ميلانو.. مدينة أفريقية !

د. أسماء عايد

« بتقليص عدد الأجانب سيقل عدد الجرائم.. الأمر الذي سيوفر لبلادنا الكثير من القوى المُهدرة من أجل حماية أراضينا من هذه الجرائم » هكذا قال رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني في نهاية يناير لعام 2010 أثناء تواجده بإقليم ريجو كلابريا، وليس ذلك بمستغرب على حكومته، فقد اعتادت الإتكاء على « الحيطة المايلة » -من وجهة نظرهم- لكسب ود الشعب الإيطالي كلما حان موعد الإنتخابات !

وفي يونيو 2009 كان قد قام سيادته بأخذ جولة في شوارع ميلانو، وقتئذ قال مستغربًا وحزينًا: « أهذه ميلانو الإيطالية الأوروبية؟ تبدو لي وكأنها مدينة أفريقية! ». وطبقا لما نشرته صحيفة كوريرا ديلا سيرا في 4 يونيو 2009 فقد كان ما تفوه به رئيس الوزراء وأثرى رجل في إيطاليا - وفقا لتصنيف مجلة فوربس الاقتصادية - كافيًا لأن يتم منع أي أفريقي من أن يُعتب الأراضي الإيطالية المباركة .

وفي كتاب "Anche voi foste stranieri " الصادر في أبريل لعام 2010 للمؤلف الإيطالي أنتونيو شورتينو (رئيس تحرير مجلة الأسرة المسيحية) انتقد المؤلف أقوال برلسكوني المتعلقة بمدينة ميلانو، معربًا عن غضبه، وفي صفحة رقم 40 من الكتاب أعتبر شورتينو أن رأيي برلسكوني غاية في السطحية خاصة وان ايطاليا بلد متعدد الثقافات، كما ان رأيه يعد انتقاصًا من قيمة قارة بأسرها، ومن طبيعة الشعوب الأفريقية ولونها.
وأكد المؤلف على أهمية الأجانب -على اختلاف أصولهم- للاقتصاد الإيطالي ونهضة الدولة، مستدلا على ذلك بما جرى في 1 مارس لعام 2010 عندما قامت مجموعة كبيرة من الأفراد على شبكة الإنترنت بتأسيس جروبات على موقع فيس بوك الاجتماعي، وكذلك المدونات، والمنتديات الإالكترونية، وتضامن معهم بعض الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بحقوق الانسان، وخلال أيام قليلة انتشرت الفكرة عبر الإنترنت وانضم لها الآلاف كما تم طباعة الخبر وتم توزيعه بالمكتبات العامة والعديد من أماكن العمل في مختلف المدن الإيطالية.
الفكرة الرئيسية دعت إلى اضراب عام رسمي لجميع الأجانب بإيطاليا وكان ذلك تحت عنوان "primo marzo 2010, 24 ore senza di noi " ، و "giornata senza immigrati "، وقال المؤلف ان الأجنبي (المهاجر المقيم في ايطاليا) الذي نتعامل معه على انه كائن ضعيف استطاع أن يستخدم التقنيات الحديثة كالإنترنت في الدعوة إلى فكرة رائعة كفكرة حرمان ايطاليا من الأجانب لمدة 24 ساعة كي يعرف الجميع-الشعب الايطالي وحكومته- أن لتواجدهم أهمية ومنفعة متبادلة.
وبالفعل، تبدلت ملامح الحياة اليومية في ذلك اليوم، ففي ميلانو -على سبيل المثال- توقف عن العمل 25 ألف مصري، و 17 ألف صيني، و 30 ألف فلبيني، وفئات اخرى مختلفة من بينهم رومانيين ومغاربة وألبانيين.
وأنهى المؤلف كتابه متطرقاً إلى قضية صراع الحضارات، وعن مسيحية الدولة الإيطالية التي يجب وأن تعامل المهاجر على أنه إنسان له حقوق آدمية، وله كل الاحترام خاصة في أماكن العمل التي كثيرًا ما يتم استغلاله به. وقد أظهرت احدى الاحصائيات أن 79.3 % هي نسبة العمال من المهاجرين، بينما 35.1 % نسبة العمال من الإيطاليين، وأن راتب المهاجر يقل عن راتب الإيطالي بنسبة 11 % لنفس نوع العمل. وفي احصائية اخرى أن إجمالي القوى العاملة من المهاجرين تشكل 15 % وقد انخفضت إلى 6 % منذ بداية الأزمة الاقتصادية العالمية وحتى الآن.
ويختتم كتابه مؤكدًا على أن علينا دائمًا البدء من قلب المشكلة كي نتمكن إيجاد الحل المناسب لها. ويرى أن مشكلة نظرة الشعب الإيطالي للأجنبي على أنه كائن جاء يقاسمهم أرزاقهم هي نظرة خاطئة، ذلك أن تعاليم المسيحية السمحة تحث على التعامل بإنسانية مع الآخر، وعلى مراعاة أن للآخر حياة وتاريخ وثقافة وروح، وأن الرب يحبه كما يحبنا.