متبنياً المسؤولية الاجتماعية بمفهوم وقفي

مخبز "جرايستون" يخلق الوظائف بصناعة الكعك

عربيات - نيويورك: أروى التركستاني
صور وفيديو
[node:title][node:title]

في أحد الأحياء الفقيرة في مدينة نيويورك وتحديداً منطقة "اليانكرز" المشهورة بخطورتها.  يقع مخبز "جرايستون"، وعلى الرغم من خطورة المكان يعمل هذا المخبز على بيع أفضل الكعك في المدينة "براونيز، كوكيز، منتجات خالية من الجلوتين، وخبز الموز". ليس هذا فحسب، بل يقوم هذا المخبز بتوفير فرص عمل لمن يجدون صعوبة في الحصول على وظائف مثل المشردين الذين لا يمتلكون مأوى، ومن لا يمتلكون خبرات وظيفية سابقة من خريجي السجون وغيرهم. وبالتغاضي عن ماضي الموظفين يقوم المخبز بتوفير فرص عمل لكل محتاج يعمل على تقديم طلب عمل لديهم، وهو نوع من العدالة الاجتماعية كما يسميها صاحب المخبز.

حصل مخبز "جرايستون" على احترام سكان مدينة نيويورك من خلال المسؤولية الاجتماعية التي يقدمها للمجتمع حيث يعطي هذا المخبز الأولوية لغير القادرين على المنافسة في الوظائف، وشعاره يتمثل في: "نصنع الكعك لنوظف الناس". يعود تاريخ المخبز إلى عام 1982 حينما قرر "بيرنارد تيستوجين" مهندس طيران سابق فتح مخبز يقدم منتجات محلية تتميز بالجودة، ليبدأ جرايستون رحلته. عاماَ بعد عام أصبح المشروع أكثر من مجرد مخبز، ليلهم أحد المسؤولين الذين يقدمون دعم وفرص للمحتاجين ليصنع المخبز سمعة أهلته لبيع منتجاته لبعض المطاعم الرفيعة المستوى في نيويورك في عام 1988 وسع المخبز بعد ذلك نشاطه ليشمل تقديم الآيس كريم "بين أند جيري" تحديداً.

تطبيق عملي لمفهوم المشاريع الوقفية

يتميز جرايستون بخبز منتجاته من مواد طبيعية خالية من المواد الحافظة، ويحصل المستهلكين على منتجاتهم في علب أنيقة وأحجام تناسب طلباتهم. ويمكن للمتسوقين أيضاُ الحصول على قمصان خاصة بالمخبز وكتب طبخ تحتوي على وصفات المخبز وأواني لصنع الكعك بها. والمدهش أن المخبز يشارك أرباحه مع العاملين فيه ثم تعود بقية الأرباح إلى مؤسسات جرايستون الخيرية. قد يعتبر البعض أن ما تفعله الشركة سخفاً، إلا أنه في الحقيقة يساعد على بيع منتجات المخبز بطريقة خيرية وبذلك يكون المخبز قد قدم لنفسه ما يحتاجه ليصنع المزيد من الكعك، وهذا يتمثل في مبدأ جرايستون: "نحن لا نوظف الناس لصناعة البراونيز، بل نحن نصنع البراونيز لتوظيف الناس".

يقع المخبز في منطقة لا تصلها الكعوب العالية وأحذية الأغنياء. في مبنى قديم في منطقة اليانكرز وداخل أحد الغرف يقوم العاملين فيه على صنع كعك الليمون و"موس الشوكولاتة" للمطاعم الفاخرة، ليصنعوا أيضاً كعكات زفاف لطلبات العرائس وبعض الكعكات التي تقدم في البيت الأبيض. ومع ذلك لا يوظف المخبز إلا من يحتاج هذا العمل.

فرصة لمن يبحث عن بداية حياة جديدة

لقد نشرت الكثير من الصحف والمواقع والمدونات الأمريكية تقارير إخبارية عن جرايستون وعن نشاطه الخيري المتمثل في مسؤولية المخبز الاجتماعية تجاه المجتمع،  منها تقارير نشرت في كل من: "ذا جورنال، نشرة فيلادلفيا للابتكارات الاجتماعية، وموقع إنوفيت أس، وموقع إكسامينر، ومنظمة رواد الأعمال، والسي إن إن، وبرنامج 60 دقيقة على السي بي سي نيوز"، وفي التقرير الذي عرضته السي بي سي نيوز يقول "رودني جونسن" مهرب مخدرات سابق بعد انتهاء فترة عقوبته في السجن وقراره الجاد في أن يبدأ حياة جديدة مع جرايستون: "سابقاً كنت أحقق ما يقارب 2000 إلى 3000 دولار في الأسبوع من خلال عملي في الشارع كبائع مخدرات إلا أن رغبتي في الحصول على بداية جديدة لحياتي ساعدتني على تحمل مبلغ يصل إلى خمسة دولارات في الساعة الواحدة في المخبز فقد رزقت بطفل وأردت أن أري زوجتي قدرتي على تحمل المسؤولية وبالفعل استطعت أن أحقق ما وصلت إليه إلى الآن، فعملي السابق كبائع مخدرات علمني كيف أصل للمبلغ المطلوب لأحقق الأرباح اللازمة خلال المدة المحددة". وأضاف: "الآن مع نهاية اليوم ليس علي أن أقلق بخصوص الشرطة أو الهرب إلى المباني لأختبئ داخلها، كل ما علي فعله هو الهرب إلى حياة طبيعية".

"جرايستون يبني لنا حياتنا" هذه هي عبارة لأحد موظفي المخبز في أحد اللقاءات الصحافية وفي اللقاء اتفق الموظفين على أن هذا المشروع جعلهم يصحون باكراً ويكتشفون أنه قد أصبح لديهم هدفاً في الحياة بعد أن كانوا منبوذين خارج دائرة الحياة.

وفي المقابل نرى والز الذي نشأ ليكون كاهن كاثوليكي ولكنه تخلى عن ذلك الحلم ليصبح أب وينشئ عائلة ويبدأ حياته الجديدة مع جرايستون، يؤمن بأن كل شخص يستحق فرصة جديدة للعمل. وذكر في التقرير: "في جرايستون نبحث عن أناس خرجوا من السجن أو من برامج تأهيل أخرى لنساعدهم على بدأ حياة جديدة فكل ما يحتاجه هؤلاء هو فرص تجعلهم أعضاء فاعلين في المجتمع".

التأهيل لسوق العمل

ووضح بأن المخبز لديه سياسة مختلفة في التوظيف، في كل يوم أربعاء يكون "يوم التوظيف المفتوح" يقوم المخبز بجمع طلبات التوظيف من خارج المخبز ليتم اختيار من يأتي أولاً للوظائف المتاحة. ويعمل الموظفين الجدد في طابور البراونيز، مكان العمل المتكرر الذي تصل فيه درجة الحرارة إلى 90 درجة. نصفهم ينسحب والنصف الآخر ينتقل إلى مرحلة العمل بدوام كامل مع فوائد كاملة. ويعلل والز بأن سياسة العمل هذه ناتجة عن علم جرايستون بأن معظم هؤلاء العاملين لن يستمروا للعمل في المخبز للأبد. لذلك فالمخبز يسعى إلى تأهيلهم بشكل مناسب لسوق العمل ليفتح لهم بذلك أبواب جديدة لفرص عمل أخرى.

بطبيعة الحال، يبدو العمل في مخبز كهذا عمل خيري بحت، إلا أن هذا العمل الخيري يساعد في الحقيقة على بيع منتجات المخبز، فالمصداقية التي يقوم المخبز على أساسها إخبار المستهلكين إلى أين تذهب نقودهم تجعل المستهلكين يرغبون بشدة في الحصول على هذه المنتجات، لأنهم بذلك يساهمون في تقديم الفرصة لهؤلاء الذين ليس لديهم تاريخ وظيفي في الحصول على وظيفة مناسبة، في الوقت الذي يساهمون فيه في منح الجمعيات الخيرية ما تحتاجه لإتمام العمل الخيري. إن مخبز جرايستون طريقة تسويق ذكية وفعالة وفي الوقت نفسه تظهر الفائدة الحقيقية من المشاريع التي لا تدر المال فقط بل تدر السعادة أيضاً.