هل كانت في المذكرات رسالة خفية إيجابية مقصودة لجمهور صحيفة (( كريستيان ساينس مونتر ))؟

قراءة لمذكرات رحلة حج امرأة سعودية نشرتها صحيفة " كريستيان ساينس مونتر "

قراءة/ رانية سليمان سلامة

صحيفة كريستيان ساينس مونتر

الكاتب والمخرج (( مايكل وولف ))

 

" غداً ، أستعد للقيام بالركن الخامس من أركان الإسلام ( الحج ) .... ولكن يجب أن أعترف بأنني كما يصنفني المجتمع السعودي  لست متدينة " .

هكذا بدأت الصحفية السعودية (( فايزة صالح أمبا )) مذكراتها لرحلة حج هذا العام والتي تم نشرها على خمس أجزاء بصحيفة (( كريستيان ساينس مونتر )) ... ولعل هذه المذكرات الصحفية لرحلة الحج ليست الأولى من نوعها التي يهتم بها الإعلام الأمريكي فقد سبقتها التغطية التي قامت بها قناة CNN في عام 1988م بواسطة مراسلها (( ريز خان )) ، وكذلك مذكرات الحج للكاتب والمنتج الأمريكي (( مايكل وولف )) الذي أشهر اسلامه بعد أن نشأ بين أب يهودي وأم مسيحية وأعد فلماً وثائقياً عن الحج والزيارة الأولى لمكة المكرمة ...وقد يتسائل القاريء عن العلاقة بين المذكرات التي أتناولها اليوم وتلك التي أشرت إليها ، والواقع أنه يوجد تشابه في ممارسة الشعائر الإسلامية للمرة الأولى في حياة الكاتب !! .... ولأكون أكثر انصافاً في قرائتي لمذكرات الصحفية (( فايزة أمبا )) رأيت أن اقرأها مرتين ، الأولى بعيني المجردة والأخرى أتقمص فيها شخصية قراء (( الكريستيان سايت مونتر )) في محاولة للمس وقع هذه المذكرات على نفوسهم .

لقد أعطتنا الكاتبة  حكم مسبق عن نفسها يتناقض  مع تقديم الصحيفة لها كصحفية مسلمة فلم أكن أعلم أنه يوجد مسلم متدين ومسلم بلادين !! .... كذلك قدمتها الصحيفة كسعودية الهوية ولا أشك في ذلك ولكن بدا لي حديثها الذي سأورد مقتطفات منه أنها ظلمت نفسها أو ظروف نشأتها ظلمتها لتنسلخ عن هويتها وتذوب مجتمع آخر أصبحت أقرب إلى نسيجه من نسيج مجتمعها الأم ، وحبذا لو كانت أوضحت خلفية الإبتعاد عن الوطن والذي أدى لأن تصبح نظرة المجتمع لها سلبية فهذا كان سيساعد على الأقل على لمس الأعذار لها في مشاهد  لم نكن لنجد القدرة على استيعابها  إلا إذا ذكرت أنها نشأت طوال حياتها في الخارج ولاتعرف من السعودية إلا زيارات عابرة وبالتالي تقديم الصحيفة لها على كل حال  كسعودية لم يكن له علاقة بالموضوع ولم نعتد ان نقرأ في مقدمة مواضيع أخرى أن هذا الكاتب في الجريدة الأمريكية هندي أو بريطاني أو ألماني فالموضوع مذكرات حاج فقط .... و بالتأكيد ليس مذكرات حاج سعودي نشأ في وطنه ويعرف مناسك الحج والعمرة منذ طفولته .... إنها مذكرات امرأة تتعرف للمرة الأولى على الإسلام !! .

بدأت اقرأ المذكرات ويزداد احساسي بالاستغراب  والتعجب وهي تحكي عن ردة فعلها عندما وصلتها الدعوة لمشاركة شقيقتيها في الحج قائلة : " قضاء أسبوع بين الملايين من المسلمين الذين قدموا من مختلف دول العالم لأداء شعائر الحج في بقعة واحدة جذب اهتمام الصحفية بداخلي أكثر من المسلمة !! " ، واستدركت الحديث بلسان الصحفية الأمريكية معتبرة أن فكرة اللقاء بالله تعالى في الصحراء ستكون أيضاً مشوقة بالنسبة لها بالرغم من وجود اسئلة بداخلها تتطغى على التسليم بأداء الشعائر التي يقوم بها الحجيج في هذه الرحلة من طواف حول الكعبة والوقوف بعرفات وغيره .... وانتقلت موجة التسائلات منها إلي ولكن ليس حول الشعائر بل عن كيفية أن تكون الأخت (( فايزة )) ولدت مسلمة وليست حديثة الإسلام ومع ذلك عجزت عن البحث عن إجابات لأسئلتها وقد أكون اخطأت الوصف إذا ماقلت (( عجزت )) لأن العجز يعني أن الأمر قد سبقه بحث وقراءة أتوقعهما تماماً من صحفية مطلعة ومتمرسة يصعب تخيل أن هذا الأمر تحديداً لم يسبق لها التوقف عنده في مسيرتها للبحث إلى أن جاء بمحض الصدفة !! .... فالانسان بفطرته عندما ينتمي لهوية ما يحاول أن يعرف كل شيء عنها ليحسن تقديم نفسه بها ولايتوقف عن البحث إلا إذا وجد ضالته أو بديلاً لها ... وأتعجب مرة أخرى لأن هذه المذكرات لصحفية (( مسلمة وسعودية )) وليست (( لمايكل وولف )) الذي كان عهده بالاسلام حديثاً عندما كتب مذكراته عن رحلته لمكة والحج ومن الطبيعي أن لا تكون هذه الشكوك قد تبددت بداخله ومع ذلك لم يطرحها وربما يعود ذلك لاطلاعه المسبق على الحكمة من هذه الشعائر التي يتعلمها الطفل المسلم منذ نعومه أظفاره كونها جزء لايتجزأ من عقيدة المسلم .... فحقاً تجربة الصحفية السعودية فريدة من نوعها بالنسبة لي على الأقل !! .

على النقيض من ذلك كانت رغبة شقيقات الصحفية أداء الحج بغرض التقرب من الله تعالى .... ومن هنا بدأت تشرح عملية الاحرام للرجل والمرأة مع معلومات صحيحة وابتسمت وأنا أجد مصدر المعلومات إنه تماماً ماكنت أفكر فيه .... كتاب (( مايكل وولف )) – ألف طريق إلى مكة – والذي ولَّد بداخلها الرغبة " بمحاولة " أداء الشعائر الدينية بقلب وعقل مفتوح ... ولكن !! ( الحديث للصحفية ) ليس إلى الدرجة التي تفكر بها أختيها في الحج .

انتقلت إلى الجزء الثاني من المذكرات التي أؤكد مجدداً أنني اقرأها هذه المرة بعيني وأعكس استغرابي الشخصي  الذي قد لايكون غيري يشاركني فيه ... في هذا الجزء بدأ الاستعداد الفعلي للحج تخللته نصائح بعدم الثرثرة أو الحديث عن " الرجال " والتركيز على الصلاة والتعبد وقطع هذا الحديث استنكار هذه المرة من شقيقتها التي لمحت أن (( فائزة )) لاتزال تضع طلاء الأظافر فأسرعت بازالته مع كافة مستحضرات التجميل التي كانت تضعها لترتدي الإحرام .... وبدأت تشعر بالروحانية التي لم يطل استبشاري بها لأن ( والحديث لفايزة ) ابتسامة الرجل الذي كانت تتناول معه طعام العشاء مؤخراً قطعت تفكيرها بالحج ، ولكن لابأس لقد أبعدت هذه الأفكار عن رأسها حتى لاتفكر في أي شيء آخر غير الله ....

توقفت عند هذا المقطع وأنا أتسائل لماذا أوردته الصحفية هنا ؟ هل كان من باب التشويق والإثارة ؟ أو  مجرد رغبة بمحاكاة الأسلوب الغربي في سرد الحكايا لتصل لجمهور (( الكريستيان سايت مونتر )) بتلقائية ؟ .... ما أنا متأكدة منه فقط هو أن مثل هذا المشهد كفيل بصدمة القاريء العربي والمسلم في موقف لايحتمل أبداً الاستعراض " بالأمركة " في أسلوب الحياة ... هونت عليها شقيقتها هذا الأمر وحذرتها بأن لايتكرر ذلك وذكرتها بضرورة الصلاة وأداء نية الإحرام قائلة : " هل تذكرين الطريقة يا فايزة ؟ " ... ولم تمهلها للاجابة وطلبت منها ان تقف إلى جانبها للصلاة وتكرر وراءها ماتقوله .... في الصلاة .... !!! التي نؤديها 5 مرات في اليوم بفضل الله ..... لاداعي لأن تتفاجأوا بذلك فلحسن الحظ عندما سمعت فايزة الآيات القرآنية شعرت أنها ليست غريبة عنها .... إنها تشبه صوت والدها ووالدتها ... وتبعت شقيقتها في الركوع والسجود بحذر حتى لاتخطيء وتبعتها أنا بألم اختلط بمشاعر فرح فهل تعلم (( فايزة )) أنها في هذه اللحظة فقط ربما تكون قد أصبحت مسلمة بالعمل لا بأوراق الميلاد فحسب ؟ ... بالرغم من أنها كانت تعتقد أنها عاشت حياتها مسلمة في الهوية .... هل كانت تعلم من قبل أن الصلاة تعتبر من الخطوط الفاصلة بين المسلم وغير المسلم ؟ .... هنيئاً لها إذا كانت تلك المعلومة قد وصلتها .... ولو من كتاب (( مايكل وولف )) .

أجابتني بنبرة المنتصر : " لقد فعلتها " .... أو ربما هذا ما تصورته وأنا اقرأ جملتها التالية التي كتبتها بفرح : " لقد فعلتها !! أديت الصلاة بدون أخطاء فادحة " .

ووصلت قافلة (( فايزة )) إلى منى في الخيمة ذات النجوم الخمس وبدأت المهمة الصحفية بعد وقت مستقطع من الراحة فانطلقت مع أحد اقاربها لمراقبة الحجيج ورصد التجربة عن قرب ومكبرات الصوت تصدح في سماء منى بالصلاة والقرآن والخطب الدينية والتذكير بأن من يكمل حجته دون ارتكاب المعاصي أو ايذاء الآخرين سيفوز بثواب حجته كاملاً .... وبالعودة إلى مقر اقامتها وجدت احدى الداعيات تلقي محاضرة عن يوم الغد .... اليوم الأهم .... الوقوف بعرفات ..... يوم المغفرة ، وسنحت الفرصة أخيراً لـ " فايزة " كي تطرح اسئلتها ...

ـ لماذا ؟ ماهو المميز في يوم عرفات ؟
أجابت الداعية : " عندما نحب شخص ما نتبع أوامره ونحن نحب الله ، ليس من الضروري أن نفهم كل شيء قبل أن نقوم به لأننا سنفهم ذلك لاحقاً ... إنها مسألة تقديم الإيمان على الفضول وفطرة انسانية " .

فهمت فايزة أن المقصود هو أن الانسان سيفهم عندما يؤمن بما يفعله ولكن لم تكن الإجابة كافية لطرد الشكوك والتساؤلات والفضول .... مع ذلك ليس أمامها سوى المحاولة .

في الجزء الثالث تحركت القافلة لعرفات وفايزة يسكنها احساس جميل بأنها نجحت إلى الآن في المحافظة على حجتها لكن تأبى فكرة عجيبة جديدة إلا وأن تخرج في سياق السرد في تلك اللحظة حيث سألت شقيقتها : " هل تعتقدين مثلي أن المرشد الذي يصحبنا وسيم ؟ " .... ابتسمت شقيقتها وبدأت بالتلبية .... لكنها أصرت أن تعرف ماهو العيب في سؤالها : " إنه مجرد تفكير !! " .... فأجابتها شقيقتها : " بامكانك أن تفكري ، لكن حاولي ابعاد الفكرة سريعاً عنك ولاتشركينا فيها " .... واسأل أنا مرة أخرى لماذا كان من الضروري أن تشركنا في هذه الفكرة ؟ ماقيمتها للقاريء الذي يتتبع مذكرات رحلة الحج ؟! هل هو استعراض جديد تحاول التأكيد من خلاله أنها انسانه تلقائية وجزء من المجتمع الذي لاتجد فيه المرأة غضاضة بأن تقول هذا الرجل يعجبني على الملأ في مذكرات تنشرها الصحف ؟! ..... وتذكرت المقدمة (( المجتمع السعودي لايعتبرني متدينة )) وتمنيت لو أنها قالت المجتمع السعودي يعتبر تصرفاتي (( غريبة )) عنه وأعتبره غريب عني .... فحتى لو استبعدنا نظرة الدين سنجد أن كل مجتمع له أسلوب حياة وقيم تختلف عن غيره ومايتخلل المذكرات من لمحات تعكس شخصية غريبة وبعيدة عن عالمنا .

لقطات سريعة صورها قلمها عن مشاهدات يوم عرفات ، هذا يصلي وذاك يوزع الطعام والشراب " سبيل " وهذه حملة عراقية وتلك باكستانية وهنا مسجد نمرة الذي يعج بالزحام إلى أن حان وقت الزوال وبدأ الجميع يجتهد بالدعاء والصلاة وعادت إلى الخيمة لتستمع إلى محاضرة دينية عن أهمية الدعاء في اللحظات الأخيرة من هذا اليوم وشروط الدعاء المستجاب .... ثم روت الداعية قصة عن امرأة ظلت تتلقى العلاج 19 عاماً على أمل الحمل إلى أن أدت فريضة الحج وعكفت في يوم عرفة على الدعاء بيقين الإجابة .... وبدأت حشرجة البكاء تظهر في صوت الداعية عندما أخبرتهم بأن تلك المرأة منَّ الله عليها بالحمل بعد حجتها بأشهر قليلة ... " أنا أيضاً بكيت " تقول ريم ... : " لقد لمست فكرة حب الله لنا قلبي وظللت أبكي حتى بعد انتهاء المحاضرة .... لكني أحتاج الكثير إلى أن أتمكن من تصديق كل ماقالته تلك المرأة .... شيء ما يقف ضد ذلك بداخلي .... قد يكون الشيطان يوسوس لي ! " ....

وانقضى يوم عرفات واتجهت القافلة إلى مزدلفة لجمع حصاة الرجم ووصلت إلى المشهد الأكثر صعوبة في الحج .... رمي الجمرات ولكنه مر بسلام ... واستيقظت في اليوم التالي على جرس الهاتف من الأهل والاصدقاء للاطمئنان عليها بعد ورود أخبار عن عدد من القتلى في رمي الجمرات .... وفي المساء تقول (( فايزة )) : " دق جرس الهاتف ، هذه المرة كان المتصل صديق يسأل عن أحوالي لكن عندما بدأ الحوار فيما بيني وبينه يأخذ منحى آخر شعرت بالبرود !! والرغبة بتغيير الموضوع ..... احساس غريب بالروحانية يسكنني للمرأة الأولى .... والمفاجأة هي أنني لا أريد أن أفقد هذا الإحساس لأنه يملأني بالدفء والطمأنينة وكأنها بداية علاقة مع الله .... ولو كان كل الوعاظ الذين استمعت إلى محاضراتهم صادقين فهذه العلاقة تدوم أكثر من علاقات الزواج والأبناء والجمال والشباب والمال " .

خاتمة اليوم الثالث بالنسبة لي كقارئة كانت مثيرة لأنها حملت عظمة الخالق وحكمته في فريضة الحج التي نجحت بتغيير شيء ما بداخل فايزة وان لم تكن قد تمكنت من استيعاب هذا الشيء أو نقله لكنه من الفرص الرائعة التي يمنحها الله برحمته للانسان ليشعر بلذة علاقته بخالقه ويرى الدنيا بمنظار جديد وهذه الفرصة متروكة لاستثمارها والتمسك بها أو التفريط فيها والاستكبار عليها .... فقد تكون مرحلة انتقالية لمن يتدبرها وقد تمر مرور الكرام لمن لايعي قيمتها .

الجزء الرابع من المذكرات يبدأ بالطواف والتحلل من الاحرام ، وتكمل فايزة رحلتها وتجد نفسها في الاستمرار بارتداء ملابس الإحرام البيضاء على عكس شقيقتيها ... وفضل الجميع الإنتظار قبل رمي الجمرات إلى أن يخف الزحام وقبل منتصف الليل اتجهت مع حملتها لرمي الجمرات التي تصفها بأنها مغامرة خطيرة و مشوقة خاصة عندما تمكنت من الوصول إلى الالتصاق بالحفرة تماما للرمي مباشرة .... وفي طريق العودة للمخيم كانت فايزة تراقب أفواج الحجيج من حولها وهي تشعر أن الجميع في ذلك المكان مرتبطين بشيء واحد .... التجربة ... التواجد في منى .... الشعائر ... والأهم ( الحديث لفايزة ) أنها لاتزال تشعر بأنها خفيفة أو كأنها تخلصت من ثقل كانت تحمله مع احساس بالدفء والطمأنينة  ...

ومرة أخرى في اليوم الأخير تتجه فايزة إلى مكة المكرمة لأداء طواف الوداع وتلتقط عيناها مشهد مؤثر لسيدة أردنية انهت طوافها وتستدير في خطوات المغادرة للوراء لتلقي النظرة الأخيرة على الكعبة بعينين دامعتين .... تقول فايزة : " أعرف كيف تشعر هذه المرأة ".
وتضيف : " في طريق العودة إلى جدة كان الإعياء كفيلاً بأن يجعل الجميع ينام إلا أنا !! ... لقد شعرت بالخوف ، فبعد  الراحة الكبيرة التي عشتها  خلال  أيام الحج دونما قلق على المال أو المظهر ... دون غيرة أو حقد أخشى من العودة إلى العالم الحقيقي من جديد " .

وعلى طاولة العشاء في المنزل طرحت فايزة سؤالها على شقيقتها : " ماهي النتيجة التي خرجنا بها من الحج ؟ " .
أجابت ريم : " لقد شعرنا أننا موجودين على هذه الأرض لفترة محددة فقط إذا تركنا لأنفسنا حرية الاستمتاع  بالعلاقات والحفلات والسفر سنشعر بأننا بحاجة للمزيد والمزيد منها وننسى علاقتنا مع الله .... لكن الحج جعلني أدرك أن الحياة وقفة إعداد للآخرة .... البعض يلجأ إلى المخدرات أحياناً في طريقهم للبحث عن الله تعالى ولكن يوجد طريق أسهل ، الصلاة والذكر المتواصل " .
فايزة : هل تجربة الحج يمكنها أن تظل معنا بعد انتهاءه ؟
تغريد : " بامكاننا أن نحتفظ بثمار التجربة داخلنا فنحن نعلم الآن أن الاحساس بالسلام الداخلي والاطمئنان يأتي من اقترابنا من الله .... فخلال الحج كنا بالكاد ننام ، ونكثر من الصلاة ومع ذلك استمدينا القوة والنشاط من الإحساس بالاقتراب من الخالق فلم نشعر بالتعب " .

وحيدة في غرفتها فايزة نظرت إلى المرآة " لازلت غير متأكدة لماذا طفنا حول الكعبة أو سعينا من الصفا إلى المروة ( الحديث لفايزة ) لكنني أشعر باحساس مختلف ... أريد أن اصطحب معي شيئاً يذكرني بهذا الاحساس " .... بحثت فايزة عن شي ثم قررت أن عليها أن تذكر نفسها بنفسها وتطلب المساعدة من الله لتتذكر .

ما أن انتهيت من القراءة حتى قررت أن أعاود قراءة المذكرات من جديد بمنظار مختلف لأنني أدركت أن المذكرات ليست موجهة لي ولا للعرب ولا للمسلمين ولكنها موجهة لقراء صحيفة أمريكية مسيحية .... وبالطبع في قرائتي الثانية لم أشعر بالدهشة ولا الاستغراب من المشاهد التي توقفت عندها سابقاً بل ربما على العكس أشعرتني تلك المشاهد (( كمتقمصة لشخصية أمريكية )) بالألفة مع فايزة .... فهي تمارس تلقائيتها ولم يكن لديها خلفية عن الدين الإسلامي ومن الممكن ان تصرح علانية عن مشاعرها دون تحفظ ، لكن الوقفة في قرائتي الثانية للتفكير كانت عند الخاتمة مما جعلني أتصور أن فايزة ربما تقصدت أن تعطي هذا الإنطباع عن نفسها لتحظى بتعاطف الجمهور المستهدف مع طرحها إلى يلمس حقيقة مثيرة سكنت بداخلها في النهاية ، فيبدأ هذا الجمهور بالبحث عن أسباب التغيير الإيجابي الذي طرأ عليها من تجربة الحج والإقراب من الله ....

هل كانت في المذكرات رسالة خفية إيجابية مقصودة لجمهور صحيفة (( كريستيان ساينس مونتر )) ؟
أم أنها مجرد ذكريات عابرة لم يكن لها هدف سوى توثيق التجربة ؟

في الحالتين وجدت أننا من خلال تعرفنا على فايزة تعرفنا على شريحة كبيرة من بنات وأبناء الوطن الذين فرضت عليهم ظروف الأهل أن ينشأوا بعيداً عن أوطانهم ففقدوا دون ذنب ارتكبوه هويتهم الدينية والوطنية التي أصبحت مجرد حبر على ورق كتبه الآباء عند الميلاد ووأدوه عند التنشئة دون ترسيخ أوربط الأبناء بدينهم والحفاظ على حلقة وصل تساعدهم مستقبلاً على التواصل والتعايش مع مجتمعهم ...

فايزة كان طرحها جيداً قياساً بغيرها من جهة أنها كانت صريحة مع نفسها وتوقفت عند بعض الخطوط الحمراء التي تحب عادة الصحف الأجنبية أن تتناولها عندما تفتح منابرها لقلم عربي .... فلم تتطرق فايزة إلى تشريح وتحليل نظرة المجتمع السعودي ولم تضع أحكاماً بأن نظرتهم مثلا لها خاطئة أو قاصرة ، ولم تحاول الإيحاء بأنها تملك الرؤية الصحيحة للاسلام والمواطنة لكن غيرها ينسى الخلل الذي طرأ على هويته والظروف الخاصة التي صاحبت تنشأته فيعتبر منابر الإعلام الغربي ساحة ليتحدث فيها عن دين لايعرف عنه إلا الاسم المكتوب في هويته .... ووطن لم تطأه قدمه إلا لزيارات عابرة .... وكم هذا الأمر مؤسف لأنه يفقد الشخصية توازنها الصحي وقد يجعلها عرضه للاهتزاز والتخبط فهوية الإنسان التي يفترض أن تمثل الإرتباط بدينه والإنتماء الحقيقي لوطنه أياً كان هي مرآته الأولى والأخيرة وما من شيء أبشع من أن ينظر الإنسان لمرآته فيشعر بالغربة لأنه لايعرف هذا الوجه ... وما أقسى أن تتعلم كل شيء وتعجز عن التعرف أو التأقلم مع ملامح وجهك التي لايعرفك الآخرين إلا بها مهما تنكرت لها .... قد لايصبح للعلم والتحضر عندها قيمة ....
رفقاً أهالي المغتربين بأبنائكم !! ...