مظاهرة نسائيه في السعودية !

أشك أن كل منا قد راوده حلم مشاهدة مظاهرة إن لم يكن المشاركة فيها ولو لمرة واحدة، كما اجزم بأن أمنية الكثير منا مقابلة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، وبين أمنيتي وحلمي كان اجتماع طارئ كُلفت فيه وإحدى زميلاتي بمتابعة مظاهرة نسائية أمام مكتب وزير التعليم السابق، اختياري وزميلتي كان انتصار لحلم راودني، وبينما كنت أجهز الكاميرا وأداة التسجيل بت استعد لخوض التجربة وأنا أتخيل المظاهرات التي نشاهدها في الفضائيات والجو المحيط بها.
توجهت وزميلتي لمقر المظاهرة (مكتب وزير التعليم)، وعلى الرصيف كسرنا بأصواتنا الصمت المحيط بنا بحثا عن "المتظاهرات"، توقعنا أن المظاهرة انفضت وتم إخمادها سريعاً.
تجولنا لمرة أخيرة حول المكان وبينما كنا نستعد للعودة من حيث أتينا، نادانا أحدهم متسائلاً: هل تبحثون عن المتظاهرات؟، أجبنا بنعم، فأشار بيده قائلاً: "هناك!!"
وبمتابعة إشارة إصبعه رأينا أربعة سيدات كانوا في انتظارنا تحت حرارة الشمس متخذين من السيارة مظلة!!
وبينما نسير إليهن كنت أفكر أي مظاهرة هذه التي لا تُرى للمارة بالعين المجردة أو حتى بعدسة مكبرة؟!!
على كل، سجلت وزميلتي مشكلة المعلمات والتي اختصرها في أن الحظ أو لعله سوء الحظ كان وراء تعيين هؤلاء السيدات (المتظاهرات بصمت) في قرية تبعد عن جدة مسافة 300 كيلو متر، وأن السنوات مرت سريعاً ولم يأتي النقل لجدة، فالأبناء الذين كانوا صغاراً وقت التعيين باتوا - اليوم- على أعتاب الجامعة.!!
ووفقاً لهن: رفض مدير مكتب الوزير استقبالهن طالباً أن يعرض المشكلة ولي أمر كل معلمة، رفضت بالطبع المعلمات المنقبات اقتراحه بحجة أنه لا يعلم المعاناة إلا من يعيشها، وان الانتقال يوميا لمدة ثلاث ساعات خلال طريق غير ممهد يكن من نصيبهن لا من نصيب أولياء أمورهن!، مستشهدات بالسيدات في زمن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام واللاتي لم توكل إحداهن زوجها أو ولي أمرها للتحدث إنما تكلمت كل سيدة، وسألت بل وجاهدت وأفتت .
ونتج عن اصراراهن أن دخلت المعلمات للقاء الوزير الذي- وفقا لهن- وعدهن بالخير!
وبالرغم من المتابعات التي قمت بها وزميلتي لتفعيل القضية وذلك بنشر كل ما يتعلق بها تباعاً وعلى مدار أسبوعين تقريباً إلا أن الأوضاع بقت على حالها.
تواصلت أحدى المعلمات معنا من جديد وكانت بتواصلها تحقق حلمي، حيث أكدت أنها وزميلاتها بصدد الذهاب لقصر السلام وذلك للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، بسعادة أعلنت لزميلاتي وجهتي وتلقيت التهاني يومها ليس لأن المادة ستحظى بصفحة أولى أو أخيرة إنما لأنني سأقابل الملك عبد الله بن عبد العزيز، غيرت بطارية مسجلي بأخرى جديدة تليق بلقاء الملك، واتجهت لقصر السلام.
دخلت القاعة المخصصة لاستقبال السيدات فوجدتها ممتلئة بكراسي سوداء فارغة، وجهت سؤالي للمسئول هناك إن كان قد حصل على شكوى من معلمات؟
ابتسم مستهزأً وقال: معلمات؟ شكوى؟، لا لم يصلنا شيء!
نظرت للمكان حولي مرة أخرى وجلست على أحد المقاعد انتظر محدثة نفسي: لن ادخل قصر السلام كل يوم، فما المانع إذن من الانتظار قليلاً ربما تأخرت المعلمات بدافع الزحام خاصة وأنه وقت انصراف الطلاب من المدارس.
وبعد انتظار ويأس عدت لصحيفتي أجر أذيال الخيبة، احتملت - بعد وصولي لمكتب الصحيفة- تلامز زميلاتي متسائلات عن الملحق الخاص بتغطية الحدث والذي كنت قد وعدت به قبل خروجي لقصر السلام!!
بعدها – بقليل - أفاجئ باتصال آخر من إحدى المعلمات تؤكد من خلاله وجودها وزميلاتها  في الباص للذهاب إلى قصر السلام، فأحمل حقيبتي واكرر ذات السيناريو وأفكر هذه المرة في السؤال الذي سألقيه في حضرة خادم الحرمين الشريفين.
استيقظت من أحلامي– في منتصف الطريق- على رنين هاتفي التعيس حيث تؤكد لي نفس المعلمة بأنها هذه المرة في الطريق لمنزلها، فقصر السلام رفض استقبالهن مع وعد منها بأنني سأكون حاضرة يوم لقائهن بالملك.!
وأعود للمرة الثانية إلى مكتبي، لكني احمل هذه المرة مادة غير صالحه للنشرضمت سطورها ما حدث معي من معلمات حِجِر، السيدات المرهقات واللاتي تركت الطرق الغير ممهدة أثارها على ظهورهن وأضافت على أعمارهن أعمارا أخرى.

لم أستطيع لوم أحداهن على الإشاعة- ذات الهدف السامي- فكلمة مظاهرة لها من الأثر الكبير في جذب أي صحيفة لمكان الحدث من باب  الفرقعة الاعلامية!، والله  وحده يعلم ما الذي حل بهن، أما أنا فعلى ثقة حينما تنشر سطوري هذه سيوقظهن المنبه لبدء جهاد آخر نحو حِجِر!، والله  يعلم بأنهن يملكن من الذكاء -ليس العاطفي فحسب- والذي أشار عليهن الاتصال بمكتب الصحيفة ذات ظهيرة مرددين إشاعة مفادها ( مظاهرة نسائيه على باب الوزير ) لنذهب إليهن ونسمع نحيبهن ليصل صوتهن عبر قلمنا لمن يقرأ، فلا نجد مظاهرة ونعلم نحن أنه ما من شخص يقرأ !