا جميعا، وكل ما أفعله أنا هنا في اليابان يؤثر فيك أنت هناك والعكس صحيح، علينا أن نطور وعياً جماعياً إذا أردنا فعلا أن نستمر كجنس بشري، لقد سافرت كثيراً في حياتي وحالياً استطعت أن أطور إحساسا شخصيا بالمتعة عبر استيعاب كل الأشياء الجيدة في جميع الثقافات، وفي المحصلة بمقدوري أن أؤكد وجود إيمان مشترك لا يتغير ضمن كل الثقافات وهذا ما هو أنا عليه الآن.


ما الذي استفدته من الفلسفة الهندية التي قلت بأنك متأثر بها؟
الحياة عبارة عن خيار مستمر، وعليه ينبغي علينا أن نسير بتأن كي نعي جيداً طبيعة هذه الخيارات، فالحياة تسير اليوم بإيقاع سريع، الأمر الذي نتج عنه فقداننا للاتصال بالعالم المحيط بنا، لأننا نعيش دائما وفق فرضية قلة الوقت، بينما الوقت هو أعظم وهم.


وهل ثمة سر وراء هذا التوجه في حياتك الروحية؟
ليس هناك سر في الكون، كل شيء قابل للفهم لمن أراد أن يعرف، والفارق الوحيد بين المعرفة وعدم المعرفة هي مسألة توازن فحسب.


أمضيت سنوات من العمل كدليل سياحي في الأمازون هل في مقدورك أن تحدثنا عن هذه التجربة؟
بالنسبة لي الأمازون فتح عيني على حقائق خفية، أدركت بأنني كنت أعمى عندما تصورت نفسي سيد الكون، فيما نحن البشر مجرد جزء بسيط جدا من هذا الأخير. بمجرد إدراكنا أننا لسنا أسياد الكون نتحرر من سوء الفهم، وعندها يصبح بوسعنا أن نتواصل مع المنبع الأصيل للوجود ونصبح مرآة صادقة لذاتنا.


التعبير عن المشاعر في اللغة اليابانية ضمني وتلميحي


تتحدث بطلاقة عدة لغات ومنها اليابانية، لماذا في رأيك لا توجد في هذه اللغة  كلمة مثل "أحبك"واضحة ومباشرة كما هو الحال في جميع اللغات؟ هل لذلك علاقة بالثقافة اليابانية؟
في اللغة اليابانية كلمة أحبك تختزل في كلمة "آي"، وبالفعل المسألة فيها اختلاف في الثقافات لكون التعبير في هذه اللغة عن المشاعر الشخصية  لا يتم إلا على نحو ضمني وتلميحي، لكنهم في الحقيقة يدركون جيداً معنى هذه الكلمة، وفي مجال الانفعالات نجد فعلا اليابانيين يكتمونها ولا يعبرون عنها بوضوح وبشكل مباشر، غير أنني أؤكد لك بأن لهم مشاعر رائعة حقاً، وبخاصة  في لحظة بوح صادقة.


هل لديك خلفية عن الثقافة أو الأدب العربي؟
عندما كنت صغيراً كان أول كتاب قرأته "ألف ليلة وليلة"، كما أنني  أجد راحتي في قراءة القرآن الكريم، ففي هذا الكتاب المقدس توجد آيات من أروع ما قرأت، ومنها على سبيل المثال قوله تعالى: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ".


نعيش في وقت برزت فيه الصراعات والخلافات، هل أنت متفائل بشأن مستقبل البشرية؟
بالتأكيد، فمسألة الصراعات والخلافات قضية الإنسان منذ الأزل، أما الكون فيحتوي الجميع على قدم المساواة دون تمييز بين اللون والعرق والمعتقد الديني. أود دائما في هذا الشأن أن أقتبس كلمة ألقاها الإمبراطور الأثيوبي "هيلا سيلاسي" في الأمم المتحدة عام 1963 وهي بتصرف: "في مايو الماضي بأديس أبابا طلبت تنظيم ملتقى  لدول إفريقيا ورؤساء الحكومات، وفي ثلاثة أيام حضر ممثلو 32 دولة لهذا الاجتماع، حيث برهنوا للعالم أجمع أنه عندما توجد إرادة ورغبة صادقة فإن الأمم و الشعوب المنتمية إلى أصول مختلفة بوسعها العمل والتعاون مع بعضها البعض في سبيل تحقيق المشاريع والأهداف المشتركة، وبالتالي ضمان المساواة والأخوة التي ننشدها جميعاً". وفيما يتعلق بالتمييز العنصري فإن ملتقى أثيوبيا أعطى أيضا درساً بليغاً مؤكدا بأن فلسفة العرق الأعلى والعرق الأدنى لم تعد لها مصداقية و بالتالي لم يعد هناك مواطن من الدرجة الأولى وآخر من الدرجة الثانية وكل هذا في طريقه إلى الزوال، فالمساواة كما قال "هيلا سيلاسي" من حقوق الإنسان الأساسية وأنا واثق في انتصار الخير على الشر في النهاية. إن ثورة الإنسان ياصديقي تبدأ على مستوى كل فرد منا.