في إصداره الأخير بعنوان "إنقاذ الأمل"

الناقد البحريني نادر كاظم: الربيع العربي انتقل من التفاؤل، إلى التخوّف، إلى الإحباط

عربيات - البحرين: رباب أحمد
صور وفيديو

صدر مؤخراً كتاب "إنقاذ الأمل" للكاتب والناقد البحريني نادر كاظم عن دار مسعى، و يعد هذا الكتاب الإصدار التاسع للكاتب، ويتناول فيه الثورات العربية أو ما يسمى بـ"الربيع العربي" والتحول الديمقراطي في المنطقة، ويتطرق إلى مشاعر الشعوب حياله معتبراً أنها مرت خلال مراحل مختلفة بالتفاؤل والتخوف والإحباط، متمسكاً في طرحه بالأمل في مستقبل أفضل. حول الكتاب والآراء التي تضمنها حاورت "عربيات" الكاتب في هذا اللقاء.

 

من هو نادر كاظم؟
على الرغم من بساطة هذا السؤال إلا أنه من الأسئلة صعبة الإجابة، وعلى المرء أن يتقمص شخصية الآخر حتى يعرّف نفسه، فيمكن القول بأن نادر كاظم هو كاتب وناقد ثقافي وأكاديمي من البحرين. مهتم منذ منتصف التسعينات بالنظرية النقدية، وبالنقد الثقافي، وبالدراسات الثقافية، وبقضايا تقع في دائرة واسعة تتصل بالثقافة والهوية والتاريخ والفكر السياسي. وهو من مواليد قرية الدير في شمال جزيرة المحرق، تلقى تعليمه في مدارس البحرين الحكومية، ودرس في جامعة البحرين مع مطلع التسعينات، وهي فترة كانت حاسمة في حياته وتوجهاته.

ما هي أبرز الافكار التي تناولها إصدارك الأخير؟
الكتاب هو أشبه بمحاولة لإنقاذ الأمل في إمكانية التحول الديمقراطي في العالم العربي، إنقاذ الأمل في نفسي قبل نفوس قراء الكتاب، وخاصة بعد المسارات الصعبة والمعقّدة، وأحياناً المحبطة والمؤلمة والتي سلكها "الربيع العربي" بعد نجاح ثورتي تونس ومصر في الشهور الأولى. كانت هذه المسارات تحتم عليّ لا الدفاع عن "الربيع العربي" بحدّ ذاته، بل عن الأمل الذي أحياه هذا الربيع في نفسي وفي نفوس كثيرين على امتداد هذا العالم العربي. وهو أمل بدا بعد عامين من انفجار "الربيع العربي" وكأنه يتلاشى ويذبل، كثيرون على امتداد العالم العربي تفاءلوا بالربيع العربي بلا حدود في شهوره الأولى، ثم تفاءلوا به بحذر، ثم انقلب التفاؤل إلى تشاؤم من المآلات والمصائر التي تنتظر هذه البلدان بعد الربيع العربي.

لماذا برأيك تحول التفاؤل إلى تشاؤم؟
ربما كان من التسرّع الاعتقاد بأن انتفاضات "الربيع العربي" ستكون "يوم الخلاص"، و"نهاية التاريخ" عربياً، و"الكلمة الأخيرة" في المشهد الأخير. إلا أنه من الإجحاف كذلك أن نقول إن شيئاً لم يتغيّر. فالفكرة التي يدافع عنها هذا الكتاب هي أن انتفاضات "الربيع العربي" كانت محطة أساسية على "طريق طويل"، أو بتعبير آخر، فإن "الربيع العربي" يأتي كتتويج لذاكرة الأمل الضاربة بجذورها على مدى قرنين من التاريخ العربي الحديث، وهي ذاكرة انتظمت في مسار تاريخي طويل تعاقبت عليه ثلاث موجات كبرى من الآمال العربية الجماعية. فقد راهنت الموجة الأولى على أمل التنوير والنهضة، فيما راهنت الموجة الثانية على الثورة والتغيير الراديكالي الشامل والسريع، في حين راهنت الموجة الثالثة على التحول الديمقراطي السلمي والسلس، ويأتي الربيع العربي كموجة رابعة في هذا السياق.

تتحدث في "انقاذ الأمل" عن الحركات الاحتجاجية العربية والطريق الطويل إلى الربيع العربي، هل يتطلب نضوج الحركات الاحتجاجية عادة فترات طويلة أم أن هذا يحدث في الدول العربية فقط؟
على العكس من ذلك، فقد كان انفجار ثورات "الربيع العربي" وانتفاضاته بكل احتجاجاتها السلمية والواسعة والمترامية مشهداً غير مسبوق في كل تاريخ البلدان العربية. فقد سبق أن شهدت هذه البلدان انقلابات عسكرية، وانتفاضات خبز وجياع، ومطالبات إصلاحية، إلا أن ما جرى في انتفاضات "الربيع العربي" كان مفاجئاً واستثنائياً بكل المقاييس، فالحراك كان شعبياً ومتنوعاً ومطالبه كانت في البداية مطالب إصلاحية سياسية واجتماعية، ثم قفز الشعار الثوري المطالب بإسقاط النظام، وهذا ما ظننا أنه تحقق بالفعل. وهو ما حفّز "ملكة إصدار الأحكام" لدى كثير من المتفائلين ممن أخذهم حماسهم إلى حدّ الاعتقاد بأن "الربيع العربي" سيجلب الديمقراطية الليبرالية الناجزة إلى هذه المنطقة لا محالة، وسيكون فاتحة عصر جديد من التحولات الكبرى والمصيرية، وأنه "أشبه بالمعجزة" التي ستفتح المجال "لكي ينبلج عصر عربي جديد، وينفتح أفق غير مسبوق للعمل السياسي والتحول الديمقراطي" في المنطقة. إلا أنه لن يكون من الصعب أن نتوقّع حجم الإحساس بخيبة الأمل بعد أن ظهرت على السطح الكثير من مؤشرات الانتكاسة حتى في بلدان "الربيع العربي" ذاتها. فالإطاحة بأنظمة الحكم ليس أكثر من تجاوز عقبة واحدة في طريق التحول الديمقراطي، وهو تجاوز كشف عن عقبات أخرى في الطريق. لقد وضعت هذه الانتفاضات بلدان "الربيع العربي" على مسارات صعبة ومعقّدة، وعمّمت داخلها حالة من الفوضى، ودفعت اقتصاداتها إلى حالة من التردّي تهدّد بالانهيار، وأفسحت المجال أمام صعود لافت ومتوقّع للإسلاميين، والإخوان المسلمين والسلفيين على نحو خاص. 

 

الشكوك تطل برأسها حول إيمان الجماعات الإسلامية بفكرة الديمقراطية 

ماهو تقديرك لظاهرة صعود الجماعات الإسلامية بشكل لافت بعد الثورات العربية؟
هذه القوى ظلّت تعمل وتكابد، لسنوات طويلة من "تحت الأرض"، و"في الظل"، وأحياناً من داخل لعبة "الانتخابات بدون ديموقراطية" حقيقية؛ ولهذا فإن تكيّفها مع ظروف العمل السياسي العلني من "فوق الأرض" و"على المكشوف" قد يتطلّب فترة من الزمن. إلا أنه لا ينبغي أن نتصوّر كذلك أن أحداً سيمنح هذه القوى الفرصة المواتية والسهلة لالتقاط الأنفاس وإنجاز التكيّف مع الظروف الجديدة. فلا الحشود التي انتفضت وملأت الميادين كانت مستعدة لتفعل ذلك لأنها كانت على عجلة من أمرها لقطف الثمار والعودة إلى حياتها الطبيعيّة، ولا القوى السياسية المنافسة كانت ستهدي غريمها السياسيّ القويّ فرصة العمر ليتمكّن من بسط هيمنته على كل مفاصل الدولة، ومن إعادة ترتيب قواعد اللعبة السياسية بما يتناسب مع مصالحه. أضف إلى ذلك أن اللاعبين الخارجيين لن يقفوا، في الفترة الانتقالية، مكتوفي الأيدي ومقتنعين بلعب دور المتفرّج الذي يشاهد مصالحه الحيوية وهي تضيع من بين يديه، ومناطق نفوذه الاستراتيجية وهي تفلت من قبضته. ثم إن هناك شكوكاً كبيرة كانت كامنة بدأت تطل برأسها فيما يتعلّق بإيمان هذه القوى الدينية بفكرة الديمقراطية من الأساس، وبمدى استعدادها لاستلام إدارة دول قامت انتفاضات "الربيع العربي" من أجل الانتقال بها إلى الديمقراطية بكل ما يفترضه المعنى الأساسي والمتعارف عليه في الديمقراطية من ضمانات أكيدة للحريات والحقوق الأساسية، وتداول سلمي للسلطة، وفصل بين السلطات، والالتزام بسياسات اقتصادية عادلة وشفّافة، والأهم من ذلك كله تأمين توافق واسع بين القوى السياسية التي أسهمت في هذه الانتفاضات بحيث يضمن تجاوز الفترة الانتقالية بنجاح بدون أن ينفجر التنافس السياسي الحادّ على السلطة ومغرياتها. الأمر الذي من شأنه أن يبدّد مكتسبات هذه الانتفاضات، وقد يعجّل بانزلاقها نحو الصراع والمسارات الصعبة، ويدفع بها نحو المجهول، أو نحو ديكتاتورية جديدة، وخاصة أن بنية الديكتاتورية مازالت قائمة في هذه البلدان في ظل بقاء أجهزة الدولة التسلّطية وانعدام الموانع الحقيقية التي يمكنها أن تحول دون إعادة إنتاج الديكتاتورية مجدداً.

كيف تناول الكتاب مرحلة ما بعد الإطاحة بأربعة رؤساء؟
لقد قدمت تجربة تونس ومصر نموذجاً في التحول الديمقراطي السلمي والسلس إلى حدّ كبير، لكن الأجواء سرعان ما تغيّرت من التفاؤل بلا حدود إلى التفاؤل الحذر، إلى التخوّف، إلى الإحباط، وذلك عندما أخذت الأزمات تتفجر وتطفو على السطح لتثبت للكثيرين حقيقة حجبتها سُحُب الاستجابات الأولية المتفائلة، وهي أن التخلّص من رأس النظام لا يعني بالضرورة القفز إلى الديمقراطية الناجزة، فدون ذلك طريق قد يطول، مما حمل بعض المراقبين على القول بأن أوضاع هذه البلدان سوف تكون أسوأ حتى من مرحلة ما قبل "الربيع العربي"، وأن الربيع لم يكن إلا خريفاً أو شتاء إسلامياً أو غير ذلك من التحليلات. وسواء أتفقنا أو اختلفنا مع هذه التحليلات فإن الثابت هو أن "الربيع العربي" كان لحظة فاصلة ومهمة في تاريخ المنطقة، إلا أن الربيع الديمقراطي الحقيقي مازلنا ننتظره.

 

التحول الديمقراطي قد يستغرق قرن من الزمان

كيف تطرقت في كتابك إلى انعكاس الثورات العربية على بقية دول المنطقة؟  
من حيث المبدأ فإن معظم البلدان العربية بحاجة إلى التغيير والإصلاح السياسي والاقتصادي، وما يدافع عنه الكتاب، هو أن تغيّراً كبيراً قد حدث في المنطقة وفي بلدان "الربيع العربي" تحديداً، سيدفع بالبدايات الديمقراطية إلى الأمام ويمنع الانزلاق إلى الوراء. التحول الديمقراطي مخاض صعب وعسير، ولربما يستغرق هذا المخاض زمناً طويلاً ذهب أحد الكتاب "الليبراليين" إلى تحديده بقرن كامل آخر حتى "يتم الاستحقاق الديمقراطي في القرن الثاني والعشرين". 

تقول في الكتاب بأن هناك من أصيب بخيبة أمل جراء نتائج الربيع التي لم تلبي التوقعات التي كانت مرتفعة، فما الذي دفع الشعوب العربية المنتفضة إلى رفع سقف توقعاتها من الربيع العربي؟
كانت التوقعات في أوجها في مطلع العام 2011، وقد كان التحول السريع والسلس نسبياً في تونس ومصر قد لعب دوراً كبيراً في تعميم الإحساس بأن التحول الديمقراطي لا يتطلب الكثير، فما هي إلا دعوات في الفيسبوك للاعتصام في ميدان عام ثم تحتشد الجماهير وتملأ الميدان، وعندئذ لن يكون أمام النظام سوى الاستسلام والرحيل تحت ضغط الواقع الذي فرضته هذه الجماهير المحتشدة والمصرة والمستعدة لأن تقدم التضحيات من أجل التغيير. وهكذا راحت كرة النار تكبر وتتعاظم وتتنقل بين البلدان العربية من اليمن في 11 فبراير 2001، إلى البحرين في 14 فبراير 2011، إلى ليبيا في 17 فبراير 2011، إلى سوريا في 15 مارس 2011، ووصلت بعض شراراتها حتى حدود الجزائر والمغرب والأردن وعمان والعراق ولبنان والكويت والسودان... إلخ، إلا أن التعقيدات التي مرّت، ومازالت تمر بها تونس ومصر، ثم المسارات الخطرة والدموية التي سلكتها السيناريوهات الأخرى، كل هذا كان له الدور الأبرز في انحسار موجة الأمل، وانحراف مسار التفاؤل من التفاؤل بلاحدود إلى التفاؤل الحذر إلى التخوف إلى الإحباط. وكان على الكتاب أن يركّز على هذه المسألة؛ لأن هذا الإحساس آخذ في التنامي بشكل حمل البعض على الكفر بـ"الربيع العربي"، والحديث عن "لعنة الربيع العربي".